• - الموافق2025/07/07م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لمن يشهر حزب الله سلاحه؟

لماذا قام حزب الله بتظاهرة عسكرية شاهرا سلاحه، ما دلالات المكان حيث كانت بيروت الغربية ذات الأغلبية السنية مسرحا لها، وما دلالات الزمان في ظل المطالبات والضغوطات الأمريكية بتسليم سلاح الحزب، وأجواء إقليمية ملتهبة ومتحركة؟


في ذكرى عاشوراء، وفي طقوس دأب عليها الشيعة، شهدت منطقة زقاق البلاط في بيروت والتي يسكنها غالبية من أهل السنة، عرضا شارك فيه عدد كبير من مقاتلي ما بعرف باسم حزب الله.

وظهرت مجموعات مقنّعة مدججة بالسلاح جابوا الشوارع، وهم يلوحون في الهواء بأسلحة رشاشة، مرددين هتافات بينها لبيك حزب الله.

وقد أعاد هذا المشهد، ممارسات الحزب منذ عام ٢٠٠٨، حيث دأب مسلحو الشيعة على التجوال في شوارع بيروت الغربية والتي يقطنها غالبية من أهل السنة، رافعين الشعارات الطائفية في تحد واضح لأهل السنة الذين يشكلون أكبر تجمع سكاني في لبنان.

وانتقد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام (والذي يمثل السنة في النظام السياسي اللبناني)، في منشور له عبر منصة "إكس"، السبت الماضي، قائلا إن مثل هذه الاستعراضات غير مقبولة بأي شكل من الأشكال، وتحت أي مبرر كان.

وأشار سلام إلى أنه تواصل مع وزيري الداخلية والعدل، طالبا منهما اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتوقيف الفاعلين وإحالتهم إلى التحقيق.

بينما اعتبر البرلماني المستقل عن بيروت إبراهيم منيمنة عبر منصة "إكس"، أن رفع السلاح في أحياء بيروت وهذا الاستعراض غير المبرر، هو سلاح للبلطجة وترهيب الناس وإبقاء المدينة أسيرة للسلاح المتفلت، وهو ما لن نقبل به تحت أي حجة أو مسمى.

ويبقى السؤال لمن يوجه الحزب سلاحه؟ هل يوجهه إلى القوات الصهيونية والتي اغتالت قياداته بالقصف، وقتلت كوادره بأجهزة البيجر؟  هل يرفعه في وجه جيش الاحتلال الذي قام بطرد الحزب من جنوب لبنان، وأصبح ملاحقا سواء جنوب نهر الليطاني أو حتى شماله؟

ولماذا اختار الحزب هذا التوقيت ليبدأ استعراض القوة في بيروت، وبالتحديد في المناطق السنية، لماذا لم يقم به في مناطق الشيعة في الضاحية الجنوبية، والتي دمر نصفها القصف الصهيوني لها، على الرغم من أن المشهد جاء باهتا، وبدا على المقاتلين الذين ظهروا في المشهد الإعياء، واتسم أداؤهم بالفوضى؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا تحليل قوة الحزب بعد الحرب الذي شنتها عليه قوات الاحتلال، ثم نعرج إلى الخيارات التي أمامه في المشهد اللبناني القادم.

حزب الله بعد المواجهة الأخيرة

في سبتمبر من العام الماضي (2024)، هاجم حيش الاحتلال الصهيوني بعدة موجات من الغارات الجوية الشديدة، التي استهدفت بشكل أساسي أهدافاً في الجنوب وسهل البقاع وضحية بيروت الجنوبية (مركز حزب الله)، وهذه المناطق الثلاثة تُعتبر معاقل رئيسية لحزب الله. واستهدفت الغارات مناطق أخرى في لبنان. وكتب الجيش الإسرائيلي على موقع إكس أنَّه هاجم ثلاثمائة هدف لحزب الله.

 

أظهرت الاتفاقيات بعد الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على الحزب، قبوله لوقف تدخله في فلسطين، بل قبوله أيضًا الانسحاب من الجنوب اللبناني، والموافقة على نزع سلاحه في آلية يتم الاتفاق عليها لدمجه في الدولة اللبنانية، حتى لا يكون دولة داخل الدولة.

ويمكن تقييم تأثير تلك الضربات على حزب الله في مستويين: مستوى التنظيم، ومستوى القدرات العسكرية وتسليحه.

على صعيد مستوى التنظيم: فقد نجحت الضربات الصهيونية في قتل كثير من المستوى القيادي سواء القيادات العليا للحزب ويأتي على رأس المقتولين أمين عام الحزب حسن نصر الله، ثم خليفته من بعده هاشم صفي الدين، ثم قتلت أكبر قائد عسكري وهو فؤاد شكر ثم خليفته من بعده إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان، التي تمثل وحدة النخبة في حزب الله، وغيرهم من القيادات، وهذا أدى إلى تعطيل سلسلة القيادة.

وقبلها كانت ضربات تفجير أجهزة البيجر، والتي أسفرت عن مقتل العديد وإصابة الآلاف من الكوادر الوسطى في الحزب وعائلاتهم في جميع أنحاء لبنان.

أما خسائر المقاتلين، فوفقا لقناة العربية، فقد قُتل أربعة آلاف مقاتل، وأُصيب عشرة آلاف، وترك الحزب 2000 مقاتل عقب اغتيال نصر الله، بالرغم أن هناك ما يزال نحو 60 ألف مقاتل متواجدين.

واستخلصت قناة سي إن إن الإخبارية عن مسؤولين أمريكيين في واشنطن أن تنظيم حزب الله تم إضعافه إلى حد كبير.

أما على مستوى التسليح والعتاد العسكري والبنية التحتية للحزب، ففي نوفمبر 2024، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست نقلًا عن الجيش الصهيوني أنه دمر حوالي 70% من طائرات حزب الله بدون طيار التابعة للوحدة 127، وخاصة منذ تصعيد هجماته في منتصف سبتمبر، وبالنسبة لصواريخ الحزب، فقد أشار وزير الدفاع لدولة الاحتلال يوآف غالانت في سبتمبر 2024 إلى أن عشرات الآلاف من الصواريخ قد تم تدميرها، سواء كانت الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بما في ذلك قذائف الهاون.

وفي تقييم مشابه، عبر الصحفي روني شطح، المقيم في بيروت على البودكاست، عن اعتقاده بأنه قد تم القضاء بشكل كبير على تسليح حزب الله خلال تلك الحرب. وهذا ينطبق كذلك على جهاز مخابرات حزب الله ومخابراته العسكرية، ناهيك عن نظام اتصالاته الذي يعمل عبر شبكة البيجر.

وبالنسبة للبنية التحتية للحزب، تشير أغلب التقديرات على أن شبكة اتصالات الحزب قد تضررت أيضا، بسبب التفجيرات الجماعية لأجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي.

وقد حاول تقرير نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية في تقييمه نتائج ضربات الصهاينة على قدرات حزب الله، أن يكون متوازنا، وذكر أنه لا يمكن في الوقت الحالي تحديد بدقة مدى إضعاف حزب الله وفي أي مجال. وناقش هذا التقرير عدة احتمالات: فإما أن يكون حزب الله قد فقد جزءاً من منظومته الصاروخية، أو أنَّه لا يستطيع اليوم تنسيق عملها بسبب الخسائر التي تكبدها، أو أنَّه ببساطة لم يكشف بعد عن جميع قدراته الصاروخية. وصحيح أنَّه ما يزال لديه ترسانة صاروخية كبيرة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ صواريخه لديها قدرات إطلاق قوية، وتابعت الصحيفة: لكن يبدو حتى الآن أنَّ قدراته على إطلاق الصواريخ قد سُحقت من قِبَل جيش الدفاع.

بينما تقول بينته شيلر، رئيسة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في مؤسسة هاينريش بول الألمانية: "فقد حزب الله قادة وأفراد ميليشيات لا يمكنه استبدالهم بسهولة. وكل هذا يُضعفه".

الخلاصة أن خسائر الحزب الاستراتيجية تمحورت على ثلاثة محاور: تعطيل سلسلة القيادة، وتدهور القدرة الهجومية، وخسارة الخبرة.

الخيارات أمام الحزب

أظهرت الاتفاقيات بعد الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على الحزب، قبوله لوقف تدخله في فلسطين، بل قبوله أيضًا الانسحاب من الجنوب اللبناني، والموافقة على نزع سلاحه في آلية يتم الاتفاق عليها لدمجه في الدولة اللبنانية، حتى لا يكون دولة داخل الدولة.

وجاءت الضربات الصهيونية والأمريكية لإيران، والمفترض أنها الراعي الرسمي للحزب، والذي يُعد القوة الضاربة لها في الإقليم، ليدخل الحزب في مرحلة جديدة من الضعف والتراجع الاستراتيجي.

ففي تقرير لرويترز، نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن حزب الله بدأ مراجعة استراتيجية كبرى بعد حربه مع الكيان الصهيوني، تتضمن بحث تقليص دوره كحزب مسلح من دون تسليم سلاحه بالكامل، وفق ما نقلت وكالة رويترز.

وقال مصدر أمني في المنطقة ومسؤول لبناني رفيع المستوى لرويترز، إن هناك أيضاً شكوكاً بشأن حجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه طهران لحزب الله بعد حربها مع تل أبيب.

وذكر مسؤول كبير آخر مطلع على المداولات الداخلية لحزب الله، أن الحزب يجري مناقشات سرية عن خطواته التالية مباشرة وعن بعد.

وأضاف أن حزب الله خلص إلى أن ترسانة الأسلحة التي جمعها أصبحت عبئاً.

وأردفت المصادر لرويترز أن حزب الله يدرس الآن تسليم بعض الأسلحة التي يمتلكها في مناطق أخرى من لبنان، لا سيما الصواريخ والطائرات المسيرة التي تعتبر أكبر تهديد لإسرائيل، بشرط انسحابها من الجنوب ووقف هجماتها.

وأوضحت أن الحزب لن يسلم ترسانته بالكامل، ويعتزم الاحتفاظ بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدبابات باعتبارها وسيلة لصد أي هجمات في المستقبل.

إذن لماذا كانت مظاهرة بيروت المتحدية؟

لأن هناك ورقة أمريكية سلمها السفير الأمريكي لتركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، للمسؤولين اللبنانيين خلال زيارته البلاد في 19 يونيو، أي منذ عشرين يوما.

وطبقا لوكالة فرانس برس، فإن باراك، الذي من المتوقع أن يعود إلى بيروت قبل منتصف يوليو، طلب التزاماً رسمياً بضرورة حصر السلاح بيد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

فالحزب بمظاهرته تلك واستعراض القوة في المناطق السنية، أراد التأكيد على ورقته الطائفية وأنه يمكنه إشعال لبنان بحرب أهلية جديدة، إذا أردا ذلك في حال أصرت أمريكا والكيان الصهيوني على نزع كامل سلاحه.

أعلى