• - الموافق2025/08/09م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
انقلابات في المواقف الأمريكية تجاه غزة

شهدت السياسة الأمريكية تجاه غزة تقلبات ملحوظة على مدار الفترة الأخيرة، إذ اتسمت مواقف الإدارة الأمريكية بعدم الاستقرار والتبدل في الطرح والرؤية. ففي كل مرحلة، برزت توجهات مختلفة وأحيانا متضاربة ما يثير التساؤلات حول خلفيات تلك التقلبات وأسبابها


منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية في بداية هذا العام، يلاحظ المتابع للمواقف الأمريكية من حرب الإبادة الصهيونية في غزة، أن هناك انقلابات ومتغيرات مستمرة في تلك المواقف تجاه حرب الإبادة الصهيونية في القطاع.

ففي بداية وصوله إلى البيت الأبيض في شهر فبراير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض إلى جانب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، عن خطة مشتركة تقضي بنقل جزء كبير من الشعب الفلسطيني من غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى، ومن ثم يتم تسليم غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب.

وبعدها أعرب ترامب عن رؤيته لإعادة تطوير المنطقة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

خطة التهجير تلك أثارت استنكار بعض الدول العربية، وعلى إثر ذلك الغضب العربي، طلب ترامب من العرب إعلان خطة بديلة، فطرح العرب الخطة المصرية والتي تتركز على إعادة إعمار غزة، وإدارة السلطة الفلسطينية للقطاع، مع دخول قوات عربية وفلسطينية لحفظ الأمن، ولم يتبنَ ترامب تلك الخطة، ولكنه بدا حماسه يتراجع إزاء خطته في التهجير، أو حاول أن يظهر بذلك.

في حين ركز المبعوثون لإدارة ترامب للمنطقة، على تنفيذ صفقات جزئية يتم فيها إطلاق سراح عدد من الأسرى، واضطرت حماس إلى المضي قدما في المفاوضات على أساس الصفقات الجزئية، رغبة منها في تخفيف الضغط الصهيوني بالقصف المكثف وقتل المدنيين وحصار القطاع ومنع الطعام والدواء.

ولكن بعد مفاوضات مضنية لعدة أشهر، وتحدث الجميع عن قرب إتمام الصفقة الجزئية والاتفاق على معظم التفاصيل، فوجئ الجميع بانسحاب الجانب الأمريكي من المفاوضات، وتحميل حماس مسئولية فشلها، في موقف غريب عجز عن فهمه كثير من المحللين.

وظلت اتهامات الإدارة الأمريكية لحماس لعدة أيام، مع تجاهل تام للمفاوضات.

ولكن سرعان ما تبين أن هناك تعاطيًا جديدًا لإدارة ترامب مع تلك القضية، يختلف عن ما كان يجري سابقًا.

فقد كشف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، عن تحول في موقف الرئيس دونالد ترامب بشأن مفاوضات غزة، إذ قال ويتكوف إن ترامب يريد "صفقة شاملة" تفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى الصهاينة الأحياء والجثث دفعة واحدة، وذلك بدلًا من الصفقات الجزئية التي تسمح بالعودة للقتال مرة أخرى، مع ضرورة تسليم حماس لسلاحها.

 

إن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يكافئ "إسرائيل"، التي ينبغي لها أن تشكر كل دولة تقوم بذلك، لأن مثل هذا الاعتراف هو بديل مضلّل لما يجب فعله عمليا.. فرض العقوبات.

وبالنسبة لمجاعة غزة، فقد توالت تصريحات ترامب والتي تعبر عن صدمته من الأوضاع التي يعيشها الأطفال وأمهاتهم في غزة، مؤكدا أن رؤيتهم وهم يتضورون جوعا أمر فظيع.

وقال ترامب في تصريحات على الطائرة خلال رحلة عودته من إسكتلندا، إن الجميع يعتقد أن الوضع في غزة فظيع، إلا من كان قاسي القلب أو مجنونا.

ولكن لم يكد يمضي يومان، حتى يعود مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وبعد زيارته لما تسمى مؤسسة غزة الإنسانية التي يقودها جيش الاحتلال مع مرتزقة أمريكيين وتعمل على هندسة وتعميق التجويع في القطاع المحاصر، ليصف الوضع في غزة: بأن هناك صعوبة ونقص، لكن لا توجد مجاعة في غزة.

لذلك لتفسير ما يحدث، وتحليل أسبابه، لابد لنا أولا من رصد الظروف التي صاحبت التغير والتبدل في المواقف الأمريكية، وبعدها نبدأ في تحليل الدوافع المتوقعة لهذا التغيير.

ولنبدأ في الإجابة على سؤال كيف جرى هذا الاختلاف؟

تغيير في المواقف

يرصد مسؤول مصري لم يذكر اسمه في تصريح لصحيفة الأخبار اللبنانية هذا التغير الذي ظهر كما يقول في لهجة المسؤولين الأمريكيين، وأصبحوا يركزون على مطالبة حماس بالاستسلام، ويرفضون الدخول في مفاوضات من شأنها أن تؤدي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة.

مع العلم أن تغير الموقف الأمريكي هذا أثر بدوره على الموقف الصهيوني، والذي كان مصرا على صفقات جزئية ويرفض أي تفاوض يؤدي إلى وقف الحرب.

وهذا ما أكّده مصدر سياسي في حكومة نتنياهو رفيع، في تصريحات إلى صحيفة يديعوت أحرونوت، أنه لن تكون هناك صفقات جزئية مع حماس، مشيراً إلى أنّ الطريق نحو الإفراج عن نحو خمسين أسيراً إسرائيلياً لا تزال طويلة.

ولكن الملاحظ أنه في نفس توقيت الضغط الأمريكي للصفقة الشاملة، ظهر موقفان غربيان في اتجاه معين.

الموقف الأول هو دعوة فرنسا وبريطانيا وكندا للاعتراف بدولة فلسطينية، بل وحددت هذه الدول الشهر القادم أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى إثر ذلك وجهت 15 دولة غربية نداء جماعيا تعتزم فيه الاعتراف بدولة فلسطين.

 

في عام 2020، ادّعى ضابط الموساد السابق آري بن ميناشي، في حديثه لقناة روسيا اليوم أن إبستين ووالد صديقته غيسلين ماكسويل، روبرت ماكسويل، كانا عميلين للجهاز، وأن كل هذه الفضائح صُنعت لصالح الموساد

وكتب وزير خارجية فرنسا بارو عبر منصة "إكس" عقب اختتام مؤتمر حل الدولتين في نيويورك مع 14 دولة أخرى، نداء جماعيا قال فيه: نعرب عن عزمنا الاعتراف بدولة فلسطين وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا.

أما الموقف الثاني، فهو أن نفس الدول الغربية تلك، دعت إلى تسليم حماس لسلاحها، وإعلان الاستسلام، وأيدتها في هذا الموقف السلطة الفلسطينية في رام الله، وجامعة الدول العربية، ومصر وقطر.

في حين رفضت حماس تسليم سلاحها، واعتبرته مقدمة لتهجير أهل غزة.

أسباب تغير المواقف

ويبقى السؤال عن أسباب تغير المواقف الأمريكية وعلاقتها المطالبات الأوروبية بالاعتراف لدولة فلسطينية ونزع حماس سلاحها.

هناك عدة تفسيرات لتلك التحولات المتسارعة:

التفسير الأول، هو احتمال أن هناك خدعة دبرت بليل بين الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، في محاولة الالتفاف على العجز الصهيوني عن هزيمة حماس وتحرير أسراهم، وتشبث حماس بمواقفها التفاوضية الاساسية، وفي نفس الوقت التي تتعرض فيها الحكومات الغربية إلى ضغوط هائلة من شعوبها وهي تشاهد مناظر القتل والتجويع في غزة، فكان لابد من الضغط لإيقاف الحرب، وفي نفس الوقت إنهاء المقاومة في غزة والدعوة إلى استسلامها.

يتحدث الصحفي الصهيوني جدعون ليفي في صحيفة هآرتس، وهو معروف بمواقفه ضد حرب الإبادة الراهنة فيذكر إن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يكافئ "إسرائيل"، التي ينبغي لها أن تشكر كل دولة تقوم بذلك، لأن مثل هذا الاعتراف هو بديل مضلّل لما يجب فعله عمليا.. فرض العقوبات.

فالاعتراف في نظر ليفي بديل للإجراءات العقابية ومنها المقاطعة الواجب اتخاذها. فالاعتراف بالدولة الفلسطينية كما يقول ليفي كلام فارغ تستخدمه الحكومات الأوروبية المتردّدة والضعيفة كي تقول لجمهورها الغاضب إنها لا تلتزم الصمت.

ويتساءل ليفي هل سيُنقذ هذا الاعتراف سكان غزة الجائعين؟

ويختم ليفي مقاله بأن هذا التسونامي (يقصد الاعتراف بالدولة الفلسطينية) لن يصل إلى شواطئ "إسرائيل"، ما دام الاعتراف لن يقترن بفرض ثمن الإبادة الجماعية.

وهناك سبب آخر لعله يفسر تقلبات مواقف ترامب الذي لا ينفك على القول انه جاء ليطفئ نيران الحروب في العالم، ولكن عند غزة تراجع موقفه، وهي قضية إبستين.

وهي قضية أخذت اسم صاحبها الملياردير ورجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين، المتهم بإدارة شبكة للدعارة، واستغلال منازله وجزيرة كان يملكها لارتكاب جرائم جنسية ضد فتيات قاصرات، وتجنيد أخريات لتوسيع شبكته، وتم الكشف عن وثائق أثبتت تورطه رفقة شخصيات سياسية وفنية أميركية وعالمية في شبكته تلك، وعلى الرغم من انتحاره عقب اعتقاله للمرة الثانية عام 2019، فإن القضية بقيت متفاعلة بعده، وأحدثت ضجة في المجتمع الأمريكي.

ولكن ما علاقة ترامب بتلك القضية؟

ففي الأيام الماضية، ظهر في الإعلام الأمريكي بعض الادعاءات، بوجود اسم ترامب في قائمة إبستين.

وقد واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته لأسكتلندا قبل أيام، نفس الأسئلة التي سُئل عنها في واشنطن بشأن إبستين، وأينما ذهب، يواجه نفس السؤال، حتى لاحظ الصحفيون أن الرجل يصاب بنوبة غضب لمجرد سماع اسم ابستين، وقال في مرة توقفوا عن تكرار هذا الهراء.

وبمجرد نفي ترامب ذلك، تظهر أخبار وصور جديده لترامب مع لإبستين في الإعلام الامريكي وتستمر الأخبار بالظهور، فمثلا صحيفة نيويورك تايمز نشرت صورة تظهر ترامب وهو يوقع كتابا لإبستين، وأيضا تم تداول رسالة يقال إن ترامب كتبها خاصة بعيد ميلاد إبستين الخمسين.

ومما يزيد الشكوك في ترامب، أنه أثناء حملته الانتخابية قال إن قائمه إبستين تضم أسماء كبار الشخصيات ووعد بنشرها إن وصل للحكم، ولكن بعد وصوله للحكم لم ينشر شيئا، وطلب من الصحفيين تجاهل الأمر.

حتى أن ايلون ماسك مالك منصة إكس، عندما وقع الخلاف مع ترامب رد لاحقا بتغريده قصيرة مفادها حان وقت إسقاط القنبلة الحقيقية .. اسم ترامب موجود في ملفات إبستين. هذا هو السبب الحقيقي وراء عدم نشرها.

وحذف إيلون ماسك تغريدته لاحقا، بعد حل الإشكالية بينه وبين ترامب.

وفي فبراير الماضي، قالت وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي أن قائمة إبستين موجودة على مكتبي، ثم خرجت وزارة العدل لاحقا ونفت وجود قائمه بالأساس.

ولكن ما علاقة تلك القضية بمواقف ترامب المتشددة تجاه غزة؟

في عام 2020، ادّعى ضابط الموساد السابق آري بن ميناشي، في حديثه لقناة روسيا اليوم أن إبستين ووالد صديقته غيسلين ماكسويل، روبرت ماكسويل، كانا عميلين للجهاز، وأن كل هذه الفضائح صُنعت لصالح الموساد بهدف جمع المعلومات وابتزاز الأسماء الشهيرة.

وهناك كثير من المؤشرات حول حصول مخابرات دولة الاحتلال على القائمة بأسماء من اشتركوا في تلك الفضائح الأخلاقية، بل والصور التي تثبت ذلك.

ووفق هذا التفسير، فإن احتمالات حصول الكيان الصهيوني على ما يدين ترامب من العوامل التي بلا شك ساهمت في تعديل موقفه باتجاه غزة، خاصة أن هناك تيارًا قويًا في أمريكا ساهم في فوز ترامب بالانتخابات ويرفع شعار أمريكا أولا، يريد بترامب الابتعاد عن حرب غزة ولا يتورط فيها بتقديم الدعم للكيان الصهيوني، ولكن احتمال وجود ورقة الفضائح مع الكيان الصهيوني، تجبر ترامب على الانصياع لاستراتيجيات الكيان وأهدافه.

 

أعلى