• - الموافق2025/09/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
سر التعاطف الإسباني مع فلسطين!!!

ما السر .. بادرت الحكومة الإسبانية بالاعتراف بدولة فلسطين في مايو 2024، وهي خطوة رمزية قوية لم تسارع العديد من الدول الأوروبية الكبرى، وفرضت حظرا على تصدير الأسلحة لإسرائيل، وشوارعها تموج بالمظاهرات تنديدا بحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة؟


تجتاح أوروبا عاصفة هائلة مستنكرة حملة الإبادة الجماعية والتجويع التي تقوم بها دولة الاحتلال في غزة، وما يجري من تهويد للضفة الغربية، ناهيك عن العربدة الصهيونية في دول المنطقة.

وتتجلى صور الغضب الأوروبي في مظاهر شتى، من تجمعات شعبية في مختلف المدن الأوروبية للتعبير عن الدعم للقضية الفلسطينية، ومطالبة حكومات الغرب باتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه دولة الاحتلال، إلى حملة مقاطعة منتجات للصهاينة، والضغط على الشركات التي تعمل في المستوطنات في فلسطين المحتلة.

ويتم رفع العلم الفلسطيني كرمز للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كما حدث في أيرلندا عندما رفع مجلسا بلديتي دبلن وسلايجو العلم الفلسطيني.

كما أعلن بعض البرلمانيين الأوروبيين عن دعمهم للقضية الفلسطينية وطالبوا حكوماتهم بالاعتراف بدولة فلسطين، مثل الدعوات في النرويج للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967.

كما نظمت حملات للتضامن الأوروبي مع الأسرى الفلسطينيين في سجون دولة الاحتلال، كما ظهر في أسكوتلندا، عندما تضامنت جماهير نادي سيلتك الرياضي مع إضراب الأسرى الفلسطينيين.

وامتدت الاحتجاجات إلى الجامعات الأوروبية ضد سياسات الاحتلال وخاصة في ما يتعلق بحرب غزة والمستوطنات.

ولكن تبقى إسبانيا مميزة عن غيرها في التعبير عن غضب الشارع والحكومة على ما يرتكبه الكيان العبري من جرائم في فلسطين.

فما أسباب التعاطف الإسباني الجارف من بين دول أوروبا كلها مع فلسطين؟

هل هو التاريخ والذاكرة الجماعية، أم سيطرة الأحزاب اليسارية على مقاليد الحكم في البلاد، أم هي قوة المجتمع المدني وجمعياته، أم هو الإعلام وسطوة مؤسساته؟

لذلك سنحاول في هذا المقال تحليل الأسباب التي تجعل إسبانيا في مقدمة الدول الداعمة لفلسطين والمستنكرة لحملة الإبادة الجماعية. ولكن قبلها سنستعرض أهم مظاهر الاحتجاج الإسباني كونه مختلفًا عن بقية أوروبا.

 

ولم تكتف الحكومة الإسبانية بالكلام، فقد علقت تصدير الأسلحة الفعلي إلى الكيان، وهي خطوة لم تتخذها دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا، التي تُعدّ من أكبر موردي الأسلحة للصهاينة

إسبانيا المختلفة

أهم ما يميز الاحتجاجات الإسبانية وظهورها بشكل مختلف عن مثيلاتها الأوروبية عدة أمور أهمها:

الجرأة السياسية: على عكس دول مثل ألمانيا وفرنسا، التي غالبًا ما تتجنب الانتقادات الحادة لإسرائيل بسبب الحساسيات التاريخية (مثل الهولوكوست).

فقد بادرت الحكومة الإسبانية على الفور إلى الاعتراف بدولة فلسطين في مايو 2024، وهي خطوة رمزية قوية لم تسارع العديد من الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا أو فرنسا حتى الآن، بل اكتفت فرنسا مثلاً بالتلويح بها.

ومنها الانتقادات العلنية للدولة الصهيونية: بداية من رأس الحكومة الإسبانية، والعديد من الوزراء، والذين أصدروا بيانات تنتقد العمليات العسكرية التي تقوم بها دولة الكيان في غزة، واصفة إياها بالإبادة الجماعية في بعض الحالات. وهذا الخطاب أكثر جرأة من معظم الدول الأوروبية التي تتجنب مثل هذه التصريحات.

يقول رئيس الوزراء الإسباني: "المجتمع الدولي عاجز عن وقف هذه المأساة، ربما لأن القوى الكبرى في العالم أصبحت محاصَرة بين اللامبالاة تجاه صراع لا ينتهي، والتواطؤ مع حكومة رئيس الوزراء نتنياهو".

وأضاف بيدرو سانشيز في مؤتمر صحفي أن إسبانيا، رغم محدودية قوتها العسكرية، لن تتوقف عن السعي لوقف الإبادة الجماعية في غزة.

وأكد رئيس الوزراء الإسباني أن هناك أهدافًا تستحق النضال من أجلها "حتى لو لم يكن النصر ممكنا بقدراتنا وحدها".

الأمر الذي دفع رئيس وزراء دولة الكيان بنيامين نتانياهو في منشور له على منصة إكس إلى القول: "يبدو أن محاكم التفتيش الإسبانية، وطرد يهود إسبانيا، والمحرقة النازية لم تكن كافية بالنسبة لسانشيز. أمر لا يصدق".

ولم تكتف الحكومة الإسبانية بالكلام، فقد علقت تصدير الأسلحة الفعلي إلى الكيان، وهي خطوة لم تتخذها دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا، التي تُعدّ من أكبر موردي الأسلحة للصهاينة، بينما ألغت عقد قيمته 700 مليون يورو لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية التصميم.

كما منعت إسبانيا دخول الطائرات والسفن المرتبطة بجيش الاحتلال إلى الأجواء والموانئ الإسبانية، إضافة إلى حظر استيراد منتجات المستوطنات في الضفة الغربية، وزيادة التمويل المخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كما شملت العقوبات حظر دخول شخصيات إسرائيلية تعتبرها مدريد مسؤولة بشكل مباشر عن الإبادة في غزة، إذ شمل الحظر كلا من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

أما الشارع الإسباني فقد كان أكثر غضبا وتجلى ذلك في المظاهرات الشعبية الواسعة غير المسبوقة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى مئات الآلاف.

وهذه المظاهرات غالبًا ما تكون أكثر تنظيما وحضورا مقارنة بدول أوروبية أخرى.

أما حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات فلها حضور قوي في إسبانيا، حيث تدعمها العديد من المنظمات غير الحكومية والنقابات. وبعض المدن الإسبانية، مثل برشلونة، التي أعلنت نفسها "مناطق خالية من الفصل العنصري الإسرائيلي"، وهي خطوة رمزية لا توجد في كثير من الدول الأوروبية.

كما قامت العديد من الشركات والمؤسسات الإسبانية، بما في ذلك الجامعات، بقطع علاقاتها مع المؤسسات الصهيونية أو الشركات المتورطة في الاحتلال.

 

 فإسبانيا لديها تيار يساري قوي، يرى في القضية الفلسطينية رمزا لمناهضة الاستعمار والإمبريالية. هذا التيار أقوى في إسبانيا مقارنة بدول مثل إيطاليا أو المملكة المتحدة، حيث اليمين أو المركز له تأثير أكبر.

وفي النشاط الثقافي والإعلامي:

قام الإعلام الإسباني، خاصة الصحف التقدمية والأكثر انتشارا، مثل البايس وبوليكو، بتغطية الأوضاع في غزة بشكل متعاطف، مع التركيز على الخسائر البشرية والأزمة الإنسانية.

ولم يقتصر النشاط الاعلامي على حملة الصحف الإسبانية على الكيان، بل امتدت إلى اقامة المهرجانات الثقافية والسينمائية في إسبانيا، مثل مهرجانات الأفلام الوثائقية، حيث يتم عرض أعمالا تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين، مما يعزز الوعي الشعبي.

كما قامت النقابات العمالية الإسبانية، مثل الاتحاد العام للعمال ولجان العمال، بإبداء الدعم القوي للقضية الفلسطينية، بما في ذلك تنظيم حملات لجمع التبرعات لسكان غزة.

وفي نفس الوقت نظمت مؤسسات المجتمع المدني الإسباني حملات إغاثة إنسانية لدعم غزة، مثل جمع التبرعات للمستشفيات أو إرسال المساعدات، كما أخرجت أسطول الصمود والتحدي لكسر الحصار على غزة.

ولذلك مقارنة مع أوروبا:

فألمانيا، تقيّدها الحساسيات التاريخية، وتدعم إسرائيل بشكل قوي، مع قمع بعض الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين.

وفرنسا، لديها تعاطف شعبي مع فلسطين، لكن الحكومة أكثر حذرا، وأحيانا تفرض قيودا على المظاهرات المؤيدة لفلسطين.

وبريطانيا، على الرغم من التعاطف الشعبي، فإن السياسة الرسمية تميل لدعم إسرائيل بسبب العلاقات مع الولايات المتحدة، ومنذ أيام قامت مظاهرة حاشدة ضخمة لليمين المتطرف البريطاني، رفع بعضهم فيها أعلام دولة الكيان.

أما دول مثل النرويج وأيرلندا: تشبه إسبانيا في تعاطفها مع فلسطين، لكن إسبانيا تتميز بحجم الحركات الشعبية وتأثيرها على السياسة.

ولكن لماذا هذا الاختلاف الإسباني

هناك عدة عوامل تضافرت في جعل حملة التأييد لغزة وفلسطين في إسبانيا مختلفة عن بقية دول أوروبا:

فالبعض يرجعه إلى الجذور التاريخية والثقافية لإسبانيا، فالتعاطف الإسباني مع القضية الفلسطينية يرتبط بذاكرة تاريخية تعود إلى حقبة الأندلس، حيث كان هناك تفاعل وثيق مع الثقافة العربية والإسلامية. هذا الارتباط التاريخي ساهم في ترسيخ موقف مؤيد للحقوق الفلسطينية في الوعي الشعبي الإسباني، ويظهر هذا التعاطف أيضًا في رموز ودعم شعبي واسع تمتد عبر الأجيال.

ولكن قد يقول قائل: إن الذاكرة التاريخية الإسبانية عندما تعود إلى حقبة الأندلس، ستجد فيها أن الإسبان قد أقاموا فيها مذابح للمسلمين، وكانت هناك حملات اضطهاد واسع وتعصب، فلما تجيء قضية مثل غزة كان الأولى بالإسبان أن يكونوا ضدها، وليسوا مناصرين لها.

صحيح أن إسبانيا لديها تاريخ معقد مع المسلمين، خاصة بسبب فترة الاسترداد، وهو الوصف الذي أطلقه عليها المسيحيون الإسبان عندما استردوا أرضهم بحسب زعمهم، وطردوا المسلمين من الأندلس في القرن الخامس عشر، مما قد يوحي بوجود حساسية تاريخية. ومع ذلك، فإن التعاطف الإسباني الحديث مع القضية الفلسطينية لا يتناقض بالضرورة مع هذا التاريخ، ويمكن تفسيره، بأن إسبانيا مرت بمرحلة نقد ذاتي لتاريخها الاستعماري والديني، خاصة في العقود الأخيرة. هذا النقد يجعل الإسبان أكثر حساسية تجاه قضايا الاضطهاد، سواء كانت دينية أو سياسية، ويجعلهم أقل عرضة لربط القضية الفلسطينية بالصراعات الدينية التاريخية.

وبعد سقوط نظام فرانكو عام 1975 القمعي والاستبدادي، طورت إسبانيا هوية تسعى إلى التصالح مع ماضيها، بل أصبح التعايش التاريخي في الأندلس يُنظر إليه اليوم كفترة ذهبية للتعددية الثقافية في بعض الأوساط الثقافية والأكاديمية، مما يعزز التعاطف مع الشعوب العربية والمسلمة، بما في ذلك الفلسطينيون.

كما أن وجود جاليات عربية ومسلمة، خاصة من المغرب. هذا التنوع ساعد في تقليل الصور النمطية السلبية وتعزيز التفاهم بين الثقافات، مما جعل الإسبان أكثر انفتاحًا على دعم قضايا مثل القضية الفلسطينية.

كما أن التعاطف الإسباني مع الفلسطينيين لا يرتبط بالضرورة بالدين الإسلامي والموقف منه، بل يُنظر إليه كقضية عدالة اجتماعية، خاصة مع تعاظم دور وقوة الحركات اليسارية.

فإسبانيا لديها تيار يساري قوي، يرى في القضية الفلسطينية رمزا لمناهضة الاستعمار والإمبريالية. هذا التيار أقوى في إسبانيا مقارنة بدول مثل إيطاليا أو المملكة المتحدة، حيث اليمين أو المركز له تأثير أكبر.

وهناك عدة أحزاب يسارية قوية تدعم فلسطين ومنها: حزب العمال الاشتراكي الإسباني، والذي يُعتبر الحزب اليساري التقليدي الأكبر في إسبانيا، وهو حزب اشتراكي ديمقراطي يتبنى سياسات يسارية معتدلة، ويتمتع بحضور قوي في السياسة الإسبانية منذ عودة الديمقراطية في السبعينيات، ولديه قاعدة شعبية واسعة.

وهناك حزب بوديموس، وهو حزب يساري راديكالي تأسس عام 2014، ويُعتبر أكثر يسارية من حزب العمال الاشتراكي، ويتبنى مواقف مناهضة للرأسمالية والاستعمار، مع دعم أقوى للقضايا الإنسانية مثل القضية الفلسطينية.

ومنذ يونيو 2018، يقود رئيس الوزراء بيدرو سانشيز من حزب العمال الاشتراكي الحكومة، في تحالف يساري مع حزب بوديموس، مما يجعلها واحدة من أكثر الحكومات يسارية في أوروبا، وهذا يعكس المزاج الشعبي في إسبانيا.

كما توجد أحزاب يسارية إقليمية: مثل حزب إسكويرا ريبوبليكانا دي كاتالونيا في كتالونيا، وهو يساري ويدعم الانفصال، وله تأثير في بعض المناطق.

فالحركات اليسارية وغيرها تجيش الإسبان لأنهم يرون في دعم القضية الفلسطينية كشكل من أشكال مقاومة الهيمنة الأمريكية والأوروبية التقليدية، التي تميل إلى دعم إسرائيل. هذا الموقف يعكس رغبة إسبانيا في تبني سياسة خارجية مستقلة، بعيدا عن الحساسيات التاريخية الداخلية.

أعلى