العرب السنة في العراق

العرب السنة في العراق


إن ما حدث في العراق لا سيما بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003 أمر معقد اختلطت فيه الأوراق، وأعيد رسم خريطة بنائه بأيدٍ غير أمينة اتفقت غايتها مع غاية الفرس وأطماعهم للسيطرة على ثروات البلاد والغاية الأمريكية الصهيونية المشتركة التي تقضي بتدمير العراق وتمزيقه. وتدور الدائرة مثلما يذكر كتاب "العرب السنة في العراق" على أهل السنة العرب الذين أصبحوا أقلية في بلادهم يُقتلون ويُعتقلون وُينفون قسراً إلى المنافي والشتات وتُسلب وتُدمر بيوتهم دون منصف أو نصير.

من الحقائق التي يذكرها الكتاب أن الدولة العثمانية اعتمدت على الجيش الإنكشاري في حكم العراق، وقد كان مؤيداً لفكرة وضع بغداد تحت النفوذ البريطاني منذ القرن الثامن عشر الميلادي، وهو الأمر الذي أدى إلى سرعة تبدل الولاة العثمانيين، وكان من أهم نقاط ضعفهم التي أعطت الضوء الأخضر للدولة الصفوية بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، وكانت العقيدة التي يحملها الجيش الإنشكاري هي الصوفية البكتاشية والتي كانت تؤمن بعصمة الأئمة الاثني عشر من نسل الإمام علي وأحقيتهم بالولاية".

وجاء الكتاب في أربعة فصول: أولها المجتمع العراقي (تحليل اجتماعي وتاريخي)، والثاني تحدث فيه جملة من الباحثين عن العرب السنة في ظل الاحتلال (2003 - 2011)، والفصل الثالث: العرب السنة والعالَمان العربي والإسلامي والباب الأخير الذي تناول مستقبل العرب السنة في العراق.

لا يمكن أيضاً إغفال الاعتداء الصفوي على العرب السنة في العراق، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب التاريخ العراقي الحديث إلا أبدى دهشته من وحشية المجازر التي لا يمكن التغاضي عنها جرياً على العادة كما اليوم، ابتداء من مجازر الشاه إسماعيل الصفوي التي شبهها الشيخ صبغة الله الحيدري بمجازر هولاكو، من قتل للناس ونبش لقبور الأولياء وحرق لعظامهم، وأطلق على الوالي الذي ولاه على ولاية بغداد لقب "خليفة الخلفاء" احتقاراً لأهل السنة بعد أن كان اسمه "خادم بيك"، كذلك مجازر عباس الصفوي الذي استعان بآل الأعرجي وهم من السادة الشيعة لاحتلال الموصل وأقاموا فيها المجازر ونصبوا عليها والياً يدعى "قاسم خان". كذلك ساهم الفرس في دعم الثورات الخارجة على الحكم العثماني، وانضمام عساكرهم لثورات العشائر وثورات الولاة الخارجين عن سلطة الوالي، واستمالة القبائل العربية ضد العثمانيين، جاءت كلها بسبب سوء معاملة الترك لتلك القبائل، وغالباً ما كانت تأتي هذه الثورات بمساعدة رجال ومجتهدي العتبات والجيش الإيراني.

يذكر الكتاب أيضاً اليد الأوروبية التي ساعدت الفرس في العراق نكاية بالدولة العثمانية التي كانت تخوض حروبها مع الأوروبيين على الجبهة الأوربية، وظهر ذلك عام 1501 حيث كان لملك جورجيا اليد الطولى في مد يد العون العسكري للفرس وبسط نفوذهم ونشر عقائدهم في بلاد العراق والأناضول. وفي عام 1525 استنجد الشاه الصفوي طهماسب بملك هنغاريا ضد الدولة العثمانية لتعزيز سلطانه في العراق. يشير كتاب "العرب السنة في العراق" إلى أن الدعوة السلفية حمل لواءها أهل العراق قبل بزوغ شمسها في الجزيرة العربية منذ عام 1730م على يد الشيخ أحمد بن الكولة الموصلي ثم تبعه كوكبة من العلماء في معتقده ودعوته وهُجِّر إلى بغداد ثم طرد منها إلى الموصل وناصره في ذلك كثير من القبائل العربية مثل الجبور والعكيدات والبقارة الزبيدية وعشائر عنزة في الفرات الأوسط.

في حقبة الاستعمار الإنجليزي للعراق كان لأهل السنة المبادرة في الدفاع عن وطنهم، وتجسد ذلك في إصدار فتاوى لعلماء السنة في بغداد تعلن الحرب ضد الإنكليز منذ عام 1914 وتوجه متطوعون من العرب السنة نحو جبهة القفقاس، وبحسب روايات الأحفاد فإن أكثر من 95% من أولئك لم يرجع منهم إلا النادر بسبب شدة المعارك.

بدأت الحقبة البعثية في العراق، بمجازر نالت العلماء من أهل السنة وفي مقدمتهم الشيخ عبد العزيز البدري بسبب عدم اعترافه بحزب البعث، وعدم إصداره لفتاوى تجيز الانضمام إليه، في حين أصدر المرجع الشيعي السيد الخوثي فتواه بحرمة الانضمام إلى حزب الدعوة لأن سوف ينتزع الولاءات الشيعية منهم وجواز الانضمام إلى حزب البعث الحاكم. ويبرر الواقع الذي يعيشه أهل السنة في العراق عدم وجود دولة إسلامية ذات استراتيجية سنية حامية لهم بعكس إيران.

بعد حرب الخليج والعدوان الثلاثي على العراق والحصار الجوي والاقتصادي الذي دام 12 عاماً، كانت الغاية الأمريكية إضعاف الدولة المركزية والسماح للأكراد بالانفراد بالشمال، ثم تبعته أمريكا بالعدوان على العراق عام 2003 وتدمير ما تبقى منه لصالح تغليب الطائفية والعرقية على الصراع الداخلي العراقي، وتغييب كلي للهوية العراقية.

عقب احتلال العراق وبداية التنظير الأمريكي للانتقال الديمقراطي للسلطة، جرت عدة عمليات انتخابية شابها كثير من التلاعب المتعمد من قبل الإدارة الأمريكية التي رسخت لغايات عليا مفهوم الأغلبية الشيعية والأقلية السنية لتظهر للعالم أن الأكثرية يؤيدون المشروع الأمريكي ومن يرفضه هم القلة في المجتمع العراقي، كما كان لإيران وللقوى السياسية النافذة مساهمة كبيرة في تهميش العرب السنة. ينقل الكتاب عن "مايكل هدسون" الباحث الأمريكي في جامعة "جورج تاون" بواشنطن أن الاحتلال الأمريكي كانت غايته تعزيز الأمن الإقليمي للكيان الصهيوني وإلغاء الخطر الذي يشكله العراق على دول خليجية، وتفكيك الاقتصاد الاشتراكي الموجه في هذا البلد وتعزيز بعض المؤسسات النفطية الأمريكية، وتفكيك السلطة المركزية السنية، وإحالتها للشيعة والأكراد بشكل مشروط.

في الفصل الأخير الذي جاء بعنوان "مستقبل العرب السنة في العراق" يلخصه تصريح نسب للزعيم الكردي مسعود برزاني أدلى به لصحيفة "نيويورك تايمز" جاء فيه: "أن الحديث عن عراق موحد هو أشبه بأحلام ورغبات العصافير، وأنه يسعى إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة اتحادات: الأكراد في الشمال، والعرب السنة في الوسط والغرب، والشيعة في الجنوب. وإن ما يمكن قوله في هذا المقام هو السعي الجاد من القوى العربية والإسلامية لمنع التدخل الإيراني في العراق، عبر تقوية العرب السنة، ومدهم بالدعم المادي والسياسي، والضغط على أمريكا لمنحهم المزيد من السلطة وقطع الطريق على المشاريع التي يراد منها خنقهم وتهميشهم.

ملف العراق

أعلى