لمـاذا سيبدو المجتمع الصهيوني مكشوفـاً في أي حرب قادمة؟

لمـاذا سيبدو المجتمع الصهيوني مكشوفـاً في أي حرب قادمة؟

 

  تشير كثير من التوقعات الأمنية والتقديرات العسكرية إلى أن المنطقة ربما تكون مقبلة على حرب طاحنة يشنها الكيان الصهيوني ضد أيٍّ من الجبهات الإقليمية أو المحلية، وهو ما يجعل الحديث عن مدى جاهزية جبهته الداخلية أمراً ملحّاً وملزماً بالضرورة.

فقد ألقى مهندس الصواريخ الشهير في الكيان الصهيوني »عوزي روبين« مؤخراً محاضرة مقلقة لصناع القرار في تل أبيب، زعم فيها أن هدف العدو في الحرب المقبلة ضد الكيان، سيكون مهاجمة المجتمع الصهيوني وليس الجيش، عبر استخدام أسلحة دقيقة شديدة القوة، وسيحاول أن يخلق لنفسه تفوُّقاً جوياً دون سلاح جو.

ووَفْق حساباته التي أوردها التلفزيون الإسرائيلي في القناة العاشرة، فإن هناك 13 ألف صاروخ موجَّه حالياً نحو معظم المناطق المأهولة في الكيان، من عكا إلى النقب، وهناك 1500 صاروخ مؤهل لضرب منطقة تل أبيب، تحمل ما يصل إلى 1400 طن من المتفجرات.

وتشير تقديرات أخرى إلى أنَّ هذه القوة الصاروخية قد تشوش القدرة العسكرية للكيان، وتُلحق أضراراً فادحة، وتقتل كثيراً من الصهاينة، ولا سيما أن الرد الصهيوني يركز على العمليات الهجومية بينما يولي أهمية أقل للعمليات الدفاعية، وهو ما يعني أن قادة الجيش يعترفون بأن الجبهة الداخلية ستتلقى حصة من الحرب، وأن هذا سيكون دافعاً جيداً لإعادة النظر في عقيدته القتالية.

مخاطر محدقة:

كشف نائب وزير الحرب الصهيوني»ماتان فيلنائي«النقاب عن إخفاق الاستعدادات لحماية الجبهة الداخلية، التي ستتحول إلى جبهة قتال في كل حـرب قادمـة بكـل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ؛ وخاصة أن 40 % فقط منها محمية من قِبَل قوات الأمـن. أما البـاقي (أي 60%) فما زال مكشوفاً، ولا يمكن للجيش في حال اندلاع مواجهة جديدة حمايته، وقال: إنَّ التهديدات المحدقة بالكيان تتمثل بالصواريخ الباليستية القادرة على ضرب »تل أبيب«، مشدداً على أنَّ حصول هذا الأمر هو مسألة وقت ليس إلا.

ونبه »فلنائي « الذي يسمى بـ »وزير الجبهة الداخلية«، إلى الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة قائلاً: إنَّ الصواريخ التي تمتلكها حركات المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، كانت صواريخ بدائية، ومع مرور الوقت قامت بتطويرها؛ بحيث تحولت إلى تهديد على البلدات الصهيونية، مشيراً إلى أن حماس تواصل تطوير الصواريخ التي بحوزتها، وفي المستقبل القريب فإنَّ مداها سيصبح أكثر بعداً، والدقة في التصويب ستتحسن، كما أنها ستحمل رؤوساً خطيرة للغاية.

إن هذه الأحاديث والتقييمات السوداوية التي تصدر عن مسؤولين كبار في الكيان الصهيوني، تشير إليها مجلة »محانيه« العسكرية على أن تهديد الصواريخ من خارج الدولة العبرية، والعمليات الفدائية التي نفذت في الداخل، حوَّلا التهديد على الجبهة الداخلية إلى تهديد إستراتيجي؛ لأن الأمر نابع من إدراك »أعداء إسرائيل « أنهم سيعملون على حسم المعركة عن طريق الجبهة الداخلية، وهو ما يعني أنها ستتعرض لإصابات كبيرة وخطيرة، وهو الأمر الذي سيؤثر على سير المعارك، وعلى آلية حساب نتائج الحرب.

إحصائيات مقلقة:

يبدو القلق الصهيوني متزايداً في ضوء ما قام به مركز(سابان)لأبحاث وسياسات الشرق الأوسط، الذي وضع سيناريو افتراضياً يقوم على أن المنطقة ستدخل في حرب طاحنة، من خلال مهاجمة الكيان الصهيوني بالقذائف الصاروخية، وهو ما سيؤدي لأضرار صهيونية، تنجم عن إطلاق مئات الصواريخ على مدينتي تل أبيب وحيفا، والعمل على شل الاقتصاد الصهيوني، بينما ثلث سكان الكيان سيمكثون في الملاجئ، ومئات الآلاف سيفرُّون من المدن المستهدَفة.

حريق الكرمل:

وفي ذروة الحديث الصهيوني عن استعدادات الجبهة الداخلية لحرب قادمة، جاءت حرائق الكرمل الأخيرة لتقضي بالعجز عن إطفائها، ومن ثَمَّ تلغي أسطورة التقدم التقني والعسكري، وأثبت أنَّ مصير الدولة في يد قيادة لا تستطيع حتى إطفاء حريق.

وأثار »أَلَوف بن«في صحيفة هآرتس نقاشاً حادّاً ونقدياً في كلِّ ما يتعلَّق بالكشف عن الحرائق، ونقص المياه، وسلامة الطيران، والاستعداد للزلازل... وما إلى ذلك من المسائل التي تتطلَّب تخطيطاً طويل المدى. ويُفضِّل صنَّاع القرار الصهاينة معالجة هذه الأمور بشكل آني ضيِّق الأفق، وقد أظهرت كارثة حريق غابات جبل الكرمل مدى تأخُّرِهم في مجال إطفاء الحرائق؛ حيث أحرقت النار أسطورة الدولة اليهودية العظمى المتقدمة تقنياً وعسكرياً، والقادرة على فعل أيِّ شيء، ومن ثَمَّ فقدتْ ما يُطلَق عليه »قدرة الردع«، مع ما يعنيه ذلك من الأضرار المحلية والإقليمية، وتداعياته الإستراتيجية.

ومما ما يعزز اهتزاز الجبهة الداخلية الصهيونية، وعجزها عن مواجهة حرب قادمة، أنه على مدار 62 عاماً تمكَّن الصهاينة من إجراء عملية غسيل دماغ مكثفة للرأي العام العالمي والمحلي، على أن دولتهم أقوى دولة في الشرق الأوسط وأكثرها تطوراً، وتملك أعتى جيش في المنطقة، قادر على إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية مجتمعة، وأنه واحة الديمقراطية في صحراء الدكتاتورية العربية.

ولكن جاءت الحربان الأخيرتان في لبنان وغزة، وحرائق الكرمل، لتبدأ هذه الأسطورة بالتهاوي والتحطُّم. وقوى المقاومة تمكنت بقوَّتها المتواضعة - مقارنة بجيش الدولة التي تتبوأ المكان الرابع عالمياً في تصدير الأسلحة - من تحطيم النظرية العسكرية التي وضعها مؤسس الدولة العبرية، ديفيد ابن غوريون، القائلة: إن حروب إسرائيل يجب أن تدور رحاها في أرض العدو، ومن ناحية أخرى، يجب أن تُحسَم لصالحها خلال أيامٍ معدودة.

إن الإخفاقات الأخيـرة جعلـت»بن غوريون«تقلـب في قبره؛ فالجبهة الداخلية الإسرائيلية، تحولت إلى ساحة معركة، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل يقوم ما يقارب مليون مواطن من الشمال بالنزوح(أو بالهروب)إلى مركز الدولة الآمن من صواريخ المقاومة.

كما جاءت هذه الأحداث لتشكِّل علامات فارقة ومفصلية في تاريخ النزاع الدموي الدائم بين الحركة الصهيونية ممثلة بصنيعتها الدولة العبرية، وبين الأمة العربية بدأت الأسطورة تتحطم، أسطورة الدولة التي لا تُقهر. لقد حاولت إسرائيل احتواء الأزمة، وابتكرت المبررات وساقت التسويغات وشكَّلت لجان التحقيق، ولكن بعد مرور سنوات على تلك المغامرات غير المحسوبة، تبيَّن أنَّ عصر الهزائم قد ولَّى قولاً وقلباً وقالباً، وظهر واضحاً جلياً أنه لا حاجة بعد اليوم للصواريخ والقذائف، ولا للأسلحة التقليدية أو غير التقليدية.

وهكذا تقول نظرية خيوط العنكبوت: إنَّ إسرائيل هي دولة عظمى من الناحية العسكرية، ولكنَّ المجتمع اليهودي لا ينقصه أي شيء، وعليه فإنه لا يريد خوض الحروب، وبموجب هذه النظرية يقول » موشيه يعلون « وزير الشؤون الإستراتيجية الحالي: إنَّ الدولة العبرية هي مثل خيوط العنكبوت؛ فمن الخارج تراها قوية، ولكن عندما تدخلها تكتشف أنَّها ضعيفة جداً وتتفكك.

 

 

أعلى