حماس وفتح.. نقيضان يجتمعان من أجل فلسطين

حماس وفتح.. نقيضان يجتمعان من أجل فلسطين

قرر أطراف النزاع الفلسطيني الداخلي أن يصطلحوا بعد طول انتظار، وشعر الشعب الفلسطيني بشيء من السعادة لأن المصالحة في اعتقادهم جزءا من وسائل المقاومة لاستعادة فلسطين كاملة من بحرها إلى نهرها.

ففي الثالث من شهر مايو الجاري احتفلت كلا من حماس وفتح بنهاية مرحلة من الصراع الذي شل الحياة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية وتسبب في تراكم مشكلات تحتاج لسنوات لعلاجها، وبغض النظر عن المسبب والمتسبب تراوحت وجهات النظر حول إمكانية نجاح الاتفاق بين التشائم والتفاؤل الحذر كون التجارب السابقة كانت مريرة، لكن الكثيرين من المحللين الفلسطينيين يرون أن الواقع العربي والعالمي تغير، فأنظمة داعمة لسياسة  الإدارة الأمريكية في المنطقة سقطت وأسقطت معها قدرة الحكومة الصهيونية في التأثير على أطراف المصالحة والضغط باتجاه إفشالها، سواء كان ذلك من خلال خلق وضع امني سيئ في الضفة وغزة، وإقفال المعابر والتأثير على الوضع الاقتصادي المهترئ، أو الضغط على السلطة الفلسطينية في الضفة لإعاقة مفاوضات المصالحة.

الربيع العربي كما يقال في الإعلام نثر وروده على ضفاف المتوسط لينشر السعادة في قلوب الفلسطينيين الذين انتظروا هذه اللحظة بفارغ الصبر، ليس لأن اكبر فصيلين فلسطينيين وقَعا بعد انقسام في السياسة والجغرافية والاقتصاد، بل أن الأمر عميق جداَ .. وهو ختام لفصل سيئ في حياة الشعب الفلسطيني.

ترتب عن الإنقسام الفلسطيني إجراءات عدائية بين أطراف النزاع، بدأت بقيام السلطة في رام الله بقطع رواتب العديد من الموظفين في قطاع غزة  لخنق الحكومة التي شكلتها حماس في غزة، وكذلك الضغط على الكيان الصهيوني لإغلاق معابر القطاع والضغط على مصر لإغلاق معبر رفح، ولكن المصالحة يمكن أن تحمل كثيرا من الآمال للفلسطينيين، وتبشر بوضع أفضل من سابقة في مناحي الحياة المختلفة.

حاصرت الحكومة الصهيونية بالتعاون مع أطراف دولية وإقليمية بهدف واحد وهو إذلال الشعب الفلسطيني وجعله يتخلى عن حقه في المقاومة ومنعه من اختيار الإسلاميين في إي انتخابات قادمة، لكن الشعب الفلسطيني الذي تابع مسيرة أوسلوا لعشرات السنين علم جيدا أن الكيان الصهيوني لا يركع إلا لقوة السلاح لذلك وقف في وجه الحصار ولم تنجح مخططات الحكومة الصهيونية بإجبار حركة حماس على الاعتراف بالكيان الصهيوني،بل زادت من انتشار مظاهر التدين وعفة اللحي وكثرت مراكز تحفيظ القرآن وانتشرت تيارات فكرية إسلامية متعددة مبشرة بما هو أسوء من حماس بالنسبة للكيان الصهيوني في قطاع غزة.

تبرز في الوضع الحالي بعد توقيع أتفاق المصالحة عدة أولويات يجب على القادة الفلسطينيين أن يعو أهميتها وهي الضغط باتجاه فتح المعابر المؤدي إلى قطاع غزة، وضمان فتح معبر رفح بشكل كامل، وعدم التلكئ بفرض واقع أمني ووحدوي فلسطيني يسمح للمستثمرين والمنظمات الأجنبية بالعودة إلى قطاع غزة.

فهناك المئات من المصانع التي أغلقت نتيجة الحرب والحصار وتسبب ذلك بزيادة نسبة البطالة، وتردي الأوضاع الاجتماعية.

وفي هذا الصدد دعا المحلل الاقتصادي معين رجب إلى إعادة تفعيل القانون الفلسطيني الخاص بالاستثمار لتشجيع المستثمرين العرب والفلسطينيين لدخول السوق الفلسطينية. وقال :" هناك صعوبات تواجه الاستثمار وهذا لا يعني ترك الأمر وإهماله, بل يجب تشجيع الجميع وتذليل الصعوبات أمامهم, لأن النشاط الاستثماري ضروري لتنشيط الحياة الاقتصادية".

وأشار إلى أهمية عنصر الأمن, لأن الاستثمار لا تكتمل بيئته ومناخه إلا بتوفير الأمن, ليطمئن المستثمر على أمواله وأن النشاط الاقتصادي مستقر لابد من توافر الأمن، ويجب الابتعاد عن الأحداث التي تشل حركته.

وتابع د. رجب موضحاً أن هيئة الاستثمار الفلسطينية انبثقت عن قانون من السلطة التشريعية, وتعتبر هيئة حكومية وتضم ممثلين عن جهات عدة ومن القطاع الخاص, ويمثل فيها القطاع الخاص تمثيلاً كافياً, وتقوم الهيئة بتشجيع القطاع الخاص بالدرجة الأولى على الاستثمار, وجذبهم يحتاج إلى آليات محددة لطمأنتهم.

من جانبه ذكر الأكاديمي محمد مقداد أن المشكلة ليست في قوانين الاستثمار، وإنما في الوضع السياسي القائم وسياسة الحصار المفروضة على قطاع غزة،والفصل بين غزة والضفة الغربية.

وهنا يجب الحديث عن عدة أمور من شأنها أن تحسن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة وأبرزها السماح بفتح المعابر لتسهيل حركة الاستيراد والتصدير وإنشاء ميناء غزة البحري ومطارها الجوي، والسماح بفتح معبر رفح لدخول البضائع وعدم ترك زمام الأمور في يد الحكومة الصهيوني التي تسيطر على المعابر التجارية.

كما ويرى التجار محمد الصالح أن الحكومة الفلسطينية يجب أن تسهل عملية إنشاء مصانع وورش صغيرة وتقوم بدعم مثل هذه المشروعات لأنها تمثل قطاع كبيرة في حجم الاقتصاد الفلسطيني المحلي. وأثار الصالح قضية مهمة تسببت في معاناة الكثير من الفلسطينيين ألا وهي التناحر الفصائلي وتأثيرها على الوضع الاقتصادي، يحث مارست السلطة في رام الله قبل المصالحة ضغط على الكيان الصهيوني لإقفال المعابر أمام البضائع الواردة من قطاع غزة مثل الخضروات والفواكه بحجة انه واقع تحت حكم حركة حماس والأخيرة تستفيد من ضرائبه في تعزيز نفوذها.

وتعاني الكثير من العائلات في قطاع غزة بسبب عدم توفر منازل لها بعد أن قصف الجيش الصهيوني منازلها خلال الحرب على قطاع غزة عام 2009 ولم تسمح الحكومة الصهيونية منذ ذالك الحين إلى اليوم بدخول مواد بناء لإنشاء منازل لهم، وهذا الأمر يزيد من أعباء الحكومة التي ستتشكل بعد التوافق الفلسطيني.

 ونبه الصحفي الاقتصادي إبراهيم الحواجري إلى ضرورة إيجاد آلية مناسبة لتوفير رواتب الموظفين الحكوميين الذي يعتمد عليها الكثير من الفلسطينيين، ودعا الأطراف الفلسطينية بعدم ابتزاز أبناء شعبهم في لقمة عيشهم بعد أن سرت شائعات بأن الحكومة الفلسطينية في رام الله غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، الأمر الذي اعتبره العديد من المحللين الفلسطينيين بأنه عملية ابتزاز من قبل رئيس الحكومة سلام فياض المعروف بميوله للرؤى الأمريكية بعد التوافق بين فتح وحماس وتوقيع اتفاق المصالحة.

لكن المحلل السياسي خليل شاهين يقر بأن هناك أزمة بالفعل في موضوع الرواتب بسبب السطو الصهيوني على أموال الاستحقاقات والجمارك العائدة للسلطة.

ويعتبر شاهين أن ما يحدث عمليًا هو توظيف سياسي لرواتب الموظفين، وهو أمر يشكل انتهاكًا لحقوق العاملين في الوظيفة العامة، ويلقي في شقه السياسي ظلالاً كبيرة من الشك حول مدى جاهزية حكومة  فياض في ضوء خطة العامين التي كانت طرحتها لإقامة الدولة.

والقارئ للوقائع في الضفة المحتلة فإنه يكتشف أن سلام فياض يريد دفع آلاف الموظفين للمطالبة بإبقائه رئيس لحكومة الوحدة الفلسطينية القادمة، بعد تردد شائعات حول رفض حركة حماس وقيادات من فتح توليه رئاسة حكومة الوحدة.

وانتشرت في قطاع غزة العديد من الظواهر الاجتماعية السيئة وعمليات الابتزاز والقتل بسبب تردي الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة بين الشبان الذين لجئ الآلاف منهم للعمل في "الأنفاق" على الحدود بين مصر وفلسطين للحصول على لقمة العيش الأمر الذي تسبب بمقتل المئات منهم، و يعَول أهالي القطاع أن تصنع المصالحة المعجزات بحل كافة مشاكلهم.

 تعقيدات المصالحة الأمنية

يتمثل الوضع الأمني الحالي في جزئين الأول بسيطرة أمنية لفتح في رام الله ، والجزء الأخر سيطرة حماس على الوضع الأمني في قطاع غزة، لكن الرؤية في التعامل مع هذا الملف تختلف، ففي الضفة الغربية أسست حكومة رام الله الأجهزة الأمنية بتعاون صهيوني أمريكي على أساس حماية الأمن الصهيوني وقمع المقاومة وعدم السماح لأي فصيل فلسطيني بممارسة أنشطة تعتبرها الحكومة الصهيونية مقاومة.

أما في قطاع غزة فأسست حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة أجهزة أمنية موالية لها، وتناصب العداء للكيان الصهيوني، واعتمدت في تأسيسها على عناصر المقاومة الفلسطينية.

ومارست حماس وفتح سلطتهما على الشعب الفلسطيني بزوايا وأبعاد مختلفة ففي الضفة الغربية وضعت أجهزة المخابرات أنظمة أمنية لمنع المؤيدين للتيارات الإسلامية والمقاومة من الالتحاق بالوظائف الحكومية وقامت بحملات اعتقال متواصلة لسحق المقاومة وغرس أفكار جديدة مؤيدة للسلام مع الكيان الصهيوني، وشملت هذه الإجراءات إقصاء المئات عن وظائفهم، وإجراء اعتقالات عشوائية وممارسة أنواع تعذيب مختلفة بحقهم.

فقبل أيام أعرب عدد من المتقدمين لامتحان التربية والتعليم في مدينة جنين شمال الضفة عن خشيتهم من عملية التصفية التي تتم لأسماء المقبولين في هذه الوظائف نتيجة وجود ما يسمى بــ"السلامة الأمنية" وأن تنتهي مسألة التعيين على أسس سياسية وأمنية.

من جهتها، قالت المتقدمة مي عبيد إنها "تأمل أن يكون التوظيف لهذا العام بعيدا عن الأجواء الأمنية التي كانت سائدة في السنوات السابقة عقب الانقسام، وأن يكون التوظيف وفق أسس الاختيار السليمة لهذا العام أحد ثمار المصالحة".

وفي موضوع الاعتقالات السياسية دعا المتحدث باسم الحكومة في قطاع غزة طاهر النونو في تصريحات نشرت مؤخرا إلى إغلاق ملف الاعتقال السياسي للأبد وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وذلك تطبيقاً ودعماً لجهود المصالحة، مشدداً على أنه لا يجوز الاستمرار بنفس المنهج السابق، في عهد المصالحة الوطنية الشاملة.

من جانبه قال النائب عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية الشيخ حامد البيتاوي، "إن العديد من المؤشرات على أرض الواقع في مدن الضفة لا تشير إلى وجود نوايا حقيقية نحو تعديل الحالة السابقة، والتي نتجت عن الانقسام السياسي قبل أربع سنوات بين جناحي الوطن"، ووجه اتهامات للأجهزة الأمنية بقيامها بوضع العصي في الدواليب لإعاقة المصالحة.

وبحسب تصريحات أدلى بها عضو القيادة السياسية في حركة حماس إسماعيل رضوان لمجلة البيان فإنه من المفترض أن يتم تشكيل لجنة أمنية تقوم بإعادة تشكيل أجهزة الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة أبناء الأجهزة الأمنية السابقة في قطاع غزة إلى عملهم، وهذا كفيل بتحسين الواقع الأمني في قطاع غزة، لكن الخشية من ملف الضفة الغربية وتعقيداته مع وجود تنسيق أمنى مع الجيش الصهيوني، فهل ستقبل فتح وقف التنسيق الأمني والإفراج عن معتقلي التيارات الإسلامية، والسماح بدخولهم ضمن الأجهزة الأمنية، وكذلك وجود قيادات في هذه الأجهزة من المعروفين بولائهم للسياسة الأمريكية وتعاونهم مع الجيش الصهيوني، فيبقى هذا الملف بحسب محللين عقبة كبيرة أمام ملف المصالحة، حتى لو قامت مصر بإرسال لجنة لضمان تنفيذ الاتفاق.

 الوحدة الفلسطينية يؤمل منها توحيد المؤسسات الفلسطينية في الداخل والخارج ومعالجة الانقسام السياسي، ودعم المقاومة كخيار استراتيجي لاستعادة حقوقهم، فللمرة الأولى يقف متظاهرين من اللاجئين الفلسطينيين قبل يومين في ذكرى النكبة على حدود الجولان متحدين حقول الألغام للمطالبة بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قبل 63 عاما.

ضغط دولي ودعم عربي

من بين الأمور التي ستتحسن في قطاع غزة على حد قول رجل الأعمال الفلسطيني على النزلي بأنَ تشكيل حكومة وحدة ستكون أداة ضاغطة على المجتمع الدولي لإجبار الحكومة الصهيونية على فتح المعابر، وهذا يساعد في تنمية عجلة الاقتصاد وتوفير الاحتياجات لقطاع غزة، والسماح  للمغتربين من أهالي غزة بالعودة وهذا الأمر يساهم في ضخ أموال في القطاع تساعد في تحريك حالة الركود في السوق المحلي.

ويواجه قطاع غزة أزمة مزمنة في موضع موارد الطاقة وذلك بسبب سيطرة الكيان الصهيوني على المعابر وتحكمه بدخول الغاز والوقود الخاص بمحطات توليد الكهرباء، لكن المرحلة القادمة وبحسب تصريحات لمدير عام شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة سهيل سكيك ستشهد تحسنا وذلك لأنه سيتم تفعيل المشاريع ذات العلاقة بدعم وتطوير قطاع الكهرباء مع مصر قريباً.

وبين  أنه تم مؤخرا بحث عدد من القضايا التي يعاني منها سكان القطاع مع المسئولين المصريين منها تزويد قطاع غزة بالكهرباء وغاز الطهي. وأوضح مدير عام الشركة، أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر وقطاع غزة والممول من البنك الإسلامي للتنمية، تم طرحه على الجانب المصري منذ سنوات، وتم تأجيله لحين المصالحة الفلسطينية. وبين أن تكلفة المشروع تقدر 50 مليون دولار، ويتطلب الانتهاء منه وإتمامه بالشكل المطلوب قرابة العامين، مشيراً إلى أن محافظة رفح تعاني من عجز يقدر بـ 30% من الكهرباء الواصلة للمنطقة.
وفي سياق متصل ذكرت مصادر صحفية بأن مصر ستدعم المصالحة الفلسطينية وطي صفحة الانقسام، كما ستعمل على تفعيل قرارات مؤتمر شرم الشيخ، والذي عقد في الثاني من مارس/آذار 2009 والذي جمع أكثر من 4 مليارات دولار من دول أوروبية وأجنبية وعربية لإعادة إعمار غزة، بعد الحرب الأخيرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي والمقر توجيهها للسلطة.

وبينت المصادر أن قطر ستقدم دعماً ماليا لرواتب قطاعي الصحة والتعليم وبعض مجالات إعادة الإعمار, بالإضافة إلى أنه سيتم العمل بمقررات القمم العربية السابقة والمتعلقة بتخصيص أموال لدعم السلطة الفلسطينية.

أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، نصر عبد الكريم أكد على ضرورة التمييز بين الوعود والتعهدات، وبين الصرف الفعلي للمساعدات التي تقدم للسلطة الفلسطينية, وقال:"الكثير من الدول كانت تتعهد بتقديم الأموال، ولكن دون أي فعل على أرض الواقع".

وقال عبد الكريم:"على الدول العربية أن تمارس ضغطاً سياسياً، لأنها تملك من أوراق الضغط ما يجعلها قادرة على ممارسة الضغط على الولايات المتحدة، ففي النهاية لغة أمريكا هي لغة المصالح ومصالحها مع الدول العربية أكبر من تلك التي مع (إسرائيل)". 

أعلى