• - الموافق2025/12/17م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
معضلة السيادة والاصطفاف في العلاقات التركية الأمريكية

في سياق العلاقات العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة، يبرز ملف منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 وطائرات إف-35 الأمريكية كأحد القضايا المثيرة للجدل. حيث كان شراء تركيا لمنظومة إس-400 من روسيا عام 2017 بمثابة

البيان/متابعات: في سياق العلاقات العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة، يبرز ملف منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 وطائرات إف-35 الأمريكية كأحد القضايا المثيرة للجدل. حيث كان شراء تركيا لمنظومة إس-400 من روسيا عام 2017 بمثابة خطوة استراتيجية تسعى لتقوية دفاعاتها المستقلة بعيدًا عن حلف الناتو، لكن هذا القرار قوبل بمعارضة شديدة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. الولايات المتحدة ترى أن تشغيل إس-400 إلى جانب الطائرات المقاتلة الأمريكية إف-35 يشكل تهديدًا للتكامل الدفاعي بين دول الناتو.

وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، سعت أنقرة لتوسيع استقلالها الدفاعي وعلاقتها العسكرية مع دول غير غربية، من خلال شراء منظومة إس-400 الروسية، التي تسعى من خلالها لبناء ردع دفاعي مستقل يتجاوز الاعتماد على تكنولوجيا حلف الناتو.

لكن هذا القرار أحدث توترًا كبيرًا بين أنقرة وواشنطن، حيث اعتبرت الأخيرة أن تزويد تركيا بنظام الدفاع الجوي الروسي يتناقض مع المعايير العسكرية لحلف الناتو. كما أن استخدام إس-400 مع الطائرات المقاتلة الأمريكية إف-35 يُعد تهديدًا للأمن المشترك للحلف، بالنظر إلى التباين التكنولوجي بين النظامين.

وتسعى الولايات المتحدة في الوقت الحالي إلى إعادة تركيا إلى برنامج طائرات إف-35 بعد استبعادها في عام 2019 بسبب شراء إس-400. السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، أكد مؤخرًا أن أنقرة يجب أن تتوقف عن تشغيل منظومة إس-400 إذا كانت ترغب في العودة إلى البرنامج والحصول على الطائرات المقاتلة. ويشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن وجود نظام الدفاع الروسي في الخدمة إلى جانب الطائرات الأمريكية يشكل تهديدًا للتكامل الدفاعي داخل حلف الناتو.

لكن هذه الشروط تضع تركيا في موقف صعب، حيث تعتبر أنقرة أن إس-400 جزء أساسي من استراتيجيتها العسكرية المستقلة وتوسع قدراتها الدفاعية. علاوة على ذلك، فإن تركيا ترى أن إعطاء الأولوية للمصالح العسكرية الأمريكية على حساب شراكتها الاستراتيجية مع روسيا ليس خيارًا سهلاً في سياق العلاقات الدولية المعقدة التي تشهدها المنطقة.

من الناحية التقنية، كانت التكهنات تشير إلى أن تركيا قد تكون قادرة على دمج منظومة إس-400 مع أنظمة حلف الناتو عبر تحديثات تكنولوجية مكثفة. ولكن هذا الخيار تبين أنه غير قابل للتطبيق في الوقت الحالي، نظرًا للتعقيدات التقنية الكبيرة في ربط الأنظمة المختلفة، وتباين تقنيات الحماية بين المنظومات الأمريكية والروسية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التعاون بين مطوري النظم العسكرية الغربية والروسية أمرًا مستحيلاً من الناحية السياسية، بسبب التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا.

من الناحية السياسية، تستخدم تركيا منظومة إس-400 كأداة للمساومة مع الولايات المتحدة. وفقًا لبعض الخبراء، يمكن أن تكون أنقرة قد سعت من خلال هذه الصفقة إلى تحقيق توازن استراتيجي مع الغرب، وكذلك تعزيز استقلالها الدفاعي. في المقابل، يرى البعض أن تركيا تستخدم هذه المنظومة للضغط على واشنطن وحلفائها في الناتو للحصول على مزيد من التنازلات.

ومن منظور تركيا، يمثل شراء إس-400 خطوة نحو تحقيق استقلالية عسكرية وإستراتيجية في المنطقة. بالنسبة لأنقرة، لا يعتبر شراء الأنظمة الدفاعية المتقدمة من روسيا بديلاً عن علاقاتها مع الغرب، وإنما خطوة تهدف إلى تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية المحيطة. ولذلك، فهي تتعامل مع قضية إس-400 كجزء من سياستها الإقليمية والدفاعية الأوسع.

من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة ترى في إس-400 تهديدًا لتفوق حلف الناتو العسكري، وتصر على أن عودة تركيا إلى برنامج طائرات إف-35 يتطلب إلغاء هذه المنظومة. ومع ذلك، فإن ما تراه واشنطن تهديدًا قد يُعتبر في السياق التركي حقًا سياديًا ووسيلة لتحقيق استراتيجياتها الدفاعية بشكل مستقل. هذا التباين في الرؤى يخلق تحديات إضافية في العلاقات بين البلدين.

إذا كانت تركيا ستواصل اعتماد سياسة التعاون مع روسيا في مجالات الدفاع، فإن ذلك سيكون على حساب العلاقات مع الغرب. ومع ذلك، تعتبر أنقرة أن التحالف مع روسيا ليس بديلاً عن علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. ولذلك، فإن التحديات التي يطرحها ملف إس-400 ستظل نقطة صراع رئيسية في العلاقات التركية الأمريكية في المستقبل.

من الناحية العسكرية، تُدرك تركيا أن الحصول على طائرات إف-35 هو عنصر أساسي في تعزيز قوتها الجوية، ولذلك قد تُبذل جهود لإيجاد حل وسط في هذا الملف. في المقابل، إذا قررت أنقرة الحفاظ على منظومة إس-400 كجزء من قدراتها الدفاعية المستقلة، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التوترات مع الولايات المتحدة ويُبقي تركيا في وضعية متأزمة على الصعيدين العسكري والسياسي.

 

أعلى