البيان/وكالات: مع اشتداد الحرب الصهيونية على قطاع غزة، تتكشف خيوط أيديولوجية عميقة تغذيها مؤسسات دينية قومية لعبت دوراً محورياً في تحويل العقيدة الصهيونية من فكرة سياسية إلى مشروع تعبوي يستند إلى نصوص توراتية تُشرعن العنف وتُبرّر القتل. هذه المؤسسات، التي تُعرف باسم "يشيفوت هسدير" و"الميخنا"، تجاوزت دورها الأكاديمي أو التحضيري لتصبح أحد أهم مصانع الأيديولوجيا القتالية الدينية داخل الجيش الصهيوني.
  تعود نشأة مدارس "يشيفوت هسدير" إلى عام 1953، حين أُسست أول مدرسة على يد الحاخام يهودا عاميتال، لكنها انتشرت بشكل واسع بعد حرب 1967 مع صعود التيار الديني القومي الذي رأى في السيطرة على الأرض جزءاً من "الوعد الإلهي". أما معاهد "الميخنا"، التي أُنشئت أولاً في مستوطنة إيلي عام 1988، فهدفها إعداد جيلٍ يجمع بين الانضباط العسكري والالتزام الديني، ليكون "مبشراً" بالمشروع الصهيوني الديني المسلح. هذه المؤسسات لا تدرّب فقط على القتال، بل تُلقّن طلابها أن الحرب ضد الفلسطينيين واجب ديني، وأن "أرض إسرائيل الكبرى" حق إلهي غير قابل للتفاوض.
  تشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف ضباط وحدات المشاة في الجيش الصهيوني هم خريجو هذه المعاهد، وأن أكثر من 80% من طلابها ينضمون إلى وحدات قتالية، خاصة النخبوية مثل "غولاني" و"جفعاتي" و"سيرت همتكال". هذا الحضور الكثيف أسهم في تديين المؤسسة العسكرية الصهيونية، بحيث بات القرار الميداني في كثير من الأحيان يتأثر بخطاب ديني لا عسكري، وهو ما انعكس في سلوك ميداني عنيف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
  أظهرت تقارير صهيونية، أبرزها من صحيفة هآرتس، أن بعض خريجي هذه المعاهد يتولون مناصب قيادية ميدانية أثناء الحرب على غزة، ويُظهرون ميلاً واضحاً إلى استخدام القوة المفرطة تحت شعارات مثل "نحارب حرب الرب" و"تطهير أرض إسرائيل من الأشرار". كما رُصدت وحدات غير نظامية، مثل فرقة "أوريا" التي تضم مستوطنين متدينين، وهي متهمة بتدمير منازل فلسطينية في غزة واستخدام المدنيين دروعاً بشرية، ما يعكس تماهياً بين العقيدة الدينية والعنف الميداني.
  تزايد نفوذ هذه المعاهد جعلها جزءاً من مشروع اجتماعي وسياسي متكامل يهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع الصهيوني على أسس دينية قومية. فقد ارتفع الإقبال على هذه المؤسسات بنسبة 22% بعد حرب غزة، وازدادت أعداد الطلاب الأجانب بنسبة 31%، ما يدل على جاذبية الخطاب الديني القتالي لدى قطاعات متنامية من الشباب اليهودي حول العالم.
  يبدو أن الكيان الصهيوني لم يعد يخوض حروبه فقط بالسلاح، بل بالعقيدة أيضاً. فالمعاهد الدينية العسكرية تحولت من فضاءات تعليمية إلى منصات لتأطير العنف وإنتاج كوادر تحمل السلاح باسم "الرب". هذه الظاهرة لا تمثل انحرافاً فردياً، بل تجسيداً لمشروع أيديولوجي متكامل يسعى إلى دمج الدين بالجيش، وإضفاء شرعية توراتية على الإبادة والتطهير العرقي، وهو ما يجعلها أحد أخطر مكونات الصراع في فلسطين والمنطقة.