العدو الأول! (3 - 3)

إدامة النظر في كتاب الله قراءة وتدبراً واستهداء: فإنَّ فيه طريق النجاة، وتفصيل ميادين الصراع مع الشيطان، وأدوات النصر عليه


رابعاً: إيذاء الإنسان في نفسه ومِلكه

ما يزال العدو يتربص بالإنسان حتى يتمكن من إيذائه في نفسه وولده وماله وما يملك، وللشيطان عدد من الطرق يؤذي بها ابن آدم، منها:

السحر: وهو أقوى طريقة للاعتداء عليه وإيذائه، فيتسبب للإنسان - بإذن الله - بالأمراض المتنوعة في جسده ونفسه وحواسه، وقد يقتله، وقد يصدِّع بيته، قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]. وقريب منه العين والحسد.

الأحلام المزعجة: إذ يتسلط الشيطان على النائم فيريه ما يحزنه ويسوؤه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله، فَلْيحمدِ الله عليها وَلْيحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فَلْيستعذ بالله، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره»[1].

تخريب المساكن والعبث بما فيها: فإنَّ الشيطان إذا وجد ثغرة مناسِبة لم يألُ جهداً في اغتنامها بغية أذية الإنسان، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا نمتم فأطفئوا سُرُجكم، فإنَّ الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على هذا السراج فيحرقكم»[2]. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «أغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإنَّ الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ  واذكروا اسم الله، وخمِّروا آنيتكم ولو أنْ تَعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم»[3].

الاعتداء على الذرية: فيتسلط على المولود فينغزه، وعلى الصبية فيؤذيهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها»[4]. ولذلك فنحن منهيون عن ترك الصبيان خارج البيوت عند مغيب الشمس، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، فإنَّ الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء»[5]. فلا يؤمَن على الأطفال والصبيان حينها من الجان، لأنَّ الصبي غير كامل العقل، وليس عنده من ذكر الله ما يتحصن به من كيد الشيطان غالباً[6].

المبيت مع الإنسان والأكل من طعامه: عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا دخل الرجل بيته، فذكر اسم الله حين يدخل وحين يَطْعَم قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ها هنا. وإنْ دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت. وإنْ لم يذكر اسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء»[7].

خامساً: اختراع العادات والأعراف والنظم الاجتماعية

وقد أبان الله تعالى عن هذا المسلك في قوله: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21]. فهو مسلك يحتال فيه إبليس على المجتمعات المسلمة خطوة خطوة، حتى يصلَ بهم إلى الانحراف عن منهج الله وشريعته، ويوقعَهم في كثير من الضلالات بعد أنْ زينها وحسَّنها في أذواقهم من خلال أساليب الإقناع التي يقوم بها جنود إبليس في المجتمعات وما يملكونه من الأدوات النافذة في المجتمعات؛ كالقوانين والفن والإعلام والدراسات وغيرها. بل قد يصل إبليس بالمجتمع إلى الإشراك بالله، كما فعل مع القوم الذين أُرسل إليهم نوح عليه السلام، فقالوا: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]. قال محمد بن كعب: «هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم، ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة، فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة. ففعلوا، ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إنَّ الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم. فعبدوهم. فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك»[8].

ولذلك أنكر الله تعالى على قريش - كغيرها من المجتمعات والأمم - اتخاذهم الربا والخمر والميسر، لا باعتبارها منكراً فردياً فحسب، بل باعتبارها نُظماً اجتماعية مالية تعود بالضرر على المجتمع الذي يتطبع بها، وأخبر سبحانه أنَّ ذلك من عمل الشيطان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْـخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْـخَمْرِ وَالْـمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 - 91]. وقال في الربا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْـمَسِّ} [البقرة: 275].

وبعد أنْ أنكر الله تعالى على المشركين ما اخترعوه من تشريعات وقوانين يلتزم بها مجتمعهم؛ تُحرِّم ما أحل الله افتراءً عليه، أتبع ذلك بقوله سبحانه: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأنعام: 142]؛ أيْ بتحريم ما لم يحرِّمه الله عليكم ولا بغير ذلك من إغوائه؛ فهو - سبحانه - المنشئ لها والمالك حقيقة، وقد أباحها لكم وهو ربكم، فأنى لغيره أنْ يحرِّم عليكم ما ليس له: خلْقاً وإنشاءً ولا ملكاً، ولا هو بربٍّ لكم فيتعبدكم به تعبُّداً[9]. قال ابن عاشور: «أيْ لا تحرِّموا ما أحل لكم منها اتباعاً لتغرير الشيطان بالوسوسة لزعماء المشركين الذين سنُّوا لهم تلك السنن الباطلة»[10].

ومما يميز هذا العصر قوة التبريرات والحوارات التي تسعى جاهدة في تطبيع الأمة المسلمة على أعرافٍ وسننٍ اجتماعية أحدثها الشيطان، وما ذلك إلا لأنه يغذي بنفسه جنوده وأولياء بالحجج العقلية التي يقنعون بها الناس لينجرفوا خلفه اتباعاً وعبودية، وهذا مصداق قول الله تعالى: {وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَـمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١].

وهذا المسلك الـمُهلك له جانبان:

الجانب الأول: هو القوانين والتشريعات والإحداث في النظم الاجتماعية والمالية، التي لا يستطيع إحداثها إلا النخبة من الزعماء والعلماء، فيتولى مَن فعل ذلك كِبرها وإثمها، ويستحق به أنْ يكون من جنود إبليس وأوليائه.

الجانب الآخر: هو القبول المجتمعي لهذه التشريعات والنظم، وعدم إنكارها، وقد خلَّد القرآن الكريم هذه الحالة في سياق الذم حين قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17].

وقد حاولت في تبيين مسالك الشيطان الاختصار قدر الإمكان، وأُقدِّم للقارئ الكريم اعتذاري عن تجاوز بعض المسالك التي حاولت إدراجها ضمناً أو سهوت عنها، ولعل فيما سبق ما يشير إلى ما فات.

عدة الحرب وأداة النصر:

لا تظنن أنَّ ربنا جل وعلا حين فصَّل في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم  عداوة الشيطان للإنسان؛ فلا تظنن أنه سبحانه تركنا في ميدان الصراع بلا عدة النصر ودون أسباب القوة؛ بل علَّمنا كيف نتقي شره، وعلَّمنا كيف ننتصر عليه، فمن تلك العُدة المباركة:

إدامة النظر في كتاب الله قراءة وتدبراً واستهداء: فإنَّ فيه طريق النجاة، وتفصيل ميادين الصراع مع الشيطان، وأدوات النصر عليه، قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

الاستعاذة بالله منه ومن شره: قال تعالى: {وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]. والمطلوب من المؤمن دوام الاستعاذة بالله منه؛ سواء كان ذلك بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، في المناسبات المختلفة والمواقف المتنوعة، أو كان بمداومة قراءة المعوذتين، في أوقاتها المشروعة؛ فإنَّ الإنسان بحاجة دائمة إلى إعانة الله سبحانه له في صراعه مع الشيطان، فإذا قرأ المسلم سورتَي الفلق والناس عقب الصلوات الخمس وفي الصباح والمساء وعند النوم ونحو ذلك، فإنه أحرى أنْ يكون في مأمنٍ من الشيطان.

ذكْر الله تعالى: وهذا باب كبير في الانتصار على الشيطان وحصن متين في التحرز من آفاته، وفي الحديث: «وآمركم أنْ تذكروا الله، فإنَّ مَثَل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصنٍ حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يُحرِز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله»[11]. وذكر الله باللسان يقتضي ذكره بالقلب، وذلك بالتذكر الدائم بأنَّ الله عظيم وهو أحق أنْ يُستحيا منه وأنْ يُخشى منه وأنه حذَّرنا كثيراً من اتباع خطوات الشيطان، وأنَّ الشيطان عدوٌّ لله وعدوٌّ للمؤمنين.

الإسراع في التوبة: فإنَّ المعصية اتباع للشيطان وسير في خطواته، والتوقف عن هذا المسير هو التوبة والإقلاع عن الذنب، ولذلك وصف الله عباده وأولياءه بأنهم وإنْ غفلوا ووقعوا في الذنب سرعان ما يؤوبون ويرجعون، كما في قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] قال ابن كثير: «تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب. فإذا هم مبصرون أيْ: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه»[12].

التيقظ والحذر من مزالق الشيطان: هو أحد معاني الآية السابقة، قال ابن عاشور: «فإذا هم مهتدون ناجون من تضليل الشيطان، لأن الشيطان أراد إضلالهم فسَلِموا من ذلك»[13]. وهكذا كل عاقل عليه أنْ يتيقظ لمكائد عدوه؛ فلا يكون فريسة سهلة له في مختلف المواقف.

تعلُّم التوجيهات النبوية في الوقاية من شروره: فإنَّ كتب السنة زاخرة بالوصايا والتوجيهات التي تجعل من يتمسك بها في مأمنٍ من الشيطان وذريته؛ في البيت والمأكل والمشرب والملبس والسفر والحديث وغير ذلك.

الحذر الشديد من فتنة النساء: لا سيما في هذا العصر الذي صارت فيه سمة من سماته، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»[14].

التوقف عن التفكر في أمور الغيب وعدم الاسترسال في مجالس الخوض: وهذا مقتضى وصية النبي صلى الله عليه وسلم  إذ قال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَك؟ فإذا بلغه فَلْيستعذ بالله ولينتهِ»[15]. بل أمر الله تعالى بالإعراض عن القعود في مجالس التكذيب بالدين وتحريفه والتلبيس فيه، قال تعالى: {وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ} [الأنعام: 68].

طلب العلم الشرعي: وهو الفقه في دين الله وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم  بمنهجية أصيلة، وفي الحديث المأثور: «فقيهٌ أشد على الشيطان من ألف عابد»[16]. قال الملا القاري: «لأنَّ الفقيه لا يقبل إغواءه؛ وذلك لأنَّ الشيطان كلما فتح باباً من الأهواء على الناس، وزين الشهوات في قلوبهم بيَّن الفقيه العارف بمكائده ومكامن غوائله للمريد السالك ما يسد ذلك الباب، ويجعله خائباً خاسراً، بخلاف العابد فإنه ربما يشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري»[17].

الاعتناء بالخواطر والأفكار وإصلاحها: قال ابن القيم: «مبدأ كل علمٍ نظري وعملٍ اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة. فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها، فصلاح الخواطر بأنْ تكون مراقبة لوليها وإلهها صاعدة إليه دائرة على مرضاته ومحابِّه»[18].

وهذه بعض أدوات النصر على الشيطان في المعركة الأبدية، وبعض عدة الحرب في الصراع معه، والمقصود أنْ يستشعر المؤمن أنه في حالة حرب وصراع معه، بلا توقف ولا استراحة، وأنْ يستحضرَ أنَّ خطوات الشيطان وسبيله لا تؤديان إلا إلى عذاب الله وشقوة الدنيا والآخرة. والله المسؤول أنْ يعيذنا دائماً وأبداً من همزه ونفخه ونفثه.

إنَّ الصراع بين أهل الإيمان والشيطان هو قدَر محتوم في الحياة الدنيا، أقسم الشيطان على أنْ يسخِّر حياته لأجله، وأذن الله تعالى له بذلك ابتلاء لأهل الإيمان، ثم أمدَّ الله تعالى بني آدم بالرسل وأنزل عليهم الكتب لتكون هداية للناس في صراعهم مع الشيطان، ويوم القيامة يتبرأ الشيطان من جميع أوليائه وأتباعه، ويتبرأ من كل أفعاله ومكائده حين يرى الحساب الأخروي مرتهن بهذا الصراع، قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْـحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إنَّ الظَّالِـمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 22  وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم: 22 - 23]. ويوبخ المولى سبحانه أولئك الذين اتبعوه، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 60 وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 61 وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ 62 هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 63 اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [يس: 60 - 64]. فأنت تلحظ من العرض القرآني لهذا الصراع مركزيته في مسيرة الإنسان الإيمانية، الصراع الذي لا يمكن تجنبه؛ حتى في ساعة الموت ووقت الاحتضار، فإنَّ الشيطان - كما أثبتت النصوص - يرمي ما بقي من ذخيرته في تلك الساعة، وقد قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: «لما حضرت أبي الوفاة، جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يغرق ثم يفيق، ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا: لا بعد لا بعد، ثلاث مرات. فلما كان في الثالثة قلت: يا أبة، أي شيء هذا الذي لهجت به في هذا الوقت؟ قال: إبليس - لعنه الله - قائم بحذائي، وهو عاضٌّ على أنامله؛ يقول: يا أحمد فُتني. وأنا أقول: لا بعد حتى أموت»[19]. فاللهم! اجعلنا من أوليائك المؤمنين.


 


[1] أخرجه البخاري، حـ 7045.

[2] أخرجه أبو داود، حـ 5247.

[3] أخرجه البخاري، حـ 5623.

[4] أخرجه البخاري، حـ 3431.

[5] أخرجه مسلم، حـ 2013.

[6] انظر: الإفصاح لابن هبيرة: 8/252.

[7] أخرجه مسلم، حـ 2018.

[8] تفسير البغوي: 8/323.

[9] تفسير المنار: 8/123.

[10] التحرير والتنوير: 8/126.

[11] أخرجه الترمذي، حـ 2863.

[12] تفسير ابن كثير: 3/534.

[13] التحرير والتنوير: 9/233.

[14] أخرجه مسلم، حـ 2742.

[15] أخرجه البخاري، حـ 3276.

[16] أخرجه الترمذي، حـ 2681.

[17] مرقاة المفاتيح: 1/300.

[18] الفوائد، ص173.

[19] سير أعلام النبلاء: 11/341.

أعلى