• - الموافق2024/04/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
متلازمة غزة تنسف الرواية الصهيونية

الرواية الفلسطينية التي كانت تخرج أولاً، ويتلقفها الجمهور الصهيوني، ساهمت بشكل كبير في الضغط على الحكومة الصهيونية، وتسبَّبت في خروج مظاهرات لأهالي الأسرى الصهاينة للضغط على الحكومة الصهيوني


عملية تبادل الأسرى بين حركة حماس في قطاع غزة وسلطات الاحتلال الصهيوني، والتي استهدفت في مرحلتها الأولى الأسرى المدنيين من الأطفال والنساء؛ كانت معركة إعلامية ذات أبعاد سياسية عميقة تسبَّبت انعكاساتها في إرباك المشهد السياسي الصهيوني من الداخل.

في مقالٍ نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم» أشارت إلى وجود إجماع مِن قِبَل نُخبة التحليل السياسي العبرية بأن فرض رقابة عسكرية على تعاطي الأسرى الذين أفرجت عنهم «حماس» كان خوفًا من تكرار تجربة السيدة المسنة يوشيفيد ليفشيتز التي خرجت في مؤتمر صحفي، وأشادت فيها بحُسْن معاملة المقاومة الفلسطينية لها، وأكَّدت أنها حصلت هي والسجناء الآخرين على عناية طبية كاملة.

وقد أثارت ليفشيتز سخط الحكومة الصهيونية حينما خرج لها مقطع فيديو، وهي تصافح أحد عناصر المقاومة قبيل إطلاق سراحها بلحظات في قطاع غزة، لذلك لم تسمح للأسرى المُفرَج عنهم بالحديث مع وسائل الإعلام، وفرضت رقابة مشددة على ظهورهم وسط التجمعات. فوفقًا للصحافة العبرية؛ فإن المقابلات غير الخاضعة للرقابة ستكون بمثابة كابوس لحكومة نتنياهو.

تظهر اللقطات التي نشرتها حركة حماس وبثَّتها جميع وسائل الإعلام والتلفزة العالمية بأن الرسالة الإعلامية التي أرادت المقاومة الفلسطينية إرسالها هي حالة مقارنة بين ما تفعله قوات الاحتلال مع المعتقلين الفلسطينيين والأسرى الصهاينة، وتستغل كذلك الاهتمام العالمي بهذا الملف لتقديم رسائل إيجابية حول الأهداف الإستراتيجية لعملية الأسرى برُمْتها. فهي خطاب إنسانيّ تُقدّمه المقاومة مقابل الهمجية والغطرسة التي يتّبعها الاحتلال الصهيوني في هذا الملف.

يقول المحلل السياسي الصهيوني يانيف بيليج: «إن المكتب الإعلامي لكتائب القسام أنتج مقاطع احترافية عالية الجودة باستخدام كاميرات متعددة وتصوير جويّ؛ بهدف إرسال رسائل إعلامية تعكس القدرة، وتضغط كذلك على المجتمع الداخلي في الدولة العبرية، فهم يمتلكون زمام المبادرة والسيطرة الكاملة على الأرض، وهذا ينسف الرواية التي يحاول سردها الجيش الصهيوني».

وتشير التقارير الواردة من المستشفيات الصهيونية الثلاثة التي نُقِلَ إليها الأسرى لتلقّي العلاج، بأن حالتهم الصحية جيدة، وليس لديهم أيّ مشاكل طبية، وهذا الأمر تناقلته الصحافة العالمية في سياقين؛ أولهما: وجود حالة تنظيمية تم الاستعداد لها لمثل هذه المواجهة، وكذلك التعاطي الإنساني مع الأسرى وفقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية؛ وفقًا لشهادات بعض الأسرى المُفرَج عنهم من غزة.

يقول المراسل العسكري للقناة 13 العبرية، ألون بن دفيد: «إنه خلال حديثه مع الأسرى المُفرَج عنهم أكدوا له أن مقاتلي حماس قاموا بجمع أعضاء كل كيبوتس معًا؛ مما منَحهم شعورًا أكبر بالراحة».

ووفقًا لأقواله، فإنهم لم يتعرَّضوا لأيّ عنف أو إهانة، بل قُدِّمت لهم المسكنات والأدوية المعتادة، وكذلك الطعام في ظروف خَطِرة؛ بسبب الهجمات التي تُنفِّذها الطائرات الحربية الصهيونية، وكانوا أيضًا يمارسون أنشطتهم المعتادة، ويشاهدون اليوتيوب.

لذلك حاول الجيش الصهيوني منع الأسرى الصهاينة المُفرَج عنهم من الاحتكاك بوسائل الإعلام، وسمحت لهم بالجلوس مع أصدقائهم وأقاربهم فقط، لذلك يقول الدكتور جيمس رودجرز: «إن صفقة الأسرى كانت صفقة دعائية للضغط على الحكومة الصهيونية».

كما حاول الجهاز الأمني الصهيوني استخلاص المعلومات من الأسرى من خلال التحقيق معهم، ومحاولة التعرف حول البيئة التي كان يتم احتجازهم بها؛ طمعًا في الحصول على معلومات قد تُحفِّز الحلول العسكرية لهذا الملف دون جدوى.

كما أن الرواية الفلسطينية التي كانت تخرج أولاً، ويتلقفها الجمهور الصهيوني، ساهمت بشكل كبير في الضغط على الحكومة الصهيونية، وتسبَّبت في خروج مظاهرات لأهالي الأسرى الصهاينة للضغط على الحكومة الصهيونية لتبنّي صفقة كاملة لتبيض السجون.

يصف الباحث في دراسات الأمن الدولي جيمس دير ديريان بأن ما كان يجري في كل ليلة لتسليم الأسرى الصهاينة هو شكل مهم من «وسائل الحرب الأخرى». وهي دعم قويّ للرواية الفلسطينية التي عملت على نَسْف رواية صهيونية وغربية تشكلت منذ بداية الحرب، وركزت على وَسْم المقاومة بــ«الإرهاب»، وحاولت وضع المحتل موضع الضحية في هذه الحرب.

لقد روَّج البعض لمتلازمة «ستوكهولم» الشهيرة بصفتها تبريرًا مناسبًا لمقاطع الفيديو التي ظهرت فيها حالات وداع بين عناصر المقاومة والأسرى الصهاينة، لكنَّ ما جرى في قطاع غزة يجعلنا نُميِّز ببساطة الفرق بين التأطير الشخصي والتنظيمي لطريقة التعاطي مع هذا الملف. فالعلاقة المستمرة بين عناصر المقاومة والأسرى الصهاينة طوال قرابة 40 يومًا صنعت مخرجات واقعية أظهرتها المشاهد الأخيرة للحدث، وأكدت أن عناصر المقاومة كانوا يتصرَّفون وفق تنظيمات شرعية، وليس مزاجية شخصية يمكن تفاوتها بسهولةٍ بسبب الضغط العسكري الكبير عليهم، وأظهرت قيمتها في التعاطي سياسيًّا مع ملف الأسرى، وتشكيل أسباب ضغط على الحكومة الصهيونية مِن قِبَل الجبهة الداخلية، والأمر الآخر هو صُنْع رواية فلسطينية أكثر قوة وتجيد مواكبة الخطاب الإنساني العالمي.

 

 

أعلى