تتواتر التصريحات السياسية من داخل لبنان وخارجه حول مسألة نزع سلاح حزب الله. فهل يمتلك الجيش اللبناني فعلاً القدرة على تنفيذ هذا الأمر؟ وما هي المعوقات التي تقف في طريقه؟ وإن كان عاجزاً، فما هي السيناريوهات المتوقعة وتداعياتها على لبنان؟
مع انهيار إيران عسكريا وتراجع دورها الإقليمي، واستمرار الضغوط الصهيونية
الأمريكية على لبنان، وأيضا مع ذهاب نظام الأسد ومجيء حكم جديد في سوريا يعتبر
إيران وحزبها مسئولا عن قتل وتهجير السوريين، وقبل كل ذلك تحطيم جزء كبير من بنية
حزب الله في لبنان، واغتيال كثير من قياداته، وعلى رأسهم حسن نصر الله...كل هذه
المؤشرات، تمثل في هذا الوقت، فرصة تاريخية للبنانيين لنزع سلاح حزب الله، والذي
طالما تم توجيهه إلى صدور اللبنانيين، والذي هيمن على القرار الاستراتيجي لتلك
الدولة، ووظفه لصالح إيران؟
وهنا يأتي السؤال الواقعي، ومن الذي يستطيع نزع سلاح حزب الله في لبنان؟ هل يمتلك
الجيش اللبناني الإرادة والقدرة على مثل هذه العمل؟ ما هي العقبات التي تحول دون
نزع هذا السلاح؟ وأخيرًا ما هي السيناريوهات المتوقعة والتي ستؤول إليها الأمور في
لبنان؟
للإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي في البداية تحليل وبحث إمكانية امتلاك الجيش
اللبنانية القدرة على نزع السلاح، والعقبات المتوقعة في هذا المسار، ثم نعرج على
السيناريوهات المتوقعة والبدائل المستقبلية.
العقبات التي تحول دون تدخل الجيش اللبناني لنزع سلاح الحزب
هناك عقبتان أساسيتان تحول كل منهما دون استطاعة الجيش اللبناني وقدرته على نزع
سلاح حزب الله:
أولهما فروق القوة العسكرية، وثانيهما التركيبة الطائفية داخل الجيش اللبناني.
عندما نتحدث عن قدرة الجيش اللبناني على نزع سلاح تنظيم حزب الله، ينبغي مقارنة
القدرات العسكرية لكل من الجيش والحزب:
وفق نشرة التوازن العسكري (The
Military Balance)
والتي يصدرها مركز المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن(iiss)،
وتعتبر أهم نشرة سنوية في العالم تتبع قدرات الجيوش في الدول المختلفة، فإن القوة
النظامية للجيش اللبناني تقدر بحوالي 77,000 عسكري، منهم نحو 60,000 في القوات
البرية، و3,000 في القوات الجوية، و1,800 في القوات البحرية، والباقي في القيادة
والأجهزة الداعمة، بينما تتراوح قوات الاحتياط من 20,000–25,000.
ويمتلك الجيش اللبناني 100 من دبابات القتال القديمة أمريكية الصنع، وعدد محدود من
دبابات
T-55
السوفيتية القديمة، بينما يبلغ عدد عربات القتال المدرعة نحو 1,100، تشمل
M113
(أمريكية)، وVAB
(الفرنسية).
كذلك يحوز الجيش على 250 قطعة مدفعية ميدانية (قديمة بمعظمها)، و100 راجمة صواريخ،
ولديه صواريخ موجهة مثل
TOW
(الأمريكية) وMILAN
(الفرنسية).
والجيش اللبناني ضعيف في القدرات الجوية والبحرية، حتى المسيرات لا يمتلك منها
شيئا.
ولذلك تتركز قدرات الجيش الحقيقية في الانتشار الداخلي وحفظ الأمن، أكثر من مواجهة
جيوش أو تنظيمات مسلحة كبرى.
بينما يصل أعداد مقاتلي حزب الله وفق التقرير السنوي الذي يصدره معهد دراسات الأمن
القومي الصهيوني (INSS)
التابع لجامعة تل أبيب، حوالي 25,000 مقاتل مدرَّب ومحترف (النواة القتالية)،
وحوالي 20,000 احتياط.
كما يمتلك الحزب ما يتراوح ما بين 120,000
–
150,000 صاروخ وقذيفة، تشمل: قصيرة المدى (كاتيوشا)، ومتوسطة المدى (تصل 200–300
كم، مثل زلزال، بدر، فجر 5)، وعدد محدود من الصواريخ البعيدة التي قد تصل إلى وسط
إسرائيل.
كما يمتلك الحزب مئات الطائرات المسيّرة (استطلاع، هجومية، وانتحارية)، بعضها من
صناعة إيرانية مثل شاهد أو نسخ مطوّرة محليًا.
وفي مجال الدفاع الجوي، لدى الحزب محاولات لتعزيز دفاعه الجوي عبر أنظمة متوسطة مثل
(
SA-17أو
SA-22
) جاءت إليه من سوريا في عهد بشار وإيران، لكن التقرير يشير أنها محدودة الانتشار،
وغير مؤثرة.
وبالنسبة للخبرة القتالية، يشير المركز الصهيوني، إلى أن الحزب راكم خبرة واسعة في
الحرب النظامية وغير النظامية من مشاركته في قمع الثورة السورية، ولديه قدرة على
دمج حرب العصابات، مع استخدام نيران كثيفة (صواريخ ومدفعية)، مما يشكل تحديًا
مزدوجا، لأي قوة تواجهه.
وبذلك يتبين أنه بتحييد أي عوامل أخرى جدلا، فالجيش اللبناني سينهزم بسهولة في أي
مواجهة مع حزب الله.
الطائفية في الجيش اللبناني
العقبة الثانية التي تواجه الجيش اللبناني هو تركيبته الطائفية.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد نص دستوري أو قانوني يفيد بتقسيم الجهاز الإداري أو
الأمني أو العسكري للدولة اللبنانية على أسس طائفية، إلا أن هذا الانقسام تم العمل
به عرفيا منذ تأسيس الدولة عام ١٩٢٥، وجرى تعديل التوزيع الطائفي في التعيينات
لمؤسسات الدولة في اتفاق الطائف عام ١٩٨٩.
ونصت أعراف الدولة اللبنانية على أن يكون رئيس الجمهورية ماروني، ورئيس الوزراء
سني، ورئيس مجلس النواب شيعي.
وامتد التوزيع الطائفي في الجيش اللبناني، ولكن لم يكن هذا التوزيع متداولا في
الإعلام كثيرا، وإنما كان محل أبحاث ودراسات وتقارير صحفية غربية.
وبحسب دراسة لمركز كارنيجي الأمريكي، فإن مناصب القيادة العليا للجيش موزعة كالآتي:
منصب قائد الجيش مخصص دائمًا لمسيحي ماروني، ومنصب مدير المخابرات العسكرية عادة
يُعطى لشيعي، بينما منصب رئيس الأركان يقتصر في الغالب على الدروز.
ويلاحظ تجاهل السنة الطائفة الأكثر عددا في لبنان في مناصب القيادة العليا للجيش
اللبناني.
أما التوزيع الطائفي لبقية فصائل الجيش بحسب دراسة كارنيجي، (لأن الجيش لا ينشر
أرقام طائفية رسمية):
فإن نسبة الشيعة بين الجنود والضباط: 30–35%،
والسنة: 25–30%،
والمسيحيين: (موارنة + أرثوذكس + كاثوليك): 30–35%،
بينما دروز وأقليات أخرى: 5–7%.
وبسبب هذا التوزيع الطائفي لمكونات الجيش اللبناني، فقد سهل انقسام الجيش أو على
الأقل حياده لكي يحافظ على تماسكه، عند وقوع حوادث طائفية على نطاق واسع.
فعند اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، تفكك الجيش اللبناني، والتحق جنود كل طائفة
بميليشياتها المسلحة.
وهناك واقعة أخرى جرت في أثناء الحرب الأهلية في لبنان في إحدى فصولها، عندما حاولت
حركة أمل الشيعية بزعامة بري اجتياح مخيمات الفلسطينيين في صابرا وشاتيلا، وحينها
استعانت باللواء السادس في الجيش اللبناني الذي كانوا من الشيعة.
ومؤخرا في أحداث عام 2008، حين اجتاحت ميليشيات حزب الله بيروت الغربية وهي إحدى
معاقل السنة، وذلك لتأديب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وإخضاعه، اتخذ الجيش
اللبناني سياسة الحياد ولم يواجه الحزب عسكريا، وترك ميليشياته تعربد في الشوارع
التي يقطنها أهل السنة، وتعتدي على الناس، وتسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،
في مشهد تعمد فيه حزب الله إذلال أهل السنة.
ويبقى السؤال الأهم، لماذا تطالب أمريكا ومعها الكيان الصهيوني دائما الجيش
اللبناني بنزع سلاح حزب الله رغم معرفتهما أنه غير قادر على هذا الفعل؟
الإجابة تتلخص في ثلاثة عناصر:
الأول غطاء سياسي ودبلوماسي لتبرير استمرار العقوبات أو الضربات الصهيونية على
لبنان.
والثاني ترويض حزب الله، وإبقائه تحت ضغط ليعود إلى تفاهمات ما قبل الطوفان،
واستمراره حارسا للمصالح الصهيونية.
الثالث كورقة تفاوضية مع الدولة اللبنانية، لكي تتنازل في ملفات أخرى منها ترسيم
الحدود البحرية، والغاز، والمساعدات الدولية.
سيناريوهات المستقبل
وفي النهاية يأتي السؤال إذا استبعدنا سيناريو دخول الجيش اللبناني في مواجهة مع
الحزب، لأن المواجهة معروفة مسبقا، وهو إما انهيار الجيش بسبب فارق التسليح والأداء
القتالي، أو انقسامه الطائفي...فإذا استبعدنا هذا كله، ماذا يتبقى إذن من
السيناريوهات المطروحة؟
الأول سيناريو التآكل التدريجي:
وهو يتمحور حول الضغط الدولي والإقليمي على حزب الله ليضعف بمرور الوقت دون مواجهة
مباشرة، باستخدام: العقوبات المالية، وهذا سيؤدي إلى اشتداد أزمات لبنان الاقتصادية
التي تجعل بيئة الحزب الشعبية تعاني، ويساهم في ذلك التآكل تراجع دعم إيران نتيجة
استمرار حصارها.
وفي النهاية ووفق هذا السيناريو سيؤول الأمر إلى بقاء الحزب مسلحا، لكن بقدرات
محدودة، مع تآكل شرعيته الاجتماعية والسياسية.
الثاني، سيناريو الصفقة الإقليمية الكبرى: يعني أن يأتي تفكيك سلاح حزب الله
كجزء من تسوية شاملة في الشرق الأوسط، تتضمن اتفاق نووي/أمني جديد بين إيران والغرب
والكيان والدول العربية، متضمنا نزع سلاح الأذرع الإيرانية: (الحزب، الحوثيين،
الميليشيات العراقية).
الثالث، الصفقة السورية:
وهو دخول قوات الجيش السوري لنزع سلاح الحزب، في إطار صفقة بين الدولة السورية
الجديدة وبين الكيان برعاية أمريكية تركية، تضمن استرداد سوريا جزء من الجولان قبل
٦٧، ووقف التدخل الصهيوني في الشأن السوري الداخلي، وهذا الموضوع تتم مناقشته علنا
في الإعلام الصهيوني، كما تحدث عنه المبعوث الأمريكي توم باراك عدة مرات، منها
بصراحة ومباشرة، ومنها بطريقة غير مباشرة عندما تحدث عن ضرورة تعديل سايكس بيكو
وإعادة إحياء مفهوم الشام الكبرى.