• - الموافق2025/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تسليع المرأة في عصر الثورة الصناعية: في منظور الفكر النسوي

تطرح النسوية تمرّدًا على الأسرة التقليدية بوصفها قيدًا، مقابل استقلال مادي وفردي للمرأة، لكن الواقع النفسي والاجتماعي يبرز حاجة الإنسان إلى الأسرة المستقرة، ويؤكد المنظور الإسلامي التكامل بين الرجل والمرأة في إطار يحفظ الفطرة والكرامة والأنساب.

 

لا يمكن فَصْل النسوية -بوصفها فكرًا وتيارًا اجتماعيًّا-، عن الزواج، وعمّا يُسمَّى النظام الأبوي الذي ساد المجتمع الغربي؛ فالنسوية حملت تمرُّدًا ضد وضع المرأة الاجتماعي، وضد تحكُّم الرجل فيها، سواء كان زوجًا أو أبًا، أو حتى من رجال العائلة، الذين تحكموا في مصائر النساء.

وبعبارة أخرى: من المهم فَهْم النسوية في تشابكاتها الاجتماعية في الزواج وفي النظام البطريركي، الذي كان سمةً مَيَّزت المجتمعات الغربية قديمًا وإلى عهد قريب.

  ففي العصر الحديث، ومع الثورة الصناعية التي غيَّرت المِهَن، وأوجدت المصانع، خرجت النساء إلى العمل، واستطاعت تأمين دَخْلٍ يَكفيها، ورَفَعَتْ عن كاهلها خدمة المنزل، خاصةً مع اختراع الآلات الحديثة مثل الغسالات والثلاجات والمُجفّفات[1]، وشرعت المرأة تُفكِّر في استقلالها الاجتماعي، عن الزوج أو الأب. فمُنطلقها كان من رؤية مادية، تَرهن استقلالية المرأة عبر قدرتها على الإنفاق على نفسها، وترى أن مختلف ميادين الحياة تتسع للمرأة أُسوةً بالرجل في كل شيء.

 أما مفهوم احتياج المنزل لها، فلم يَعُد قائمًا، مادامت هناك أجهزة منزلية تُوفِّر الجهد المبذول في أعمال المنزل، وبالطبع هناك حضانات ومدارس تتكفَّل بتربية الأبناء، فلا حاجة لبقاء المرأة في المنزل، وعليها أن تخرج منه، وكأن المنزل سجن، والزوج -أو الذَّكَر أيًّا كان- هو السَّجَّان، وتتجاهل في الوقت نفسه قضية الأسرة، بوصفها لبنة المجتمع، ومحضنه الأساسي في التربية، وفي أهمية إمداد الدولة بالثروة البشرية، من خلال إنجاب الأطفال ورعايتهم رعاية سليمة، ولا يمكن إغفال دور الأم في حياة أبنائها.

  وقد أثبتت الظروف مدى احتياج المجتمعات إلى الأسرة، ففي الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، في القرن العشرين، ذهب الرجال في أوروبا إلى جبهات القتال، وتولَّت النساء العمل في المصانع، وإن كانت فترة الفاشية Fascism نظرت إلى النساء بدونية، ولكن مع انتهاء القتال، اشتاق الرجال والنساء معًا إلى الحياة الأسرية، وأهمية الإكثار من المواليد لتعويض المفقودين في الحرب[2]، فقد أضحت البيوت خاوية، وكثُر الأطفال الأيتام الذين مات آباؤهم في الحرب، فكان لا بد من العودة إلى دعم الأسرة بشكلها التقليدي، أي: بوجود الرجل والمرأة معًا على رأسها.

    والدراسات الحديثة في علم النفس والاجتماع أثبتت أن الحياة الأسرية التقليدية من أهم أسباب السعادة في الحياة، وأسقطت في مقابل ذلك، فكرة الفردية أو العزوبية، وأكَّدت على أهمية العيش المشترك في أُسرة تضم الزوج والزوجة والأطفال، وهو الشكل المُتوارث منذ أقدم العصور، وعليه خلق الله البشر، وسائر الكائنات في الوجود.

يقول «جاك لوكنت»، -وهو أحد أبرز علماء الغرب في مجال علم النفس-: «حصيلة الدراسات عن مُسبّبات السعادة، مهما كان العمر أو الجنس أو الثقافة أو المحيط الاجتماعي والاقتصادي؛ يأتي الحُبّ والصداقة والأُبوَّة والأمومة في مقدمة هذه المسببات، بجانب الإيمان بقناعات وقِيَم سامية. وبالنسبة للحياة الزوجية، فإن الزوجين اللذين يتمتعان بالاستقرار يحتلّان المرتبة الأولى. وذكر الباحثون أن الحياة الزوجية العادية والأحاديث اليومية إنما تُحقّق الاستمتاع والإحساس الجميل».

ووضع عالم النفس الأمريكي «روبرت ستارنبرغ» النظرية الثلاثية للسعادة، والتي تتكون من: «الحب والالتزام والحميمية»، وذكر أن الأشخاص السعداء هم المتزوجون، وأن الاختلاف بين الزوجين يُوجِد تنوُّعًا، وأن وجود الأطفال في الأسرة يُوجِد أملًا جميلًا، ويُحفِّز الأب للكدّ في الحياة، والأم لتخدم بيتها وأولادها بحُبٍّ، وعلى العكس، فإن أيّ صراع في الأسرة أو انفصال ينعكس بشكلٍ سيئ على الأطفال؛ حيث يُعاني الطفل بشدة في أُسرة بلا أب أو بلا أُمّ»[3].

أشكال العائلات في المجتمعات الغربية

ترفض الدراسات الحديثة أشكال الارتباط المستحدَثة، سواء العلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة، أو العلاقات الشاذة، أو الأمهات ذوات الأطفال وهن بلا أزواج، أو الآباء ذوو الأطفال وهم بلا زوجات، ناهيك عن فوضى النسب في الحياة الغربية.

ومن أشكال العائلات في المجتمعات الغربية ما يلي:

- عائلة ثنائية التكوين: أب وأم وأولادهما.

- عائلة ثنائية التكوين: أب وأم، وهما مُطلَّقان سابقًا، أو يعيشان معًا خارج رباط الزوجية، ومعهما أولاده أو أولادها، من علاقة أو زيجة سابقة.

-عائلة ثنائية التكوين: أب وأم يعيشان معًا خارج رباط الزوجية، وأولادهما من هذه العلاقة، أو من علاقة أو زيجة سابقة.

- عائلة أحادية التكوين: أُمّ بمفردها إما نتيجة الطلاق، أو الترمُّل، أو هَجْر عشيقها لها، وأولادها، الذين قد يكونون من أكثر من أبٍ واحدٍ.

- عائلة أحادية التكوين: أب بمفرده إما نتيجة الطلاق، أو الترمُّل، أو هجر عشيقته له، وأولاده.

- عائلة ثنائية التكوين: من جنس واحد، أي: لُوطيان أو سحاقيتان يَعيشان معًا مع أو بدون أولاد.

 يُضاف لذلك ما تشير إليه الأرقام الواردة في سجلات الدائرة الوطنية للإحصاءات (سنة 2008م) في بريطانيا من أنَّ المتزوجين أصبحوا يُشكِّلون أقليَّة في المجتمع، وهو سَبْق لم يحصل مثله من قَبْل؛ فإن ظاهرة عيش الرجل مع امرأة (خليلة) في ظل علاقة لا تخضع لرابطة الزوجية هي في ازدياد مطَّرد؛ حيث ارتفعت بنسبة 64% خلال عقد من الزمان. فأصبح نصف المواليد الجدد تقريبًا يُولدون من علاقات خارج رابطة الزوجية[4].

ولنا أن نتخيل فوضى العلاقات الجنسية، وما ينتج عنها من إضاعة الأنساب، خاصةً أن الأطفال في الغرب يمكن نَسبهم إلى عائلة الأم، وبالتالي لا يَعرف الطفل مَن أبوه، وما ينتج عن ذلك مِن آثار نفسية في التربية وتكوين الشخصية.

والمشكلة في المنظور السابق في القراءة النفسية للنسوية أو للزواج، أنه منظور علماني، يُقْصِي الأبعاد الروحانية الدينية، ويُركِّز على الجانب المادي في قراءته لمشكلات الإنسان الفردية أو الأسرية أو الاجتماعية. وقد ظهرت -ردًّا على ذلك-، مدارس نفسية، تنتصر لنفسية الإنسان وتجربته الذاتية الداخلية، وسلوكه المُعقَّد مثل الحُبّ، ولقِيَمه ولعقيدته، كما يُهْمِل مقدرته نحو توجيه الذات وتحقيقها، وينأى عن تقسيم النفس إلى روح وبدن، وأيضًا عن النظرة الغربية الحيادية التي لا تنحاز إلى الخير أو الشر، التي يتمسك بها السلوكيون.

أما المنظور الإسلامي لعلم النفس، فهو يرتكز على مفهوم الفطرة، وتعني تلك الطبيعة الخيِّرة الكامنة في الإنسان، والتي وَهَبها الله لخلقه، كما تعني إيمان الإنسان الفرد بما يختاره في حياته؛ فالإنسان ليس آلة سلبية، بل هو مُشارِك نَشِط يمتلك حرية الاختيار، ليُشَكِّل مصيره ومصير غيره من البشر[5]، الذين يرتبطون به مباشرةً مثل الزوجة والأبناء.

والأمر هنا لا يخص الرجل أو المرأة، بل يخصُّهما معًا؛ لأن المنظور الإسلامي يرى المرأة ذاتًا إنسانية مساوية للرجل تمامًا، ولا صراع بينهما، وإنما تكامل في ضوء الفطرة التي جَبَل الله الناس عليها من ذَكر وأنثى.

أما العلاقة الجنسية فهي مُؤطَّرة بعَقْد زواج شرعي، له شروط وضوابط؛ نصّ عليها الفقهاء قديمًا وحديثًا، وكلها تَحفظ كرامة الرجل والمرأة، وتَحفظ الأعراض والأنساب، وسائر الحقوق المترتبة عليه. والأهم في كل هذا، أنه يحفظ مكانة المرأة، فلا تكون مطية للرجال، ضمن علاقات طارئة أو مؤقتة أو سرية، ومنحها حقّ الطلاق، والخُلْع. وقبل ذلك أكَّد على حقّها في اختيار شريك الحياة بموافقة صريحة.

ومع ذلك، فهناك أشكال مُستحدَثة من الزواج، باتت تنتشر بين الشباب والفتيات، منها زواج الإنترنت، والكاسيت، والوشم، والدم، والصداقة، والطوابع، وغيرها، وكلها عائدة إلى التغيُّرات التي أصابت المجتمعات الإسلامية، جرّاء المدّ التغريبي، وزيادة الاختلاط بين الجنسين، وضعف الوازع الديني، وتفكك الأسرة، وإحساس المرأة بالاستقلالية المادية والنفسية، بجانب الصعوبات المادية وغلاء المهور، وزيادة العنوسة[6].

وهذا -في رأينا- من أصداء التأثيرات الغربية في المجتمعات المسلمة، والسير على نفس نمط معيشتها، وتبنّي هياكلها الإدارية والاقتصادية، والإسراف في دعوات مساواة المرأة، التي جعلت المرأة ندًّا مُنافِسًا للرجل في ميادين الحياة والأعمال.

وهذا لا يعني أننا ضدّ توظيف المرأة، وخروجها للعمل، وإنما ضدّ الاختلاط المذموم، وما يَنتج عنه من تفسُّخ أخلاقي، واشتعال الشهوات، والاستهانة بحقيقة الارتباط بين الجنسين، وأنه مجرد مغامرة عاطفية، قد تتَّخذ شَكْل علاقة سريَّة (تحت مسمى الزواج العرفي، والكاسيت، والدم...)، بدون أيّ قيود على الطرفين، ودون النظر إلى عواقب هذا الارتباط، وأنه ليس زواجًا بالمعنى الكامل، وإنما نزوة لإشباع الشهوة، يعقبها -آجلًا أو عاجلًا- انفصالٌ بدون أيّ تَبِعَات.

    هذا، ومن المنطقي أن تكون هناك مصطلحات تقابل المفاهيم النسوية، تتمحور حول الذكورية بوصفها النوع المضاد للأنثى، فهناك النظام الأبوي الذي يسود فيه الرجل، وتفرض فيه السلطة من خلال المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ حيث تُواجه الحركة النسوية السيطرة الذكورية، علمًا بأن مفهوم البطريركية يشير إلى سيطرة الأب (البطريرك) على كل العائلة، نساءً ورجالًا، وتوجد في المجتمعات الريفية؛ حيث يمثل المنزل القاعدة الإنتاجية، ويقوم الأب بامتلاك الأرض والمنزل وكل وسائل الإنتاج في العائلة، فله حق التحكُّم، والأمر ينسحب على كل أشكال السلطة التي يتحكم فيها الأب (بوصفه ذكرًا)، ويهيمن على المرأة ويكبتها[7]، وإن مات الأب؛ يتحكم الإخوة الذكور في الأم والأخوات.


 


[1] Feminism Past and Present :Ideology, Action, and Reform. 5 &6.

[2] Ibid, P 9.

[3] العائلة قيمة مؤكدة، حوار مع عالم النفس الأمريكي جاك لوكنت، حوار: جان فرانسوا مارميو، ترجمة: الزواوي بغورة، مجلة الثقافة العالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ع(170)، 2015، ص36 - 38.

[4] واقع الأسرة في الغرب، باتريزيا بيللوني، مجلة البيان، الرياض، العدد 276، نوفمبر 2010م.

[5] أزمة علماء النفس المسلمين، د. مالك بدري، ترجمة: منى كنتباي أبو قرجة، الرابطة العالمية لعلماء النفس المسلمين، دار ديبونو للنشر والتوزيع، الأردن، 2005م، ص98، 99.

[6] نماذج من أنواع الزواج الحديثة المنتشرة بين الشباب: أسبابه وطرق مواجهته، د. حنان كامل عبد الحميد، بحث منشور في مجلة كلية الدراسات العربية والإسلامية، سوهاج، العدد (26)، ديسمبر 2020، ص582- 586.

[7] النظريات البطريركية، ليند ساي جيرمان، دون مترجم، مركز الدراسات الاشتراكية، القاهرة، د.ت، ص7-10.

 

 

أعلى