• - الموافق2024/04/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ثنائية التعليم في نيجيريا .. اتجاهات وتطلعات

ثنائية التعليم في نيجيريا .. اتجاهات وتطلعات


للغة العربية أهمية كبيرة في غرب إفريقيا، ولها تاريخ قديم في المنطقة[1]، وقد توسعت الثقافة العربية بعد أن أصبحت غانا، دولة إسلامية، وبعد سقوط غانا واختفائها، بدأت مملكة مالي، تلعب الأدوار التي كانت تلعبها مملكة غانا الإسلامية سابقاً. ولمدينة تمبكتو، ومسجد سنكوري، فضل عظيم في بث الثقافة العربية الإسلامية. وفي مسجد سنكوري تخرَّج عدد لا يستهان به من العلماء المحليين؛ لأنه بمثابة جامعة الأزهر بمصر[2].

والحقيقة أن اللغة العربية انتشرت في غرب إفريقيا مع انتشار الإسلام فيها، وتأسست الممالك والدول التي اشترك فيها العرب والعجم في غانا، ومالي، وسنغى، وبرنو. واعتنى الملوك والأمراء بشأن التعليم، واستعانوا بالعلماء في فهم أمور الدين، وتطبيق الشريعة، فاضطر العلماء إلى التعمق في قواعد اللغة وآدابها، وفي أصول الشريعة وفروعها، فقصدوا بلاد العرب المجاورة لهم للاستفادة، واستقدموا إلى بلادهم العلماء العرب، لنشر العلوم بينهم، حتى نبغ الكثيرون، فألَّفوا الكتب، وقالو ا الأشعار في الأغراض التي تناسب بيئتهم[3].

المدارس العربية الحديثة:

المدارس العربية الحديثة عبارة عن الإصلاحات الجديدة التي ظهرت في أساليب التعليم العربي الإسلامي النيجيري، وقد عُرفَت المدارس العربية الحديثة في نيجيريا في أوائل القرن العشرين[4]، وأول مدرسة مبنية خاصة للتعليم العربي على النظام الحديث، هي مدرسة الشريعة الإسلامية التي تعاون أمراء شمال نيجيريا على تأسيسها، عام 1934م، في مدينة كنو بقصد تخريج القضاة الشرعيين. وانتُدِب للتدريس فيها علماء من كلية غوردون بالخرطوم، وأنجبت المدرسة النواة الأولى للطبقة المثقفة بالثقافتين (العربية والإنجليزية) في شمال نيجيريا[5].

فهذه المدارس جرى تأسيسها على أيدي أفراد وجماعات من المسلمين الغيوريين على دينهم؛ لنشر التعليم العربي الإسلامي، وحماية الإسلام والذود عن مصالحه، ولتوعية أبناء المسلمين توعية ثقافية إسلامية تقيهم من آفة الشرك التي عمت البلاد، ومن فتنة الإلحاد[6]. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدارس، يجري تمويلها عن طريق جهود ذاتية، وتبرعات تُجمَع من الأفراد المحسنين، ومن الأثرياء الصالحين، ويقوم بالتدريس فيها المدرسون المحليون من خريجي هذه المدارس ذاتها، ومن حَمَلة الشهادات الجامعية من الأقطار العربية، والجامعات النيجيرية، ويشاركهم في التدريس، المبعوثون الأزهريون[7].

ولهذه المدارس، فضل عظيم في تثقيف المسلمين، وفي إرشاد أبنائهم إلى سواء السبيل؛ فعن طريقها، ينجح بعض المتعلمين باجتياز جميع المراحل التعليمية، بل تمثل الأساس الصلب الذي يبني عليه خريجوها ما بقي لهم من حياتهم الدراسية والثقافية.

ولها الفضل في إنتاج الأئمة والقادة، والزعماء، والعلماء، والقضاة، والوزراء، والمحاضرين، وأساتذة الجامعات، والدعاة الكبار، ورجال السلك الدبلوماسي، وغيرهم من الأعلام، والفحول الراسخين في العلم. ومن مزاياها، أنها تغذي المعاهد العليا بالطلاب المتخصصين في اللغة العربية، والدراسات الإسلامية والشريعة؛ إذ إن أقسام اللغة العربية والإسلامية في جامعات نيجيريا تعتمد أساساً على خريجي هذه المدارس العربية الخاصة في تنفيذ برامجها الأكاديمية[8].

ومن أشهر المدارس النظامية في نيجيريا، مركز التعليم العربي الإسلامي في لوكوجا (عاصمة ولاية كوغي)، لفضيلة الشيخ يوسف عبد الله اللكوجي، ومركز التعليم العربي الإسلامي بأغيغي، لاغوس، عاصمة نيجيريا القديمة، لفضيلة الشيخ آدم عبد الله الإلوري، والزمرة الأدبية الكمالية بمدينة إلورن، ولاية كوارا، لفضيلة الشيخ كمال الدين الأدبي وغيرها في أنحاء نيجيريا.

الاستعمار البريطاني وأثره في التعليم العربي:

بدأ الاستعمار البريطاني لجزء من أراضي نيجيريا سنة 1861م عندما احتل الإنجليز مدينة لاغوس، التي أصبحت فيما بعد عاصمة نيجيريا. وأرغموا ملكها على توقيع معاهدات بينه وبينهم، ثم أصبحوا يتغلغون في هذه البلاد إلى أن سيطروا عليها كلها. فتم الاستيلاء سنة 1900م على المناطق الجنوبية التي سموها محمية نيجيريا الجنوبية، ثم تم لهم الاستيلاء في سنة 1903م على المناطق الشمالية، وسموها محمية نيجيريا الشمالية[9]. على أن التعليم التنصيري كان قد بدأ يتسرب إلى جنوب نيجيريا منذ وقت مبكر على أيدي المنصرين الأوروبيين. ولم يتغير الوضع بعد دخول المستعمرين؛ فقد تركوا شؤون التعليم بأيدي الإرساليات، والطوائف الدينية. واستمر الأمر كذلك نحو نصف قرن بعد الاحتلال، ولم تحرك الحكومة النيجيرية المستعمَرة ساكناً نحو التعليم، ولا أصدرت الحكومة البريطانية المستعمِرة بياناً عن خططها حول سياستها التعليمية في البلاد.

لقد كانت المدارس التنصيرية تنمو وتتسع في جنوب نيجيريا في تلك الحقبة في حين لم تكن في الشمال أية حركة تعليمية تنصيرية. وظل الأمر كذلك حتى بعد الاحتلال البريطاني، وظل المنصرون سنين يحاولون تنصير المسلمين ولكن بدون جدوى. وإن كانت البذور الأولى للتعليم الغربي تصطبغ بصبغة دينية بحتة في شمال نيجيريا بين المسلمين، ولكن المسلمين، تحاشوه في السنين الأولى بعد دخول المستعمرين. ولقد كانت الحركات التنصيرية ناجحة في الجنوب، ولم تكن كذلك في الشمال لأسباب، منها:

1 - كون الثقافة الغربية ثقافة نصرانية صرفة، فلذلك كرهها المسلمون، ولم يروا فيها إلا حيلة لتغيير دينهم وثقافتهم الإسلامية.

2 - أن تلك الثقافة بأيدي المنصرين الذين كان غرضهمُ الأساسي نشرَ الدين النصراني لا التعليم، ووقف التيار الإسلامي، ووضع العقبات والحواجز دون انتشاره وازدهاره.

3 - أن المسلمين يعتزون بثقافتهم التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، ولم يروا مبرراً لتركها والأخذ بثقافة أجنبية كان يحملها المستعمرون ومساعدوهم.

4 - أن المسـلمــين – بطبيعـــة الحــال – لا يريدون إرسال أطفـالهم إلى مدرسة داخلية بعيـدة عنهم وتحت رعاية قوم لا يثقون بهم.

5 - أن المستعمرين أنفسهم لا يشجعون المنصرين على الدخول في أراضي المسلمين؛ لأنهم كانوا يخافون من إثارة مشاعر المسلمين، ولم تكن لديهم آنذاك ذاك إمكانيات كافية لقمع أية ثورة أهلية لو انضم الأهالي كلهم ضدهم[10].

6 - أن الشعب النيجيري في الأقاليم الشمالية، شعب مسلم يعتز بإسلامه وباللغة العربية؛ لأنها لغة الدين، ومن ثَمَّ كان لا بد للمهتمين بالدين من معرفة اللغة العربية لكي يفهموا بها أمور دينهم، فحافظوا على معاهدهم الخاصة عبر القرون[11].

7 - أن السلف من هذه الأمة كانوا على درجة عظيمة من معرفة اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وكانت تحدوهم إلى تعلُّمها الرغبة الصادقة في أن تظل هذه اللغة قوية معروفة في هذه البلاد (نيجيريا)، ومن هنا اهتموا بإرسال أبنائهم إلى جامعات مصر والمغرب وتونس والمدينة المنورة وجامعات أخرى في الغرب، فعادوا يحملون هذه الأمانة بجد وإخلاص، لنشر اللغة العربية في أوساط الناس[12].

8 - إدراك الحكومات الحديثة (فيدرالية، وولائية، ومحلية) في الولايات الشمالية ما للغة العربية من أهمية باعتبارها لغة الدين، فأدخلوها في مناهج التعليم الحديث، واعتبروها أساسية لا مفر منها.

لقد فشلت المحاولة الأولى لنشر التعليم الغربي في الشمال، لهذه الأسباب ولغيرها. وأما في الجنوب، فلم تكن هناك أية مقاومة ضد التعليم الغربي لعدم وجود ثقافة إسلامية راقية آنذاك؛ لذلك كثرت المدارس التنصيرية والكنائس، وفُتِحَت المعاهد اللاهوتية لتدريب رجال الدين النصارى من المواطنيين الذين قاموا بدورهم ينشرون الدين النصراني والتعليم الغربي لأبناء وطنهم.

ثنائية التعليم في نيجيريا:

لا شك، أن حالة مسلمي غرب إفريقيا تقتضي تقسيم التعليم لهم إلى نوعين اثنين، هما: التعليم المدني، والتعليم الإسلامي. وإن كان العرب لا يحبذون هذه الثنائية بالنسبة لهم، إلا أنها فيما يتعلق بغرب إفريقيا ضرورية حتمية[13].

أما التعليم المدني: فينبع من المدارس الإنكليزية التي تثقف المواطنين، وتؤهلم للوظائف الرسمية، والمناصب المدنية، وهو بمنزلة الفرض العيني على كل مسلم كإنسان مواطن، وإلى جانب ذلك، يتعلم مبادىء دينه الضرورية، فيكتفي بها في خاصة نفسه.

أما التعليم الديني فيؤخذ من المدارس العربية، والمعاهد الإسلامية التي تخرِّج المتخصصين، وتؤهلهم للمناصب الدينية، وهو بمنزلة الفرض الكفائي، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وعلى من قام به أن يتعلم مبادىء علوم دنياه الضرورية، فيكتفي بها.

يجب تقسيم التعليم إلى النوعين المذكورين في نيجيريا، مراعاة لمقتضى الحال ثم الاهتمام بالتعليـم الإسلامي حتى لا يطغى عليه التعليم الغربي، وإلا، فلن يمضي قرن واحد من الزمان حتى ينقرض في نيجيـريا من يحمـل المسؤولية الإسلامية عن بصيـرة وجدارة، فيخلـو الجـو للذين لا يعـرفون من الإسـلام إلا اسـمه، ولا من القـرآن إلا رسمه، فتكون الطامة الكبرى.

واجب المسلمين في تعليم الدين الإسلامي:

إن مما يدعو إلى الدهشة والاستغراب أن يعتمد المسلمون في بعض البلاد على الحكومة غير الدينية أو الحكومة النصرانية في نشر الثقافة العربية، وتعليم القرآن، وإصلاح مناهج الكتاتيب، والحكومة هي التي أودت بها[14] ولله در القائل:

 كيف أشكو إلى طبيبي ما بيَ

والذي أصابني من طبيبـــيَ؟

فمن واجب الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإسلامية، في كل بلد أن يقوموا بإنشاء مدارس خاصة لتعليم أبنائهم القرآن، والدين الإسلامي، واللغة العربية على نمط الكتاتيب القديمة بأسلوب يتفق مع روح العصر الحاضر، وهو حق يملكه كل مسلم في كل وطن إسلامي وغير إسلامي.

فإن التعليم الغربي يطغى كل يوم على التعليم الإسلامي، ويحصره في أضيق الدوائر وقد غزت المدارس الحكومية الحديثة على المدارس الإسلامية العربية حتى كادت تقضي عليها قضاءً مبرماً. وقديماً قيل في المثل العربي: «ماحك جلدَك مثلُ ظفرك، فتولَّ جميع أمرك».

 


[1]  عبد الرحيم عيسى الأول، الكشاف في الأدب العربي للمدارس الثانوية بغرب إفريقيا، (لاغوس: مطبعة فاتا برم، ط1، 1999م)، ص176.

[2] المرجع السابق، ص176.

[3] آدم عبد الله الإلوري، لباب الأدب، قسم الشعر، (لاغوس: مطبعة الثقافة الإسلامية، أغيغي، ط2، 1980م)، ص52.

[4] آدم عبد الله الإلوري، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني، (ط3، 1978م)، ص152.

[5] الإلوري، ص152.

[6] عبد الغني عبد السلام أولادشو

An unfamiliar guest in a familiar honshold، Lagos

(مطابع ديبو، العدد الأول، 2003م) ص180 

[7] أولادشو، ص181.

[8] أولادشو، ص 191 - 182.

[9] شيخو أحمد غلادنثي، حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا (الرياض: شركة العيبكان للطبع والنشر، ط2، 1993م)، ص75.

[10] غلادنثي، حركة اللغة العربية وآدابها، ص78.

[11] إبراهيم صالح موسى، المرشد في التاريخ الإسلامي، (كنو: مطابع شركة الحكمة للطباعة والنشر والإعلانات العربية):4/125.

[12] موسى، المرشد، ص125 - 126.

[13] الإلوري، الإسلام في نيجيريا، ص153.

[14] آدم عبد الله الإلوري، نظام التعليم العربي وتاريخه في العالم الإسلامي، (بيروت: دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1981م)، ص38.

أعلى