بعد محاولات تهويد القدس .. تهويد النقب في السياسة الصهيونية الرسمية

بعد محاولات تهويد القدس .. تهويد النقب في السياسة الصهيونية الرسمية


 تعدُّ منطقة النقب في جنوب فلسطين منطقة صحراوية بالمجمل ويغلب على سكانها طابع التجمعات العربية البدوية الأصيلة، وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تركيز الجهد على تهويد مدينة القدس ومدن الضفة الغربية المحتلة والأغوار، ومنطقة الجليل في شمال فلسطين والواقعة ضمن ما يسمى بالخط الأخضر؛ فإن الإعلام العربي والفلسطيني قلما يسلط الضوء على منطقة النقب على الرغم من حيوية هذه المنطقة وأهميتها ضمن المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي.

وتعد عملية تهجير عرب النقب من أهم مشاريع التهويد وأخطرها والتي وضعت ونفذت على نطاق واسع، حيث اعتبرت هذه المنطقة - من وجهة النظر الإسرائيلية - موقعاً طبيعياً لتطوير الصناعة والسياحة والزراعة، ومن ثم استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين والمهجرين اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم. وفي إطار خطتها الرامية إلى تهويد النقب بالكامل، والاستيلاء على الأرض وتهجير أصحابها الأصليين أو عزلهم؛ عملت سلطات الكيان الصهيوني على تجميع فلسطيني النقب الذين أصبح عددهم اليوم يتراوح بين 150 - 160 ألفاً في سبعة تجمعات سكنية محاصرة ومفصولة عن بعضها، وذلك بعد أن تمت مصادرة أراضيهم كلها البالغة مساحتها أكثر من مليونين ونصف المليون دونم زراعي قبل العام 1948م، ولم يبق منها بين أيدي السكان العرب الآن سوى حوالي (150) ألف دونم فقط، وتسعى تلك السلطات للاستيلاء عليها أيضاً وتجريد سكانها منها. وقد شرعت السلطات في تنفيذ مشروع تجميع عرب النقب في التجمعات السكانية السبعة منذ نهاية الستينيات، أما التجمعات فهي: راهط، وهي أكبر تجمع سكاني عربي في النقب، ثم تل السبع، وعرعرة، واكسيفة، ثم الشقيب، وأخيراً اللقية، وحورا.

وما يزال الصراع مستمراً ضد محاولات سلطات الاحتلال تهويد باقي المناطق، وبالذات أراضي تل المالحة والمدية وعرب الزبيدات وعرب السراديح وغيرها.

وتم مؤخراً إطلاق حملة إعلامية واسعة غايتها تشجيع العائلات اليهودية في «إسرائيل» على الانتقال للسكن في النقب، ضمن مشروع تهويده، بمعنى زيادة نسبة السكان اليهود فيه، ورغم أن عدداً من المستوطنات في النقب يتم إنشاؤها من دون التقيد بالخريطة الهيكلية العامة لإسرائيل والمعروفة باسم «تاما35»؛ إلا أن عدة دوائر حكومية تسهم في إنشاء هذه المستوطنات بالإضافة إلى هيئة خاصة واحدة هي جمعية «أور - الحركة من أجل المهمات الوطنية في أرض إسرائيل».

ويبلغ عدد عرب النقب  85 ألفاً، وسنت الحكومات الإسرائيلية 18 قانوناً خاصاً لمصادرة أراضي عرب النقب، كما أقامت عبر التاريخ العديد من اللجان الحكومية التي فاوضتهم على حلول وسط، بعضهم قبلوا بذلك ورضخوا، وغالبيتهم رفضوا، وقضيتهم رفعت إلى مجلس الأمن القومي لكونهم يشكلون خطراً على الأمن القومي لإسرائيل، كما ترى الحكومات الإسرائيلية. وبعد أن قامت الأخيرة بهدم 480 قرية عربية في فلسطين عام 48، أقدمت على هدم حوالي 10 آلاف بيت عربي حتى الآن، كما أن هناك اليوم في فلسطين 48 نحو 250 ألف فلسطيني ممن أصبحوا لاجئين داخل الوطن، يسكنون في بلدات مجاورة لبلداتهم المهدومة.

وتهدد دولة الاحتلال حالياً ما لا يقل عن 42 ألف منزل عربي في النقب بالهدم، إذ قال رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب (حسين رفايعة): «إن وزارة الداخلية الإسرائيلية تقدر عدد البيوت المرشحة للهدم بحوالي 42 ألف بيت في الوسط العربي في النقب وحده، علماً بأن هذه البيوت تأوي حوالي 85 ألف نسمة من العرب». وشهدت قرية «طويل أبو جرول» غير المعترف بها في النقب، جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 عمليات هدم وإجلاء ومصادرة ممتلكات من قبل سلطات الاحتلال.

وذكرت صحيفة «معاريف» على لسان البروفيسور (يرمياهو برنوير) «أنه من المتوقع أن يتم توطين حوالي (250) ألف مهاجر يهودي جديد في منطقة النقب، في الوقت الذي خطط فيه شارون، أيام حكومته، لتوطين مليون يهودي.

إن تهويد الأرض والذاكرة والتاريخ وحتى الجغرافيا؛ معركة شرسة يخوضها فلسطينيو الداخل وحدهم في مواجهة دولة من أعتى دول الاستعمار في العصر الحديث، بينما يقف العرب متفرجين على مأساة إخوتهم من فلسطيني عام 48 ويلتزمون الصمت حيال ممارسات الصهاينة تجاههم، بل يسعون لتطبيع العلاقات، سراً وعلانية، مع عدوهم التاريخي.

 

 

أعلى