• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ماذا بعد الانتخابات النصفية الأمريكية؟

ماذا بعد الانتخابات النصفية الأمريكية؟


شكلت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي التي أجريت في السادس من نوفمبر الماضي منعطفاً مهماً على صعيد الوضع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أجريت تلك الانتخابات في مناخ تسيطر عليه حالة من الاستقطاب السياسي الحاد. إذ عدها الكثير من المحللين السياسيين بمثابة استفتاء على شعبية ترمب الذي شكلت مدة العامين اللذين قضاهما في السلطة الكثير من الجدل حول سياسته الداخلية والخارجية. كما سجلت تلك الانتخابات أحد أعلى مستويات إقبال الناخبين على الانتخابات، ما يؤشر لمدى اهتمام الناخب الأمريكي بها سواء منهم من نزل لدعم رأيه وقيمه الأيدلوجية أو من كان الدافع الاقتصادي همه الوحيد.

قبل الانتخابات كان الحزب الجمهوري الذي يتبعه الرئيس ترمب هو المسيطر على الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وبرغم كون الديمقراطيين أقلية خلال العامين الأولين من رئاسة ترمب إلا إنهم أثاروا الكثير من المشكلات، خاصة في ما يتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، لذلك فإن فوز الديمقراطيين بمجلس الكونغرس كان سيشكل صدمة كبيرة لترمب، وهذا ما لم يحدث فقد استطاع الجمهوريون الاحتفاظ بتفوقهم في مجلس الشيوخ، بل على العكس زادوا في مقاعدهم من 51 إلى 53 مقعداً.

وقد عكست نتائج الانتخابات مدى الانقسام في الكونغرس فقد استطاع الحزب الديمقراطي استعادة الأغلبية في مجلس النواب، إذ حصد الديمقراطيون 26 مقعداً جديداً على الأقل مع عدد قياسي من النساء الفائزات في مقاطعات عادة ما تكون تابعة للحزب الجمهوري، ما دفع بالزعيمة الديمقراطية ورئيسة مجلس النواب العتيدة المحتملة نانسي بيلوسي إلى الإعلان أن نتائج الانتخابات تعد يوماً تاريخياً للولايات المتحدة الأمريكية.

في ظل تلك النتائج يمكننا توقع حالة من ازدياد الاستقطاب بجانب حالة من الجمود السياسي وتعطل مشاريع كثير من القوانين والتي سيتنازعها مجلسا الكونغرس، هذا التوقع ليس من قبيل التحليل المحض حيث صرح الرئيس الأمريكي نفسه فور إعلان النتائج أن أي مسعى لتوظيف الديمقراطيين لمجلس النواب ضده سيقابله توظيف مماثل لمجلس الشيوخ. فقال في تغريدته: «كلا الفريقين يمكنه ممارسة اللعبة ذاتها».

ما حصل عليه الديمقراطيون في الانتخابات يمكن وصفه بأنه نصف فوز، فهو لن يمكنهم من تحقيق شعاراتهم وتصريحاتهم التي طرحوها قبل الانتخابات من تحجيم الرئيس، والتحقيق في شبهات الفساد التي تخصه هو وعائلته، أو الشروع في إجراءات عزله، لأن كل تلك الإجراءات ستصطدم بمعارضة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون كما أن الديمقراطيين في حاجة إلى إحداث توافق مع غرمائهم لتمرير ملفات تشريعية تخص ناخبيهم مثل آلية تمويل خطة إعادة تأهيل البنية التحتية بكلفة تتجاوز التريليون دولار، أو تطوير برنامج الرعاية الصحية للرئيس السابق أوباما دون إلغائه تماماً كما يرغب ترمب.. مع المحافظة قدر الإمكان على خطابهم المعادي لترمب في مسائل الهوية لكن دون تحقيق فاعلية حقيقية في القفز بتلك الملفات إلى إجراءات من شأنها أن تقوض رئاسة ترمب للولايات المتحدة.

ترمب الظاهرة:

لا يعد الرئيس الأمريكي ترمب مجرد رقم في سلسلة تتابع الرؤساء الأمريكيين بل هو أقرب إلى ظاهرة غير عادية، فقد توالى على الرئاسة العديد من الرؤساء بعضهم تركوا بصمات أو كانوا علامات فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، لكن في المجمل كان مدى التأثير سواء في الإستراتيجيات السياسية الخارجية أو الداخلية متسقاً مع ما يعرف بالقيم الأمريكية أو على الأقل هذا ما كان يمارس في العلن وفي التصريحات الرسمية أمام الكاميرات الأمريكية. وبرغم أن ترمب قضى في الرئاسة عامين فقط إلا إنه فرض نفسه على مجال مصطلحات اللغة الإنجليزية التي حاولت وصف الظاهرة، فقاموس أكسفورد يدرس إدراج عدد من المصطلحات التي تم اشتقاقها من اسم ترمب، مثل Trumponomics  بمعنى سياسة ترمب الاقتصادية، وTrumpism أي الترمبية نسبة إلى ترمب[1].

ترمب كسر كل التابوهات فقد احتقر السود والمعاقين وسخر منهم وأطلق تصريحات شائنة بحق النساء وهدد المهاجرين وسن قوانين تمنع مهاجري خمس دول إسلامية من دخول أمريكا، الظاهرة الترمبية أصبحت تعني ازدياد قوة تيار الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، والاتجاه إلى الشعبوية القائمة على التشدد أو التعصب القومي والعرقي والديني وحتى المادي، بمعنى الغنى والفقر، وهي في ذلك تتلاقى مع تيار اليمين المتطرف الغربي في أوربا، وتيارات القومية المتشددة في روسيا وإيران.

ترمب الفائز في الانتخابات:

برغم فوز الديمقراطيين بمجلس النواب إلا إن ترمب وصف نتائج الانتخابات في تغريدة له بأنها فوز مبهر، فهل حقاً كانت نتائج الانتخابات بالنسبة له فوزاً مبهراً؟

الحقيقة أن نتائج الانتخابات حملت ثلاثة نجاحات مبهرة:

أولاً:ثبت القاعدة الانتخابية له التي تتراوح حول الأربعين في المئة، أصبح لديه قاعدة صلبة، برغم الهجوم الإعلامي الشديد الذي تعرض له والمعارضة الشديدة لسياسته والتي تأتي أحياناً من قبل شخصيات بارزة من حزبه.

ثانياً: ثبت نفسه رئيساً جمهورياً يستند إليه أعضاء حزبه ويمكنه النجاح من خلال نسب أنفسهم له ولسياساته، فقد كان لترمب دور بارز في فوز أعضاء حزبه وقام بنفسه بعقد جولات انتخابية ومؤتمرات لدعم مرشحيه الجمهوريين. وقد فاز بعضهم نتيجة دعمه المباشر لهم. برغم أن ترمب أتى على كونغرس موالٍ له في المجلسين، إلا إن وجود الجمهوريين، كان سابقاً على فوز ترمب، أما الآن فالعكس هو الصحيح فأصبح الأعضاء الجدد في الكونغرس مدينين بفوزهم لترمب وسياساته، ما يعني أنهم معنيون أكثر بدعم تلك السياسات، ويتضح هذا المعنى أكثر عندما نتذكر أن ترمب لم يكن من النخبة السياسية للحزب الجمهوري لذلك لم تكن له أية شعبية بين قادته وزعمائه السياسيين، ونستطيع القول إن تلك الانتخابات ثبتت ترمب رئيساً للولايات المتحدة كما ثبتته زعيماً فعلياً للحزب الجمهوري.

ثالثاً: أصبحت الترمبية بكل تفاعلاتها وصيرورتها وتبنياتها السياسية أيدلوجيا واضحة المعالم، فهي تقوم على التحيز والعنصرية والمصلحة المعراة من أية مثل أو قيم.

وأخيراً:

نستطيع القول إن ترمب قد يلقى بعض المعوقات داخل مجلس النواب لكنها أبداً لن تعيق سياساته الداخلية والخارجية ولن ترقى إلى مستوى تقويض سلطته وعزله، اللهم إلا إذا تدخلت الدولة العميقة وتآزرت مؤسساتها مثل الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع.. إلخ، لكن مجلس النواب وحده لن يقوى على مثل تلك الخطوة.

وبعد أن انتظر العالم نتائج التجديد النصفي ورأى أنها ربما تكون مدخلاً لتغيير السياسيات داخل الإدارة الأمريكية أتت النتائج مخيبة للآمال، وكما كان فوز ترمب نفسه مفاجأة غير متوقعة فإن إعادة انتخاب ترمب مرة أخرى لولاية رئاسية ثانية أصبح غير مستبعد من واقع قراءة مزاج الناخب الأمريكي الذي أعرب عن ميوله لما يمكن أن نطلق عليه الرؤية الترمبية.

لم يعد ترمب مجرد رئيس أمريكي له رؤيته السياسية المختلفة عن أقرانه من الرؤساء السابقين بل أصبح ظاهرة، وهي لم تعد ممثلة في شخصه فقط بل ليس من المستبعد أن تنمو هذه الظاهرة في المستقبل القريب سواء ظل ترمب في السلطة أم فشل في العبور إلى فترة رئاسية ثانية، ونحن نرى أن اليمين المتطرف في أوربا في تصاعد مستمر، وأصبحت الشعوب الغربية تتماهى مع هذا الطرح.

ما يعنينا نحن المسلمين أن تلك السياسات الترمبية أضحت تلقي بظلال سوداء على المنطقة العربية منذ أن أعلن ترمب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وحديثه المتواتر عن صفقة القرن التي تكرس للاحتلال وتقضي على حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه والشعوب المسلمة في سيادتها على أولى قبلتيها المسجد الأقصى. هذا هو الخطر الذي ينبغي أن نستعد له سواء بقي ترمب في الرئاسة أم مضى، فحقوق شعوبنا لا ينالها أحد إلا إذ تنازل أصحاب القضية عن قضيتهم.


 


[1] مقال في الغارديان البريطانية بعنوان: قاموس أكسفورد يدرس إضافة موجة المصطلحات الترمبية.

 

 


أعلى