حرب الناقلات... قواعد جديدة للعبة في الخليج

يمكن تسمية هذه النوعية من الصراع بين إيران وإسرائيل بحروب الظل، والتي يتم فيها الضرب فيما يعرف بتحت الحزام أو في الخفاء سواء كانت ضربات عسكرية، أو هجمات الكترونية أو سيبرانية


"إيران وإسرائيل تنقلان حربهما السرية إلى المياه المفتوحة"

هذا ما قاله المحلل السياسي والمستشار السابق لوزارة الخارجية الإيرانية في شؤون الشرق الأوسط، غيس قريشي لصحيفة الشرق الأوسط في مارس الماضي أي منذ عدة أشهر، وأضاف "إن هاجمتمونا هنا سنهاجمكم هناك".

وبعدها بشهر أي في أبريل الماضي، تعرضت سفينة تجارية مملوكة لشركة إسرائيلية للهجوم في مياه الخليج قبالة ساحل الإمارات بعد يوم واحد من اتهام إيران لإسرائيل بتنفيذ عمل تخريبي في منشأة نطنز النووية، وقبلها بشهرين تعرضت سفينة إسرائيلية مملوكة للشركة ذاتها لهجوم.

وقد سلّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير موسع نشرته منذ عدة أشهر، الضوء على حرب غير معلنة بين إيران واسرائيل، مستعرضة الهجمات المتبادلة بين الطرفين بتفجير السفن، وأشار مسؤول أميركي ومسؤول كبير إسرائيلي لم تذكر اسميهما في التقرير، إلى أن إسرائيل هاجمت على الأقل 10 سفن شحن إيرانية منذ 2019. ولكن وحسب تصريح مسؤول في وزارة النفط الإيرانية، فإن العدد الحقيقي للسفن المستهدفة قد يتخطى العشرين.

ويقول المحلل السياسي المرتبط بالحرس الثوري الإيراني، حسين داليريان، لـصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عبر نقاش على تطبيق كلوب هاوس، أنه لا إسرائيل ولا إيران تريدان تحمل المسؤولية علانية عن الهجمات، لأنها تعتبر عملا حربيا له عواقب عسكرية، إلا أن هجمات على هذا المستوى على السفن لا يمكن أن تحصل من دون وقوف دولة وراءها.

ويمكن تسمية هذه النوعية من الصراع بين إيران وإسرائيل بحروب الظل، والتي يتم فيها الضرب فيما يعرف بتحت الحزام أو في الخفاء سواء كانت ضربات عسكرية، أو هجمات الكترونية أو سيبرانية.

هكذا كانت اللعبة الدائرة بين إيران وإسرائيل حتى الأسبوع الماضي فقط حين نقلت إيران الصراع إلى مستوى جديد، محاولة وضع قواعد جديدة لهذا الصراع بينها وبين الغرب وإسرائيل.

فما هي مؤشرات الأسس الجديدة للصراع التي تحاول إيران أن ترسيها في المنطقة ودوافعها لهذا؟

والأهم ما هو مستقبل تلك التغيرات؟

فقد توالت الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية عن مصادر ملاحية في الخليج العربي منذ عدة أيام، تأكيدها فقدان أثر ست سفن على الأقل في الخليج، وذلك بعد الإعلان عن عميلتي خطف تعرضت لها سفينتين كانت تبحران في مياه الخليج العربي خلال الساعات القليلة الماضية، وقد وجهت المصادر الغربية اتهامات مباشرة للحرس الثوري الإيراني بالتورط في عمليتي الاختطاف المذكورتين، لافتة إلى أن العمليتين تم تنفيذهما من قبل ميليشيات مسلحة مدعومة من الحرس الثوري الايراني.

وتأتي أزمة اختطاف السفن في الخليج، بعد أيام قليلة من تعرض ناقلة نفط إسرائيلية لهجوم بطائرات مسيرة، قالت كل من تل أبيب وواشنطن أن إيران متورطة به، متوعدتين بمحاسبتها.

من جهتها، ذكرت صحيفة تايمز البريطانية أن أربع سفن على الأقل في مياه الخليج بثت إشارات حول فقدانها السيطرة على القيادة وسط ظروف وصفتها بالغامضة، مشددة على أن كافة المعطيات تشير إلى دور إيراني في الحادثة.

هذه الحوادث الجديدة تبين لنا أن وتيرة العمليات التي كانت تحدث بين الكيان الصهيوني وإيران قد زادت حدتها، وارتفع عددها عما كان يحدث طيلة الشهور الماضية بل الأعوام السابقة، بل حتى في نوعيتها، مثل الاستيلاء على السفن أو خطفها، وقتل البحارة مثل ما حدث من قتل بحارين أحدهما بريطاني، ففي الهجمات السابقة كان الهجوم على السفن يتم فيه مجرد احداث عطب فيها عن طريق لغم بحري أو ما شابه ذلك.

وأيضا تم استخدام أسلحة جديدة في هذا الصراع، حيث ذكرت بعض المصادر أن الهجوم على ناقلات النفط قد تم فيه استخدام طائرات مسيرة انتحارية.

كل هذا يؤشر إلى أننا أمام مرحلة جديدة في الصراع الإيراني الغربي الاسرائيلي لرسم قواعد جديدة وكسر خطوط حمر في هذا الصراع.

وهنا يبرز السؤال الأساسي لماذا تريد إيران تجاوز الخطوط الحمر هذه وتغيير قواعد اللعبة؟

أولا/ دوافع اقليمية:

دائما ينظر إلى الحروب والصراعات المسلحة أنها ممارسة السياسة بوسائل أخرى.

فالوضع الإقليمي الآن يقول أن الولايات المتحدة القوى العظمى في العالم، تلملم شتاتها وقواتها العسكرية من العالم، وأن إدارة بايدن الأمريكية الجديدة تعيد ترتيب أولوياتها وأهدافها، بعد أن رأت أن التحدي الصيني لهيمنتها هو الأكثر خطورة لها وهو الذي يجب عليها مواجهته في تلك اللحظة، فقامت بترتيب انسحابات عسكرية لها من العراق وأفغانستان، وتعيد توزيع حاملات طائراتها في المحيطات والبحار المختلفة لمجابهة التحدي الصيني.

هذه الإدارة الأمريكية الجديدة تحاول ابرام اتفاقات مع القوى الإقليمية الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط حتى لا تتركها في حالة فراغ ينتج عنه حروب ومواجهات عسكرية تشغل أمريكا عن مواجهة التنين الصيني.

لذلك شرعت الولايات المتحدة لإعادة الحياة للاتفاق النووي مع إيران لضبط نفوذها في المنطقة، واعطاءها دورا تتقاسم فيه النفوذ الإقليمي مع إسرائيل وربما تركيا ليكونوا الشرطي والحارس للمصالح الأمريكية في المنطقة لتعويض الفراغ المحتمل.

وإيران استشعرت ذلك، وأدركت أن الولايات المتحدة تريد الانسحاب من المنطقة، فكأنما بهذه العمليات توجه رسالة إلى القوى الكبرى والإقليمية أنها موجودة وتريد حصتها وأن يحترم دورها في هذه المنطقة، خاصة مع تعثر المفاوضات في فيينا.

فبالرغم من وصول جولات التفاوض الأمريكي الإيراني برعاية أوروبية إلى ست جولات، إلى أن المفاوضات وصلت إلى حائط مسدود، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مقابلة مع قناة تليفزيونية إيطالية، ونشرها موقع الخارجية الأميركية حينما قال إن خلافات كبيرة لا تزال قائمة ولا ندري ما إذا كنا سنتجاوزها ملوحا باقتراب انسحاب بلاده منها.

ويبدو أن الاتفاق على تفاصيل مراقبة البرنامج النووي الإيراني مرتبط أيضا بالاتفاق على طبيعة الدور الإيراني المسموح به في المنطقة، والذي تتداخل فيه الرؤية الأمريكية مع التصور الإسرائيلي وربما تتناقض في بعض الأحيان، فأمريكا وإسرائيل تتفقان بصفة عامة على اعطاء دور لإيران في المنطقة يكون هدفه، الحيلولة دون صعود أي قوة سنية في المنطقة وفي نفس الوقت تكون إسرائيل هي صاحبة الدور الرئيس والأقوى في المنطقة، ولكن ما طبيعة الدور الإيراني المسموح به هذا هو مربط الخلاف الأمريكي الإسرائيلي.

ثانيا/ الدوافع الداخلية الايرانية

التصعيد العسكري الذي تقوم به إيران حاليا في الخليج، يرتبط بشكل أساسي بتولي ابراهيم رئيسي منصب الرئاسة الأمريكية وهو المعروف أنه من تيار المحافظين في السياسة الإيرانية.

فهناك بالفعل خلاف بين تيارين داخل منظومة الحكم في إيران، ويتمحور هذا الخلاف حول عدة قضايا أهمها: صلاحيات المرشد المطلقة والعلاقة بين الدين والسياسة ودرجة التعامل والانفتاح مع الغرب ثم الحرس الثوري ودوره في الاقتصاد والسياسة.

ويستخدم المرشد الإيراني على خامنئي الخلاف بين التيارين لإدارة السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية، فحينما يرى أن الأمور مع الغرب تقتضي التهدئة والتفاهم فإنه يحرص على صعود التيار الإصلاحي الراغب في اظهار إيران بصورة معتدلة توافقية، وحينما يرى تعنتا غربيا ضد إيران والحيلولة دون تنفيذ أطماعها وحلمها بالصعود، فإنه يدفع بالتيار المحافظ المتشدد إلى واجهة الأحداث.

وهذا ما حدث مؤخرا حينما تشددت إدارة بايدن في مباحثات فيينا بخصوص الاتفاق النووي، وبدا أن هناك حرص أمريكي إسرائيلي على تهذيب الصعود الإيراني وتوغله في المنطقة، سارع خامنئي إلى تصعيد إبراهيم رئيسي المتشدد والمحافظ إلى واجهة السياسة الإيرانية.

وانعكس هذا الصعود مع تطبيق أجندة إيرانية عسكرية جديدة، وهذا ما نشاهده الآن في التطورات الجديدة التي صاحبت حرب الناقلات في الخليج العربي، الذي تطمح إيران من خلال تلك الحرب إلى فرض قواعد اشتباك جديدة، لعل الجميع يعترف بنفوذها وتمددها في المنطقة وفق الأجندة الإيرانية وليس وفق أجندة الأخرين فقط.

 

أعلى