• - الموافق2025/06/17م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
سيناريوهات تركيا لتفكيك المنظومة المسلحة لحزب العمال الكردستاني

ما بين تصريحات أوغلان وحزب العمال الكردستاني عن انتهاء مرحلة الكفاح المسلح وبدأ مرحلة جديدة، وتسليم السلاح بالفعل وتحويل الأقوال إلى أفعال تفاصيل كثيرة، وهنا تكمن الأزمة فهل يستطيع الطرفان تجاوزها للوصول إلى نهاية هذا الفصل المأساوي في تاريخ تركيا.


ربما كان قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه مجرد بداية لرحلة طويلة تستوجب الكثير من المهام والخطوات لتحقيق السلام بشكل دائم دون أي منغصات أو أحداث غير مرغوبة، وبينما يدخل صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني منعطفًا جديدًا، بدأت تركيا بالفعل الإعداد لمرحلة دقيقة تهدف من خلالها إلى تفكيك البنية المسلحة للتنظيم ونزع سلاحه بالكامل، وهو الأمر الذي أعلن الحزب الاستجابة له وتنتظر تركيا تحقيقه وفق الآليات التي سوف نتطرق إليها في هذا المقال بمشيئة الله، خاصة أننا نتحدث عن منظومة عسكرية مسلحة تشكلت وتطورت على مدار 4 عقود متتالية من الزمن وهو ما يضفي أهمية كبيرة على خطوة تفكيكها والالتزام بها.

خطة خماسية

لم يعد يخفى على أحد أنه بعد اتخاذ حزب العمال الكردستاني قراره التاريخي بحل نفسه وإلقاء سلاحه وتسليمه للدولة التركية، بدأت تدور في الأوساط السياسية والأمنية داخل تركيا نقاشات موسعة بشأن آليات التنفيذ لتحقيق ذلك، وسط تسريبات عن خطة "خماسية" تقودها أجهزة الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم لضمان نجاحها تنسيقًا مشتركًا مع حكومتي الجوار في سوريا والعراق.

لكن نجاح هذه الخطة لا يبدو محسومًا حتى الآن في ظل تعقيدات ميدانية واحتمالات لانشقاقات داخل التنظيم، فضلًا عن تحديات ضبط السلاح والكوادر في بيئات خارجة عن السيطرة، وهو ما يطرح أسئلة بشأن كيفية تنفيذ هذه العملية وآلية ضمان استدامتها ونجاحها حتى آخر مرحلة من مراحلها التي سيتم الاتفاق عليها.

ترتيبات وتسريبات

أشار الرئيس التركي "أردوغان" خلال تصريحاته أدلى بها للصحفيين على متن رحلة عودته من "ألبانيا" إلى إن حكومة بلاده تجري محادثات مع حكومتي "بغداد وأربيل" بشأن تفاصيل كيفية تسليم المسلحين الأكراد أسلحتهم خارج حدود تركيا، واعتبر أردوغان أن هذه الخطوة لن تكون مفيدة لتركيا فحسب بل سوف تخدم أيضًا استقرار سوريا والعراق خلال المرحلة المقبلة.

 

تشدد تركيا على أهمية وضرورة التعاون الوثيق مع كل من "بغداد وأربيل" لوضع آلية ثلاثية تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة

وبحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام "تركية" يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين يرجح أن تكون بتفويض من "الأمم المتحدة" في مواقع محددة داخل إقليم كردستان العراق، وتشير المعلومات إلى أن محافظات (دهوك وأربيل والسليمانية) ستكون المحاور الأساسية للعملية، حيث سوف يتم تخصيص نقاط تجمع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من جهاز الاستخبارات التركي بجانب الجهات الأخرى المعنية.

وبموجب الترتيبات المقترحة فإنه سوف يزود عناصر حزب العمال الكردستاني الجهات المختصة بإحداثيات دقيقة لمواقع تخزين الأسلحة والمخابئ الجبلية التي تضم الذخائر والمعدات تمهيدًا لتفكيك هذه الجهات لها، بينما في المقابل ستتولى السلطات الأمنية والعسكرية التركية التدقيق في الأسلحة التي تسليمها عبر هذه الإحداثيات، ومقارنتها بقوائم الجرد التي أعدتها أجهزة الاستخبارات التركية، للتأكد من عدم وجود أسلحة مخبأة أو مخفية خارج نطاق هذه العملية الرسمية.

خط سير العملية

من المتوقع أن يتولى جهاز الاستخبارات التركي جانب الإشراف المباشر على تنفيذ خطة تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني، وذلك بالتنسيق مع كل من الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان.

ووفق ما أوردته صحيفة "تركيا" التركية (المعروفة بقربها من النظام الحاكم)، فإنه من المنتظر أن تشارك القوات المسلحة التركية أيضًا في هذه المرحلة، لضمان جمع الأسلحة وتأمينها ضمن آلية ميدانية مشتركة تشترك فيها كل من "أنقرة وبغداد وأربيل والسليمانية" في شمال العراق، وتهدف هذه الترتيبات إلى إتمام عملية تسليم السلاح بشكل كامل بحلول مطلع "سبتمبر/أيلول" المقبل، لتمهيد الطريق لانطلاق مرحلة سياسية جديدة داخل تركيا يشارك فيها الحزب الكردي كبقية الأحزاب السياسية الأخرى.

وبحسب موقع "تي 24" التركي، فإن سيتم استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية هذا الصيف، ليتم الانتقال مباشرة بعد إتمام عملية تسليم السلاح وتفكيك المنظومة المسلحة إلى دعوة البرلمان التركي لعقد جلسات خاصة تبحث ترتيبات المرحلة التالية من مراحل إتمام مصالحة السلام بين الحزب الكردي والدولة التركية.

شرط أصيل

يرى أغلب المراقبين لعملية تفكيك المنظومة المسلحة للحزب أن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة التركية قدرة تحقيق مستقلة وميدانية لا تعتمد على وعود الطرف المقابل، خصوصًا في بيئات غير خاضعة للسيطرة التركية المباشرة مثل جبال "قنديل" أو شرق الفرات، ويمكننا القول إنه من دون امتلاك القوات التركية هذه القدرة ستبقى العملية معرضة لخطر الإجهاض أو إعادة التسلح لاحقًا من مخازن لم يُكشف عنها، وهو الأمر الذي تدركة الدولة التركية بشكل جيد، حيث تلقت دروسًا بخصوص هذه المسألة من تجارب سابقة مع التنظيم خاصة بعد فشل محاولتين سابقتين لمسار عملية المصالحة بعد بدء عملية تسليم السلاح.

التنسيق الإقليمي

تبرز أهمية التنسيق الإقليمي في خطة تفكيك المنظومة المسلحة والترسانة العسكرية لتنظيم حزب العمال الكردستاني بالنظر إلى تمركز النسبة الكبرى من مقاتليه وقياداته خارج الأراضي التركية، وتحديدًا في المناطق الجبلية الوعرة شمالي العراق وشمال شرقي سوريا، وهو ما يجعل تسليم الأسلحة خارج الحدود أحد أبرز مفاتيح نجاح العملية برمتها.

ولذلك تشدد تركيا على أهمية وضرورة التعاون الوثيق مع كل من "بغداد وأربيل" لوضع آلية ثلاثية تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة.

ووفق ما أفاد به مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية، فقد أجريت خلال الأسابيع الماضية مشاورات مكثفة مع الجهات "العراقية" المعنية، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان، وسط مؤشرات على تحقيق "تقدم ملموس" في الجوانب اللوجستية والأمنية المتعلقة بعملية تسليم الأسلحة.

بينما في المقابل يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال أو تعيد التمركز تحت مسميات جديدة، ولضمان تلافى مثل هذه المشكلات تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيبقى في حالة من الجاهزية والاستطلاع النشط في المناطق الحدودية لفترة طويلة، لضمان عدم بروز أي تهديد مسلح من قبل عناصر التنظيم مجددًا.

طريقة التعامل مع المنشقين

إن احتمالية بروز فصائل متشددة ترفض الانخراط في عملية السلام تظل قائمة، وهو ما تتعامل معه الدولة التركية من زاويتين رئيسيتين هما: الأمن القومي والشرعية القانونية، حيث إن أي فصائل منشقة ترفض تسليم السلاح فسوف يُنظر إليها في هذه الحالة ليس على أساس كونها تعبر فقط عن تمرد على الدولة، بل على أساس أنها تمثل خروجًا عن سلطة القيادة المركزية للحزب وزعيمه "عبد الله أوجلان"، مما سيفقدها أي غطاء سياسي خلال هذا التمرد، وهو ما سيمنح تركيا بالمقابل شرعية أمنية وقانونية كاملة للتعامل معها عسكريًا، دون أن يعد ذلك تقويضًا لعملية السلام، بل سيكون في هذه الحالة امتدادًا طبيعيًا وبديهيًا لها لضمان استكمالها، وسيكون ذلك الأمر بالمناسبة بموافقة من زعيم التنظيم نفسه، الذي اتخذ قرار مواصلة عملية التصالح حتى آخر مرحلة منها.

فرضية الحل العسكري

حسب عدد من المعطيات والمؤشرات حول عملية السلام فإنه لا تستبعد تركيا اللجوء إلى عمليات عسكرية محدودة ضد من يثبت تورطه في نشاطات تهدد الأمن والسلم الأهلي، ولعل امتلاك الجيش التركي خبرة طويلة في هذا النوع من العمليات النوعية الدقيقة التي تمنع تحول الفصائل الصغيرة إلى تهديد منظم، سيكون أحد نقاط القوة وإحدى الأوراق الرابحة لدى تركيا.

وإجمالًا يمكن القول إنه سواء اكتمل الحل بتفكيك التنظيم بشكل كامل وكلي أو حتى في حال ظهرت جيوب وفصائل من التنظيم معارضة لعملية تسليم السلاح، فإن تركيا تملك زمام المبادرة في الحالتين، ففي الحالة الأولى ستنهي حقبة من الصراع الدموي الذي كلف البلاد الكثير من الموارد المادية والمالية بجانب الخسائر في الأرواح البشرية، وفي الثانية سوف تكتسب تفويضًا مزدوجًا على المستويين المحلي والدولي لاجتثاث ما تبقى من تهديد بوسائل مشروعة دفاعًا عن أمنها القومي ووحدة أراضيها من الأخطار التي تهددها.

المسار السياسي

في مؤشر على توجه الحكومة التركية نحو إرساء أرضية سياسية موازية للعملية الأمنية لتفكيك المنظومة المسلحة، كشفت صحيفة "صباح" التركية (المقربة من دوائر القرار في البلاد) عن نية تركيا إطلاق حملة شاملة بعد إتمام عملية تسليم السلاح تشمل مراجعة قوانين مثيرة للجدل، كآلية تعيين الولاة في البلديات، في محاولة لخلق مناخ سياسي أكثر انفتاحًا يعزز الثقة مع المكون الكردي في المرحلة المقبلة.

وبالتوازي مع الخطوات الميدانية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني تتجه أنقرة نحو تفعيل مسار سياسي داخل البرلمان التركي، في إطار مرحلة جديدة توصف بأنها "انتقالية" نحو ترسيخ السلام الداخلي.

وفي هذا السياق طرح رئيس حزب الحركة القومية وحليف أردوغان "دولت بهتشلي" مبادرة لتشكيل لجنة برلمانية موسعة تعنى بإدارة المرحلة المقبلة تحت عنوان "إستراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد.. لجنة الوحدة الوطنية والتضامن"، ويقضي المقترح بأن تتولى اللجنة التي من المتوقع لها أن تضم قرابة 100 عضو، مهمة وضع خارطة طريق للملف الكردي لما بعد عملية تسليم السلاح، مع ضمان تمثيل نسبي للأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان التركي.

ووفقًا لمبادرة "بهتشلي" فإن رئاسة اللجنة ستُسند إلى رئيس البرلمان التركي "نعمان قورتولموش" لضمان إشراف دستوري مباشر على عملها، وقد أكد قورتولموش على أن عملية الانتقال نحو "تركيا خالية من الإرهاب" تسير وفق الجدول المقرر، وأشار إلى أن الخطوة التالية في الوقت الحالي هي "تسليم السلاح"، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع أو وضع الأطر القانونية اللازمة لإتمام عملية السلام.

ولعل تصريحات قورتولموش في هذا الصدد تتقاطع مع موقف الحكومة التركية التي تربط أي تحرك "سياسي" داخل البرلمان بضرورة استكمال المرحلة الأمنية أولًا واجتيازها بنجاح، وقد أوضح مسؤولون في حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) أن إطلاق النقاش البرلماني بشأن "المرحلة السياسية الجديدة" بالبلاد لن يتم إلا بعد صدور تقرير رسمي من جهاز "الاستخبارات" يؤكد انتهاء عملية نزع السلاح بالكامل كما تم التخطيط لها.

كلمة أخيرة

تتميز الرؤية المستقبلية التي طرحتها قيادة حزب العمال الكردستاني بتأكيدها على نهاية مرحلة "الكفاح المسلح" والانتقال إلى ما وصفته بـ"مرحلة جديدة من النضال السلمي والديمقراطي"، ما يشير إلى إعادة تموضع استراتيجي بعد سنوات من الضغوط العسكرية والسياسية والتصنيف الدولي كمنظمة إرهابية، إذ يدرك الحزب اليوم أن مواصلة العمل المسلح لا تساهم فقط في تعميق عزلته إقليميًا ودوليًا، بل تُضعف أيضًا فرصه في التفاعل مع الديناميات السياسية داخل تركيا وخارجها، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، ولذلك يتمثل الرهان هنا في إمكانية تحويل الحزب من عبء أمني إلى طرف سياسي يمكن التفاوض معه ضمن مسارات الحل، وهو ما قد يسهل عملية تسوية الأزمات المتعلقة بالقضية الكردية في المستقبل.

أعلى