يعتبر ابن الجزار أول طبيب عربي متخصِّص في مجال طب الأطفال
ابن الجزار هو أبو جعفـر أحمد بن إبراهيـم أبي خالد القيرواني التونسي الذي اشتهر
باسم ابن الجزار؛ وهو طبيب مشهور ولد بمدينة القيروان وتوفي فيها في سنة 369 هـ.
ويُعدُّ ابن الجزار من أشهر أطباء وفلاسفة المسلمين في القرن الرابع الهجري وكان
صاحب مكانة علمية غير مسبوقة؛ خاصة في بلاد المغرب الإسلامي.
أسس ابن الجزار مدرسة طبية، وتتلمذ عليه كثير من الأطباء؛ منهم الطبيب الأندلسي عمر
بن حفص بن بريق الـذي عاد إلى الأندلـس حاملاً معه نسخة من كتاب ابن الجزار الشهير
(زاد المسافر وقوت الحاضر)، ولقد عرف هذا الكتاب رواجاً كبيراً في أوروبا، كما تمت
ترجمته إلى اللغة اللاتينية واليونانية.
لقد عمل ابن الجزار على تعديل القوانين الطبية القديمة وتطويرها، كما ضبط أسماء
النباتات بثلاث لغات هي الأمازيغية والعربية واليونانية، ولقد ذاع صيته وتجاوزت
شهرته حدود البلاد التونسية وكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى مدينة القيروان لتحصيل
الطب منه.
وكان ابن الجزار يعالج مرضاه بأقل تكلفة ممكنة كما بيَّن ذلك في مقدمة كتابه الشهير
(طب الفقراء والمساكين)، ولقد كان له الفضل الكبير على المسلمين؛ إذ كان يوزع
الأدوية على الفقـراء والمعـوزين دون مقابل.
ألَّف ابن الجزار العديد من الكتب التي شملت علوماً مختلفة ولكنها اتجهت في المقام
الأول إلى العلوم الطبية، ولعل من أشهرها كتابه (زاد المسافر) وهو يتكون من مجلدين،
وقد تمت ترجمته إلى عدة لغات، وهو كتاب ذو قيمة طبية هامة؛ إذ ما تزال بعض الكليات
والجامعات تستفيد منه إلى اليوم، ولقد ألَّفه ليكون ابن الجزار دليلاً طبياً
للمسافر إلى البلدان البعيدة التي لا يوجد فيها طبيب.
كما ألَّف كتاباً في الأدوية يُعرَف بـ (الاعتماد في الأدوية المركبة)، وكتاب
(العدة لطول المدة) وهو أكبر كتاب له في الطب، وكتاب (التعريف بصحيح التاريخ) وهو
تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، وكتاب في
المعدة وأمراضها ومداواتها، وكتاب (طب الفقراء)، وكتاب في الفرق بين العلل التي
تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، وكتاب (الخواص)، وكتاب (نصائح الأبرار)، وكتاب
(المختبرات)، وكتاب في تحديد الأسباب المولدة للوباء.
كما ألَّف في مجال التاريخ والسير كتاب (مغازي إفريقيا)، وكتاب (أخبار الدولة)،
وكتاب (التعريف بصحيح التاريخ). وفي علم الجيولوجيا ألَّّف كتاب (الأحجار)، وفي
الجغرافيا كتاب (عجـائب البلدان)، وفي الأدب واللغة كتاب (المكلل في الأدب) و
(الفصول في سائر العلوم والبلاغات).
بالإضافة إلى العديد من الرسائل؛ وخاصة منها رسالة في إبدال الأدوية، ورسـالة في
التحـذير مـن إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه، ورسالة في الزكام وأسبابه
وعلاجه، وكذلك رسالة في النوم واليقظة.
ولقد خصص ابن الجزار تربية الأطفال والأمراض التي تصيبهم بمؤلَّف خاص وهو كتابه
(سياسة الصبيان وتدبيرهم)، وقد شرح فيه طرق العناية بالأطفال منذ ولادتهم، وبيَّن
كيفية تغذيتهم ونظافتهم وإِرضاعهم، وشرح الأمراض التي قد يتعرض لها الصبيان
من الرأس حتى القدم وقدَّم سبل علاجها، ولقد ختمَ كتابَه في الحديث عن طبائع
الصبيان وعاداتهم، وبفضل هذا الكتاب اعتبر ابن الجزار أول طبيب عربي متخصِّص في
مجال طب الأطفال.
وأكد العديد من المؤرخين أن ابن الجـزار كان أبيّاً عزيز النفس لا يتزلـف للسلاطين
أو الأمراء، ولا يمتنع عن خدمة أي مريض غنياً كان أم فقيراً، وكان رحيماً بالضعفاء
يبذل المال لفائدتهم، ويوزع عليهم الأدوية مجاناً، وينفق على علاج الفقراء من أموال
أسرته الثرية وكذلك من أجره عند علاج الأغنياء والحكام.
وكان ابن الجزار يذهب إلى مدينـة المنستير على الساحل الشمالي من البلاد التونسية
ليرابط فيها مع عدد من العبَّاد والزُّهاد لعدة أيام، وفي كل صيف ينطلق مع مجاهدي
البحر ليتصدى للسفن النصرانية التي كانت تهاجم مدن المسلمين الواقعة على سواحل
البحر الأبيض المتوسط.
عاش ابن الجزار عالماً متواضعاً لا همَّ له سوى البحث والتقصي والاشتغال بالجديد في
مجال النبـاتات والعقاقير؛ حيث صنف في الأمراض واختص بعض الأعضاء بالبحث وبعض
الأمراض بالتأليف. كما أنه اختص الفقراء ببعض المؤلفات وأفرد للخواص والأثرياء
كتاباً وجعل قسماً من تأليفه متعلقاً بالأدوية وآخَر بالأمراض.
اعتُمدَت علوم ابن الجزار في الشرق العربي وفي الأندلس، وأعجب بها كثير من ممارسي
مهنة الطب. وفي القرن العاشر الميلادي وصلت إنجازاته الطبية الكبيرة إلى أوروبا
وكان نابليون بونابرت يحمـل معه دائماً كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر).
إن معظم مؤلفات ابن الجزار ما زالت تحظى بالعديد من الدراسات الأكاديمية في ميدان
الطب والصيدلة في كليات الغرب؛ وخصوصاً في الجامعات الفرنسية، كما بقيت كتبه تدرَّس
في تونس من قِبل الأطباء قرابةَ ستة قرون بعد وفاته.