نتنياهو وحكومة الطوارئ.. اتحاد من أجل الحرب أم توريط للخصوم؟

إلى أي مدى سينجح نتنياهو في تجاوز أزماته من خلال حكومة وحدة وطنية؟ وهل مهادنة نتنياهو لزعيم المعارضة يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني غانتس وزعم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، هي جزء من استراتيجيته للنصر أم أنها توريط لهم في الأزمة؟


فيما تستمر المواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، يبدو أن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، قد وجد لنفسه مخرجًا مؤقتًا يخفف من وطأة الضغوط المتزايدة عليه جراء صدمة ومفاجأة الهجوم الذي شنّته حركة حماس قبل أيام، فاقترح نتنياهو على خصومه تشكيل حكومة طوارئ موسعة لإدارة الحرب، مستدعيًا من الذاكرة ما حدث عشية حرب عام 1967م حين انضم زعيم حزب الليكود السابق مناحيم بيغن إلى حكومة رئيس الوزراء آنذاك ليفي أشكول،

حكومة من رحم الأزمة

كانت الهجمات العسكرية المباغتة التي شنتها حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة والرشقات الصاروخية التي طالت العديد من مناطق الأراضي المحتلة، صادمة للمجتمع الإسرائيلي الذي كان يعاني بالأساس من انقسام حاد على خلفية مشروع التعديلات القضائية، ومع انتهاء حالة التخبط والارتباك التي سادت الأوساط الحاكمة في البداية، سرعان ما بدأ نتنياهو في جمع شتات أمره، فاستقر به الحال أن يلجأ إلى خصومه لتشكيل حكومة طوارئ، زاعمًا أن تلك الفترة تحتاج إلى صوت إسرائيلي موحد وصارم، وكان موقف خصومه الرئيسيين كالآتي:

 

في أعقاب هجوم حركة حماس ـ والذي يُعرف بـعملية طوفان الأقصى ـ على إسرائيل، تعرض نتنياهو لانتقادات واسعة بسبب رد فعله وافتقار حكومته إلى الخبرة العسكرية لمواجهة ما حدث بسرعة وكفاءة

* زعيم المعارضة؛ يائير لابيد:

أعلن لابيد منذ الأيام الأولى لهجوم حماس عن استعداده للانضمام إلى حكومة طوارئ مهنية وقليلة العدد، لكنه رأى أنه من المستحيل تتولى تلك الحكومة إدارة حرب في ظل وجود التكوين المتطرف في الحكومة الحالية، أراد لابيد ألا يبدو مغردًا بعيدًا عن السرب في ظل تلك الظروف العصيبة التي تعيشها إسرائيل، فلم يرغب في تأجيج المشاعر ضده وضد كتلته السياسية، لذا أعلن على الفور أنه على استعداد لوضع خلافاته السياسية مع نتنياهو جانبًا وتشكيل حكومة طارئة معه لإدارة ما وصفها بـ "العملية الصعبة والمعقدة"، لكنه في نفس الوقت أراد تحقيق بعض المكاسب السياسية على المدى الطويل من خلال تنحية حلفاء نتنياهو اليمينيين المتطرفين في الائتلاف الحاكم، معتبرًا أن إسرائيل الآن تحتاج إلى أن تقودها حكومة محترفة وذات خبرة.

* وزير الدفاع السابق؛ بيني غانتس:

التقى غانتس بنتنياهو عشية تقديم الأخير لمقترح تشكيل حكومة طوارئ، حيث أخبره بأن الحكومة الجديدة ستحظى بالدعم الكامل لأي إجراء أمني مسؤول وحازم، وسرعان ما دعا غانتس حزبه "معسكر الدولة" إلى الاجتماع للحصول على دعمهم لمقترح نتنياهو، اشترط غانتس أن تعمل الحكومة بطريقة منهجية تسمح بشراكة جوهرية في صنع القرار، برر غانتس مشاركته لنتنياهو بأن "إسرائيل تمر بواحدة من أصعب لحظاتها، وهو ما يتطلب وقوفنا كتفًا بكتف كرسالة واضحة لأعدائنا"، معربًا عن أمله في أن تنضم باقي أحزاب المعارضة إلى حكومة الطوارئ.

* زعيم حزب إسرائيل بيتنا؛ أفيغدور ليبرمان:

قال ليبرمان إنه سينضم إلى حكومة الطوارئ إذا كان هدفها المعلن هو القضاء على حماس، وبالرغم من أن نتنياهو العديد من قادة جيش الاحتلال قد كرروا عبارات تحمل نفس المعنى مرارًا، إلا أن تشكيل الحكومة الجديدة لم يأتِ على ذكر ليبرمان أو حزبه، ربما يعود ذلك إلى ضعف تأثيره في صفوف المعارضة مقارنةً بغانتس ولابيد.

قد يختلف غانتس عن لابيد في مسألة رغبة الانضمام إلى نتنياهو في هذا الوضع الحرج دون وضع اشتراطات قد يكون من الصعب تنفيذها، فالأول ينظر بإيجابية إلى إمكانية الدخول في حكومة طوارئ طوال مدة الحرب، بينما يرى الثاني أن نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف يجب أن يرحلا عن السلطة، لذا رفض الانضمام إلى حكومة الطوارئ واتهم القادة الإسرائيليين بـ "الفشل الذي لا يُغتَفر" لعدم منع هجوم حماس من بدايته، وفي كل الأحوال فإن غانتس ولابيد يتشاركان القلق ذاته بشأن قدرة أعضاء الحكومة الحالية على إدارة الحرب، خاصة وأن العمليات قد تمتد إلى الضفة الغربية والحدود الشمالية. في النهاية؛ استقر المقام على تشكيل حكومة طوارئ تتولى مهام إدارة الحرب، يشارك فيها غانتس وحزبه "معسكر الدولة" بخمسة وزراء دون حقيبة، وقد أعلن الكنيست الإسرائيلي عن تأييده للتشكيل الجديد بعد التصويت بأغلبية 66 صوتًا مقابل 4، ومن المنتظر ـ وفقًا للاتفاق بين نتنياهو وغانتس ـ أن يتم تقليص المجلس الوزاري الأمني المصغر لتصبح كل القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية في يد مجلس حرب مكوّن من نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إلى جانب غانتس، ومراقبين اثنين هما: غادي آيزنكوت، وهو رئيس أركان الجيش السابق وعضو في حزب الوحدة الوطنية، ورون ديرمر، وهو حليف مقرب من نتنياهو وسفير إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة.

أهـداف محـددة

يقول الكنيست الإسرائيلي على موقعه على الإنترنت إن حكومة الوحدة الوطنية هي حكومة تقوم على ائتلاف واسع، يضم أعضاؤه أيضًا ممثلين عن المجموعات البرلمانية المتنافسة، وتتشكل تلك الحكومة في حالات الطوارئ (مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية)، وهو الأمر الذي يتطلب تعبئة قوى سياسية شاملة لمواجهة الوضع، قد يتفق الىن كثيرون داخل ائتلاف نتنياهو بأنه لا يوجد خيار حقيقي سوى العمل مع المعارضة إلى أن يتم اجتياز الفترة الراهنة، سيكون دور حكومة الطوارئ الجديدة محصورًا في عدد من الأهداف، تشمل:

1ـ إظهار أن إسرائيل تعمل كجبهة موحدة في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية وأي أطراف أخرى قد تفكر في الانضمام إلى الصراع.

2ـ وضع حد للانقسامات الداخلية التي قد تؤثر سلبًا على فاعلية سلطات الأمن والاستخبارات، وبالتالي تركيز الجهود وتوحيدها في مواجهة الأزمة الحالية.

3ـ التنسيق الفعّال بين الأحزاب فيما يتعلق بصنع القرار والاتصالات وجميع الإجراءات اللازمة لتمكين حالة الطوارئ، ومن ثمَّ سرعة الاستجابة للأزمة، إذ أشارت بعض التقارير إلى أن الاستقطاب الشديد وعدم وجود اتصالات فعالة بين الأطراف السياسية والسلطات المختصة قد أسهم في إضعاف صورة إسرائيل مما خلق فرصة إيجابية للهجوم عليها.

4ـ إعطاء الأولوية للتحديات الأمنية التي تواجه الكيان الصهيوني حاليًا، والحيلولة دون تلاعب أي فصيل سياسي بالأزمة أو استغلالها لتنفيذ أجندته الخاصة.

5ـ تجميد الإصلاح القضائي المثير للانقسام والذي كان يهدف إلى تقليل صلاحيات المحكمة العليا، والذي سبق وأن أثار احتجاجات حاشدة في الشوارع كانت هي الأكبر في تاريخ إسرائيل.

6ـ لن تكون حكومة الحرب هي السلطة السياسية للحرب ضد حماس فحسب، بل سيتم تعليق جميع المبادرات السياسية الأخرى ـ باستثناء التدابير الاقتصادية الحيوية ـ دون موافقة كل من نتنياهو وغانتس.

في أعقاب هجوم حركة حماس ـ والذي يُعرف بـعملية طوفان الأقصى ـ على إسرائيل، تعرض نتنياهو لانتقادات واسعة بسبب رد فعله وافتقار حكومته إلى الخبرة العسكرية لمواجهة ما حدث بسرعة وكفاءة، الآن يريد نتنياهو من وراء حكومة الطوارئ أن يوضح للعالم أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين لا يزالون يثقون في الجيش الإسرائيلي ويقفون موحدين خلف السلطة السياسية، ولا شك أن هذا الوضع سيكون مؤقتًا طوال العلميات العسكرية، وبمجرد انتهاء حالة الطوارئ، فمن المتوقع أن تعود الحكومة إلى وظيفتها العادية، فيما سيعود غانتس وحزبه إلى صفوف المعارضة، ولكن على الأقل سيكون له الآن تأثير كبير على غرار نفوذ رئيس وزراء آخر، لكن المثير في الأمر هو أن غانتس ونتنياهو قد اجتمعا معًا لتشكيل حكومة طوارئ خلال فترة انتشار وباء كورونا في عام 2020، لكن الاتفاق انهار بعد 6 أشهر.

 

 المفارقة الأغرب هي أن أسوأ أزمة أمنية تواجهها إسرائيل منذ سنوات هي الآن من تمنح نتنياهو الفرصة لتوطيد علاقاته في الداخل والخارج مع تأمين إرثه باعتباره الزعيم اليهودي الأكثر أهمية منذ تأسيس إسرائيل

خـطـة نتنياهـو

من المتوقع أن يركز نتنياهو خلال الفترة المقبلة على عدة نقاط كخطة أوليّة يحاول من خلالها إعادة الهيبة للكيان المحتل وللجيش الذي زُعِمَ مرارًا أنه لا يُقهَر، يمكن تلخيص تلك النقاط فيما يلي:

1ـ استكمال استعادة البلدات الحدودية الإسرائيلية التي اجتاحها عناصر المقاومة الفلسطينية عندما بدأت توغلاتهم في 7 أكتوبر، ورغم أن الجيش الإسرائيلي قد أعلن أنه قضى على كل العناصر المتواجدة في مستوطنات غلاف غزة، لكن هذه المعلومات غير مؤكدة وقد يكون قد تم بثّها كجزء من الحرب النفسية.

2ـ التحول إلى هجوم متصاعد وغير مسبوق ضد حماس في قطاع غزة، فهدف نتنياهو الرئيسي من نتيجة هذه الحرب الحالية هو استسلام حماس غير المشروط وإسقاط نظامها.

3ـ تأمين الجبهات المعادية الأخرى لإسرائيل لعدم توسيع الحرب، وذلك في إشارة إلى الحدود اللبنانية حيث يتواجد حزب الله اللبناني، وهو أكبر عددًا وأقوى تسليحًا بمراحل مقارنة بالفصائل الفلسطينية مجتمعةً، كما أن مصطلح الجبهات المعادية يحمل إشارة أخرى إلى الجبهة السورية، حيث تحظى إيران بتواجد كبير منذ عدة سنوات هناك.

4ـ تأمين حدود الضفة الغربية والداخل الإسرائيلي، كما أطلق نتنياهو أيضا تحذيرًا ضمنيًا للأقلية العربية في إسرائيل بعدم الانضمام إلى القتال ضد ما وصفها بالدولة، منعًا لحدوث أي انشقاق داخلي.

5ـ الحفاظ على الدعم الدولي لإسرائيل وتوسيعه وبالتالي منحها أقصى قدر من حرية العمل أثناء الحرب.

6ـ تعزيز التضامن داخل إسرائيل، وتنحية الاستقطاب جانبًا، وذلك في محاولة لتخفيف وطأة الاقتتال السياسي الداخلي حول الإصلاحات القضائية.

فــرص ومفـارقـات

بعد أن رفض لابيد المشاركة في الحكومة الجديدة لاشترطه إقالة زعماء ووزراء اليمين المتطرف؛ مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، أوضح أن نتنياهو كان على علم تام بأن "حكومته المتطرفة وغير المهنية لا يمكنها إدارة الحرب"، لكن نجاح نتنياهو في تشكل حكومة الطوارئ التي أرادها قد منح حلفائه اليمينيين المتطرفين فرصة استكمال عملهم في الحكومة للتعامل مع القضايا غير الحربية، وطوال مدة الحرب لن يتم طرح أي تشريع أو قرارات غير حكومية في الكنيست الإسرائيلي، ومن المفارقات أن بن غفير قد اعترض على انضمام غانتس وآيزنكوت إلى حكومة الطوارئ التي ستكون مسؤولة عن الحرب، مدعيًا أنهما ـ باعتبارهما رئيسين سابقين لأركان الجيش الإسرائيلي ـ يعدان مسؤولين عن الفشل العسكري الأخير، إلا أن التقارير ذكرت أن نتنياهو أصرَّ على وجودهما.

لكن المفارقة الأغرب هي أن أسوأ أزمة أمنية تواجهها إسرائيل منذ سنوات هي الآن من تمنح نتنياهو الفرصة لتوطيد علاقاته في الداخل والخارج مع تأمين إرثه باعتباره الزعيم اليهودي الأكثر أهمية منذ تأسيس إسرائيل، لقد منحته الحرب فرصة عظيمة للتقارب مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد فترة من الجفاء في التواصل، لقد منحته الحرب فرصة لتجديد الدعم الدولي لشرعية الأعمال العسكرية الوحشية بحق الفلسطينيين، وحكومة الطوارئ أيضا ستجعل من السهل على نتنياهو خوض العديد من المخاطر العسكرية، فوجود خصومه السياسيين معه من شأنه أن يقلل من مخاوفه الانتخابية إذا انحرفت الحملة العسكرية أو تعثرت، لأن أولئك الذين كانوا ليحققوا مكاسب على حسابه سوف يتقاسمون المسؤولية معه، ولا شك أن إن المكاسب الاستراتيجية لنتنياهو من حكومة الوحدة تمتد إلى ما هو أبعد من أعضاء الحكومة.

رغم أن نتنياهو وسموتريتش وبن غفير جميعهم سياسيون يمينيون، إلا أن الاختلافات حول الجوهر واللهجة تفرقهم، فمثلًا دافع نتنياهو عن الترتيبات الأمنية الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية والمستوطنات الموجودة على تخومها، وفي نفس الوقت كان مترددًا في توسيع المستوطنات وهي أولوية بالنسبة لحليفيه المزعجين؛ سموتريتش وبن غفير، وبينما يفضل نتنياهو نوعًا ما من الإصلاحات القضائية لتقليص سلطة المحكمة العليا، إلا أنه في نفس الوقت قاد الكيان الصهيوني على مدى عقدٍ من الزمن من دون تلك الإصلاحات، الآن سيدخل نتنياهو في حرب غير محددة المدة للقضاء ـ بحسب زعمه ـ على حركة حماس، الدخول في حروب وحشية وتنفيذ هجمات قمعية غير مبررة ليس بالأمر الجديد على كل القادة في الكيان الإسرائيلي، قد لا يختلف لابيد وغانتس وليبرمان إذا ما كانوا هم من في السلطة عن نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، فالرؤية واحدة والأهداف متشابهة، فقط تختلف الأسماء.

 

أعلى