العراقيل التي تحول دون إجراء الانتخابات الليبية

يعقد الليبيون آمالا كبيرة على هذه الانتخابات في إعادة الاستقرار إلى بلادهم بعد أكثر من عقد من الاضطرابات، لكن البعض يخشى من حدوث انتكاسة ما تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر،


تستعد ليبيا التي مزقتها الحروب الأهلية والمنازعات الخارجية إلى منعطف درامي جديد نحو تحقيق السلام والاستقرار، عبر عزمها إجراء انتخابات سيختار الليبيون رئيسهم للمرة الأولى في تاريخ البلاد عبر الاقتراع المباشر.

المرحلة الأولى من الإعداد للانتخابات الليبية، انتهت بعد إغلاق المفوضية العليا للانتخابات باب الترشح، وبقيت مرحلتان يحيط بهما كثير من الغموض والترقب.

من المقرر أن تعلن المفوضية العليا للانتخابات نهاية الشهر الجاري العدد النهائي للمرشحين الذي قدموا أوراق ترشحهم، كما ستنشر الأسماء التي قُبلت طلبات ترشحهم والأسماء المستبعدة لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر.

يعقد الليبيون آمالا كبيرة على هذه الانتخابات في إعادة الاستقرار إلى بلادهم بعد أكثر من عقد من الاضطرابات، لكن البعض يخشى من حدوث انتكاسة ما تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر،

ففي حال تمت الانتخابات ونجحت فان المجتمع الدولي سيتجه للتعامل بجدية مع نتائج الانتخابات وستبدأ أوروبا والدول المعنية بالملف الليبي من تقديم الدعم الحواري ثم الدعم المالي لبناء الدولة، وإنهاء ما يقرب من عقد من الدمار والتشرذم، حيث ترى الدول الأوروبية والولايات المتحدة بأن تلك الخطوة تكفي لنجاح العملية الديمقراطية في ليبيا، والاتفاق على إطار دستوري وقانوني يجمع الكل الليبي تحت مظلته الشرعية وإنهاء الصراعات والنزاعات الطائفية.لكن هناك الكثير من العراقيل والمحاذير التي تحول دون إجراء انتخابات رئاسية حرة، نظرا لهشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق، وعدم قدرة الناخبين على التصويت بحرية تامة في العديد من المناطق، وفي حال وقوع انتهاكات وخروق في العملية الانتخابية بسبب الوضع الأمني، أو عرقلة عدد من الميليشيات المسلحة أو التيارات المسلحة للانتخابات، سيتعين على المجتمع الدولي البدء من جديد في حوار لتسير العملية السياسية ومنع انزلاق البلاد من جديد في صراع مسلح، وبغض النظر عن الصعوبات اللوجستية لتنظيم انتخابات في دولة تعاني فيها حكومتها، لم يكن هناك التزام من قبل الاتحاد الأوروبي أو أي من الوسطاء الخارجيين الآخرين بتوفير مراقبين للانتخابات، وقد يؤدي الفشل في المضي قدما في الانتخابات، التي يطالب بها البعض إلى عودة العنف، بيد أن رفض عدد من المرشحين قبول النتيجة، وهو أمر غير مستبعد، متسلحين بجيوشهم الخاصة ودعم المرتزقة الأجانب المتنافسين، يمكن أن يؤدي إلى سيناريو أسوأ.

من الملاحظ غياب  الحملات الترويجية للانتخابات العامة وعدم استخدام وسائل حث الناس على المشاركة في الانتخابات، وغياب وسائل التواصل مع المواطنين وعدم تفعيلها، وعزوف الليبيون عن الإقبال على استلام بطاقاتهم الانتخابية، وغياب الدعايات الانتخابية للمرشحين، وغياب شركات الاتصال المملوكة للدولة عن تنظيم الحملات الانتخابية، وغياب لدور النخب من المثقفين والفنانين، وأصحاب الرأي والرياضيين، والدعاة والشيوخ على المنابر في الترويج لهذا الاستحقاق الذي ينقذ ليبيا مما يتهددها من مخاطر ومطامع دولية ويزيد من تفتتها وتقسيمها، ولعل كل ذلك مرده التذرع بـحاجز الخوف من بعض الأطراف التي تتوعد بعرقلة الانتخابات، وكل من يشارك فيها.

بالتأكيد، الليبيون يكرهون الحاضر الذين يعيشونه اليوم من وراء ويلات الحرب الأهلية، إنما هذه ليست تذكرة سفر سهلة للعودة لما قبل عام 2011، لأن مشهد الانتخابات وأسماء المرشحين في ليبيا يعيد إلى الأذهان معضلة النخب السياسية، التي تدعى اعتناق القيم الليبرالية والعمل لمصلحة الدولة والمواطنين وما أن تلوح لهم الفرصة ينقلبون عليها، ويجعلون من التشبث بالحكم والسلطة هدفهم السامي ويكون المواطن ومصلحة الوطن أخر ما يتطلعون إليه ويعملون لأجله.

رغم الضغوط الدولية لإجراء الانتخابات في موعدها، ولو بقوانين معيبة، ووضع المفوضية العليا للانتخابات، خطة لإجرائها، وتأكيد جميع الأطراف الليبية التزامها بالموعد المحدد، إلا أن كثير من المؤشرات توحي بعكس ذلك، فالعديد من العراقيل تحول دون إجراء الانتخابات في ليبيا أهمها تجاهل المجلس الأعلى للدولة (نيابي واستشاري) فيما يتعلق بإعداد قوانين الانتخاب طبقا للاتفاق السياسي، وأن قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، اللذين أصدرتهما رئاسة مجلس النواب، لم يتما وفق أسس سليمة، ولم يتم الاتفاق بشأنهما مع مجلس الدولة، ولم يعرضا للتصويت، كما ينص الإعلان الدستوري، وأن إجراء الانتخابات على أساسهما سيؤدي إلى الطعن فيهما، كما أن اشتراط  المجلس الأعلى للدولة إجراء الانتخابات البرلمانية بعد 30 يوما من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية، وهذا يتعارض مع التوافق بين الأطراف الليبية بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، وهو مطلب أممي ومن مفوضية الانتخابات أيضا، يجعل إجراء التشريعات رهينة بعدم الطعن في قانون الانتخابات الرئاسية أو نتائجها، كما أن مشروع قانون الانتخابات البرلمانية لم يحصل على النسبة الحاسمة والمقدرة بـ (120) صوتا، ناهيك عن أن مجلس النواب لم يتشاور بشأن هذين القانونين مع المجلس الأعلى للدولة كما ينص الاتفاق السياسي، وأمام هذه المعطيات فإن احتمال إجراء انتخابات نزيهة في جميع الأقاليم غير مطعون فيها من أي طرف تبدو ضئيلة، وقد يصطدم العالم في 24 ديسمبر بحقيقة أن الليبيين غير جاهزين بعد لهذا الاستحقاق المصيري.

 

أعلى