• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مبعوث أممي جديد لليبيا هل من جديد؟

يتولى باتيلي مهامه في ليبيا، في وقت لم يتمكن جميع أسلافه من حلّ المعضلة الليبية. وفي كل مرة تخرج بوادر حلّ للأزمة، يعود الانسداد السياسي ليخيّم على المشهد، حتى مع انخفاض قرقعة السلاح


لا تزال القارة الأفريقية تئن تحت سطوة وهيمنة القوى الاستعمارية، تتراوح عليها، ولا تزال القارة الأفريقية مسرحًا للصراع بين هذه القوى الاستعمارية، من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدرات وثروات القارة الأفريقية الغنية، وجعلها نهبًا مستباحًا بلا مقابل، تحت كثير من شعارات التنمية والإصلاح الاقتصادي والسياسي والديمقراطية والمشاركة وما إلى ذلك.

من هذه الساحات ليبيا الغنية بالبترول، التي تشهد انقسامًا سياسيًا وصراعًا على السلطة بين حكومتين، إحداهما برئاسة فتحي باشاغا، التي كلفها مجلس النواب مطلع مارس الماضي، والثانية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي لا تتعرف بالبرلمان في طبرق وتسعى لتسليم السلطة إلى لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب.

منذ أيام قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بتعيين الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا، ورئيسًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة الليبية والانقسام السياسي المستمر منذ سنوات.  

ليبيا تدخل تحت إدارة الفوضى لا الإدارة من أجل علاج الفوضى

كان باتيلي قد كُلف عام 2021 برئاسة الوفد الأممي الزائر لليبيا لتقييم عمل البعثة. ومنذ ديسمبر 2021، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تعاني فراغًا في القيادة بعد استقالة السلوفاكي كوبيش، الذي عُيِّن في يناير 2021، وبعد 11 شهرًا تخلى عن المنصب واستقال في نوفمبر، وكان يمارس مهامه من جنيف.

ومنذ تفجر الأزمة الليبية عقب سقوط معمر القذافي العام 2011، جرى إحصاء سبعة ممثلين خاصين للأمين العام للأمم المتحدة، منهم أربعة أوروبيين واثنان من الشرق الأوسط.

والسؤال: هل يستطيع بالفعل عبد الله باتيلي أن يصل بالليبيين إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ويساهم بخبرته الواسعة في الانتقال إلى الدولة التي يتطلع إليها كل أبناء الشعب الليبي، آخذين في الاعتبار مواقف الدول الكبرى الاستعمارية المشبوهة، التي لا يبدو حقًا أنها تريد تحقيق شيء من ذلك؟.

لماذا باتيلي؟

في عام 2012 تجهزت قوات أفريقية من عدة دول لمواجهة الجماعات المسلحة في شمال مالي، وكان باتيلي من الذين غيروا سياسة السنغال الرافضة للتدخل في مالي. وقاد باتيلي بلاده بالفعل لمشاركة القوات الأفريقية في حرب مالي. وكان يشدد على حتمية تبني الخيار العسكري لتحرير شمالي مالي، ويشكك في جدوى المفاوضات مع هذه الجماعات، التي طالب بالمبادرة لحربها قبل أن يستفحل نفوذها.

وفي العام الذي يليه 2013 قرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تعيين الأمريكي ديفيد جريسلي والسنغالي عبد الله باتيلي نائبين للممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار متكامل متعدد الأبعاد في مالي.

حقيقة المواقف الدولية: الرغبة في التهدئة النسبية

الموقف الأمريكي

قدم السفير الأمريكي في طرابلس ريتشارد نورلاند رسائل واضحة عملية من خلال تعقيبه على تعيين باتيلي:

الأولى- التشديد على التعاون معه من جميع الأطراف، ومهاتفته لباشاغا، المدعوم من حفتر، تتعلق بوقف العمليات العسكرية، وتهدئة الأوضاع حتى يتمكن هو وبلاده من استنزاف البترول بطريقة سلسة.

الثانية- التنبيه على أن بلاده تقف وراء تعيين المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، وأنه ليس محسوبًا على فرنسا ولا على غيرها من الدول، وأنها لن تترك الميدان لأيّ جهة أخرى. في إشارة واضحة إلى روسيا خاصة، وكذلك تركيا التي أظهرت نفسها على أنها تمسك بالحل لليبي بين أطرافه الفاعلة، في غياب القوى الدولية.

الثالثة- أن الولايات المتحدة ستدعم باتيلي لمواصلة المشوار الذي قطعته المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز التي أشرفت على مؤتمرات الحوار الليبي – الليبي ورعتها في الداخل والخارج، وكانت على تواصل دائم مع مختلف الفاعلين بما في ذلك عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، وحكومة فتحي باشاغا المعينة من البرلمان.

هل حقًا تريد أمريكا حل المشكلة الليبية؟

يتولى باتيلي مهامه في ليبيا، في وقت لم يتمكن جميع أسلافه من حلّ المعضلة الليبية. وفي كل مرة تخرج بوادر حلّ للأزمة، يعود الانسداد السياسي ليخيّم على المشهد، حتى مع انخفاض قرقعة السلاح. وآخرها المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز التي غادرت ليبيا، بعد إدارة ملتقى للحوار السياسي الليبي، تمخض عن خريطة طريق للحلّ، كانت ستقود إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر الماضي، بعدما أنتجت حكومة انتقالية تحت مسمى حكومة وحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة. بينما ترى أطراف أخرى أنها سبب تفاقم الأوضاع.

ووفقًا لموقع “ديكود 39” الإيطالي تهتم واشنطن بالاستقرار وخفض التصعيد في ليبيا، لأن ما يحدث في ليبيا يمكن أن يكون له تداعيات أوسع، سواء فيما يخص الديناميكيات الإقليمية أو المرتبطة بعالم الطاقة.

ومن ناحية أخرى، فشل البيت الأبيض في إقناع دول الخليج بزيادة الإنتاج كما يريد، وليبيا دولة منتجة للنفط، وفي خضم اضطراب السوق على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن المليون برميل المحتمل الذي يمكن أن تنتجه طرابلس في اليوم له وزن أكبر.

وهذا ما تؤكده مراكز البحث الأمريكية، التي اعتبرت أن ليبيا أحد ركائز نجاح دبلوماسية بايدن النفطية في الشرق الأوسط، داعية لاستخدام الأساليب الصعبة مع اللواء المنشق خليفة حفتر، من أجل رفع أي إغلاق لمنشآت نفطية قبل قبوله في أي عملية سياسية، ووفقًا لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يجب أن تكون مسألة استمرارية ضخ النفط، خارجة عن مشكلات ليبيا وتحدياتها. فلابد من تحقيق صيغة من الاستقرار تضمن التمكن من الحصول على النفط المطلوب، كما اعتبر أن ذلك من ناحية أخرى سيوجه ضربة استراتيجية لروسيا، التي نشرت مرتزقة "مجموعة فاغنر" في ليبيا لفترة دامت ثلاث سنوات على الأقل.

ولا يتوقف تحقيق ما ترجوه أمريكا من استمرار تدفق النفط بسلاسة، على الضغط على حفتر وحسب، بل أيضًا الضغط على مصر باعتبارها مسؤولة أيضًا عن إعادة إنتاج النفط الليبي إلى الخط. وكذلك تركيا، فبإمكان مصر وتركيا، الضغط من أجل هذا الشرط. ولأن أيًا من الدولتين ليس لديها مصلحة في رؤية العودة إلى الحرب الأهلية. ومن الصعب تصوّر حدوث مثل هذا التنسيق الدبلوماسي دون قيام تنسيق نشط من قبل الولايات المتحدة.

اعتراض ليبي مبكر والموقف الفرنسي

من المفارقات أن الدبيبة كان من أوائل من اعترضوا، بل ربما كان الوحيد الذي اعترض، على ترشيح باتيلي بمجرد تداول اسمه في أروقة الأمم المتحدة، ولم تخف حكومة الوحدة، تفضيلها تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم، الذي اعترضت عليه الإمارات، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق.

بينما يحظى باتيلي، بدعم كبير من فرنسا، ومن خليفة حفتر، وكذلك من الاتحاد الإفريقي الذي تترأسه السنغال حاليًا. وفقًا للأناضول.

لا شك أن التصريح الفرنسي بتعيين باتيلي كان جافًا ومريبًا، ربما للتعمية على هذه الاتهامات، ولذلك كان التلميح الأمريكي بأن باتيلي لا يخضع للنفوذ الفرنسي.

وتتمثل مخاوف الدبيبة من باتيلي أن يستجيب لضغوط فرنسية ويلعب دورًا في ترجيح فكرة تشكيل حكومة ثالثة، بتسهيل اتفاق بين مجلسي النواب والدولة، يُنهي ولاية حكومة الوحدة، وهو الأمر الذي استبعده المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة.

غير أن ترحيب الدبيبة، بتعيين باتيلي، بعد نحو أسبوعين من الاعتراض، يعكس إما أنه لم يكن له خيار سوى القبول به، أو أنه جرى تقديم تطمينات له، خاصة من الجانب الأمريكي، بشأن دور المبعوث الأممي الجديد. لذلك سارع الدبيبة ومعه المجلس الرئاسي في الترحيب بدعوته، وكذلك فعل فتحي باشاغا.

فرنسا تعرف جيدًا من هو باتيلي، الذي يتحدث الفرنسية، وسبق لها وأن تعاملت معه عندما عمل في البعثة الأممية في مالي (مينسوما) 2013، والتي تشكلت في نفس العام بعد طرد القوات الفرنسية الجماعات المسلحة التي سيطرت على شمالي البلاد، لذلك تعد من أكبر المتحمسين لتوليه رئاسة البعثة الأممية.

الموقف الإيطالي والاهتمام الأوروبي

يبين دي كريمناجو لماتيو العضو في لجنتي الخارجية والدفاع في البرلمان الإيطالي أن إيطاليا خسرت في ليبيا تلك اللعبة، لغياب الشجاعة حين قالت إيطاليا لا لطلب المساعدة العسكرية عندما طلبتها حكومة فايز السراج .كأنه يشير إلى أنهم كان ينبغي أن يقوموا بما قامت به تركيا. ولأجل عودة قوية لإيطاليا في ليبيا، أوضح أنه حتى تكون قادرًا على اللعب كفريق مع فرنسا. هناك حاجة لتعزيز العلاقات الثنائية، وأيضًا اتفاقيات في الإطار الأوروبي. ومن الضروري أيضًا مواجهة الوجود الروسي مع مرتزقة فاغنر. ولا يمكن فعل ذلك إلا على المستوى الأوروبي. وصرح أيضًا أنه يجب التحرك بدعم أمريكي، لكن القضية تتعلق بهم الأوروبيين على وجه الخصوص.

فشل متوقع

يرى كثير من المراقبين والمحللين أن ثمة صعوبات كثيرة وتحديات كبيرة لكي ينجح باتيلي في مهمته فالأمر يعتمد على القدرة على فهم الأزمة الليبية بتعقيداتها المختلفة والقدرة على إيجاد الحلول في ظروف غاية في التعقيد، مع مراعاة المصالح الليبية المحضة.

فكيف يمكنه النجاح في هذه البيئة المعقدة الصعبة، التي تتعدد فيها التدخلات الإقليمية والدولية السافرة سياسيًا وعسكريًا، مع انتشار آلاف القوات الأجنبية والمرتزقة ضمن حدودها، مع الانشقاقات الداخلية، وعجز الليبيين أنفسهم عن التوصل إلى حل وسط بشأن مسارٍ جديد للمرحلة القادمة، وتلاعُب طبقة جديدة من النخبة بثروة البلاد، وفقًا لمعهد واشنطن، كل ذلك وباتيلي لا يعدو أن يكون موظفًا للأمم المتحدة، التي تمثل هذه القوى الإمبريالية الكبرى، وتعمل على تحقيق مصالحها، لا مصالح الليبيين.

أعلى