حظر الطيران ومشروعيته الدولية

حظر الطيران ومشروعيته الدولية

 

مصطلح "الحظر الجوي" الدولي درج كثيراً في قواميس السياسة العالمية نتيجة استخدام هذه الحالة من النزاع العسكري لحسم المعركة لصالح طرف من الأطراف المدعومة دولية أو تحت ذريعة حماية مدنيين في ظروف الحرب أو النزاعات المسلحة.

وبموجب قرار من مجلس الأمن الدولي تقوم قوات متحالفة بمنع تحليق الطائرات في أجواء منطقة معينة أو دولة ما، لكن بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت على فرض حظر جوي على العراق في تسعينيات القرن الماضي وتسبب ذلك بوقوع ضحايا كثيرين من المدنيين العراقيين، وفرض هذا الحظر للضغط على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام الحسين الأمر الذي أسهم بشكل كبير في إنجاح انفصال إقليم كردستان العراق.

ويتطلب فرض الحظر الجوي إقامة دوريات على مدار الساعة فوق المجال الجوي للدولة المستهدفة، وأحيانا تدمير مضادات الطائرات لذلك البلد.

ومن آثار الحظر حرمان القوات الجوية للبلدان من سيادتها الجوية على أراضيها، وإفساح المجال لقوات أخرى بالتحرك في الأجواء على حساب صاحب الأرض، والإضرار الكبير بالحركة الاقتصادية وحرية النقل الجوي.

ويجوز لمجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اتخاذ أي قرارات من شأنها المحافظة على السلام والأمن الدوليين واستعادتهما، و هذه التدابير تكون في إطار العقوبات  الاقتصادية أو استخدام القوة.

وتنص المادة 41 على أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير وبينها الحظر الجوي.

ويعد حظر الطيران أحد أشكال العقوبات التي يوقعها مجلس الأمن على الدول بتصويت أغلبية الأعضاء، إذا لم تستخدم أي من الدول الدائمة العضوية حق النقض (الفيتو).

وللحديث بتفاصيل أكثر عن تجربة الحظر الجوي على العراق فإنه بعد انتهاء الحرب الخليجية الثانية عام 1991 فرضت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا حظرا جويا داخل العراق فيما عرف بمناطق الحظر الجوي شمالي العراق وجنوبه بحجة حماية الأكراد والشيعة.

وانسحبت فرنسا عام 1996 م لأنها وحسب تعبيرها اعتقدت أن منطقة الحظر أخذت منحى أهداف أخرى غير الأهداف الإنسانية. واستندت هذه الدول إلى القرار رقم 688 والصادر عن مجلس الأمن يوم الخامس من أبريل/نيسان 1991م، مع أنه لا ينص على فرض الحظر الجوي، ويتعلق بالأكراد، شمالي العراق، ويطالب العراق بالكف عن ملاحقتهم واحترام حقوق الإنسان.

أصرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على أن الطلعات الجوية لمراقبة المنطقة تعتبر شرعية وتستند على قانون مجلس الأمن الدولي رقم 688 في 5 أبريل 1991 م والذي يشجب فيه مجلس الأمن "عمليات الاضطهاد" التي تمارسها الحكومة العراقية ضد المدنيين في بعض مناطق العراق.

لم تعترف الحكومة العراقية بشرعية هذه المنطقة كونها لا تستند على قانون صريح وواضح من مجلس الأمن واعتبرتها محاولة لتقسيم العراق وكانت الدفاعات الجوية العراقية تستهدف الطائرات الأمريكية والبريطانية المحلقة في المنطقة حتى أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين أصدر أمراً بمنح مكافأة لمن يسقط طائرة في منطقة حظر الطيران.

و ساهم هذا الحظر في عملية انفصال الأكراد عن العراق و تنظيمهم انتخابات محلية وتشكيل برلمان وإنشاء كيان أطلقوا عليه اسم" إقليم كردستان العراق".

امتدت منطقة الحظر شمالاً من خط العرض 36 وجنوباً حتى خط العرض 32, وفي أواخر عام 1996 م تم توسيع منطقة الحظر الشمالية إلى خط 33 والذي كان أقرب إلى حدود العاصمة بغداد. وأتى هذا التوسيع بعد دخول وحدات من الجيش العراقي محافظة أربيل  للفصل في نزاعات داخلية بين الأكراد استجابة لطلب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

و استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا  الحظر الجوي لمعاقبة النظام الليبي السابق بعد اتهام ليبيين بالضلوع في تفجير طائرة أميركية فيما عرف بقضية لوكربي. ونص القرار رقم (748) المؤرخ في 31 مارس/آذار 1992 م على عدم السماح لأية طائرة بالإقلاع من إقليمها أو الهبوط فيه أو التحليق فوقه إذا كانت متجهة إلى ليبيا أو قادمة منها ما لم تكن الرحلة المعينة قد نالت على أساس وجود حاجة إنسانية هامة موافقة لجنة مجلس الأمن. كما حظر القرار تزويد ليبيا بأية طائرة أو قطع طائرات وتوفير خدمات الهندسة والصيانة للطائرات الليبية أو أجزاء الطائرات الليبية، ومنح شهادة الأهلية للطيران إلى الطائرات الليبية. ورفع الحظر بقرار من مجلس الأمن في سبتمبر 2003 م.

ومع بداية الثورة الليبية فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على النظام الليبي مرة أخرى في 18-03-2011 بعد قيام طائرات حربية ليبية بقصف المدنيين في مدن ليبية مختلفة.

كما أصدر مجلس الأمن قراراً مماثلاً بحظر الطيران في يوغسلافيا الاتحادية إبان الحرب في البوسنة والهرسك وذلك في 30 مايو/أيار 1992 م.

و تحتاج القوات التي تفرض هذه الحالة  مجموعة كبيرة من الوسائل التي يمكن تطبيقها من طائرات رادار أواكس لمراقبة المجالين الجوي والبحري وطائرات للحرب الإلكترونية لضرب الأسلحة المقابلة من نوع أرض - جو، ومقاتلات قاذفات لاعتراض طائرات الدولة المستهدفة من الحظر .

أعلى