• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
وحش يتجول في أوروبا

وحش يتجول في أوروبا

يقع منزل محمد مراح في حي سكني فرنسي هادىء نسبيا. الطبقة البرجوازية الصغيرة. المنازل منخفضة، من طابق واحد وبحديقة على مسافة كيلو مترين من هناك تقريبا توجد مدرسة "كنز التوراة". هذا بالتأكيد ليس حيا فقيرا في تولوز ولا غيتو مهاجرين انحشر في الضواحي بعيدا عن العين وعن الأغلبية البيضاء والمسيحية.

ولكن في قلب هذه الصورة، مبنى مراح مختلف جدا، هو مبنى من الشقق، وليس منزلا خاصا، من عدة طوابق. صوره تظهر جودة البناء،يبدو أنه مبنى حكومي ومتردٍ. سكانه ليسوا بيضا ومسيحيين مثل جيرانهم هم مهاجرون، أبناؤهم وأطفالهم. يعيشون معا، باكتظاظ، مختلفين، في قلب الحي العادي. هذا هو بالضبط الاندماج الأوروبي المتنور: عدم إبعاد المهاجرين إلى ضواحي بائسة ومنعزلة، بل إسكانهم في أحياء عادية، في مبان بنيت خصيصا. في بريطانيا، في قلب أحياء غنية توجد مباني للسكن العام بفقرائها ومهاجريها. من جهة، بيت خاص يساوي الملايين، وتماما خلف الجدار، تطل مبان من الشقق طويلة وفيها مهاجرون ماليزيون، غانيون، باكستانيون. القصة الفرنسية، بشكل عام، أسوأ. هناك انحشر الكثير من المهاجرين إلى ضواحي الحضارة الفرنسية، عديمي الوسائل والعمل، غير مرتبطين على الإطلاق بالحلم الفرنسي. في العام 2005 اندلعت "ثورة الضواحي"، أعمال الشغب الجماهيرية والفتاكة. كانت هذه هي الإشارة الأولى، المنذرة بالشر.

ولكن لعائلة مراح هذا لم يحصل. فهم لم يعانوا من فصل جغرافي، من عيش في غيتو بائس في الضواحي وعديم سبل العمل. عندهم اتخذت السلطات طريقة أخرى: تتبيل السكان الأقوياء بمهاجرين جدد. قلة المهاجرين داخل الأحياء المسيحية البيضاء. وفي النهاية، ولعل هذه هي النقطة الهامة، هذا لم يغير شيئا. المبنى وقف في قلب الحي، ولكنه كان من عالم آخر. سكانه تلقوا البريد من ذات ساعي البريد، ولكنهم شاهدوا تلفزيونيا آخر وقرءوا كتبا أخرى، وبعضهم، ولا سيما محمد مراح، حلموا أحلاما أخرى.

مئات الأفلام في الانترنت تبين عصبة من الشباب، الكارهين والضائعين. ذقونهم تنمو بانفلات عقال، أعلامهم سوداء على أفضل تقاليد القاعدة. وهم يحملون خريطة سوداء لفرنسا وكتب عليها: "الخلافة". الأفلام تبدأ برسومات مبذولة الجهد، مع حركات وأغان عن المستقبل النبيل لفرسان الإسلام. ولكن بعدها تبدو عصبة بائسة تمارس اللعب في قلب مبنى مهجور في تولوز. وهم يروون لأنفسهم ولنا بأنهم يتدربون من اجل الجهاد. ولكن أكثر من مقاتلين يبدون مثل وحوش تربوا في مستنقع اليأس. في مظاهراتهم يهدرون بالخوف من الإسلام، ولكن في نفس الوقت يدعون إلى دولة شريعة ويعدون بتصفية الصهاينة. الخوف الذي ينتجونه مبرر جدا.

الرئيس ساركوزي قال هذا الاسبوع انه يوجد وحش يتجول في فرنسا: وقد كان محقا. ولكن يوجد أكثر من وحش واحد. من الضواحي المهملة لباريس وحتى لنماذج الاندماج في تولوز، الكثير من الوحوش نبتت وترعرعت في أوروبا، تصب الحليب المسموم للإسلام. فرنساهم ليست الحرية، العدالة والمساواة؛ حلم الاندماج لا يعنيهم، وهم لا يريدونه. هذا ليس تصريحا سياسيا؛ هذا واقع في فرنسا. وهي الآن تدفع الثمن على الفشل الرهيب. ليست الهجرة بحد ذاتها بل فشل اندماج المهاجرين. ليست الرغبة المتنورة في التعددية بل التجاهل الرهيب للخطر. قبل بضع سنوات كانت هذه بريطانيا هي التي دفعت ثمنا كهذا، عندما  فجر بريطانيون عاديون، مسلمون، أنفسهم في شوارع لندن كي يقتلوا بريطانيين آخرين. في التصدي للقاعدة ، تعدد الثقافة في بريطانيا فشل، والآن أيضا النموذج الفرنسي ينزف. باتريك فيل هو مؤرخ فرنسي يعنى بالهجرة. قال هذا الإسبوع :"هذه كانت هجمات رمزية جدا"، 'القاتل هاجم فكرة الاندماج الفرنسية. هاجم من يمثل المواقف الأساس للجمهورية الفرنسية مبادئ المساواة والكرامة للتنوع الإنساني.

فرنسا كانت صوتا واحدا من الأسى الموحد حتى يوم الأربعاء في الثالثة صباحا. مسلمون، مسيحيون ويهود كان بوسعهم أن يتعانقوا وان يأملوا بان يتبين بان القاتل مجنون وعديم الايديولوجيا. رد الفعل الفرنسي كان صاخبا، صادما ومذهولا بحيث لم يكن ممكنا الخطأ في فهم الفكرة الوطنية خلفها. قلب فرنسا لم يصبح فظا بالعنف وبالمغدورين. الدولة كلها توقفت عن السير، تجندت للمطاردة، ارتبطت بشاشات التلفزيون. يوجد حديث تبسيطي أحيانا عن القلب اللامبالي لأوروبا. الدفء الذي اندلع من فرنسا هذا الاسبوع عبر عن الروح الحقيقية للألم.

كان أمل كبير في رد الفعل هذا، ولكن هذا تبدل الآن بأزمة داخلية عميقة. عبثا سيحاول الرئيس ساركوزي توحيد تمزقات الواقع الذي انكشف. هذه ليست فرنسا وهذا ليس الإسلام، يقول معظم الزعماء السياسيين في الدولة.

هم محقون. ولكن لجعل الحياة لا تطاق، لقتل مريم مونسنغو، ابنة الثامنة، لا حاجة للأغلبية. مطلوب فقط أقلية عاطلة عن العمل ومصممة. وأقلية عاطلة عن العمل ومتطرفة في كل مكان يمكن أن تنبت فقط إذا سمحت لها أغلبية أوسع بالعمل. أغلبية تدير عيونها أمام الكراهية والعنصرية. الأعشاب الضارة تنبت في الأحواض التي تتلقى العناية. الأصولية الدينية لا تستدعي العنف ولكنها تحمل الطاقة الكامنة للعنف. مثل التلوث الفيروسي.

الآن تبدأ المعركة السياسية. الاشتراكيون سيدعون إلى وحدة فرنسا وسيقولون، بهدوء أكبر، إن ساركوزي دفع الجالية الإسلامية نحو الحائط. محللون سياسيون فرنسيون بدأوا منذ الان يشرحون بأن "قانون الخمار" أدى إلى سياقات تطرف في مجتمع المهاجرين المسلمين. وأن الحكومة خدمت المتطرفين هناك. وحيالهم سيقف اليمين المتطرف وعلى رأسه مرين لا بان. وقد كان الأول الذي حطم تحالف الصمت بين المرشحين للرئاسة الفرنسية الذين قرروا تعليق الحملة السياسية بسبب المأساة. وقد عرض لا بان نظرية مقنعة. الأصولية تقتل المسلمين، الأطفال اليهود، المسيحيين. يجب الخروج في "حرب"ضدها. الفاشية تحب الحديث عن الخروج في "حرب"؛ دون تحديد عدو أو أهداف دقيقة.

وحيال بداية المناوشات السياسية، كان الرئيس ساركوزي ملزما بمواصلة الخط الرئاسي القومي السامي. إذا ما نجح في التمسك فيه حيال الهجمات، فقد ينتزع النصر في الانتخابات. ولكن "الجبهة" الوطنية' ومرين لا بان سيحاولان فقء عينيه وعرضه كرقيق ومعتدل جدا؛ الدليل الذي سيعرضانه سيكون المآسي في تولوز. بعد المآسي دوما تبقى السياسة. من مثلنا يعرف.

أعلى