• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تشعل إثيوبيا صراعًا جديدًا في القرن الإفريقي؟

أعلنت إثيوبيا وإقليم "أرض الصومال" اتفاقا تستغل من خلاله إثيوبيا ميناء بررة، فهل ترضخ الحكومة الصومالية للتدخل الإثيوبي الذي يمس سيادتها وما الأوراق التي تملكها وهل يشعل هذا الاتفاق الصراع داخل منطقة القرن الإفريقي؟


رغم تحولها إلى دولة حبيسة، بعد استقلال إريتريا في ١٩٩٤، ترى إثيوبيا أن منطقة البحر الأحمر تدخل ضمن حدود مصالحها الحيوية استراتيجيا وأمنيا، وأن تجاهلها من قبل التجمعات الإقليمية، هي محاولة لتحييد دورها الإقليمي والتأثير على مصالحها الوطنية.

لم تستسلم إثيوبيا لما فرضته عليها الجغرافيا، فقد شدد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في الثالث عشر من أكتوبر الماضي 2023، على الضرورة الوجودية لوصول دولته الحبيسة جغرافيًّا إلى المياه الدافئة مرة أخرى، وذلك عبر ميناء سيادي على ضفاف البحر الأحمر عن طريق إريتريا أو الصومال أو جيبوتي. وقد استشهد آبي أحمد في حديثه بمقولة "علولا أنغيدا" (المعروف بـ"آبا نيغا")، القائد العسكري الإثيوبي في القرن التاسع عشر، الذي قال إن "البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا". وكانت إثيوبيا تتمتع منذ منتصف القرن الماضي بمنفذ بحري مستدام وسيادي على البحر الأحمر عبر مينائي "عَصَب" و"مصوَّع" في إريتريا حتى استقلال الأخيرة عنها عام 1993.

لم تكن تصريحات آبي أحمد مجرد دغدغات لمشاعر الإثيوبيين فقد وقعت إثيوبيا وفرنسا بالفعل اتفاقًا بينهما يهدف إلى مساعدة أديس أبابا في إنشاء سلاح للبحرية، بل أفادت وسائل إعلام رسمية أنه تم تخريج أولى دفعات البحرية الإثيوبية بعد عامين من التدريب في مجالات مهنية مختلفة، بما في ذلك الملاحة والهندسة والكهرباء والاتصالات وإدارة التسلح. وقالت مصادر إن الدفعة التي تخرجت في يونيو الماضي لقت تدريبات مكثفة من قبل مدربين أجانب ومحليين في مختلف المجالات.

 

 فأعلنت الحكومة الصومالية في بيان رسمي: أن الاتفاق الذي يسمح لإثيوبيا باستخدام ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال المطل على البحر الأحمر يعرض استقرار المنطقة للخطر.

بالطبع جاء رد الدول الثلاث المجاورة لإثيوبيا على تصريحات آبي أحمد - أن حدود بلاده تقف عند البحر الأحمر - واضحًا بالرفض القاطع، حيث تحدث وزير الدولة للشؤون الخارجية في الصومال عن السيادة المقدسة للبلاد على أصولها البرية والبحرية والجوية، في حين قالت جيبوتي على لسان مستشار رئيسها إن سلامة أراضيها ليست محل نقاش اليوم أو غدا. وقد أتى الرد الإريتري أشد منهما، حيث صدر بيان مقتضب لم يتعدَّ أربعة أسطر عن وزارة الإعلام الإريترية دون ذكر اسم آبي أحمد أو منصبه، واصفا خطابه بأحاديث القيل والقال حول المياه والمنافذ البحرية، وناصحا المتابعين بعدم الانجرار وراء تلك الأقاويل، مضيفا أن الحكومة الإريترية لا تعير تلك الدعوات أهمية تُذكر.

وبعد أشهر قليلة من تصريحاته الصادمة ومع بداية العام الجديد فاجئ آب أحمد دول الجوار بتوقيع اتفاق استراتيجي بالغ الأهمية مع إقليم "أرض الصومال" أو "صوماليلاند"، الساعي بإصرار نحو الانفصال عن دولة الصومال. مدشنا بذلك اللبنة الأولى في بناء رؤيته الاستراتيجية بتحقيق طموح إثيوبيا في الوصول إلى البحر، وإنشاء أصول بحري.

حتى اللحظة الراهنة، اعتمدت إثيوبيا على ميناء جيبوتي المجاور في تدبير جل وارداتها وصادراتها. غير أن الاتفاقية الجديدة قد تُحدث تحولاً في هذا النسق. وهذا يُفسر الدواعي التي حملت الرئيس الجيبوتي على توبيخ السفير الإثيوبي لدى بلاده بسبب إخفاء تفاصيل المفاوضات الجارية مع أرض الصومال "صوماليلاند".

مكاسب أرض الصومال:

في مقابل المكاسب الإثيوبية فإن الإقليم الساعي للانفصال سيحظى أيضا بالعديد من المكاسب، أولها إمكانية الاعتراف بها كدولة مستقلة، فقد قال رئيس أرض الصومال إنه في إطار هذا الاتفاق ستكون إثيوبيا أيضًا أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة في الوقت المناسب.

وأرض الصومال التي أعلنت استقلالها في بداية التسعينيات، منذ أكثر من ثلاثة عقود لم تتلقَ أي اعتراف دولي أو إقليمي، بما في ذلك الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي.

بالإضافة إلى إمكانية الاعتراف من قبل إثيوبيا بدولة المنفصلة، حصلت أرض الصومال أيضا على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي شركة طيران البارزة على مستوى القارة الأفريقية. هذا يمثل تقدماً مهماً لأرض الصومال من الناحية الاقتصادية بتعزيز قدراتها في مجال النقل الجوي.

موقف حكومة الصومال:

كان التجاهل الإثيوبي لحكومة الصومال الرسمية والتي تعد إقليم أرض الصومال جزءا من أراضيها صادما، فأعلنت الحكومة الصومالية في بيان رسمي: أن الاتفاق الذي يسمح لإثيوبيا باستخدام ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال المطل على البحر الأحمر يعرض استقرار المنطقة للخطر.

مضيفة أن الاتفاق الذي وقعته منطقة أرض الصومال الانفصالية مع إثيوبيا والذي يسمح لها باستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر باطل ولاغ،  كما استدعت الصومال سفيرها لدى إثيوبيا لإجراء مداولات بشأن اتفاقية ميناء أرض الصومال.

وتبدو الخيارات أمام الحكومة الصومالية ضعيفة، وهو الأمر الذي تدركه الجارة المتعطشة للسيطرة الإقليمية، فحكومة الصومال لا تقوى على مواجهة مسلحة مع إثيوبيا، ولا مع الإقليم الساعي للانفصال، وهي تعاني من تردي اقتصادي، وتمردات الجماعات المسلحة التي تهدد استقرارها باستمرار.

ما تملكه الحكومة الصومالية هو المناورة الدبلوماسية والمطالبة بسيادتها على أراضيها حيث تحظى بالاعتراف الدولي والإقليمي، ولتحقيق مطالبها تحتاج لدعم واضح من دول الجوار العربي والجامعة العربية بوصفها دولة عضو بها والمنظمات والاتحادات الإقليمية الأخرى، أما في حال فشل الجهود السياسية فإن منطقة القرن الإفريقي ستكون مهيئة أكثر للاشتعال فجيران أثيوبيا خاصة إرتيريا سترى أن توسع نفوذ جارتها اللدود يشكل تهديدا أكبر لها، وهي لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هكذا خطوة، فهل تستطيع "أثيوبيا آبي أحمد" أن تلتهم الجميع أم تقف شوكة الميناء الجديد في حلقها غير قادرة على بلعها أو طردها؟ 

 

أعلى