إيران بعد رحيل رئيسي.. التحديات والسيناريوهات

مع الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، تتجه الأنظار إلى مرحلة "ما بعد رئيسي"، وكيفية التعامل مع حالة الشغور الرئاسي، وكيف تتهيأ الساحة السياسية الإيرانية لما هو قادم، في ظل الحديث عن انتخاب رئيس جديد للبلاد وكذلك خليفة للمرشد الأعلى للثورة.


حل دستوري.. وقائع مشابهة

تتجه الأنظار إلى الدستور الإيراني لمعرفة ماذا ينص عليه في حال شغور منصب الرئاسة في البلاد، وذلك بعد إعلان وفاة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان  بعد سقوط مروحيتهما بالقرب من حدود أذربيجان.

وتاريخيًا واجهت إيران فراغًا رئاسيًا في مناسبتين، الأولى في يونيو 1981م عندما قرر مجلس الشورى تنحية أول رئيس للبلاد بعد الثورة وهو "أبو الحسن بني صدر" لعدم الأهلية السياسية.

وتكرر السيناريو ذاته في العام نفسه عندما اغتيل خلفه الرئيس "محمد علي رجائي" بتفجير حقيبة مفخخة.

وتنص المادة 131 من الدستور على أن يتولى النائب الأول للرئيس منصب الرئاسة، وحاليًا يشغل "محمد مخبر" منصب نائب الرئيس، أي أنه يتولى مهام الرئيس ومسؤولياته بعد موافقة المرشد الأعلى.

ويتم بعد ذلك تشكيل لجنة مكونة من الرئيس المؤقت مخبر ورئيس البرلمان "محمد باقر قاليباف" ورئيس السلطة القضائية "غلام حسين محسني إجئي" لوضع الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد للبلاد في غضون 50 يومًا هي إجمالي المدة الانتقالية.

 

يُدلل ذلك على رغبة النظام الإيراني في إيصال رسائل مزدوجة للداخل والخارج، بأنه قادر على إعادة تماسكه عقب غياب الرئيس ووزير الخارجية، وأن النظام قائم على المؤسسات وليس على الأشخاص

إظهار التماسك المؤسسي

سارع النظام الإيراني إلى إثبات أن الوفاة المفاجئة للرئيس رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان ومرافقيهما، لن تتسبب في إحداث أي شغور أو تعطل في الداخل؛ إذ صرح المرشد الأعلى "علي خامئني"، بأنه "لن يكون هناك أي خلل في عمل البلاد بعد الحادث".

وقبل انقضاء يوم واحد على الحادث، قام خامنئي بإسناد المهام الرئاسية لنائب الرئيس محمد مخبر، والذي بدوره أكد "عدم التواني عن متابعة خدمة الشعب على خطى رئيسي".

كما تم تكليف "علي باقري كني" الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، بالقيام بمهام وزير الخارجية، وتم أيضًا تعيين "عباس عراقجي" و"علي أبو الحسني" و"سيد رسول مهاجر"، بمنصب مستشارين لوزير الخارجية، كما تم الاتفاق على أن يكون يوم 28 يونيو 2024 هو موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.

ويُدلل ذلك على رغبة النظام الإيراني في إيصال رسائل مزدوجة للداخل والخارج، بأنه قادر على إعادة تماسكه عقب غياب الرئيس ووزير الخارجية، وأن النظام قائم على المؤسسات وليس على الأشخاص، ويستدعي هذا الأمر ما جرى في إيران عام 1979م عندما أُطيح حينها بنظام الشاه؛ إذ تم سد الفراغات التي حدثت في أجهزة الدولة بأسرع وقت ممكن، واستقر النظام الجديد.

ومن الواضح أنه لا تغيير في الملفات الساخنة والسياسة الخارجية خلال تولي الحكومة المقبلة؛ لأن سياسات البلاد العليا لا تعتمد بشكل أساسي على رؤية شخص الرئيس، حيث إن رأس هرم السلطة في إيران هو المرشد الأعلى وليس منصب الرئيس الذي يحل في المرتبة الثانية.

الانكفاء الداخلي

من المرجح أن تسفر الفترة الانتقالية الحالية في إيران عن انكفائها على ترتيب البيت الداخلي مرحليًا، لحين انتهاء المدة المحددة لإجراء انتخابات رئاسية وهي 50 يومًا، ثم الدخول في ماراثون انتخابات رئاسية واختيار رئيس وتشكيل حكومة بعد ذلك؛ لذا قد تشهد بعض الملفات الخارجية تجمدًا خلال الفترة المقبلة، ومنها على سبيل المثال، المباحثات غير المباشرة التي كان قد أُعلن عنها قبل الحادث، التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في سلطنة عمان؛ وهو الأمر نفسه الذي حدث عندما تولى رئيسي؛ إذ تجمدت المباحثات التي كانت تجرى في نهاية عهد الرئيس الإيراني الأسبق "حسن روحاني" لعدة أشهر.

كما قد تتجنب طهران أي أعمال من شأنها استفزاز الولايات المتحدة أو إسرائيل خلال هذه الفترة، إلا أن ذلك قد يكون بشكل مؤقت، ومن ثم تعود طهران لإدارة تلك الملفات مرة أخرى.

سيناريوهات الرئيس القادم

هناك سيناريوهان لتوقع الشخص الذي سوف يخلف رئيسي لرئاسة البلاد، يتمثل السيناريو الأول في أنه إذا صحت القراءة بأنه تم التخلص من رئيسي فسوف تسعى طهران للإتيان برئيس أقل تشددًا من التيار الإصلاحي من أجل تحسين العلاقات مع واشنطن _خاصة وأن إيران اليوم في أمس الحاجة للعملة الصعبة_ فإن احتمال عودة التيار الإصلاحي مرة أخرى إلى سدة الحكم أمر وارد جدًا.

ويتمثل السيناريو الثاني أن تأتي السلطة المتمثلة في المرشد والحرس الثوري بمتشدد جديد في الحكم يسير على نفس خطى رئيسي، وفي هذه الحالة ستكون صناديق الاقتراع في إيران وسيلة فقط لإعطاء شرعية ويتم الاختيار من خلال "الدولة العميقة وبيت المرشد".

والجدير بالذكر هنا أن قد وُجهت لرئيسي انتقادات بتردي الأوضاع الاقتصادية رغم ارتفاع صادرات النفط والالتفاف على العقوبات، وهو ما يفسره ارتفاع الإنفاق على الأعمال العسكرية والتسليح داخل إيران ووكلائها في عدة دول، إضافة لملف الحريات وحقوق الإنسان خاصة منذ وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا) في سبتمبر 2022 إثر دخولها في غيبوبة بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها، وأثارت الحادثة آنذاك احتجاجات واسعة في إيران.

وحسب بيانات البنك الدولي فقد سجل معدل البطالة في إيران 8.7% في العام الماضي متراجعًا من أكثر من 10% في 2019، ولكن لا يزال ينظر لعدد العاطلين عن العمل في البلاد بأنه كبير مع تأرجح الاقتصاد.

الصراع الأكبر.. كرسي المرشد

لا شك أن إيران سوف تنشغل خلال الشهور المقبلة بالأوضاع في الداخل، لا سيما في ظل الصراع على خلافة المرشد نفسه، خاصة وأن رئيسي كان أبرز المرشحين لهذا المنصب، ويمكن القول بأنه لا يمكن توقع الرئيس المقبل، لكن منصب المرشد الأعلى للثورة سيبقى هو محور أي تغيير وموجه البوصلة بما يخدم سياساته وتوجهاته.

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالًا للصحفية إريكا سولومون، تناولت فيه تزايد التكهنات حول الاسم المحتمل لخلافة المرشد الأعلى للثورة "علي خامنئي"، وذلك بعد وفاة أبرز المرشحين، الرئيس إبراهيم رئيسي.

وقالت سولومون إن مجتبى خامنئي نجل المرشد الأعلى، والمعروف بأنه رجل في ظلال السياسة الإيرانية، ويتمتع بنفوذ قوي على بلد نادرًا ما يراه أو يسمعه، هو أبرز المرشحين.

وتابعت سولومون أن وفاة رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر لن تؤدي فقط إلى انتخابات رئاسية جديدة، لكن من الممكن أيضًا أن يؤدي ذلك إلى تغيير الديناميكيات حول اختيار بديل لآية الله خامنئي.

وقال أراش عزيزي، المحاضر في جامعة كليمسون والمهتم بالشأن الإيراني: "عندما بدأ الناس يتحدثون عن مجتبى كخليفة محتمل في عام 2009، اعتبرتها شائعة رخيصة، لكن الأمر لم يعد كذلك بعد الآن، من الواضح جدًا الآن أنه شخصية مهمة، وهو مميز لأنه كان غير مرئي تمامًا في نظر الجمهور".

ومن المُشاهد أنه ربما قام النظام الإيراني خلال الفترة الأخيرة بتهيئة الأجواء السياسية والإعلامية تمهيدًا لاحتمالية خلافة مجتبى خامنئي؛ إذ تشكل مجلسا الشورى وخبراء القيادة بشكل أساسي من الأصوليين المتشددين؛ ليكونا "أكثر إطاعة" تمهيدًا لاختيار المرشد القادم.

كلمة أخيرة

يمكن القول إن وفاة الرئيس الإيراني رئيسي، ووزير خارجيته عبداللهيان ربما لن تكون لها تداعيات كبيرة على الخطوط العامة التي يتبناها النظام الإيراني في إدارته للملفات الداخلية والخارجية؛ إذ إن التراتبية التي يتسم بها هذا النظام أثبتت أنه قادر على التكيف ولديه مناعة ذاتية يستطيع من خلالها إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى؛ لذا من المُرجح أن تستمر السياسات المتشددة للنظام الإيراني في الداخل والخارج؛ نظرًا لأنها ترتبط بمصالح أساسية له، وليس من الوارد تخليه عنها إلا إذا حدث تغيير هيكلي في بنية النظام نفسه.

 

أعلى