• - الموافق2025/05/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من الذي فجر الميناء الايراني؟

تعرضت طهران لحوادث أمنية كبيرة وخطيرة، في الأشهر القليلة الماضية، وفي ظل حالة السيولة في المنطقة تبدو الانفجارات في ميناء رجائي الإيراني مفتوحة على العديد من السيناريوهات. فأي من هذه السيناريوهات هو الأقرب بالنظر إلى القرائن وملابسات الانفجار؟


اهتزت النخبة السياسية الإيرانية على وقع انفجار هائل دوى صباح السبت الماضي.

فقد شهد ميناء رجائي هذا الانفجار، ويقع الميناء بالقرب من مدينة بندر عباس الجنوبية وتحديداً على بُعد حوالي 20 كيلومترًا غرب المدينة الساحلية الرئيسية في إيران على ساحلها الجنوبي، ومقر القاعدة الرئيسية للبحرية الإيرانية.

وميناء رجائي هو أكبر وأحدث ميناء تجاري إيران، وتمر عبره معظم سفن الشحن التجارية، حيث يطل موقع الميناء الاستراتيجي على مضيق هرمز والذي يعد قناة النقل البحري الرئيسة لشحنات النفط. فضلا عن ذلك، يُعد ميناء رجائي منشأة كبيرة لحاويات الشحن، ويغطي مساحة تقترب من 5900 فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع)، ويتعامل مع 70 مليون طن من البضائع سنويا، بما في ذلك النفط والشحن العام. ويضم ما يقرب من 500 ألف متر مربع من المستودعات، و35 رصيفا للشحن.

وأسفر الانفجار عن وقوع مئات الجرحى والقتلى، حيث تحطمت نوافذ وأسقف المباني المجاورة ودمرت سيارات قريبة من موقع الحادث إثر الانفجار، وأفاد السكان أنهم شعروا بتأثير الانفجار على مسافة تصل إلى 50 كيلومترًا.

وتُظهر مقاطع فيديو على الإنترنت حريقًا يتصاعد إلى جحيم هائل قبل الانفجار، حيث فر الناس بعد ذلك من الانفجار، بينما سقط آخرون مصابين على الطرق، محاطين بحطام الدخان.

ومن بين هذه المقاطع، مقطع فيديو وزعته وكالة أنباء مهر الإيرانية، يظهر لقطات من كاميرات المراقبة للحظة الانفجار، ويبدو أنه وقع في مستودع بالميناء. وأظهرت لقطات أخرى مروحيات تسقط المياه على موقع الحريق الذي نتج بسبب الانفجار.

وحتى اليوم التالي للانفجار، فقد كانت الحرائق لا تزال مشتعلة في الأرصفة، وملأت أعمدة كثيفة من الدخان الأسود الهواء. وظل بعض العمال محاصرين تحت الأسقف المنهارة، أثناء محاولات إنقاذهم.

بينما تم رصد 12 سفينة تجارية كانت على بُعد خمسة أميال بحرية من الانفجار وقت وقوعه، وكانت 7 منها راسية في الميناء في ذات التوقيت.

والسؤال الذي يلحق على الأذهان الآن، من يقف وراء هذا الحريق المسبب للانفجار؟

هل يكون الحريق كما أشارت تقارير متخصصة قد نتج عن سوء التعامل مع شحنة من الوقود الصلب مخصصة للاستخدام في الصواريخ الباليستية الإيرانية، أم أن الانفجار ناتج عن عمل تخريبي متعمد؟

سيحاول هذا المقال تتبع كل من الفرضيتين، سواء فرضية الإهمال، أو فرضية التفجير المتعمد، وحيثيات كل فرضية، وأيهما الأكثر احتمالا؟

بين رواية الإهمال والتآمر

نبدأ بتتبع المعلومات المنشورة المتعلقة بكيفية نشوب الحريق، فقد كان هناك تخبط بماذا حدث بالضبط.

ففي البداية ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، أن الانفجار وقع بعد حريق شب بناقلة وقود في الميناء لأسباب غير معروفة.

 

ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي حذر من محاولات أصحاب المصالح الخاصة لعرقلة المسار الدبلوماسي، مؤكدا عبر منصة إكس أن الأجهزة الأمنية الإيرانية في حالة تأهب قصوى للرد على أي محاولات تخريبية أو اغتيالات

ثم جاءت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط الإيرانية، لتنفي أن الانفجار الذي وقع في الميناء علاقة له بالمصافي أو خزانات الوقود أو خطوط أنابيب النفط التابعة للشركة في تلك المنطقة.

وبعدها خرجت المتحدثة باسم الحكومة الايرانية فاطمة مهاجراني، لتقول إن تحديد السبب سيستغرق بعض الوقت، ولكن ما تم تحديده حتى الآن هو أن حاويات كانت مخزنة في زاوية من الميناء، ويحتمل أنها كانت تحتوي على مواد كيميائية قد انفجرت، وأضافت المتحدثة باسم الحكومة: لكن حتى يتم إخماد الحريق، يصعب تحديد السبب.

وبعدها بدأ الإعلام الرسمي الإيراني يأخذ هذا الاتجاه، أي أن الانفجار كان في حاويات متواجدة في الميناء كانت تحتوي على مواد كيماوية خطرة، وهذا ما أكد عليه المتحدث عن هيئة الجمارك في إيران، حيث ذكر أن الانفجار وقع على الأرجح بسبب تخزين مواد خطرة ومواد كيماوية في منطقة الميناء.

ولكن ما هي تلك المواد الكيماوية الخطرة؟

فقد أعلنت جهة مستقلة، وهي شركة الأمن الخاصة البريطانية "أمبري" إن الميناء (يقصدون ميناء رجائي) قد استقبل شحنة من وقود صواريخ مكون من مادة بيركلورات الصوديوم في مارس الماضي.

وأوضحت الشركة أن الوقود كان جزءًا من شحنة قادمة من الصين على متن سفينتين إلى إيران، وكان من المقرر استخدامه لإعادة ملء المخزونات الصاروخية الإيرانية التي نفدت بسبب الهجمات المباشرة على إسرائيل أثناء الحرب في قطاع غزة.

ورجحت الشركة فرضية أن الحادث قد وقع نتيجة سوء التعامل مع شحنة من وقود.

ولذلك سارع المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية لينفي وجود أي شحنات ذات طابع عسكري في المنطقة التي وقع فيها الحريق، موضحا أن جميع المواد الموجودة كانت بتروكيميائية مخصصة للأغراض الصناعية والزراعية، وليست مرتبطة بأي أنشطة عسكرية.

وأكد المتحدث أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية ضخمت الحدث بشكل مبالغ فيه، مشيرا إلى أن نتائج التحقيقات ستعلن لاحقا.

وما يعزز سيناريو الإهمال، ما جرى من انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي وقع بسبب تخزين مواد شديدة الخطورة بشكل غير آمن قرب مناطق مأهولة، خاصة أن هذه المواد كانت مملوكة لحزب الله الذراع الإيراني في لبنان.

ولكن هنا يكمن التساؤل، فإذا كانت هذه المواد كيميائية للصناعة والزراعة، فلماذا كانت مخزنة في موقع حساس، وخاصة في وقت حساس كهذا؟

بينما تميل قناة سكاي نيوز، أن يكون الحادث نتيجة للإهمال الداخلي وسوء تطبيق قواعد السلامة، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في بندر عباس التي تجاوزت 40 درجة مئوية.

ولكن هناك سيناريو غير مستبعد، أن يكون الحريق ناتجا عن ضربة صهيونية باستخدام طائرات عسكرية أو مسيّرة، استهدفت إحدى الحاويات الحساسة في الميناء، أو يكون ناتج عن تنفيذ عملية تفجيرية داخلية عبر عملاء للموساد الصهيوني، قاموا بزرع عبوة ناسفة في الموقع.

ومما يرجح هذا السيناريو، ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي حذر من محاولات أصحاب المصالح الخاصة لعرقلة المسار الدبلوماسي، مؤكدا عبر منصة إكس أن الأجهزة الأمنية الإيرانية في حالة تأهب قصوى للرد على أي محاولات تخريبية أو اغتيالات.

وطبعا يقصد من تعبير المسار الدبلوماسي، ما يجري من مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، فالانفجار جاء تزامنا مع انطلاق جولة ثالثة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عُمان.

ويبدو في هذه المفاوضات ميل أمريكي إلى تمرير المطالب الإيرانية المتعلقة ببقاء البرنامج النووي، مع وجود تفتيش أممي لعدم تجاوز نسبة التخصيب حد انتاج السلاح النووي ليقتصر على الاستخدام المدني.

وهذا خلاف ما يريده نتانياهو والكيان الصهيوني، والذي يريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، فإيران من وجهة النظر الصهيونية تسعى إلى انتاج أسلحة نووية وليس فقط الاستخدامات المدنية، وأنها تتلاعب بالدول لتمرير برنامجها النووي العسكري.

 

 فتمرير سيناريو الاهمال على أنه المتسبب في الحريق ومن ثم الانفجار يظهر أن هناك بعض المتخصصين والموظفين قد تكاسلوا عن التفتيش وأخذ احتياطاتهم، فحينئذ يمكن معاقبتهم وتوقيع الجزاءات والعقوبات عليهم.

وما يعزز السيناريو الصهيوني في تفجير الحاويات الإيرانية، هو طبيعة النفي الصهيوني نفسه بمسئوليته عن التفجير.

فهذا النفي حتى الآن لم يصدر عن جهة رسمية صهيونية في بيان رسمي مثلا من الجيش أو مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقد سئلا عما إذا كان لإسرائيل أي صلة بأي شكل من الأشكال بالانفجار، فرفضا التعليق.

وكان النفي منصبًا على ما تناقلته وسائل الاعلام عن مجهولين، فقد نقلت القناة الـ 12 الصهيونية عن مسؤولين تأكيدهم أن إسرائيل غير مسؤولة عن انفجار ميناء رجائي في إيران، كذلك نقلت صحيفة معاريف الصهيونية عن مسؤولين عسكريين، قولهم إنه لا علاقة للجيش الإسرائيلي بالانفجار الذي وقع في إيران.

وتعرضت أجهزة الكمبيوتر في الميناء نفسه لهجوم إلكتروني عام 2020 تسبب في اضطرابات كبيرة في المسارات المائية والطرق المؤدية إلى المنشأة. وكانت صحيفة واشنطن بوست ذكرت حينها أن إسرائيل تقف -على ما يبدو- وراء ذلك الهجوم ردًا على هجوم إلكتروني إيراني سابق.

ومنذ ما يقرب من سنة أقدم الكيان الصهيوني على اغتيال رئيس إيران بإسقاط طائرته، وتكتمت إيران وكذلك الكيان الصهيوني، وبعدها بشهور ألمحت جهات رسمية صهيونية بمسئوليتها عن الاغتيال.

خاتمة

يبدو أن النظام الإيراني يميل إلى تسويق سيناريو الإهمال ليس لأنه الواقع فعلا، ولكن لأنه الأقل كلفة سياسية في النتائج المترتبة عليه.

فتمرير سيناريو الاهمال على أنه المتسبب في الحريق ومن ثم الانفجار يظهر أن هناك بعض المتخصصين والموظفين قد تكاسلوا عن التفتيش وأخذ احتياطاتهم، فحينئذ يمكن معاقبتهم وتوقيع الجزاءات والعقوبات عليهم.

ولكن سيناريو الإعلان عن وجود احتمالات أن تكون هناك جهة منفذة لهذا التفجير متعمدة، وأن تكون تلك الجهة المتورطة في التفجير هي الكيان الصهيوني بالذات، يُلزم النظام الإيراني بالرد، بهجوم أو تفجير مماثل داخل الكيان الصهيوني وفي منشآته ووحداته العسكرية.

وطبعا هذا الرد حتى لو كان ممكنا من الناحية العملية، فإنه يبدو أكثر كلفة سياسية، وسيؤدي إلى تصعيد من جانب ليس فقط الكيان الصهيوني، ولكن أيضًا حليفته الكبرى الولايات المتحدة، في وقت تجري فيه المفاوضات بين أمريكا وإيران حول البرنامج النووي الايراني، وتبدو فيه أمريكا أكثر ميلا للموقف الإيراني وهو استمرار البرنامج، مع إبقاء درجة التخصيب تحت المراقبة الدولية، فالأمور بين البلدين على وشك الوصول إلى اتفاقية، حينها سيكون الرد الايراني العسكري تجاه الكيان الصهيوني بمثابة نسف لهذا الاتفاق الوشيك.

ولكن قد يكون الثعلب الإيراني أكثر خبثا إذا أعلن أن الكيان الصهيوني هو وراء التفجير، فهو قد يستخدمها كورقة في مفاوضاته مع الجانب الأمريكي، وهذه الورقة تتعلق بالرد الإيراني المحتمل، ووضعها على طاولة الصفقة، وأخذ مكتسبات من الجانب الأمريكي في مقابل عدم الرد الإيراني العسكري، وهذا يفسر مسارعة الكيان الصهيوني إلى نفي تورط الكيان في التفجير، حتى يحرم الإيرانيين من ابتزاز الأمريكان في المفاوضات الجارية.

ولكن هذا السيناريو يلزمه ان تأتي التحقيقات التي تجريها جهات التحقيق الايرانية بأدلة موثقة على التورط الصهيوني في التفجير، حتى يستطيع الإيرانيون إمكانية المقايضة عليه في المفاوضات الجارية، وهذا أمر مشكوك فيه.

أعلى