• - الموافق2025/10/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
معركة كسب الرأي العام العالمي

لا شك أن التفاعل مع قضية غزة والمظاهرات التي خرجت رفضا للإبادة في العديد من العواصم الغربية مثلت ضغوطا سياسية على صانعي السياسة في العالم، وهو ما يشير إلى أن ثمة تغيرا كبيرا في الرأي العالم العالمي تجاه القضية الفلسطينية


"إنها الجبهة الثامنة (لإسرائيل)"

هكذا وصف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت في العالم حول حرب غزة.

فبعد طوفان الأقصى، يواجه الكيان المحتل تحديات عديدة، منها العسكري والاقتصادي والسياسي، ولكنه أضاف إلى تلك التحديات تحديات شبكات التواصل الاجتماعي وما تفرزه من حقائق، وقدرتها على تغيير توجهات الرأي العام في أنحاء العالم.

وفى تصريحاته أثناء زيارته الأخيرة الشهر الماضي لنيويورك، شبّه نتانياهو ثقافة الوعي الأوروبي تجاه غزة بالنازية الجديدة، وحثّ على الاستثمار في تيك توك والتعاون مع إيلون ماسك لضمان النصر في أهم ساحة، على حد تعبيره.

ولم يكتف نتانياهو بالكلام فقد التقى بمجموعة من المؤثرين المؤيدين لإسرائيل في القنصلية الإسرائيلية بنيويورك.

وكان من بين المشاركين "ليزى سافيتسكى"، التي أصبحت مناصرة بارزة على الإنترنت منذ بدء الحرب؛ ورجل الأعمال "آري أكرمان"، حفيد قطب الأعمال الصهيوني الأمريكي "ميشولام ريكليس"؛ والمبدع الرقمي "زاك سيج فوكس"، المعروف بإنتاجه مقاطع فيديو مؤيدة للكيان الصهيوني.

وعندما سُئل نتنياهو في الاجتماع عن كيفية تعامل إسرائيل مع تراجع الدعم الدولي، قال: "علينا أن نقاوم... كيف نقاوم؟ ... من خلال المؤثرين. إنهم في غاية الأهمية". وأضاف أن أهم سلاح اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي.

والسؤال الآن ما أهمية مواقع التواصل الاجتماعي تلك، لدرجة أن يصفها نتانياهو بأنها الجبهة الثامنة، وأن التأثير فيها هو أهم سلاح؟ وماذا أعد الكيان الصهيوني من خطط في هذه المواجهة؟

ولكن قبل ذلك يجب علينا التعريف بالرأي العام العالمي وماذا نقصده بهذا المصطلح؟

الرأي العام العالمي

في أدبيات علم الاجتماع والاتصال الجماهيري، يتم تعريف الرأي العام العالمي، بأنه الرأي السائد بين أغلبية شعوب العالم في فترة زمنية معينة نحو قضية معينة يحتدم حولها الجدل وتمس مصالح الشعوب أو قيمهم الإنسانية الأساسية مسًا مباشرًا.

ويتأثر ذلك الرأي بشكل كبير بوسائل الإعلام التي تقوم بتشكيله وتوجيهه، ويُنظر إليه عادة على أنه رأي الشعوب لا رأي الحكومات.

هذا التعريف يتضمن ثلاث مكونات رئيسة: أنه ليس خاصًا بمنطقة جغرافية معينة، وأنه رأي الشعوب لا الحكومات، وأن وسيلة التأثير هي وسائل الإعلام الشعبية والتي لا تتحكم في توجيهها الحكومات بشكل مباشر.

وفي العقود الأخيرة أصبح الرأي العام العالمي أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في تشكيل السياسات الدولية، حيث يعمل كقوة دافعة لتغيير الخطاب السياسي واتخاذ القرارات، خاصة في ظل الصراعات والأزمات العالمية.

 

كما لجأت حكومة الكيان إلى التعامل وتجنيد المؤثرين في مواقع التواصل تلك، خاصة من فئة طلاب الجامعات الغربية لنشر الرواية الصهيونية ومواجهة النشاط المؤيد للفلسطينيين عبر الإنترنت

وفي علم الإعلام، يُنظر إليه كنتيجة لتفاعل الإعلام مع الشعوب، مما يجعله أداة للضغط على الحكومات لتعديل مواقفها الخارجية، مثل دعم أو معارضة التدخلات العسكرية أو الاتفاقيات الدولية، حيث يلعب الإعلام دوراً حاسماً في تعزيز تأثير الرأي العام العالمي على السياسة، من خلال نقل المعلومات وتحليل الأحداث، مما يشكل الوعي الجماعي ويوجهه نحو قضايا معينة.

وفي الصراعات الدولية، يُستخدم الإعلام كسلاح استراتيجي لتغيير الصور النمطية في العلاقة بين الشعوب والأنظمة، مما يؤثر مباشرة على السياسات الداخلية والخارجية للدول، ويجعل الأحداث المحلية تصعد لتدخل في دائرة الاهتمام العالمي، وبالتالي يُعدل صانعو القرارات من قراراتهم بناءً على الرأي السائد.

وفي سياق السياسة الخارجية، أصبح الرأي العام فاعلا مؤثراً في رسم مساراتها، خاصة مع تزايد الوعي السياسي لدى الشعوب وانفتاحها على العالم عبر وسائل الإعلام الجديدة مثل شبكات التواصل الاجتماعي. هذه الوسائل أنهت احتكار المعلومات التقليدي، مما يتيح التعبير الحر والتعبئة السياسية.

وهنا نأتي لدور شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير على السياسات الخارجية للدول، أثناء حرب الإبادة الجماعية والتي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد أهل غزة.

دور شبكات التواصل في حرب غزة

لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام العالمي أثناء حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الصهيوني ضد أهل غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث أصبحت هذه المنصات ساحة معركة رقمية تؤثر مباشرة على السياسات الخارجية للدول من خلال نشر الصور والفيديوهات والتي عبرت عن أساليب القتل والهدم والتجويع، والتي اعتبرتها المنظمات الدولية إبادة جماعية ترتقي إلى جرائم حرب بالمعايير الدولية، الأمر الذي ولد ضغوطًا شعبية تمت ترجمتها إلى تغييرات في السياسات الدولية، مثل دعوات وقف إطلاق النار أو إعادة النظر في الدعم العسكري، أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وكان على رأس هذه الوسائل منصات مثل تيك توك وإنستغرام وإكس (تويتر سابقا) وتليجرام، والتي ساهمت في تعبئة ملايين المستخدمين عبر هاشتاجات مثل #FreePalestine، و#GazaUnderAttack، وتفاعل معها العديد من المستخدمين، حيث بلغت ملايين التفاعلات.

وبذلك أكدت المنشورات على مواقع التواصل تلك، على حقيقة أن هذه الحرب هي الأولى التي يشهدها العالم مباشرة عبر الإنترنت، مما يجعل حكومات الدول غير قادرة على التظاهر بالجهل، ويضغط على سياساتها الخارجية للرد على الإبادة.

ولكن في نفس الوقت، فقد أصبحت وسائل التواصل أداة مزدوجة: إيجابيا، حين سمحت بنشر تقارير حية لما يجري على الأرض، الأمر الذي بنى تعاطفا دوليا، ودفع دولا مثل تركيا وجنوب أفريقيا إلى رفع قضايا في محكمة العدل الدولية ضد الدولة الصهيونية، مستندة إلى الأدلة الرقمية.

أما في الجانب السلبي، فقد استخدم الاحتلال الصهيوني حملات مدعومة بمؤثرين وذكاء اصطناعي لتبييض جرائمه، مما أدى إلى قمع المحتوى المؤيد لفلسطين عبر حظر الحسابات مثل حظر 238 حساب على إنستغرام، وهذا أثر على السياسات الخارجية بتعزيز الدعم الأمريكي والأوروبي للكيان رغم الإدانات الدولية، كما في استمرار التمويل العسكري رغم الاحتجاجات.

ولكي نقيس حجم التغيير في الرأي العام والذي أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي على الرأي العام يجب أن نرجع إلى استطلاعات الرأي قبل الطوفان وبعده، ويجب أيضا أن نعتمد على استطلاعات صادرة من جهات موثوقة مثل مراكز ذات مصداقية مثل: بيو ريسيرش، وغالوب، ونيويورك تايمز، والتي أجرت تلك الاستطلاعات في 2025 مقارنة بـ 2023، وستكون المقارنة بين الاستطلاعات في ثلاث قضايا: التعاطف مع الصهاينة والفلسطينيين بصفة عامة، ثم الموقف من حرب الإبادة، وإدانة حكومة الكيان.

التعاطف مع الأطراف:

قبل 7 أكتوبر (2023): كانت التعاطف متقارب إلى حد ما، أو يميل لصالح الكيان الصهيوني:

ففي فبراير 2023، قال 40% من الأمريكيين إن تعاطفهم يميل أكثر نحو إلى "الاسرائيليين"، مقابل 28% مع الفلسطينيين وفق مركز بيو للأبحاث.

أما بعد 7 أكتوبر: فقد شهدت التعاطف تحولًا كبيرًا، خاصة مع استمرار الحرب.

ولم يحدث هذا التحول سريعا، ففي أواخر عام 2023، أظهرت استطلاعات أن نسبة التعاطف مع الصهاينة كانت 47% مقابل 20% للفلسطينيين مباشرة بعد الهجوم، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز والتي يقوم معهد سيينا للأبحاث باستطلاعات الرأي لحساب الصحيفة.

بينما في سبتمبر 2025، ولأول مرة منذ 1998، تفوق التعاطف مع الفلسطينيين على التعاطف مع "الإسرائيليين" بهامش ضئيل: 35% أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين مقابل 34% مع "الإسرائيليين"، كما جاء في نيويورك تايمز.

بالنسبة لاستطلاعات الرأي المتعلقة بحرب الإبادة:

​​في يوليو 2025، وصلت نسبة الرفض للعمل العسكري الصهيوني في غزة إلى 60%، بينما بلغت نسبة الموافقة 32% فقط، وهي أدنى نسبة مسجلة وفق مؤسسة جالوب.

أما الرأي في الحكومة الصهيونية:

في 2024، كانت النظرة السلبية (غير المؤيدة) للحكومة الإسرائيلية 51%، بحسب مركز بيو للأبحاث، وترتفع هذه النسبة أكثر في اكتوبر 2025، فارتفعت النظرة السلبية لتشمل 59% من الأمريكيين، بحسب نفس المركز.

أما في أوروبا، فتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع عام في الدعم لإسرائيل وتزايد في التعاطف مع الفلسطينيين في أعقاب الصراع، وقد شمل تلك الاستطلاعات ست دول أوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، إسبانيا، إيطاليا).

وقد انعكس هذا التأييد في استطلاعات الرأي في أوروبا على المواقف العملية. فقد نشطت الفعاليات مثل المظاهرات المليونية المتواصلة، وتسيير الأساطيل في البحر في قوافل الحرية والصمود، وقيام عمال الموانئ الأوروبية بالتحرك لوقف وتعطيل صادرات السلاح إلى الكيان وغيرها من المظاهر، والتي أوقعت الحكومات الغربية في مأزق وحيرة، وأجبرتها على أخذ مواقف تعبر عن غضب شكلي إزاء الكيان مثل الاعتراف بدولة فلسطينية، في محاولة لامتصاص الغضب وردود الأفعال الشعبية العارمة.

ولكن ماذا فعل الصهاينة لمواجهة هذا التحول الشعبي العالمي ضده؟

إجراءات الكيان لمواجهة انقلاب العالم ضده

تركزت جهود حكومة دولة الاحتلال بشكل أساسي على الدبلوماسية العامة، والتي يُشار إليها باللغة العبرية باسم "الهاسبارا"، وتعني الشرح أو التفسير، وهي استراتيجية تهدف إلى تشكيل الرأي العام الدولي لصالح الرواية الصهيونية.

وتتكون هذه الاستراتيجية من عدة محاور:

أولا من حيث المحتوى، تغيير السردية والتركيز على 7 أكتوبر، وتصوير الهجمات الفلسطينية في ذلك اليوم باعتبارها هجمات إرهابية "حسب وصفهم"، ووحشية، واستخدام صور وشهادات الضحايا كجزء أساسي من المبررات لتمرير العمليات العسكرية اللاحقة كحق الدفاع عن النفس ضد ما يطلق عليه الصهاينة الإرهاب.

وبعد أن يقدم المحتوى السردية الصهيونية، يهاجم سرديات الخصوم، والتي تبدأ بنفي الاتهامات المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي الإنساني، أو ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتصوير هذه الاتهامات على أنها جزء من حملة نزع الشرعية عنها.

ثانيا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مثل X (تويتر سابقاً)، وتيك توك، وغيرها بشكل مكثف لنشر المحتوى المؤيد للصهاينة، وغالبًا ما يتم ذلك بلغات أجنبية.

وتم توجيه مبالغ كبيرة لتمويل الإعلانات والحملات الرقمية.

وقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أن حكومة الاحتلال خصصت نحو 145 مليون دولار، لتمويل حملة رقمية بهدف تحسين صورتها على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في إطار أكبر حملة دعائية تنفذها منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

ووفقا لوثائق قُدّمت حديثًا إلى وزارة العدل الأمريكية، فإن الدولة الصهيونية تعاقدت مع شركة كلوك تاور الأمريكية في إطار جهد واسع النطاق للتأثير على الخطاب الإلكتروني، بما في ذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي المُولّدة مثل ChatGPT.

ويهدف الكيان إلى أن يكون 80% على الأقل من المحتوى المُنتَج مُصمّمًا خصيصًا لجمهور الجيل Z عبر منصات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب والبودكاست.

كما لجأت حكومة الكيان إلى التعامل وتجنيد المؤثرين في مواقع التواصل تلك، خاصة من فئة طلاب الجامعات الغربية لنشر الرواية الصهيونية ومواجهة النشاط المؤيد للفلسطينيين عبر الإنترنت، ونظم الكيان لهؤلاء المؤثرين فضلا عن الصحفيين جولات داخل الأراضي المحتلة، لتقديم تفسير مباشر للوضع.

ثالثا العمل بشكل وثيق مع الحكومات والقيادات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا لضمان استمرار الدعم الدبلوماسي والعسكري، وتأطير الصراع على أنه جزء من الحرب العالمية على الإرهاب.

رابعا استخدام أدوات المراقبة، وتشمل: العمليات السرية، ومراقبة المدافعين عن حقوق الإنسان باستخدام برامج تجسس مثل بيغاسوس في محاولة لمواجهة أنشطتهم.

إلا أن هذه الجهود لم تمنع التدهور المستمر في صورة الكيان الصهيوني، خاصة مع استمرار الصراع والجرائم المرتكبة، وزيادة الوعي بالخسائر المدنية والأزمة الإنسانية في غزة.

أظهر استطلاع رأى أجرته مؤسسة غالوب في يوليو أن 9% فقط من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا يؤيدون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. في حين أظهر استطلاع آخر أجرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، وإن كان أكثر إيجابية، أن 47% من الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.

الذكاء الصناعي

صرح غادى إيفرون، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "نوستيك"، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي: "كما تُحدد خرائط تحسين محركات البحث المواقع الإلكترونية التي تُشكل نتائج البحث، تُحدد خرائط GEO المصادر التي تؤثر على استجابات الذكاء الاصطناعي".

وأضاف: "إنه مجال جديد، ويُطلق عليه البعض اسم GEO للإشارة إلى GenAI، لكن المصطلحات لا تزال قيد التطوير".

أعلى