• - الموافق2025/12/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل اللوبي الصهيوني في أمريكا

أشار ترامب مباشرة إلى تراجع نفوذ المنظمات الصهيونية على الكونجرس والنخب السياسية، فهل نشهد بداية عصر جديد يعيد رسم خريطة التأثير السياسي في أمريكا؟ الإجابات تحمل مفاجآت وتحديات غير مسبوقة.


لا يزال غرس طوفان الأقصى يخرج علينا بثماره على المسلمين، ويستمر بفيضانه بالخير على أمة الإسلام.

ومن بين نفحاته التي لا تزال تنتشر، ما نراه في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لازالت تتربع على قمة النظام الدولي، حيث تُجمع مؤشرات القوة على أنها لا تزال تتمتع بالهيمنة، بل وتتفوق على جميع دول العالم في تلك المؤشرات، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو تكنولوجية.

فقد بدأنا نرى ما يمكن تفسيره بأنه تراجع لنفوذ اللوبي الصهيوني على الطبقة السياسة الأمريكية.

ففي خلال حفل استقبال بمناسبة عيد الحانوكا اليهودي في البيت الأبيض منذ عدة أيام، وبالتحديد في 16 ديسمبر 2025، قال الرئيس الأمريكي ترامب نصا في ثنايا خطابه:

"كان والدي يخبرني أن أقوى لوبي في هذا البلد هو اللوبي الصهيوني لكن الأمر لم يعد كذلك الآن".

وأضاف "هناك الكثير من الأشخاص في الكونغرس لا يحبون "إسرائيل" بل ويكرهونها"، مشيراً إلى أن هذا التغيير كان سيبدو مستحيلاً قبل 15 عاماً.

ولم تكن هذه أول مرة يتحدث فيها ترامب عن تراجع قوة النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة، فقبل هذا الحديث ومنذ ثلاثة أشهر، وفي مقابلة مع موقع The Daily Caller نُشرت في سبتمبر 2025، كرر ترامب نفس الفكرة قائلاً:

"قبل 20 عاما، كان لإسرائيل أقوى لوبي في الكونغرس.. اليوم لم يعد الأمر كذلك، وهو أمر مذهل".

وأشار ترامب صراحة إلى تراجع الدعم داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وذكر أسماء نواب تقدميين مثل "إلهان عمر" و"ألكساندريا أوكاسيو كورتيز" كمثال على من يهاجمون الكيان الصهيوني علنا، ولم يكن يحدث ذلك من قبل.

وهنا يثار السؤال، ما مدى خطورة تراجع النفوذ الصهيوني على الدعم الذي تقدمه أمريكا للكيان الصهيوني؟ وما أثر ذلك على الكيان؟ والأهم ما هي الفترة الزمنية المنتظرة لظهور هذا التأثير كتغير ملموس؟

للإجابة على هذه الأسئلة ينبغي دراسة كيف أثرت الصهيونية على القرار السياسي الأمريكي؟ وما حجم هذا التأثير؟ ثم ننتقل إلى دراسة التغير الحادث ومدى تغلغله في الحياة السياسية الأمريكية لاستشراف المدى الزمني الذي سيكون فيه مؤثرا.

ولكن في البداية، يجب أن نفرق بين الصهيونية واليهودية، كمصطلحين قد يختلطان على البعض.

بين الصهيونية واليهودية

اليهودية في أصلها هي دين التوحيد الذي أنزله الله على نبي الله موسى عليه السلام، وأنزل سبحانه التوراة هدى ونورا لبني إسرائيل، ولكن جرى تحريف التوراة، كما تم نسخ الدين اليهودي بنزول القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومجيء الإسلام الناسخ لكل دين قبله.

أما الصهيونية فهي حركة تدعو إلى عودة اليهود إلى جبل صهيون في فلسطين.

 

أظهر العدوان على غزة فجوة هائلة؛ فالأجيال الأكبر التي تدير اللوبي لا تزال تدعم دولة الكيان، بينما الأجيال الشابة ومنها جيل "زد" وبما في ذلك الشباب اليهود، أصبحوا أكثر تعاطفاً مع الرواية الفلسطينية

والمفارقة فإن أول من نادى بهذه الدعوة هم المسيحيون البروستانت والذين نادوا بها تنفيذا لنبوءات الإنجيل، والتي تشترط لنزول المسيح الثاني قيام دولة لليهود على أرض فلسطين، بينما التوراة جاءت نبوءتها بهذا الصدد عكس الانجيل.

وبعدها أقنع البروستانت اليهود العلمانيين بتبني الفكرة، ولذلك فإن الصهيونية المسيحية سبقت الصهيونية اليهودية، حتى أن اليهود المتمسكين بتعاليم التوراة ويطلق عليهم اليهود الأرثوذكس، يرفضون الصهيونية وفكرة قيام دولة إسرائيل قبل نزول المسيح، ومن تعاطى مع الفكرة الصهيونية فقد تعاطى معها إما أنه علماني، أو متدين براجماتي، وليس عقائديا، وهؤلاء ينتمون إلى طائفة الحريديم والذين يحرمون دخول الجيش من هذا المنطلق.

الصهيونية وأمريكا

فر البروستانت من الاضطهاد في أوروبا إلى الأرض الجديدة في أمريكا، ونقلوا معهم أفكارهم الصهيونية إلى تلك البلاد، ومن ثم بدأت تنتشر وتتأسس وتتلاقى مع الفكرة الصهيونية في بريطانيا، والتي بدورها بدأت في الانتشار هناك في أوساط العلمانيين اليهود مثل هرتزل، بتشجيع من البروستانت البريطانيين.

ولما أخذت بريطانيا على عاتقها تطبيق أفكار الصهيونية اليهودية في فلسطين وتشجيع الهجرة إليها، كان هناك تجاوب على جانب الشاطئ الآخر من المحيط الأطلنطي في الولايات المتحدة، ولكنه أقل من زخمه البريطاني.

ومع بداية أفول الإمبراطورية البريطانية، وصعود الولايات المتحدة، بدأ اللوبي الصهيوني في أمريكا في التشكل والزحف إلى مؤسسات السياسة الأمريكية.

تمدد اللوبي الصهيوني في أمريكا

هناك شبكة واسعة من المنظمات التي تعمل كجزء مما يسمى باللوبي الصهيوني في أمريكا، وتتنوع أساليبها بين اليمين المتشدد، واليسار الليبرالي، وبين الديني والسياسي.

فهناك اللوبي المسيحي الصهيوني وهو الأكبر عددا بما يتجاوز 10 ملايين عضو، ويطلقون على أنفسهم (مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل) (CUFI).

ويعتمد هذا اللوبي على القاعدة الإنجيلية البروتستانتية التي تكمن قوتها في قدرتها على تحريك ملايين الناخبين، وليس فقط التبرع بالمال.

ويوجد أيضا اللوبي الليبرالي، وقد تأسس عام 2008، الذي يصف نفسه بأنه مؤيد لدولة الكيان ومؤيد للسلام، ويدعم حل الدولتين، وينتقد الاستيطان أحياناً، وله نفوذ متزايد داخل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي.

وأخيرًا يوجد أيضا اللوبي الأكثر تخطيطًا، وتنظيمًا وفعالية وهو منظمة إيباك.

وإيباك يمكن اعتباره تحالفًا استراتيجيًا يهوديًا أمريكيًا، مع اللوبي المسيحي الصهيوني المعروف اختصارا (CUFI)، وذلك بهدف توفير القاعدة الشعبية والناخبين في الولايات التي لا يوجد بها كثافة سكانية يهودية.

بينما تدخل إيباك في صراع وتنافس مع اللوبي الليبرالي، وتتهم إيباك اللوبي الليبرالي بالضعف تجاه أمن إسرائيل، بينما يتهم اللوبي الليبرالي إيباك بأنها أصبحت ذراعا للحزب الجمهوري، وأنها تدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف.

الطوفان وتراجع اللوبي الصهيوني

جاءت حرب الطوفان وما نتج عنها من ظهور وجه الكيان الصهيوني الحقيقي، من خلال حملة الإبادة الوحشية، والتي حاول فيها الانتقام من أهل غزة، بعد أن عجز عن هزيمة مقاومتها.

وكانت من أهم نتائج تلك الحرب، زلزالا في المشهد السياسي الأمريكي، وهو ما انعكس على تصريحات دونالد ترامب والتي أوردناها سابقا، وتحدث عدد من المحللين السياسيين حول تراجع أو تغير نفوذ اللوبي الصهيوني.

صحيح أن حرب غزة لم تنه تأثير اللوبي، فلا يزال قادراً على حشد المليارات، لكنها أضعفت الإجماع حوله للأسباب التالية:

أولا/ الانقسام الجيلي الحاد: فقد أظهر العدوان على غزة فجوة هائلة؛ فالأجيال الأكبر التي تدير اللوبي لا تزال تدعم دولة الكيان، بينما الأجيال الشابة ومنها جيل "زد" وبما في ذلك الشباب اليهود، أصبحوا أكثر تعاطفاً مع الرواية الفلسطينية، الأمر الذي يهدد مستقبل نفوذ اللوبي.

ثانيا/ ظهور اللوبي المضاد الشعبي: فلأول مرة، نرى احتجاجات ضخمة داخل الجامعات، وفي الشوارع تضغط على المشرعين بشكل مباشر، ومنها حركة (غير ملتزم)، التي وجهت في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي رسالة قوية، مفادها بأن دعم إسرائيل المطلق له ثمن انتخابي، بينما في المقابل وللمفارقة، استغل ترامب غضب العرب والمسلمون الأمريكيين من انحياز بايدن للكيان، فوعد الجاليات العربية والإسلامية بوقف الحرب في حال انتخابه.

ثالثا/ تآكل سلاح الترهيب: لسنوات، كان سلاح اتهام معاداة السامية كافيا لإسكات أي منتقد، ولكن بعد حرب غزة، كسر العديد من السياسيين مثل أعضاء السكواد (الأعضاء التقدميين في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي)، والسيناتور اليهودي بيرني ساندرز هذا الحاجز، مما جعل نقد دولة الكيان الصهيوني أمرا مقبولا سياسيا في دوائر معينة.

رابعا/ التكلفة المالية الباهظة: اضطر لوبي أيباك لإنفاق مبالغ ضخمة (عشرات الملايين) في الانتخابات التمهيدية لعام 2024 فقط لإسقاط مرشحين تقدميين مثل جمال بومان وكوري بوش (هما اثنان من أبرز الوجوه السياسية في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي الأمريكي، اشتهرا بمعارضتهما القوية للسياسات التقليدية لأمريكا، وخاصة فيما يتعلق بالعدالة العرقية والدعم العسكري المطلق للكيان)، هذا الإنفاق الضخم يعكس حالة دفاع وليس حالة سيطرة مريحة كما في السابق.

الفترة الزمنية للتأثير

لكي نرى تحولا مؤثرا للسياسة الأمريكية، كي تكون أكثر توازنا في الشرق الأوسط، يجب علينا أن ننظر إلى مدى متوسط (من ١٠-١٥ سنة) أو مدى بعيد (٢٠ سنة أو أكثر) وليس قبل ذلك لعدة عوامل، أهمها:

أولها، هناك وقت لا يقل عن 10 سنوات لكي يصبح الشباب الغاضبون على السياسة الأمريكية الحالية، هم مديرو المكاتب في الخارجية والبنتاغون وأعضاء الكونغرس، وحينها ستتغير اللغة السياسية بشكل تلقائي، وسيفقد اللوبي الصهيوني لغته التي كانت تخاطب جيل الحرب الباردة.

وهناك عامل آخر، يتعلق بتغير الديموغرافيا، ففي خلال ٢٠ سنة ستصبح أمريكا دولة أقلية بيضاء، وسيزداد نفوذ الناخبين من أصول عربية، إسلامية، ولاتينية، وهؤلاء غالباً لا يشاركون الرؤية الصهيونية التقليدية.

 

أعلى