• - الموافق2024/05/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مسرحية الديمقراطية في المغرب

مسرحية الديمقراطية في المغرب


منذ بداية ثورات الربيع العربي التي أسقطت عددا من الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية والأنظار مسلطة على المغرب، الذي استطاع أن يرسم لنفسه مسارا مغايرا لما شهدته كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وما زالت تفاعلاته جارية إلى اليوم، من خلال تدشين تجربة جديدة أطلق عليها "خيار الإصلاح في ظل الاستقرار".

فبعد خروج التظاهرات في شوارع ومدن المملكة المغربية في حركة 20 فبراير/شباط الاحتجاجية، للمطالبة بالتغيير وإسقاط الفساد والاستبداد الذي يعاني منه المغاربة، خرج الملك محمد السادس في خطاب للعرش تجاوب فيه بطريقة ذكية مع مطالب الشارع وطرح فيه خريطة طريق للإصلاح، أثمرت دستورا جديدا وانتخابات مبكرة حصد فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي 107 مقاعد في البرلمان كرقم قياسي في تاريخ الانتخابات المغربية.

كلف الملك زعيم الإسلاميين عبد الإله بن كيران، بتشكيل الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور الجديد، ودشن رئيس الحكومة مشاوراته مع الأحزاب والفرق البرلمانية  حتى نجح في تشكيل حكومته، وانطلقت التجربة الأولى للإسلاميين في الحكم، بعدما ألفوا المعارضة لسنوات تحت قبة البرلمان، وعدوا فيها المغاربة بتحقيق الإصلاح المنشود ومحاربة الريع والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

التحالف الحكومي .. إسلاميون، شيوعيون وليبراليون

 فرغم حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات، كان حزب العدالة والتنمية مجبرا على التحالف مع أحزاب أخرى من أجل تشكيل الأغلبية الحكومية، لأن النظام الانتخابي في المغرب لا يسمح لأي حزب مهما كان وزنه وحجم شعبية بأن يكتسح النتائج ويشكل حكومة لوحده في غنى عن باقي الأحزاب السياسية الأخرى.

فالأحزاب المغربية في غالبيتها ذات مرجعية يسارية اشتراكية أو ليبرالية إدارية قريبة من السلطة، أو بالأحرى أحدثتها الدولة في مراحل مختلفة من أجل ضبط المشهد السياسي المغربي، يبقى آخرها حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه المستشار الملكي الحالي، فؤاد عالي الهمة، الأمر الذي جعل الإسلاميين أمام اختبار صعب يتمثل في إقناع أحزاب تتناقض معه فكريا وإديولوجيا من أجل الدخول في تحالف حكومي معه.

عبد الإله بن كيران، زعيم حزب إسلامي كبير بالمغرب ويتمتع بقدرات عالية على التواصل والتفاوض بحسب العديد من المتتبعين للشأن السياسي بالبلاد، الذين أكدوا أن الرجل نجح في إخراج أول حكومة يتزعمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، يشكل حزب التقدم والاشتراكية "الشيوعي" أحد أبرز مكوناتها، بالإضافة إلى كل من حزب الاستقلال والحركة الشعبية.

غير أن هذا التحالف، الذي يؤكد أن المغرب وتعاطيه مع أحداث الربيع العربي نموذج مختلف عن باقي الأقطار العربية، لم ينل إعجاب الكثير من الجهات المناوئة للإسلاميين سواء في السلطة أو أحزاب المعارضة، حيث ساهمت العديد من الأحداث والعراقيل التي نصبت لحكومة بن كيران، للدفع بحزب الاستقلال إلى الانسحاب من الحكومة من أجل تعطيل الإصلاحات التي وعد الإسلاميون المغاربة بتحقيقها.

بعد انسحاب حزب الاستقلال من حكومة العدالة والتنمية، دشن عبد الإله بن كيران مرة أخرى سلسلة من المشاورات مع أحزاب المعارضة من أجل تعويض الحزب المنسحب، فكان له ما أراد بعد إقناعه حزب التجمع الوطني للأحرار للالتحاق بالأغلبية ومواصلة العمل في النسخة الثانية من حكومة الإسلاميين، التي أثارت نقاشا واسعا في الأوساط السياسية والحزبية حول إمكانية نجاح بن كيران وإخوانه في تحقيق الإصلاحات المطلوبة.

معيقات الإصلاح أو "عفاريت وتماسيح" بن كيران

وسط الاضطرابات الإقليمية التي تعيشها المنطقة بعد الربيع العربي، وصل إسلاميو العدالة والتنمية للحكم بالمغرب، بعدما رفعوا شعار "الإصلاح في ظل الاستقرار" الذي أصبح عنوان التجربة التي تعيشها البلاد، وذلك في ظروف اقتصادية صعبة وانتظار طال أمده من الشعب المغربي، الذي صوت للحزب الإسلامي وفضل التغيير السلمي بدل الثورة. 

طريق الإسلاميين في العمل من أجل إصلاح الدولة ومؤسساتها التي ينخرها الفساد، كان يبدو من الوهلة الأولى انه شاق وصعب، تحفه الكثير من المخاطر والمكائد التي عمد خصومهم إلى وضعها من أجل عرقلة مسيرتهم ومحاولة إفشال أول تجربة يخوضونها في الحكم.

فكلما اقترب رئيس الحكومة ووزراؤه من الملفات الساخنة، إلا وكشرت اللوبيات المستفيدة من الوضع القائم عن أنيابها وقادت حملة هجوم واسعة في مختلف وسائل الإعلام التي يتحكمون فيها على قرارات الحكومة ورئيسها من أجل التشويش عليهم وإرغامهم على التراجع وتأجيل مباشرة الإصلاحات الكبرى.

رئيس الحكومة في تصريفه للصراع الذي يخوضه مع خصومه من مقاومي الإصلاح، لجأ لتوظيف مجموعة من المصطلحات كـ"العفاريت والتماسيح" عند حديثه عن العراقيل التي تواجه حكومته، في إشارة وتلميح واضح للوبيات والجهات التي تقف أمام إنجاز الإصلاح الذي وعد به المغاربة.

وفي تقييمهم لأداء حكومة بن كيران، يرى العديد من المتتبعين للشأن السياسي بالبلاد، أن الحصيلة التي قدمتها الحكومة حتى الآن تبقى ضعيفة ولم ترقى لتطلعات المواطنين المغاربة، خاصة بعد إقرارها لعدد من الزيادات في الأسعار التي واجهت بها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، كما أن هناك من يرى ما قدمه الإسلاميون حتى الآن، يبقى مقبولا بالنظر لحجم الضغوطات التي تمارس عليهم، بالإضافة إلى تأثرهم بموجة الارتداد التي تعيشها دول الربيع العربي بعد الانقلاب العسكري الدموي في مصر. 

انجازات الحكومة الإسلامية

بعد نهاية عام 2013 ودخول السنة الجديدة، تكون حكومة عبد الإله بن كيران قد دخلت في مرحلة العد التنازلي لنهاية ولايتها، والحصيلة حتى الآن من الإنجازات التي قدمتها الحكومة للمغاربة، تبقى محدودة ولم ترق لمستوى التطلعات والرهانات التي علقت عليها.

لكن بالمقابل، يصر رئيس الحكومة ووزراء حزبه وشركائه على التأكيد بأن ما حققته الحكومة خلال هذه المرحلة من إنجازات تبقى هامة ومقبولة، بالنظر إلى المقاومة الشرسة التي تلاقيها من طرف خصوم الإصلاح كلما همت بمعالجة ملف من الملفات الكبرى، بالإضافة إلى موجة التراجع التي تعيشها دول الربيع العربي بعد الانقلاب العسكري في مصر وتأثيره على المغرب.

ومن أبرز المكاسب التي حققتها حكومة الإسلاميين هي نجاحها في امتصاص غضب الشارع وإعادة الاستقرار للبلد الذي كان مهددا إبان ثورات الربيع العربي التي اشتعلت مطلع سنة 2011 في عدد من البلدان العربية.

كما أقدم بن كيران وحكومته على اتخاذ مجموعة من القرارات التي استفادت منها العديد من الأسر المحتاجة في البلاد، من أهمها بطاقة "الرميد" التي وزعت على أزيد من مليون أسرة، ستمكنها من الاستفادة من الخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات العمومية، بالإضافة إلى الزيادة في قيمة المنح التي تقدمها الدولة لطلاب الجامعات بنسبة هامة، وكذلك مباشرة إصلاح صندوق المقاصة (الموازنة)، من خلال القيام بربط ثمن المحروقات بالسوق العالمية وعدد من الإجراءات الأخرى التي ستمكن الحكومة من الإصلاح التدريجي للصندوق الذي يرهق ميزانيتها.  

هذا ونجحت الحكومة في إقرار تخفيض أسعار حوالي 800 من أنواع الأدوية بعضها خاص بالأمراض المزمنة، حيث بلغت نسبة التخفيض 50 بالمائة من سعر بعض الأدوية، الأمر الذي لقي احتجاجات كبيرة من طرف لوبي الصيادلة والأدوية، الذي تحرك بسبب مساس القرار الحكومي بالامتيازات والأرباح الخيالية التي كانوا يحققونها، كما فتحت مؤخرا ملف إصلاح صندوق المعاشات الذي يشرف على الإفلاس، وهو من بين التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة.

فأيا كانت النتائج الإيجابية التي ححقتها الحكومة التي يقودها الإسلاميون في المغرب خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد، بسبب تداعيات الأزمة الإقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المغربي، وكذا الفساد الذي يعشش في أجهزة ومؤسسات الدولة منذ عقود، سيسجل التاريخ بأن حكومة عبد الإله بن كيران، ستبقى من أبرز الحكومات التي قادت المغرب في فترة صعبة استطاعت فيها أن تحافظ على الاستقرار وتدشن سلسلة من الإصلاحات وتفتح ملفات حساسة لم تجرؤ أي من الحكومات السالفة على الاقتراب منها.

 

أعلى