يتحللون من اليهودية

يتحللون من اليهودية


 

لم تعد "إسرائيل" قادرة على إخفاء مظاهر فزعها من تحولين مهمين، سيؤثران على مستقبلها ومستقبل المشروع الصهيوني بشكل عام، وهما: تراجع عدد اليهود في العالم، وتحول الكثير منهم عن اليهودية، علاوة على رصد الكثير من المظاهر التي تعكس تحلل غالبية اليهود من أنماط السلوك الديني اليهودي. وقبل الخوض في المعطيات التي تؤكد هذه الظاهر، يتوجب الإشارة إلى حقيقة أن يهود العالم يلعبون دوراً محورياً في تأمين بقاء وجود الكيان الصهيوني، لقيامهم بدورين أساسيين، وهما:

أولاً: يمثلون احتياط بشري يسمح للكيان الصهيوني بالصمود في الصراع الديموغرافي القائم حالياً بينه وبين الشعب الفلسطيني. فقدوم المهاجرين اليهود يمثل مصدراً من مصادر تعزيز الثقل الديموغرافي لليهود في أرض فلسطين. ومن نافلة القول أن المهاجرين اليهود هم الذين وقود المشروع الاستيطاني، فهم الذين يحسمون مصير الأراضي العبرية المحتلة عبر تكريس الأمر الواقع عبر التواجد على الأرض الفلسطينية. في الوقت ذاته، فأن المهاجرين اليهود يمثلون عماد الجيش الصهيوني.

ثانياً: يعتبر يهود العالم أحد أهم مصادر الدعم المادي للكيان. فنظراً لسيطرة اليهود على الكثير من المرافق الاقتصادية في أرجاء العالم، فأن الكثير منهم يتبرع للكيان الصهيوني. وتقدر التبرعات التي تصل إسرائيل كل عام من اليهود بثلاثة مليارات دولار، وهذا مبلغ كبير، حسب كل المعايير.

ثالثاً: يمثل اليهود مصدر أساس للدعم السياسي للكيان الصهيوني، ويكفي للمرء أن يرصد الدور الذي تلعبه المنظمات اليهودي واللوبي الصهيوني في تأمين الدعم الأمريكي لإسرائيل.

رابعاً: تعتمد الأجهزة الاستخبارية الصهيونية على يهود العالم في تسهيل عملياتها. فنظراً لأن اليهود يتواجدون في معظم دول كثيرة، وينتمون لأعراق شتى، فقد سهل هذا الأمر على الأجهزة الاستخبارية الصهيونية، وتحديداً الموساد القيام بعملياته السرية عبر توظيف هؤلاء اليهود.

انخفاض العدد

تؤكد المعطيات الصادرة عن " معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي "، ومقره القدس المحتلة أنه خلال 27 عاماً انخفض عدد اليهود في العالم باستثناء "إسرائيل" بـ 2.3 مليون نسمة، حيث يبلغ الان 7.76 مليون فقط. وحسب المعطيات التي تضمنها التقرير فإن عدد اليهود الذين يعيشون في العالم وإسرائيل يبلغ 13.1 مليون يهودي. وتنوه المعطيات الى أن عدد اليهود لم يرتفع منذ العام 1970 إلا بنصف مليون نسمة. وأشار التقرير الى أن أكبر انخفاض في عدد اليهود حدث في الدول التي كانت تشكل الإتحاد السوفياتي، حيث يعيش هناك نحو 450 الف يهودي فقط، منهم 221 الف في روسيا، و 79 الف في اوكرانيا. وأشار التقرير الى حدوث انخفاض كبير في عدد اليهود في أمريكا الجنوبية، حيث انخفض عددهم هناك بنسبة 24% ، حيث تبقى 393 الف يهودياً. واشارت معطيات المعهد الى انخفاض معدل الخصوبة لدى اليهود يمثل سبب آخر لإنخفاض عدد اليهود. ففي الوقت الذي يبلغ معدل الخصوبة في اسرائيل 2.75 طفلا للعائلة اليهودية، يصل في الغرب الى 1.5 طفلا للعائلة اليهودية، بينما تتدنى النسبة في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي السابق لتبلغ طفل واحد للعائلة. ويقول بروفيسور دي لا فرغولاو المختص في شؤون الديموغرافية اليهودية  إنه بالنظر الى مواضيع الاندماج والخصوبة المتدنية، فان يهود الشتات يوجدون في حالة عجز بين عدد المواليد وعدد الوفيات، مضيفاً أن  "الهجرة الى اسرائيل يمكنها أن تؤثر ايجاباً.

التحول عن اليهودية والتحلل منها

من المعروف، أنه حسب الديانة اليهودية، فأن اليهودي هو الذي يولد لأم يهودية، وبالتالي فأن إسرائيل تعتبر أي زواج مختلط بين يهودي وغير يهودي بمثابة خروج عن الديانة اليهودية. من هنا، فقد عبرت "إسرائيل" عن قلقها الشديد من تعاظم ظاهرة الزواج المختلط بين اليهود في الولايات المتحدة ومعتنقي الأديان الأخرى.وحسب دراسات واستطلاعات شاملة أجريت مؤخراً في أوساط اليهود الأمريكيين تبين أن 70% منهم يتزوجون من غير اليهود. وتدلل الدراسات التي أجرتها "الوكالة اليهودية" على ابتعاد اليهود في الولايات المتحدة عن إسرائيل، حيث تعكس هذه النتائج فشل الجهود والإمكانيات التي استثمرتها الوكالة اليهودية في التقريب بين إسرائيل ويهود الشتات وتحديداً في الولايات المتحدة. وحسب هذه الدراسات، فأن الشباب هم أكثر قطاعات اليهود في الولايات المتحدة ميلاً للابتعاد عن اليهودية وإسرائيل. ومن جهته قال مدير عام "مركز تخطيط سياسات الشعب اليهودي" نحمان شاي: "إن نحو 50 يهوديًّا في الولايات المتحدة يتحولون عن اليهودية يوميًّا".وشدد شاي في مقابلة أجراها معه التلفزيون الإسرائيلي على أن "الوجود اليهودي في الولايات المتحدة يتعرض لخطر كبير؛ بسبب حالات التحول الواسعة من الديانة اليهودية إلى الديانات الأخرى". وحسب شاي، فأن أكبر خطر يواجه اليهود في الولايات المتحدة هو الزواج المختلط وذوبان اليهود في المجتمع الأمريكي. ولم يفت شاي التذكير بأن "إسرائيل" ستكون أكبر خاسر من هذا الواقع، لافتًا إلى أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على دور المنظمات اليهودية في الضغط على الإدارة و والكونجرس الأمريكي من أجل الاستجابة للمطالب الإسرائيلية. ومن المفارقة، أن الدراسات تظهر أن "الإسرائيلين" الذين غادروا "إسرائيل" ويقيمون في الولايات المتحدة أكثر تحللاً من اليهودية وأكثر استعداداً للزواج المختلط من اليهود الأمريكيين. وحسب نتائج الاستطلاعات فإن الأغلبية الساحقة من الشباب اليهودي في الولايات المتحدة يعرفون أنفسهم كـ " يهود بلا دين ". وقد دلت نتائج دراسة أخرى على أن 5% فقط من اليهود في الولايات المتحدة تأثر تصويتهم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بمدى التزام المرشح بمصالح إسرائيل، وهذا لا يمثل أخبار سارة للكيان الصهيوني. ويقول جالي سيلبرمان رئيس اتحاد المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أن 10% فقط من الطلاب اليهود في الولايات المتحدة يتوجهون إلى مدارس يهودية، مشيراً إلى أنه سيتم تطبيق خطة تهدف إلى رفع هذه النسبة إلى 30%. من ناحيته عبر المفكر والشاعر الإسرائيلي شلومو شامير عن استهجانه لعدم تفاعل الجماهير اليهودية في الولايات المتحدة مع القضايا التي تهم إسرائيل، سيما البرنامج النووي الإيراني. واستهجن شامير عدم تحريك اليهود مسيرات نحو واشنطن للضغط على الإدارة الأمريكية لعدم التوصل لاتفاق مع إيران بشأن مستقبلها برنامجها النووي.وعزا شامير هذه الظاهرة إلى وجود قطيعة بين قادة المنظمات اليهودية والشارع اليهودي في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن عموم اليهود في الولايات المتحدة لا يبدون اهتماماً يذكر بالأنشطة التي تقوم بها المنظمات اليهودية لصالح إسرائيل. وفي سياق متصل، انتقدت الكاتبة اليهودية الأمريكية باميلا غيلر بشدة دور المثقفين اليهود في الدعوة لمقاطعة إسرائيل.وفي مقال بعنوان " المجاهدون اليهود "، نشره موقع صحيفة " جيروسلم بوست " الأربعاء الماضي، أشارت غيلر إلى أن هناك دور متزايد لأكاديميين وكتاب يهود في الدعوة لمقاطعة إسرائيل.وأضافت غيلر: " هؤلاء الخونة البائسين يحاولون نشر الأكاذيب ضد الدولة اليهودية واليهود".

خطة للمواجهة

هناك ما يؤشر على أن الوكالة اليهودية والكيان الصهيوني لا ينويان التسليم بما تمت الإشارة إليها. فقد أعلن مدير الوكالة اليهودية نتان شيرانسكي عن خطة لتقليص ظاهرة الزواج المختلط، على اعتبار أنها تؤدي إلى تحلل اليهود من اليهودية وتبعدهم عن إسرائيل. وأكد شيرانسكي إنه " سيخوض حرباً " من أجل إعادة اليهود الأمريكيين إلى جذورهم اليهودية.وفيما يعكس حالة الفزع التي تسود دوائر صنع القرار فيها إثر تعاظم مظاهر تراخي العلاقة بينها وبين الجاليات اليهودية في أرجاء العالم، قررت " إسرائيل " تخصيص مليارات الدولارات لتنفيذ خطة تقوم على مشاريع ومبادرات تهدف لتعزيز مضامين الهوية اليهودية لدى يهود العالم. وسيشرف على تنفيذ الخطة  نفتالي بنات وزير "  الاقتصاد والقدس والشتات اليهودي " بالتنسيق مع قادة الجاليات اليهودية في أرجاء العالم، وسيتواصل تنفيذها على مدى العقديم القادمين. وقد تمت مناقشة تفاصيل الخطة خلال اجتماع عقد في نوفمبر الماضي في القدس المحتلة،  في مؤتمر عقد لمناقشة أوضاع الجاليات اليهودية. ويقول دفير كهانا، وكيل وزارة " القدس والشتات اليهودي " قوله أنه على مدى الأعوام الخمسة القادمة سيتم انفاق 300 مليون دولار كل عام، مشيراً إلى أن تنفيذ الخطة سيستمر لمدة 20 عاماً.وأشار كهانا إلى أن الخطة تهدف إلى مواجهة تخلي اليهود عن اليهودية والزواج المختلط عبر تعزيز ارتباطهم بإسرائيل.وتنص إحدى الوثائق المتعلقة بالخطة على أنها تهدف " إلى إعادة إسرائيل لتكون حجر الزاوية في الهوية اليهودية للأجيال اليهودية الصاعدة ".وتنص الخطة على ضرورة توقف قادة إسرائيل على توجيه انتقادات للشتات اليهودي ولرفض الكثير من اليهود للهجرة لإسرائيل، والتلزام " إسرائيل " بعدم مواصلة فرض الأجندة الإسرائيلية على اليهود في العالم بشكل فج.وستركز الخطة على اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و35 عاماً، وستحاول إقناع الشباب اليهودي المؤهل للهجرة إلى إسرائيل.وتنص الخطة على تمويل برامج لتدريس اللغة العبرية في المدارس التي تتواجد فيها نسبة كبيرة من اليهود، في أرجاء العالم.وتأمل الخطة أن يسهم برامج التعارف والتقارب والنشاط المشترك بين الشباب اليهودي في تقليص نسبة الزواج المختلط، بحيث يتزوج الشباب اليهودي من بعضهم البعض. من ناحيته يرى مدير عام "معهد تخطيط الشعب اليهود " افينوعام بار يوسيف إن السبيل لحل مشكلة الزواج المختلط  تتمثل في تشجيعهم على الهجرة الى اسرائيل، " ولهذا الغرضن فهو يرى، وجوب حدة الشروط التي تضعها مؤسسة الحاخامية الكبرى للتهود أمام تحول غير اليهود لليهودية، وعدم اجراء تعديلات متسرعة لقانون العودة ". وقال بار يوسيف "لقد تعرض الشعب اليهودي لما يكفي من الضربات في القرن السابق"، على حد تعبيره.

أعلى