• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المساعدات الامريكية وتبعاتها في تل أبيب

المساعدات الامريكية وتبعاتها في تل أبيب

عاموس هرئيل/ "هآرتس"

يبدو حتى في عالم المصطلحات المرن جدا في السياسية الاسرائيلية، بانه لم يتم منذ زمن بعيد تسجيل فجوة كبيرة كهذه بين شكل محاولة ديوان رئيس الحكومة تسويق الواقع وبين الواقع نفسه. بيان ديوان رئيس الحكومة والرسائل التي يبثها رجاله عبر اللقاءات الصحفية، يعرض اتفاق المساعدات الامنية الامريكية لإسرائيل ، الذي تم توقيعه في واشنطن الاسبوع الماضي، كإنجاز غير مسبوق. مصطلح "الأكبر من أي مرة" يتكرر على السنتهم مرة تلو مرة.

ولكن بين العنوان الايجابي والأرقام الحقيقية هناك فجوة عميقة. نتنياهو ورجاله على حق من ناحية رمزية. الاتفاق يتضمن التزاما بتقديم مساعدة بحجم 38 مليار دولار لعشر سنوات – وهو مبلغ اكبر من مبلغ 31 مليار دولار الذي يتضمنه الاتفاق الحالي الذي ينتهي في 2018، لكنه من المشكوك فيه ان هذه المقارنة صحيحة. فبناء على طلب ادارة اوباما، تم اعداد الاتفاق بطريقة "شامل كل شيء". واسرائيل تلتزم بعدم التوجه الى الكونغرس، من وراء ظهر الادارة، بشكل يضمن لها زيادة استثنائية.

لقد تم في السنوات الاخيرة تقديم مثل هذه الزيادات لإسرائيل، بمبادرة من الكونغرس او الادارة نفسها، من اجل تغطية فجوات التسلح التي نجمت عن حملة الجرف الصامد في 2014، والمساعدة في تطوير تكنولوجيا للكشف عن الأنفاق، وخاصة تشجيع وتيرة التطوير والتسلح بمنظومات اعتراض الصواريخ والقذائف. وحسب معطيات رسمية للوكالة الأمريكية لمكافحة الصواريخ، حصلت اسرائيل من الولايات المتحدة على 729 مليون دولار لهذه الاحتياجات في 2014، و620 مليون في السنة التي سبقتها. وحسب مصادر اسرائيلية ستصل الزيادة هذه السنة الى 600 مليون دولار.

بكلمات اخرى، فان الزيادة الحقيقية في الاتفاق الجديد، غير المسبوق ظاهرا، تصل الى حوالي 100 مليون دولار مقارنة بالسنوات الاخيرة، وذلك دون التطرق بتاتا الى التضخم، لأنه لا الاتفاق القديم ولا الجديد، يشملان التعويض المباشر لتآكل قوة المشتريات. لكن هذا كله يبقى مبلغا صغيرا مقابل الادعاء الأساسي الذي يطرح ضد نتنياهو في مسألة سلوكه في قضية النووي الايراني، حيث ان تعامله الشخصي مع الرئيس اوباما، ورفضه المتكرر لاستكمال اتفاق المساعدات، كلف اسرائيل فقدان سبعة مليارات دولار اخرى من اموال المساعدات.

الادعاء السائد في المعارضة وفي وسائل الاعلام بأن هذا هو ثمن قرار نتنياهو القاء خطاب في الكونغرس ضد الاتفاق النووي في آذار 2015، رغم حث الادارة الأمريكية له على التراجع. ولكن مصادر امنية رفيعة في اسرائيل، قالت لصحيفة "هآرتس" بأن الضرر وقع عمليا في وقت لاحق. وحسب اقوالهم، فانه بعد توقيع اتفاق فيينا مع ايران، في تموز الماضي، تم تحقيق تفاهمات اساسية بين وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر، ونظيره الاسرائيلي في حينه، وزير الامن موشيه يعلون، حول تقديم مساعدات أمريكية لإسرائيل بحجم 45 مليار دولار لعشر سنوات. لكن نتنياهو اصر على بذل جهد اخير، فاشل، لتفعيل الكونغرس ضد الرئيس والصفقة في ايلول. وهذه، كما يبدو، كانت المرحلة التي فقد فيها البيت الابيض صبره، نهائيا.

رئيس الحكومة ورجاله يدعون، دفاعا عنه، ان اتخاذ موقف اساسي ضد اتفاق فيينا كان تصريحا هاما في مرآة التاريخ، ولكن في جوانب عملية. لقد اقنعت هذه الخطوة دول الخليج بأن اسرائيل تصر على موقفها، حتى بثمن الصدام مع الولايات المتحدة التي تنتهج التسامح الانهزامي امام ايران، التي تصر على الوقوف وراء النشاطات المتآمرة، واعمال الارهاب في كل انحاء المنطقة. هذا التوجه يصعب قياسه بمصطلحات رقمية. ولكن، هل يساوي هذا حقا سبعة مليار دولار؟

بالإضافة الى علامات الاستفهام حول الاتفاق الموقع، يجب ان نضيف قضية المشتريات المتبادلة. فبضغط من الادارة سيتم وقف امكانية استغلال اكثر من ربع اموال المساعدات لشراء معدات من انتاج الصناعات الامنية الاسرائيلية. وبناء على طلب اسرائيل سيتم ذلك بشكل تدريجي، ليصبح المنع ساري المفعول تماما بعد ست سنوات. هذا الجانب السلبي من هذه الاتفاقية لا يرتبط مباشرة بالنقاش حول ايران او غياب الكيمياء بين نتنياهو واوباما. لقد استجابت الادارة بذلك الى ضغوط الصناعات الامنية الأمريكية التي خسرت عقود ضخمة في اعقاب تقليص ميزانية البنتاغون، وبحثت لنفسها عن اسواق جديدة في الخارج، واكتشفت بأنها تواجه مصاعب في مواجهة الصناعات الاسرائيلية المنافسة والصغيرة، والتي ارتقت الى حد كبير بفضل المساعدات الامريكية.

لكن يسود لدى الاسرائيليين الذين زاروا واشنطن في بداية السنة، الانطباع بأن الادارة قررت طرح هذا التغيير في الاتفاق في شهري اذار ونيسان. ولو لم تتصرف اسرائيل كما لو انها تملك كل الوقت لربما كان يمكن استكمال الاتفاق قبل ظهور هذا البند الذي يلغي المشتريات المتبادلة (وهذا هو تماما ما اقترحه عليها مسؤولون كبار في الادارة، من بينهم نائب الرئيس جو بايدن). على المدى الطويل، سيتم خسارة الاف اماكن العمل في اسرائيل. وقد اوضح رؤساء الصناعات الاسرائيلية بأنهم سيضطرون الى فتح خطوط انتاج في الولايات المتحدة، بالشراكة مع الصناعات المحلية هناك، من اجل مواصلة الفوز بجزء من المساعدات.

من مثل اسرائيل في مراسم توقيع الاتفاق كان يعقوب نيغل، القائم بأعمال رئيس مجلس الامن القومي، والشخص الثاني الذي يتخلى عن رئاسة المجلس الذي يفتقد الى رئيس منذ بداية السنة. الأمر لا يتوقف فقط على كون رئيس الحكومة لم يصل الى واشنطن للاحتفال بالإنجاز الامني الضخم، بل لم يتم التبليغ في هذه المرحلة عما اذا سيتم تنظيم لقاء بين نتنياهو واوباما، على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية الشهر. يبدو انه على خلفية التوتر مع نتنياهو بذل الرئيس اقل ما يمكن. لقد رفع حجم المساعدات بشكل يمكن الادعاء بأنه اكبر من أي مساعدات سابقة (وهذا مهم للإدارة وللديموقراطيين عشية الانتخابات الرئاسية)، ولكن ليس اكثر من ذلك.

اوباما يوقع على الاتفاق مع نتنياهو كرافض الطلاق الذي يوافق في نهاية الأمر على تطليق زوجته، شريطة الا يلزمهما ذلك بالعيش سوية. كل شيء صدفة طبعا، ولكن التدهور الشديد في صحة الرئيس السابق شمعون بيرس سيجعل ديوان نتنياهو يتجاوز بسرعة قضية اتفاق المساعدات، على الطريق لمواجهة عواصف جديدة. لكن الأضرار والفجوات الكامنة في الاتفاق، سترافقنا لسنوات طويلة.

 

أعلى