الشرق الأوسط الذي تريده تل أبيب!!
وضع شمعون بيرس رئيس الكيان الصهيوني ورئيس وزراءه السابق الأساس الاول لفكرة "الشرق أوسطية" في كتاب صدر في نهاية عام 1993 بالإنكليزية تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد" طالب فيه بنسيان الماضي، ووضْع نهاية للصراع العربي الصهيوني، وبناء شرق أوسط جديد وسوق شرق أوسطية، وإنشاء كونفدرالية صهيونية-أردنية -فلسطينية.
ويعد الهدف الاقتصادي من أسمى ما يسعى له الكيان الصهيوني من محاولات التطبيع بينها وبين الدول العربية، على الرغم من علمها أن هذا الملف يشكل ازعاجاً كبيراً للشعوب العربية الأمر الذي أدى إلى اخفاء الأنظمة العربية تسعى إلى حجم التبادل التجاري الحقيقي بينها وبين الكيان الصهيوني، على الرغم من أن آخر الإحصاءات أكدت أن حجم التبادل التجاري بين العرب والكيان الصهيوني يتراوح بين 8% و9% من إجمالي التجارة العربية مع البلدان الأخرى.
و كشفت دراسة صهيونية عن تضاعف حجم التجارة السرية بين الكيان الصهيوني والدول العربية، مشيرة إلى أنها بلغت نحو400 مليون دولار سنويًا، وهو ما يتجاوز ضعفي حجم التبادل التجاري المعلن بين الكيان الصهيوني ومصر والأردن، فيما أشارت صحيفتا "نيويورك تايمز" الأمريكية و"هآرتس" الصهيونية، في تقريرين لهما حول هذا الموضوع، إلا أنه من الصعب تحديد حجم التجارة السرية أو الواردات العربية من الكيان الصهيوني و الدول العربية، وذلك بسبب استخدام تل أبيب دولاً "وسيطة" لتصدير إنتاجها إلى الدول العربية، ولعل أشهر دولتين تعملان كوسيط بين الكيان الصهيوني والدول العربية هما: هولندا وقبرص.
وفي أيلول سبتمبر الماضي وقع المملكة الأردنية رسمياً اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني تستورد بموجبها الأردن ما يقارب 40% من حاجتها من الغاز الطبيعي المسال لتوليد الكهرباء.
وتعتبر شركة الكهرباء الوطنية التي وقعت الاتفاق مع شركة نوبل إنيرجي وهي الشركة الحاصلة على امتياز من قبل حكومة الاحتلال الصهيوني هي المستورد الوحيد للغاز الطبيعي للأردن وتقوم بتحويل الغاز إلى شركات توليد الكهرباء التي تنتج 85 % من حاجة المملكة للكهرباء باستخدام هذ الغاز والكمية المتبقية يتم إنتاجها باستخدام الديزل وفقا لاتفاق الحكومة مع مصفاة البترول.
ووصفت تل أبيب اتفاقٍ في حينها بأنه “تاريخي” حيث تقدر قيمته بحوالي 10 مليار دولار لتزويد المملكة الهاشمية بغاز طبيعي لمدة 15 عامًا، علماً أن الاتفاق سيزود الأردن بما مجموعه حوالي 45 مليار متر مكعب من الغاز من حقل الغاز “ليفتان”، ما سيجعل من تل ابيب أكبر مزود غاز للمملكة.
وتسعى كونسرتيوم “ليفتان” الذي يضم شركة “نوبل انيرجي” الأمريكية ومجموعة ديلك” الصهيونية إلى البدء بالعمل في حقل “ليفتان” الضخم في 2019، ويُعتقد أن الحقل يحتوي على أكثر من 500 مليار قدم مكعب من الغاز، ومن المتوقع أنْ يحول الكيان الصهيوني إلى قوة إقليمية في مجال الطاقة.
من جانب آخر، نصّت بنود معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على قيام مصر بتصدير البترول للكيان الصهيوني، لكن مع زيادة الطلب على البترول في مصر، توصلت القاهرة لاتفاق مع الكيان بشأن استبدال البترول بالغاز وفي عام 2005 تم التوقيع على اتفاق لتزويد الكيان الصهيوني بالغاز لمدة 20 عامًا عن طريق شركة "EMG" التي يترأسها حسين سالم، وتضم شركات إيفسن وشركة "ميرهاف" الصهيونية وشركة "PTT" وشركة "EMI-Egi والشركة المصرية العامة للبترول.
وحصلت شركة الغاز الصهيونية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005م إلى عام 2008م، وعلى إثر هذا الاتفاق فقد طلب الوزير السابق سامح فهمي من الشركات المصرية ضخ كل إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى الشبكة القومية للكهرباء؛ لمواجهة الموقف الاقتصادي شديد الصعوبة، وكانت هذه الشركات تجهل أن هذا الغاز ذاهب في الحقيقة إلى الكيان الصهيوني مباشرة. الإجراء الذي اتخذه فهمي وضع هذه الشركات، في أزمة كبيرة، خاصة أنها تحتاج لكميات من الغاز في عملية إنتاج الزيت الخام، وخلال 3 أشهر تقريبًا تعطل إنتاج الزيت في كثير من الحقول المصرية. وكانت تبعات هذه الاتفاقية وخيمة على الاقتصاد المصري
واستمر تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني حتى ثورة 25 يناير وظهور حالة الانفلات الأمني وتعرض خط الغاز الواصل إلى عسقلان للعديد من التفجيرات، ففي عام 2012 اتخذت مصر بقيادة المجلس العسكري قرارًا بوقف تصدير الغاز المصري الصهيوني وعلى خلفية القرار المصري، توقع الخبراء صهاينة زيادة تعريفة الكهرباء في الكيان بحوالي 30%، وأعلنت شركة الكهرباء بعد ذلك زيادة تعريفة الكهرباء أكثر من مرة بنسب تتراوح بين 2% - 9.89% بسبب خسائر الشركة.
وعلى إثر ذلك أعلنت شركة الكهرباء الصهيونية أنها ستقاضي الحكومة المصرية وطلبت تعويضا قدره 4.7 مليار دولار غير أنه تأجيل القضية المرفوعة ضد مصر لأكثر من مرة ولم يتم البت فيها، فقامت الشركة برفع دعوى أخرى لدى التحكيم الدولي والمطالبة بالتعويض، وهو ما أسفر عن الحكم بتعويض قدره 1.8 مليار دولار.
علاقات اقتصادية
وعلى غرار مصر والأردن فإن دولاً عربية تربطها علاقات اقتصادية بالكيان الصهيوني من تحت الستار فمدير معهد التصدير الصهيوني دافيد أرتسي أكد أن البضائع الصهيونية موجودة في كل الدول الإسلامية والعربية، مشيراً إلى أن شركات صهيونية تبيع بضائع صهيونية في دول خليجية مختلفة بواسطة طرف ثالث.
وحسب أرتسي فإن الحكومة الصهيونية تصدر التقنية المتطورة والصناعات الزراعية والمحاصيل الزراعية (خضراوات وفواكه وحمضيات) التي تغزو الأسواق العربية، بالمقابل تستورد تل ابيب من العرب الغاز والنفط ومشتقاته كسلع رئيسية.
وفي المغرب وإندونيسيا يجري شراء البضائع الصهيونية مباشرة -حسب أرتسي-لكنهم يزيلون عبارة "صنع في إسرائيل"، أما في مصر فيشترون من الصهاينة أنفسهم.
ووفق اتفاق تجاري وقع بين الأردن و تل ابيب فان 60% من الصادرات الصهيونية الى الأردن معفاة من الضرائب ، و ستنخفض تدريجياً , مقابل 10% التي كانت بالسابق ، وبلغت الصادرات الأردنية الصهيونية بلغت عام 2003 17 مليون دولار .
وأصدرت دائرة الجمارك الأردنية في عام 2010 جملة من الإعفاءات والتخفيضات الجمركية على السلع ذات المنشأ الصهيوني وجاء ذلك في بلاغ عممته دائرة الجمارك الأردنية، انه بموجب البروتوكول الملحق باتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن و تل ابيب الذي دخل مرحلته السادسة بتاريخ 1/1/2010، فقد تم إعفاء وتخفيض جمارك دفعة جديدة من أصناف مواد ذات المنشأ الصهيوني.وبناء على القرار أرفقت دائرة الجمارك أصناف مواد يشملها القرار وصلت إلى 2500 سلعة مدرجة ومعفاة من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى.
إيران و الكيان الصهيوني.. تعاون خفي
إنّ دعم تل ابيب لإيران أثناء حرب الخليج الأولى قصة مشهورة ومتواترة ومعروفة على مر تاريخ العلاقات بين البلدين، فقد قدّرت مبيعات تل ابيب العسكرية لإيران ما قدر حينها بـ 500 مليون دولار أمريكي في الفترة من عام 1981 إلى 1983 وفق ما ذكره معهد جيف للدراسات الاستراتيجية.
ودفعت إيران هذا المبلغ معظم من خلال النفط الإيراني المقدم إلى الكيان الصهيوني، ووفقًا لـ "أحمد حيدي" تاجر الأسلحة الإيراني الذي يعمل لصالح نظام الخميني وقتها، فإنّ 80% من أسلحة إيران التي استخدمت في الحرب العراقية الإيرانية تم شرائها من الكيان الصهيوني.
وفي تقرير لها ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية مؤخراً، ان تقريراً داخلياً لوزارة الدفاع الصهيونية، بيّن أن الكيان الصهيوني حافظ على علاقات “صناعية-عسكرية” مع إيران تمّ بموجبها تزويد إيران بـ 58000 قناع للغازات السامة من شركة “شانون للصناعات الكيماوية” بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بالإضافة إلى كاشفات للغازات من قبل شركة “إيلبت” تستعمل لغرض الكشف عن عوامل الأسلحة الكيماوية.
فمنذ 47 عاماً وقعت حكومة تل ابيب على اتفاقية شراكة مع حكومة إيران لإنشاء أنبوب نفط يمرر النفط الإيراني للكيان الصهيوني ويتخطاها لدول أخرى. لكن العلاقات قطعت بعد الثورة الإيرانية مما أبقى الحكومة الصهيونية مدينة لإيران بمبالغ طائلة لشركة النفط الإيرانية حسب المحلل السياسي الصهيوني.
وقد اتجهت تل ابيب إلى التطبيع الاقتصادي كبديل عن اتفاقيات السلام بعد فشل التطبيع الثقافي بين الكيان الصهيوني والشعوب العربية وذلك لان اتفاقيات السلام توقع مع القادة لا مع الشعوب، مما دفعها لاستغلال الدكتاتوريات العربية في تمرير تجارتها للشعوب العربية على اعتبارها سوق استهلاكي كبير يستوعب تجارتها الكبيرة وبأقل تكاليف النقل والتوزيع.
كما أن التطبيع الاقتصادي وهو من أكثر المسائل أهمية في أي اتفاق للصلح تم بين الكيان الصهيوني وغيره من الدول المجاورة، التي تنظر إلى خيرات الدول المجاورة خاصة والعالم العربي عامة إلى موارده الاقتصادية الضخمة لاستغلالها، وتتطلع إلى السوق الاستهلاكي العربي الواسع لمنتجاته.