• - الموافق2024/04/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خيارات أمريكا الصعبة بعراق ما بعد الانتخابات

خيارات أمريكا الصعبة بعراق ما بعد الانتخابات

 توماس ريكس ـ مركز الأمن الأمريكي الجديد
 

 مجلة البيان: حملت انتخابات 7 مارس ـ وما تلاها من مشاورات لتشكيل الحكومة العراقية ـ تداعيات جسيمة على مستقبل العراق، كما مثلت تحديات لسياسة الولايات المتحدة في ذلك البلد؛ حيث من غير المحتمل أن تؤدي الانتخابات إلى حلول للصراع السياسي الذي يغذي العنف الطائفي في البلاد، كما من غير المتوقع أن تكون القوات العراقية قادرة على الوقوف بمفردها أمام حوادث العنف، لذا ربما يجد أوباما نفسه في مواجهة قرارات حاسمة جديدة بشأن مستوى القوات والدور الأمريكي في عراق ما بعد الانتخابات.
فيجب على الإدارة الأمريكية أن تجلس مع صناع السياسة العراقيين لإيجاد حل يمنع العراق من التفكك، ويجب على إدارة أوباما أن تعطي إشارات للقادة العراقيين بأن الولايات المتحدة ترحب بإعادة التفاوض حول اتفاقية "حالة القوات" وأن أمريكا ستوضح للرأي العام الآثار الكارثية للتسرع في الانسحاب طبقًا لما هو محدد له مع الاستعداد لتأجيل الموعد النهائي لسحب كافة القوات المقاتلة والذي كان مقررًا له سبتمبر 2010. لذا ربما يجد أوباما نفسه مضطرًا إلى التفكير في أن يخرق وعدًا آخر من وعود حملته الرئاسية فيما يتعلق ببقاء القوات في العراق واستمرار وجود عشرات الآلاف من جنوده لعدة سنوات أخرى، ربما إلى نهاية فترة رئاسته على الأقل، فيبدو أن هذا الخيار هو الأفضل بالنسبة له وبالنسبة للقادة العراقيين على حد سواء.
فبينما ينتقل التركيز الأمريكي حاليًا إلى أفغانستان، فإن إدارة أوباما ربما تجد نفسها في غضون أشهر قليلة تواجه قرارات حاسمة بشأن مستوى القوات ومدى تدخل الحكومة الأمريكية في السياسات والشئون الأمنية العراقية. ومن المتوقع أن يكون هذا العام حاسمًا في الحرب على العراق، مثلما كان عام 2003 بعدما واجهت أمريكا تمردًا موسعًا، وفي عام 2006 عندما تحول ذلك التمرد إلى حرب أهلية صغيرة ولكن مدمرة، ووصلت السياسة الأمريكية حينها إلى طريق مسدود.
لذا يبدو أن عام 2010 سيكون حاسمًا فيما يتعلق بالعراق في أعقاب الاحتلال، وخاصة فيما يتعلق بالدور الأمريكي هناك، فقد أكد العديد من المعلقين أن الوضع حاليًا ليس مستقرًا، سواء أدت زيادة القوات إلى نتائج إيجابية أم لا؛ فقد أدت إلى تحسين الأمن ولكن لم يتضح حتى الآن إذا ما كان ذلك قد حقق الهدف الأكبر وهو التوصل إلى إنجاز سياسي في العملية الديموقراطية في بغداد أم لا. فيمكننا أن نحكم على نجاح العملية السياسية في العراق في الأشهر القادمة في حال تشكل حكومة جديدة ومستقرة في العراق. ولكن المؤشرات الأولية ليست جيدة، فالأوضاع السياسية ليست مستقرة، فيتوقع جاري أندرسون الجنرال الأمريكي المتقاعد والذي عاد لتوه من العراق أن تحدث حرب أهلية أو انقلاب عسكري بحلول سبتمبر القادم، في حين يرى آخرون مثل الكاتب نير روسين أن العراق وضع قدمه على أول طريق الاستقرار السياسي، فكلاهما يعرفان العراق جيدًا، وكلاهما أمضى سنوات في العمل مع العراقيين هناك، لذا لا تزال هناك تضاربات في وجهات النظر بين السياسيين بشأن الوضع في العراق منذ أواخر عام 2005.
فقد شهدت الفترة التي جاءت فيها زيادة القوات الأمريكية بثلاثين ألف جندي اختلافات جذرية في الوضع العراقي، فقد تم استخدام تلك القوات بصورة مغايرة، فبدلاً من وجود قواعد أمركية ضخمة انتقل الأمريكان إلى العمل مع الوحدات العراقية وعاشوا بين السكان، كما شهدت تلك الفترة تغيرًا في الاتجاهات العسكرية الأمريكية، وبات القادة العسكريون أكثر تواضعًا وأكثر رغبة في الاستماع إلى العراقيين، كما انخفض سقف طموحات الولايات المتحدة بصورة كبيرة، فالرؤى الأولية لإدارة بوش في أن تتحول العراق إلى منارة للديموقراطية لتغيير الشرق الأوسط وتجفيف منابع الإرهاب تبخرت كلها في الهواء، وجاء بدلاً منها آمال أكثر واقعية بأن تستطيع أمريكا إخراج قواتها من العراق وترك البلاد في حالة من الاستقرار، وإذا حالف الأمريكيون الحظ، يمكن أن يتركوا وراءهم عراقًا ديموقراطيًا يحترم حقوق الإنسان.
وكجزء من ذلك التحول قام الجنرال بيترايوس بعمل برنامج الصحوات وقام بتخصيص رواتب لبعض رجال العشائر السنية من خلال مجموعة من اتفاقات وقف إطلاق النار ودفعت الولايات المتحدة من خلالها 30 مليون دولار شهريًا، وقد تابعت عملية زيادة القوات عن كثب، وقمت بإجراء مئات الحوارات مع كبار المسئولين المتعلقين بتلك الزيادة، وأدرجتها في كتابي "المقامرة". وإذا نظرت إلى تلك الفترة أجد أن زيادة القوات كان قرارًا صائبًا، فقد تجاهل الرئيس بوش آراء قياداته في بداية الحرب واستمع إلى آراء حفنة من المنشقين العراقيين في المنفى، ولكن بعد الزيادة تحسن الأمن والأوضاع عامة في العراق.
وقد كان الهدف الأساسي من الزيادة هو إحداث نقلة سياسية في العراق، ولكن ذلك لم يحدث بصورة كاملة، فلا تزال هناك العديد من الأسئلة التي دهمت العراق قبل الزيادة بلا أجابة حتى الآن: كيف سيتم توزيع عائدات النفط وكيف سيتم تقاسمها بين المجموعات الكبيرة في العراق؟ ما هي العلاقة التي يمكن أن تكون أساسية بين الشيعة والسنة والكرد؟ هل سيكون للعراق حكومة مركزية قوية أم كونفدرالية هشة؟ ما هو دور إيران (التي تزال هي الرابح الأكبر من تلك الحرب حتى الآن) في مستقبل العراق؟.


توصيات لعراق ما بعد الانتخابات:
1. إعادة التفاوض بشأن اتفاقية "حالة القوات"، ولكن يجب أن يتخذ الساسة العراقيون الخطوة العلنية الأولى، وإرسال إشارات مبكرة بأن حكومة الولايات المتحدة لا تزال ترحب بتلك الحوارات.
2. بعدما يتم إعلان ذلك على الملأ، يجب التوضيح للشعب الأمريكي بأن واحدة من أهم الأخطاء الأساسية التي اقترفتها إدارة بوش هي الإبقاء على مواعيد نهائية محددة.
3.  يجب أن يتم الاستعداد لتأجيل الموعد النهائي، وهو سبتمبر 2010، لسحب كاقة القوات "المقاتلة".
4.  والأهم من ذلك هو البدء في عمل تخطيط عسكري فورًا للنظر في احتمال بقاء 35 ألف جندي أمريكي على الأقل لعدة سنوات قادمة، إلى ما بعد الموعد النهائي الذي كان مقررًا فيه مسبقًا سحب القوات.


وفي النهاية هناك ميزات أخلاقية وإنسانية وسياسية للوجود العسكري الأمريكي مع قوات الجيش والشرطة العراقية، فذلك من شأنه تحسين سلوك القوات العراقية، والتحذير من تكرار انتهاكات فترة صدام حسين باستخدام القوة من أجل الغايات الشخصية. فالمستشارون الأمريكيون لا يقدمون استشارات فقط إلى القادة العراقيين، ولكن أيضًا يراقبونهم ويعلمونهم، فعلى سبيل المثال كتبت في كتاب "المقامرة" عن رئيس شرطة تركماني شيعي استخدم علاقته مع جنرال عراقي لاستدعاء ضربة جوية على قرية سنية، كجزء من عمله للتطهير العرقي، وبعد إبلاغ الجانب الأمريكي وتم استدعاء الطيران لم تر المقاتلات الحربية الأمريكية أية تحركات عدائية أو تهديدات من تلك القرية، ورفضت أن تقصفها، فجعل القوات الأمريكية أداة لتصفية الصراعات الداخلية ربما يكون أسوأ من الانسحاب من العراق.
وطالما كنت من أشد المنتقدين للغزو الأمريكي للعراق، إلا أنني لست سعيدًا بأن أقدم توصيات باستمرار الوجود العسكري الأمريكي هناك، وقد ألفت كتابًا أسميته "الإخفاق" بشأن غزو العراق، واعتبرته أكبر خطأ في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، لذا أعتقد أن الشعب الأمريكي لم يستوعب حتى الآن حجم الخطأ في أن نغزو دولة بضربات استباقية بناء على معلومات خاطئة، وإغراق الولايات المتحدة في أحداث ربما تستغرق عقودًا للخروج منها، بمزيد من الدماء والعرق والدموع من أبناء الولايات المتحدة والدول الاخرى. وكما أخبرني السفير ريان كروكر مرتين في العراق، فالأحداث التي سنتذكر حرب العراق بها لم تحدث بعد حتى الآن.
ولكن تداعيات تجدد الحرب الأهلية في العراق سوف يكون لها آثارها الهائلة إقليميًا وعالميًا، بنفقات هائلة على المصالح الأمريكية، فقد دفعت الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا في العراق حتى الآن، كما دفع المدنيون العراقيون ثمنًا أكبر، وبقاء قوة أمريكية صغيرة نسبيًا، وهو ما يتم اقتراحه في تلك الدراسة ـ يصل إلى ربع عدد القوات التي كانت في العراق في السنوات الستة الأخيرة ـ يمكن أن يكون أقل كلفة بكثير، كما أن النتائج المحتملة سوف تكون إيجابية وهامة لكافة المعنيين.
وقد صرح أحد كبار خبراء مكافحة الإرهاب وهو ديفيد كيلكولين بأنه إذا كنا غزونا بلدًا ما بغباء فإن ذلك لا يعني أننا يجب أن تركها سريعًا بغباء أيضًا، فبسبب الأخطاء التي اقترفناها في العراق فللشعب العراقي علينا حقًا في أن نبقي على بعض قواتنا هناك للحفاظ على الأمن، والولايات المتحدة لن تفعل ذلك لأن هناك ميزات لذلك ـ وتلك الميزات إن وجدت فهي قليلة وغير مؤكدة ـ ولكن بسبب التداعيات الكارثية المحتملة التي ستترتب على الانسحاب السريع من العراق.
فمن ضمن الأسباب الهامة لاستمرار الوجود الأمريكي هو أن الحرب الأهلية في العراق تبدو حتمية، وببقائنا فإن كل ما نفعله هو أننا فقط نؤجلها، فتداعيات تجدد الحرب الأهلية في العراق سوف تنتقل أصداؤها إلى المنطقة وإلى العالم، وقد دفعت الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا حتى الآن في غزو العراق.

أعلى