• - الموافق2025/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تركيا تبحث عن توازن مرن بين علاقتها مع الغرب وأمنها القومي

تجد تركيا نفسها، مع اقتراب نهاية عام 2025، أمام معادلة أمنية وسياسية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مع ملفات دفاعية عالقة منذ سنوات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

البيان/متابعات: تجد تركيا نفسها، مع اقتراب نهاية عام 2025، أمام معادلة أمنية وسياسية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مع ملفات دفاعية عالقة منذ سنوات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. من جهة، يتصاعد التوتر في البحر الأسود بشكل يهدد مباشرة المصالح التركية، سواء عبر استهداف سفن تجارية مملوكة لجهات تركية، أو اختراقات متكررة للمجال الجوي، أو سقوط طائرات مسيّرة مجهولة الهوية داخل الأراضي التركية، فيما تبذل أنقرة جهودًا لتفادي الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، وفي الوقت ذاته فتح نافذة تفاهم مع الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تسوية تاريخية لملف «أس400» ورفع العقوبات واستعادة الشراكة الدفاعية مع الغرب.

أعلنت تركيا رسميا اتخاذ تدابير أحادية لحماية منشآتها الاستراتيجية في البحر الأسود، في رسالة واضحة مفادها أن أمنها القومي لا يقبل المساومة، لا سيما بعد استهداف عدد من السفن التركية واختراق طائرات مسيرة المجال الجوي. وأكد وزير الدفاع يشار غولر أن أنقرة لن تستشير أحدًا في حماية منشآتها الحيوية السطحية وتحت المائية، مشيرًا إلى أن سفن الحفر التركية تمثل أصولًا استراتيجية بالغة الحساسية. وأوضح أن الطائرات المسيرة والمركبات البحرية غير المأهولة تستخدم بكثافة من قبل طرفي الحرب الروسية-الأوكرانية، ما خلق بيئة أمنية خطرة تهدد السفن العسكرية والتجارية والطائرات المدنية، وأن القوات المسلحة التركية نفذت إجراءات دفاعية لمواجهة أي مسيّرات خارج السيطرة أو تهديدات تحت سطح البحر.

في 15 كانون الأول/ديسمبر، أسقطت مقاتلات تركية طائرة مسيّرة مجهولة فوق البحر الأسود بعد متابعة دقيقة بالرغم من صعوبة الرصد بسبب الظروف الجوية، وتم تدميرها بالكامل بعيدًا عن المناطق السكنية، بينما أعلنت وزارة الداخلية عن تحطم مسيّرة أخرى في منطقة ريفية شمال غرب البلاد، يُعتقد أنها روسية الصنع من طراز «أورالان-10». هذه الحوادث تُقرأ كمؤشرات على تصعيد خطير قد يحول البحر الأسود إلى ساحة مواجهة مفتوحة، وهو ما حذر منه الرئيس رجب طيب أردوغان داعيًا إلى تجنب الانزلاق نحو صدام عسكري شامل.

لم يقتصر التصعيد على المجال الجوي، بل طال السفن التجارية التركية، فقد تعرضت سفينة لأضرار جراء غارة جوية روسية قرب ميناء أوديسا بعد لقاء أردوغان وبوتين في تركمانستان، كما لحقت أضرار بثلاث سفن شحن تركية إثر هجمات روسية على موانئ أوكرانية، بينما شنت أوكرانيا هجمات بمسيّرات على ناقلات نفط مرتبطة بروسيا بعضها في المياه الإقليمية التركية. هذه التطورات دفعت أنقرة لاستدعاء مبعوثين من موسكو وكييف للتعبير عن قلقها من تهديد الملاحة والحياة البحرية والسلامة البيئية، خصوصًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا.

على الصعيد الدبلوماسي، تستبعد المراقبون قطيعة تركية مع روسيا أو أوكرانيا، مستندين إلى أن العلاقات التركية-الروسية مرت بأزمات أعقد، مثل إسقاط طائرة روسية عام 2015، وتمكنت الدولتان من تجاوزها واستعادة التعاون السياسي والاقتصادي. وتلعب تركيا دور الوسيط، بعد استضافة ثلاث جولات تفاوضية بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، لم تسفر سوى عن تبادل الأسرى، وتؤكد أنقرة التمسك بخيار السلام الدائم كضمان لأمن البحر الأسود.

بالتوازي مع التوتر في البحر الأسود، يعود ملف «أس400» إلى الواجهة، حيث تدرس أنقرة التخلي عن المنظومة الروسية أو بيعها لدولة أخرى بموافقة موسكو، بهدف تمهيد الطريق أمام العودة إلى برنامج مقاتلات «أف35» الذي أُقصيت منه عام 2019 بسبب الصفقة. ويعكس موقف موسكو براغماتية باردة، معتبرة أن المنظومة حققت أهدافها السياسية والاستراتيجية، بينما يؤكد الجانب الأمريكي أن العودة إلى «أف35» ممكنة لكن بشروط قانونية تمنع حيازة «أس400» بالتوازي، في حين تشير مصادر دبلوماسية إلى أن العلاقة الشخصية بين أردوغان وترامب أسهمت في أجواء تفاوضية غير مسبوقة منذ نحو عشر سنوات.

تركيا أنفقت نحو 2.5 مليار دولار على صفقة «أس400» بين 2017 و2019، وتسلمت الدفعة الأولى فقط، وتقدر بتكلفة 1.25 مليار دولار، ما يجعل إعادة المنظومة قرارًا يمكن تحمله ماليًا مقارنة بحجم التبادل التجاري مع روسيا في قطاع الطاقة. داخليًا، يحمل التخلي عن المنظومة أبعادًا سياسية حساسة، إذ قد يُنظر إليه كتراجع في سياسة أردوغان الخارجية، خصوصًا بعد استثمار إعلامي طويل في الصفقة بوصفها رمزًا للاستقلالية الاستراتيجية، مع العلم أن المنظومة لم تُستخدم عمليًا وكان هدفها حماية منشآت سيادية محددة، أبرزها القصر الرئاسي.

في المحصلة، تقف تركيا عند مفترق طرق استراتيجي بين محاولة هندسة تسوية متوازنة تُنهي عقدة «أس400» وتفتح صفحة جديدة مع واشنطن دون فقدان روسيا، أو مواجهة اختبار صعب قد يعيد رسم سياساتها الدفاعية وتحالفاتها الإقليمية. تعكس هذه المعادلة اعتماد أنقرة على سياسة التوازن المرن، بهدف إدارة بيئة البحر الأسود المليئة بالمخاطر، وضغوط الغرب، دون الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة تهدد موقعها الإقليمي والدولي.

 

أعلى