البيان/وكالات: تواجه الهند تحديات استراتيجية متزايدة في ضوء التغيرات التي طرأت على استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، خصوصًا في عهد إدارة ترامب الثانية. فقد أظهرت النسخة الأخيرة من الاستراتيجية الأمريكية تحولًا ملحوظًا من التركيز على الالتزام العالمي وتحالفات طويلة الأمد إلى اعتماد سياسة أكثر نفعية وانعزالية، تركز على إعادة بناء الصناعة المحلية واستخدام التجارة كسلاح اقتصادي، مع تقليص الدور الأمريكي في آسيا وتركز الاهتمام على نصف الكرة الغربي. هذا التحول ألقى بظلال من القلق على الهند، التي اعتادت لعقود على الدعم الأمريكي كجزء من شبكة التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكان دورها في هذه الاستراتيجية محورياً لمواجهة صعود الصين.
لقد مثّلت الهند على مدى ثلاثة عقود ونصف شريكًا استراتيجيًا طويل الأمد للولايات المتحدة، حيث شكلت التكتلات الرباعية، واتفاقيات التعاون النووي المدني، والدعم العسكري والاستخباراتي جزءًا من رهان أمريكي طويل الأمد على قدرتها كقوة موازنة للصين. غير أن الاستراتيجية الأخيرة أعادت تقييم هذا الدعم، بحيث لم تعد التحالفات مجرد أدوات للضغط على الخصوم، بل استثمارات تخضع لتقييم مستمر للعوائد، ما يضع الهند أمام مسؤولية أكبر في حماية مصالحها الاستراتيجية دون الاعتماد على أمريكا كما كان الحال سابقًا.
هذا التغير يعكس تحوّلًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه آسيا والهند، إذ تخلت واشنطن عن الإيثار الاستراتيجي الذي اتبعته لعقود، وأعادت ترتيب أولوياتها وفق مصالح اقتصادية وتجارية مباشرة، متخذة مواقف أقل دعمًا للهند في النزاعات الإقليمية، مثل الضغط على باكستان بعد أي هجوم، والتركيز على العلاقة مع باكستان بدلًا من الهند. وقد أظهرت الأحداث الاقتصادية والسياسية لعام 2025 أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بشكل كامل بدعم الهند في مواجهة الصين، ما جعل صناع القرار الهنود يعيدون النظر في سياسة الاعتماد على قوة خارجية لتحقيق توازن إقليمي.
نتيجة لهذه التحولات، تتجه الهند إلى سياسة استقلالية أكثر، تعتمد على تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، وبناء شبكة شراكات أوسع تشمل أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا. وتُظهر الاجتماعات الأخيرة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي مع قادة الصين وروسيا وحضوره قمة منظمة شنغهاي للتعاون أن الهند بدأت تتبنى نهجًا متعدد الأقطاب، يسعى إلى تقليل الاعتماد على دعم أمريكي لم يعد مضمونًا. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار التعاون الدفاعي والتجاري مع روسيا، على الرغم من الرسوم الجمركية الأمريكية، يعكس رغبة الهند في تنويع شراكاتها والحفاظ على استقلالية استراتيجيتها.
التحدي الرئيسي الذي تواجهه الهند الآن يتمثل في كيفية الاستمرار في بناء قوتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مكانتها كقوة آسيوية وعالمية، في ظل عالم متغير يتسم بعزلة جزئية للولايات المتحدة وتركيزها على مصالحها الداخلية، وتقاطع النفوذ الصيني. وتضع هذه الديناميكية الهند أمام خيار صعب يتمثل في تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية والاعتماد على سياسات خارجية متعددة، بما يضمن قدرتها على حماية مصالحها الإقليمية والدولية دون الاعتماد الكلي على شريك واحد، مهما كانت قوته التاريخية أو الاقتصادية.