النيل قوام الحياة المصرية

فنهر النيل هو عصب الحياة بأرض مصر إذا ما أجيد ضبطه. ولكن يجب أن نشير إلى أنه كثيراً ما كانت المجاعات يعقبها أوبئة أو العكس أيضاً.


على مدى تاريخ مصر الإسلامي ألَـمَّت بها كثير من المجاعات التي كان لها تأثير سلبي على المجتمع بشكل خاص والحياة الاقتصادية بشكل عام، ولا نبالغ إن قلنا الحياة السياسية أيضاً باتخاذ قرارات خاطئة أحياناً. وقد كانت كتابات المؤرخين ومشاهدات الرحالة خيرَ شاهد على هذه المجاعات وآثارها التي كانت تنخر في قوى الدولة. وقد تحددت أهمية نهر النيل بالنسبة للمصريين ومدى ما يمكن أن يحدث إذا ما نقص منسوب فيضان النيل، من ظهور المجاعة بوجهها القبيح على المجتمع المصري بكل طبقاته، وسرعان ما تؤثر فيهم وتظهر عوراتهم، ويظهر مداها إذا ما اصطحبتِ المجاعة وباءً يفتك بالمصريين وينخر في قواهم ويحدُّ من قوَّتهم الاقتصادية، ولذا سنحاول عرض أهم هذه المجاعات التي ضربت مصر الإسلامية من خلال مصاحبة هؤلاء المؤرخين العظام والعيش معهم.

تعد العوامل الجغرافية (الموقع العام، المناخ الجاف، قلة المطر، أخطار الأنهار، نوع التربة) ذاتَ أثر فعَّال في حياتنا؛ وقد جاءت حضارتنا ثمرة تفاعل مستمر بين هذه العناصر، وبين جهودنا في تطوير حياتنا؛ فالقطر المصري لا ينزل المطر فيه إلا قليلاً، ويعدُّ نهر النيل هو قِوام الحياة المصرية لأنه المصدر الوحيد للمياة تقريباً. ولولا زيادة نهر النيل تدريجياً في الصيف حتى يكتمل ري الأراضي لفسد إقليم مصر[1]. وعلى هذا الأساس فإن ضبط نهر النيل يحقق حياة اقتصادية مستقرة؛ أما انخفاض منسوبه فتصاحبه المجاعة، لذا قد تنعكس آثاره على المجتمع بصفة عامة؛ فنهر النيل هو عصب الحياة بأرض مصر إذا ما أجيد ضبطه. ولكن يجب أن نشير إلى أنه كثيراً ما كانت المجاعات يعقبها أوبئة أو العكس أيضاً.

ولولا وجود هذا النهر الذي يشق البلاد طولياً لَـمَا عرف العالم الحضارة المصرية، التي هي في الأصل وليدة البيئة الفيضية للنيل، وقد أورد شيخ المؤرخين المقريزي فصلاً كاملاً في كتابه الخطط المقريزية عن مقاييس وفضائل النيل ومخرجه وزيارته. ولولا زيادة نهر النيل تدريجياً في الصيف حتى يكتمل ري الأراضي لفسد إقليم مصر[2]، وبسبب نقص منسوبه كانت أغلب مجاعات مصر على مدى تاريخها.

لقد أدرك حكام مصر هذه الحقيقة واهتموا بضبط مياه النهر - باعتبارها ثروة قومية - اهتماماً تفاوت بين حاكم وآخر؛ بالإضافة لذلك كانت الطريقة المعتادة للري هي ري الحياض التي كانت سائدة حتى بناء السد العالي، وقد تحولت الأراضي الزراعية للري الدائم مع بناء السد العالي.

أهم المجاعات:

أهمُّ المجاعات التي ألـمَّت بمصر الإسلامية كانت في عصر الولاة عام 87هـ/ 706م، وحصلت أول مجاعة نتيجة نقص منسوب مياه النيل مصحوباً بالغلاء، وتكرر الأمر عام 152هـ/769م، وتوالت المجاعات بعد ذلك على الدول التي حكمت مصر مثل مجاعة عام 278هـ/ 891م في عهد خمارويه بالدولة الطولونية، ومن شدتها كان الناس يشربون من الحفائر لندرة الماء، ورغم أنها المجاعة الوحيد إلا أنها كانت مؤثرة وزاد الغلاء على إثرها[3]. وعندما جاءت الدولة الإخشيدية كانت على موعد مع مجاعة عام 338هـ/ 949م التي تسببت في تشاؤم الناس من حاكم البلاد أبي القاسم، ومنعوه من الصلاة بجامع عمرو بن العاص. وكانت أشد مجاعات الدولة تلك التي حدثت في عام 341هـ/ 952م وقد ارتبـط بأذهان المصريين السنوات السبع العجاف في قصة سيدنا يوسف عليه السلام؛ إذ استمرت حتى عام 349هـ/960م فكان النيل شحيحاً، بالإضافة لكثرة الفئران التي أكلت المحاصيل فزاد الغلاء وكانت المجاعة قاسية. وتجددت الأزمة عام 352هـ/ 963م، 356هـ/ 967م لتكون سلسلةُ المجاعات سبباً في سقوط الدولة الإخشيدية[4] ونهاية حكمهم لتحل محلها الدولة العبيدية.

وتُعَدُّ أشدَّ مجاعات العبيديين هي ما أطلق عليه المؤرخون اسم (الشِّدة المستنصرية) بين عامَي 459 - 469هـ/ 1066 - 1076م، إذ رغم ثراء الدولة إلا أن نقص منسوب النيل قد أثَّر على الاقتصاد بشكل عام واشتد الجوع على الناس، ودامت هذه المجاعة سبع سنوات انتشرت خلالها الأوبئة وعانى الناس من جراء ذلك، ومن شدة المجاعة باع الخليفة المستنصر أثاث قصره وتحفه وملابسه كي يسد رمقه، ومن ثَمَّ كان الوضع أشدَّ قسوة على المجتمع المصري، وتوالت المجاعات بعد ذلك منذ عام 490هـ/ 1096م وما بعدها وكانت أسباب هذه المجاعات مرتبطة بسبب واحد ألا وهو نقص مياه النيل عن الحدِّ المناسب لري الأرض الزراعية[5].

في حين كانت أصعب مجاعة أثَّرت على الدولة الأيوبية في عام 596هـ/ 1199م، وسببها انخفاض النيل واستمرت ثلاث سنوات، ويعدُّ أدق وصف لتلك المجاعة هو ما ذكره الرحالة عبد اللطيف البغدادي الذي تصادف وجوده بمصر آنذاك؛ فأبرز لنا معاناة الشعب المصري بمختلف طبقاته جراء تلك الأزمة التي دفعت الناس لأكل الموتى والجيف[6].

أما أول مجاعة ترصدها المصادر التاريخية في عصر سلاطين المماليك فهي التي حدثت عام 662هـ/ 1225م نتيجة لقصور وفاء النيل عن الحد؛ وكانت النتيجة انتشارَ الغلاء في ديار مصر، واختفاءَ الغلال والخبز من الأسواق، ومن شدته بالناس «أكلوا ورق اللفت، والكرنب» ولكن السلطان الظاهر بيبرس استطاع بحنكته الخروج من الأزمة بأن فرَّق «الفقراء على الأمراء، والأغنياء» لتفادي الأزمة، وفي عام 694هـ/ 1294م كانت المجاعة نتيجة هبوط النيل، وعدم صعوده، واستمرت حتى عام 696هـ/ 1296م فجفَّت البلاد بسبب ذلك، ووقع الغلاء وشح النيل، وكانت آثار تلك المجاعات وخيمة؛ فقد وصل الأمر إلى أكل الناس لحم الجيف والقطط، والكلاب[7] وإن كان الأمر فيه مبالغة إلا أنه يدل على شدة المجاعة، ومدى أثرها على الناس.

وقد قيل عندما قصر النيل في عام 695هـ/ 1295م: مات من الناس نحو الثلث، لدرجة «عجز الناس عن مواراة الأموات في القبور لكثرتهم»؛ وقد كان ذلك بسبب ما صاحب تلك المجاعة من وباء الطاعون... بالإضافة لذلك كانت هذه المجاعة أحد أسباب نهاية حكم سلطنة العادل كتبغا رغم محاولاته جمع الفقراء وإطعامهم، وكان ذلك في وقت نهب الخبز من الأسواق لإشباع جوعهم، إذ نقمت الناس على حكمه، وقالت بكعبه المشؤوم ووجهه المحظور توالت علينا الشرور[8]. وبصرف النظر عن مبالغات بعض المؤرخين في الأرقام من حيث عددُ الموتى، أو حتى سير الأحداث مثل وصف شكل المجاعات، وما آل إليه الناس، فهو وصف يشير إلى شدة تلك المجاعات ويؤكدها، بالإضافة لحال الدولة التي غالباً ما تقف عاجزة أمام تلك الظروف المفاجئة لا سيما بعض حالات المساعدة من الحكام، للحدِّ من تلك المجاعات وآثرها.

وفي عام 709هـ/ 1309م كانت الديار المصرية على موعد مع واحدة من أهم المجاعات؛ إذ توقف النيل عن الوفاء، ثم هبط فضج الناس بسبب ذلك، وجفت الأراضي ووقع الغلاء. بينما أشار المقريزي إلى غلاءٍ صاحَبَته مجاعة وقع عام 736هـ/ 1335م لدرجة أن الخبز يكاد لا يوجد بالأسواق، وتزاحم الناس على حوانيت الخبز؛ بالإضافة لغلاء أسعار الحبوب، إلا أن مرض الطاعون انتشر، واستمر أربعة أشهر[9]؛ فكما وجدت مجاعة مرتبطة بالنيل ويصحبها غلاء، وجد غلاء ووباء ليس له علاقة بمنسوب النيل، وإن كان ذلك قليلاً.

وفي عام 749هـ/ 1348م تزامن انخفاض النيل مع وباء الطاعون، وهو ما عُرِف باسم الفناء الكبير، بينما عرفه الغرب الأوروبي باسم الموت الأسود (Black Death)، بالإضافة للفناء يقع الغلاء لعدم وفاء النيل، وقضى هذا الوباء على كثير من المجتمع المصري بمختلف طبقاته حتى الأعيان لم ينجوا منه، ومن شدة هذا الوباء قيل كان يخرج من القاهرة حوالي عشرين ألف جنازة يومياً وكانت النتيجـة زيادة الغلاء بسبب موت الفلاحين، وقد تعطل أكثر الصناع، بل عمل بعضهم في أشغال الموتى لدرجة أنه «نودي بالقاهرة من كان له صنعة فلْيَرجع»، واستمر الأمر كذلك حتى تناقص الوباء عام 750هـ/ 1349م، ومنذ ذلك الوباء وحتى عام 783هـ/ 1381م تعرضت مصر لعدة مجاعات متفرقة كانت أشدها حسب وصف ابن إياس مجاعة عام 776هـ/ 1374م وصحبها غلاء في الأسعار، وعزَّت الأقوات[10]، ورغم المبالغة الواضحة إلا أن هذا دليل على شدة الوباء الذي تعقبه مجاعة وما يصاحبها من نتائج.

أما مصر العثمانية فلم تنأَ عن شبح المجاعات نتيجة ضعف منسوب النيل وصحبتها موجات الغلاء بيد التجار، بل خطف العجين والخبز من الأسواق كما حدث في أعوام 1010هـ/ 1601م - 1053هـ/ 1642م، 1107هـ/ 1695م إذ كان الفقراء يصيحون: الجوع الجوع بديوان القلعة وعندما لم يستجب لهم أحد من السلطة نهبوا محاصيل الغلال بالرملية وابتدأ الغلاء[11]. وفي عام 1197هـ/ 1783م ضربت مصرَ مجاعةٌ لقصر منسوب النيل وعزَّت الغلال واشتد جوع الفقراء، ولولا وصول الغلال من الشام لهلك أهل مصر على حدِّ قول الجبرتي، وتكرر الأمر في عام 1236هـ/ 1820م[12].

وهذه ليست كل المجاعات التي تعرضت لها البلاد، ولكن كانت أشهرها، وهي نماذج فقط نوضح من خلالها بعض المظاهر التي كانت تصيب المجتمع المصري خلال تلك المجاعات.

النتائج والآثار المترتبة:

في حقيقة الأمر إن وصف المؤرخين المعاصرين للمجاعات والأوبئة بشكلها القاتم يجعلنا نتخيل وضع الناس بعد تلك الأزمات، وما يجري عليهم من نتائج، وآثار سيئة قد تؤدي بهم إلى براثن الفقر، وفي ضوء كل هذا كانت المجاعات والأوبئة تحدث بسبب الفيضان وما يتبع ذلك من إهمال الزراعة، لإهمال العناية بالترع والجسور، ومن ثَمَّ يظهر شبح المجاعة وما يصاحبه من موتى فتنتشر الأمراض، وقد يأتي الوباء ليقضي على أعداد كبيرة من السكان بحيث لا تجد الأرضُ من يزرعها؛ ومن ثَمَّ تنتشر المجاعة من جديد. بالإضافة إلى ذلك نلاحظ أحياناً ارتباط الوباء بالمجاعة أو العكس وغالباً ما تصحبها موجات من الغلاء، وارتفاع الأسعار.

نلاحظ أيضاً أن قيام السلطة الحاكمة بمعالجة الأزمة والتخفيف من حدَّتها كان ضعيفاً ولكن مع ذلك هنالك من الحكام من قام بمساعدة المتضررين وتوزيع الخبز عليهم.

أولاً: الآثار الاجتماعية

استطاعت المجاعات والأوبئة أن توقف النمو السكاني أحياناً، بالإضافة إلى تخلخل البناء الاجتماعي بشكل حاد نتيجة لهبوط المستوى الاقتصادي لكثير من الشرائح الاجتماعية؛ فقد اضطر بعض المنكوبين إلى بيع أبنائهم أثناء هذه الأزمات كما حدث في عام 807هـ/ 1404م إذ كانت أعداد الذين لا يملكون تتزايد عقب كل هذه الأزمات وتتزايد أعداد المعدمين، في حين تضيق دائرة الأثرياء الذين تقل درجة ثرائهم كما حدث في عام 829هـ/ 1425م، بالإضافة إلى توافد أبناء الريف إلى العاصمة لكي ينضموا إلى جمهور المعدمين، والشحاذين ويصبحوا عبئاً على الدولة ويتسببوا في خراب قراهم، وهذا ما جعل ابن الصيرفي يعلق على حوادث عام 875هـ/ 1470م بقوله: «أما الناس فصاروا ثلاثة أثلاث: الغني افتقر، والمكتسب ما يفي بنفقته، والفقير فبعد أن كان يسأل في الرغيف صار يطلب لقمة أو لبابة»[13]، ويمكن أن نطبق هذه الأمثلة على أغلب المجاعات.

ثانياً: الآثار الاقتصادية

أما الريف الذي يعد عصباً لاقتصاد أي دولة زراعية، فقد أصاب الريف المصري من المجاعات والأوبئة، ما أدى لتناقص عدد الفلاحين، وما تبع ذلك من تدهور للزراعة ومن ثَمَّ ارتفاع الأسعار لتأخر الزرع، مثل مجاعة متقطعة ألـمَّت بالبلاد ما بين عامي 796 - 808هـ/1393 - 1405م صحبها الوباء في كثير من مراحلها حتى حل عام 808هـ/1405م ليجد توالي المجاعات والأوبئة قد خرب البلاد[14].

وبسبب تعدد المجاعات والأوبئة لجأ بعض السلاطين لاستقطاع جزء من خراج أرباب الإقطاعات للحاجة الماسة للأموال في تلك الآونة مثلما حدث في رجب 907هـ/ يناير 1502م عندما تكبد أرباب الإقطاعات في كلٍّ من الشرقية والغربية خسائر فادحة، لمحاولة السلطان الغوري الاستيلاء على خراج سنة كاملة من إقطاعاتهم فضاق المقطعون والفلاحون لذلك وتركوا قراهم وزرعهم؛ فخربت بعض البلاد، وبالإضافة لذلك كثر جمهور الشحاذين لدرجة أن بعض الناس ادَّعى الحاجة والفقر حتى ينالوا حظهم من الصدقات التي توزع أحياناً زمن المجاعات، فمن لم يجد له مأوى أو مصدراً للرزق كانت الشوارع والجوامع مسكناً لهم[15]؛ فقد كانت آثار تلك الأزمات سلبية على جميع قِطاعات الدولة، والأصعب من ذلك تلازم المجاعات والأوبئة وكثيراً ما يمتد تأثيرها؛ وهو ما يؤدي لانهيار قطاع الزراعة، ومن ثّمَّ الصناعة التي يصاحبها كساد تجاري.

ودلالة هذه المجاعات على الزراعة تقلص عدد القرى من عشرة آلاف قرية في عهد الولاة إلى 2395 قرية عام 345هـ/ 956م، بينما في عام 715هـ/ 1315م قدِّرت الأراضي بأربعة ملايين فدان، وبعد عام 806هـ/ 1403م قدِّرت باثنين ونصف مليون فدان[16]؛ بما يدل على خراب العديد من القرى والأراضي الصالحة للزراعة بسبب نقص النيل وما يصاحبه من مجاعة وهجرة الفلاحين لأراضيهم.

ثالثاً: الآثار السياسية

كان على النخبة السياسة وصناع القرار في الدولة ورجال السلطة الحاكمة أن تجد بديلاً لسد العجز الذي لحق بخزينة الدولة جراء الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن كثرة المجاعات والأوبئة، ولكن كانت هذه القرارات عاملاً قوياً لزيادة ضعف الدولة؛ مثل كثرة المصادرات والتسعير الإجباري وغيرها من الإجراءات السياسية غير المنضبطة

وكان من فساد النظام الإداري ما يسمى بالتسعير الإجباري؛ فرغم أن التسعير الجبري يضعف السوق التجاري؛ بمعنى أن المنافسة الحرة شرط من شروط قيام السوق بالمعنى الحقيقي؛ لأن التنافس المستمر لأصحاب الصنف الواحد، والحرفة الواحدة يؤدي إلى خفض الأسعار، وتثبيتها؛ فلقد كان تسعير الغلال إحدى الوسائل التي تلجأ إليها الحكومة إبان أوقات المجاعات، ولكن النتيجة غالباً ما تكون عكس المرجوِّ من هذا الإجراء؛ إذ تتفاقم الأمور، ويختفي الخبز، وتشتد بالناس المجاعة؛ فتضطر الحكومة ثانياً لإبطال التسعير كما حدث في عهد الظاهر بيبرس، والناصر محمد بن قلاوون[17].

عموماً كانت الأسباب والنتائج متشابكة، ومركَّبة بشكل لا يمكن فصل بعضها عن بعض وأدت بالنهاية لانهيار اقتصاد الدولة؛ فمثلاً بسبب المجاعات والأوبئة كثر امتداد أيدي رجال الدولة إلى أموال المجتمع المصري بكل طبقاته بما أثر بالسلب في حياتهم؛ ففي الوقت الذي ينهش فيه المرض أجسادهم نجد السلطة رغم محاولات مساعدتها للناس؛ إلا أنه بعد انتهاء الوباء تمتد أيديها لأموال المجتمع؛ فيهرب أهل الريف من أراضيهم أو حدود الأراضي التي يعملون بها فتبور الأراضي لعدم وجود مَن يزرعها ومن ثَمَّ تقع البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة تكثر على إثرها المصادرات والاحتكارات... وهكذا.

بذلك يمكن أن نخرج بنتيجة هامة جداً، وهي: الأهمية البالغة لنهر النيل عند المجتمع المصري بشكل عام. ذلك أن القطر المصري منذ فجر التاريخ يعتمد على الزراعة، وينعكس ذلك على مورد مصر الاقتصادي المتوقف على الزراعة؛ بمعنى أن نقص منسوب مياه نهر النيل يعني شبح المجاعة التي يمكن أن يعقبها الوباء. أما استقرار منسوب نهر النيل عند الحدِّ المناسب يعني رخاءً ونموّاً اقتصادياً، ومن ثَم ينعكس كل ذلك على أوجه الحياة في مصر.

إن الحديث عن المجاعات في تاريخ مصر يطول فهي كثيرة ومتشابكة، وقد حاولت أن أعرض سريعاً لأهم المجاعات المؤثرة التي ألَـمَّت بمصر خلال تاريخها الإسلامي.


 


[1] المقريزي، الخطط، (القاهرة، 1996م)، جـ1، ص101. ابن الوزان، وصف إفريقيا، (القاهرة، 2005م)، ص 568. انظر: عبد العزيز كامل، المجتمع المصري، (الأنجلو المصرية، 1960م)، ص311، 312.

[2] لمزيد من التفاصيل انظر: المقريزي، مصدر سابق، جـ1، ص80 - 110.

[3] المقريزي، إغاثة الأمة، (القاهرة، 2002م)، ص11. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، (دار الكتب، القاهرة، 2006م)، جـ1، ص291، جـ3، ص77، 78. ابن إياس، بدائع الزهور، (دار الكتب، القاهرة، 2008م)، جـ1ق1، ص135، 170.

[4] المقريزي، إغاثة الأمة، ص11 - 14. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1 ق1، ص177، 178، 183، 184.

[5] المقريزي، مصدر سابق، ص18- 29. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ5، ص16.

[6] البغدادي، رحلة، (القاهرة، 1998م)، ص132. المقريزي، مصدر سابق، 29 - 31. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ6، ص159، 170، 173، 174، 180.

[7] المقريزي، السلوك، (دار الكتب، القاهرة، 2009م)، جـ1 ق2، ص506-208، جـ1 ق3، ص809، 810، 829. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ7، ص213، 214، جـ8، ص71. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1 ق1، ص387، 390، 391.

[8] المقريزي، السلوك، جـ1 ق3، ص808 - 818. إغاثة الأمة، ص33 - 37. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ8، ص79. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1 ق1، ص387 - 389.

[9] المقريزي، السلوك، جـ2 ق1، ص55. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ8، ص282. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1 ق1، ص424.

[10] المقريزي، مصدر سابق، جـ2 ق3، ص770، 773، 774، 778 - 791. ابن تغري بردي، مصدر سابق، جـ10، ص233، 234. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1 ق1، ص523، 527، 528، 530 - 532، 592، جـ1 ق2، ص6، 84، 138، 143، 281، 286. انظر: قاسم عبده قاسم، دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي، ص149، 150.

[11] الجبرتي، عجائب الآثار، (دار الكتب، القاهرة، 1997م)، جـ1، ص48 - 50. عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، فصول من تاريخ مصر، (الهيئة، القاهرة، 1990م)، ص307 - 311.

[12] الجبرتي، مصدر سابق، جـ2، ص107 - 121، جـ4، ص496.

[13] ابن الصيرفي، أنباء الهصر، (الهيئة، القاهرة، 2002م)، ص188. ابن إياس، مصدر سابق، جـ1ق2، ص724، جـ2، ص104. انظر: قاسم، مرجع سابق، ص171 - 173.

[14] الشربيني، هز القحوف، (القاهرة، 1274هـ)، ص 126. المقريزي، إغاثة الأمة، ص41 - 43. ابن إياس مصدر سابق، جـ1ق2، ص470.

[15] ابن إياس، مصدر سابق، جـ4، ص24، 48، 49، جـ5، ص22، 31. قاسم، مرجع سابق، ص172.

[16] محمد حمدي المناوي، نهر النيل، (القاهرة، 1966م)، ص171. عثمان محمد عطا، الأزمات الاقتصادية، (القاهرة، 2002م)، ص216، 217.

[17] ابن عبد الظاهر، الروض الزاهر، (السعودية، 1976م)، ص188. قاسم عبده قاسم، النيل، (القاهرة، 1978م)، ص74، 75.

 


أعلى