• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحركات الباطنية ودورها في خدمة المصالح الاستعمارية

رغم إيجاد الجماعة القاديانية موطئ قدم في فسطين المحتلة إلا أنها عاشت في شبه عزلة تامة هناك، فلم تنتشر أفكارها بين العرب المسلمين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1367هـ (1948م


شهد العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الثالثَ عشرَ (التاسع عشر الميلادي) تغلغلاً غير مسبوق لعدد من الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العظمى، ووقفت الدول الإسلامية الكبرى وقتها عاجزة عن صده، كالدولة العثمانية مترامية الأطراف في البلقان والمشرق العربي وشمال إفريقيا، أو الدولة القاجارية في بلاد فارس (إيران)، أو دولة المغول في شبه القارة الهندية، وفي وسط هذا التغلغل بدأت تطفو على السطح بشكل واضح للعيان على الساحة الإسلامية عددٌ من الجماعات والطوائف الدينية، التي تدَّعي انتماءها للإسلام زوراً وبهتاناً، كالجماعة (القاديانية) في شبه القارة الهندية، والجماعة (البهائية) في بلاد فارس (يران).

والمتتبع للسـياق التاريخي لكلتـي الجماعتين سـوف يلاحظ - رغـم اختـلاف الحيِّـز الجغــرافي لقيامهما - أنهما تشتركان في أنهما تروجان لفكرٍ ضالٍّ فيه من الهرطقة والكذب والافتراء ما لم يكن مسبوقاً على الساحة الإسلامية وقتها، وما يفضح ادعاءاتهما ويجردهما من هالتيهما أنهما نشأتا وترعرعتا بدعمٍ ومساندةٍ من المستعمر البريطاني، بهدف إحداث حالة اختراق داخل الساحة الإسلامية تمهيداً لضربها من الداخل، وتعبيد الطريق للمستعمر لكي يتمكن من الاستيلاء على العالم الإسلامي.

ومن هذا المنطلق ارتأينا أن نسلط الضوء على هاتين الجماعتين، ونتتبع سياق نشأتيهما بكل موضوعية، وفضح ادعاءاتهما، في ظل استغلالهما للدعوات الغربية في المطالبة بالحريات وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي، حيث عادت كل من البهائية والقاديانية فأطلت علينا برأسها من جديد، بلبوس بريئة بامتياز كالمساواة في الحقوق بين البشر دون تمييز، وإزالة الهوَّة السحيقة بين الفقراء والأغنياء وغيرها، لاستهداف عوام المسلمين في عصر العولمة والسوشيال ميديا (فيسبوك - توتير - أنستاغرام - يوتيوب).

وعند الحديث عن الجماعة أو الطائفة القاديانية (الأحمدية) علينا أن نمرَّ على تاريخ الإسلام في شبه القارة الهندية. إذ ترسخ الوجود الإسلامي واشتد عُوده هناك على يد السلطان محمود الغزنوي في القرن الخامس (أوائل القرن الحادي عشر الميلادي)، ومن بعدها استقر الإسلام في الهند إلى ما يقارب ثمانية قرون، ونَعِم الناس بالأمن والسلام والعدل، وازدهرت الحضارة الإسلامية بشكل ملفت في عهد جلال الدين أكبر ما بين عامي 949 - 1014هـ (1556 - 1605م)، وهو الذي بلغت الهند في عهده أوج قوَّتها السياسية والعسكرية وازدهارها الاقتصادي، ففتح الهند من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها وما تزال آثارها الباقية في الهند تخطف الأبصار وتبهر العقول والألباب.

لكن سرعان ما دبَّ الضعف في دولة مغول الهند شيئاً فشيئاً حتى تمكن المستعمر البريطاني من إيجاد موطئ قدم له في شبه القارة الهند، فتغلغل فيها حتى بسط نفوذه على شبه القارة الهندية منذ نهاية القرن الرابع عشر (بدايات القرن التاسع عشر الميلادي)، وشيئاً فشيئاً بدأ المسلمون في الهند يفقدون ما كانوا يتمتعون به من سلطان ونفوذ، وإمساك بمقاليد الأمور حتى سقوط دولتهم في عام 1273هـ (1857م).

ومنذ ذلك الحين تمادى المستعمر البريطاني في طغيانه، فعمد إلى تغيير الطابع الإسلامي لشبه القارة الهندية، وإلى محاربة التعليم الإسلامي والاستيلاء على الأوقاف الإسلامية، وأذكى نار العداوة والبغضاء بين المسلمين والطوائف الهندية الأخرى كالهندوس والسيخ.

وفي ظل سعي المستعمر البريطاني لتغيب الإسلام في شبه القارة الهند بشكل كامل، وجد ضالته بمؤسس الجماعة القاديانية (مرزا غلام أحمد القادياني)، الذي ولد في قرية (قاديان) في إقليم البنجاب في الهند عام 1255هـ (1839م)، وقد اشتهرت أسرته بخدمة المستعمر البريطاني، وعلى رأسهم والده (الميرزا غلام مرتضى) الذي أمد البريطانيين بــ 50 فرساً اشتراها من ماله الخاص، لمشاركة البريطانيين في قمع الثورة الهندية عام 1273هـ (1857م).

بدأت الإرهاصات الأولى لقيام الجماعة القاديانية عندما ادَّعى (مرزا غلام أحمد القادياني) أنه تلقَّى وحياً إلهياً، فزعم أولاً أنه مصلح ومجدد للدين ليس إلا، ولما وجد إقبالاً من ضعاف النفوس من المسلمين والملل الأخرى، زعم أنه مثيل للمسيح ومشابه له، ثم ادَّعى أنه المسيح الموعود، ولَـمَّا راجت أفكاره وكثر أتباعه، أعلن أنه النبي المحدّث أو النبي الناقص، ثم صرح بأنه نبي مستقل بالوحي، وبشريعة مستقلة.

لم يكتفِ (مرزا غلام أحمد القادياني) بادعاءته الباطلة، بل تمادى فأصدر الفتاوى وألَّف عدداً من الكتب والمنشورات في إلغاء فريضة الجهاد، وتحريم قتال المستعمر البريطاني، ويذكر (ميرزا غلام أحمد القادياني) في مذكراته، قائلاً: «وقد ألَّفت في منع الجهاد الذي لم يكن إلا في مصلحة بريطانيا، وبوجوب طاعة هذه الحكومة طاعة صادقة»، ولكي يحققوا ذلك تلاعب بنصوص القرآن والسنة التي تشير إلى فرضية الجهاد، وعمد إلى تغيير حقائق السيرة النبوية، وأحداث التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلق بالغزوات والفتوحات الإسلامية، وفي مقابل هذه الخدمات السخية ساعد البريطانيون (مرزا غلام أحمد القادياني) في نشر فتاويه وكتبه في شبه القارة الهندية والبلاد الإسلامية التي كانت تقع ضمن النفوذ البريطاني وقتها كمصر والشام وكابل.

أما عن نهاية (ميرزا غلام أحمد القادياني) فقد وقعت عام 1325هـ (1907م) مناظرة حامية الوطيس بينه وبين العالم الهندي المشهور (ثناء الله الأمر تسري) الذي تمكن من أفحامه وفضح ادعاءاته، فما كان من (ميرزا غلام أحمد القادياني) في ثورة غضبه إلا أن قال: إن الكاذب المفتري منهما سيموت، ودعا الله تعالى بأن يكون الموت في حياة صاحبه، وأن يسلط عليه داءً مثل الكوليرا أو الطاعون به يكون موته، وفعلاً في شهر مايو عام 1326هـ (1908م) أُصيب (ميرزا غلام أحمد القادياني) بداء الكوليرا وبه كان حتفه، ودفن في قاديان مسقط رأسه، أما مولانا (ثناء الله تسري) فقد توفي بعد 40 سنة من وفاة وهلاك ميرزا غلام أحمد القادياني.

وبعد وفاة مؤسس الجماعة (ميرزا غلام أحمد القادياني) فقدت الجماعة بعضاً من بريقها، إذ انشقت عن الجماعة القاديانية في عهد خليفته ونجله (مرزا بشير الدين محمود)، الحركة الأحمدية في لاهور بزعامة (ميرزا غلام أحمد) التي تمثل اليوم جزءاً صغيراً من الأحمديين ولا تؤمن هذه الفرقة بنبوة (ميرزا غلام أحمد القادياني) بل تعدُّه مجدِّداً والمهديَّ والمسيحَ الموعود.

وإلى جانب كلِّ ذلك ارتبطت الجماعة القاديانية بعلاقات طيبة ووثيقة مع اليهود في فلسطين المحتلة، إذ وصل بعض أتباع الجماعة إلى فلسطين لأول مرة عن طريق ميناء حيفا، على رأسهم نجل مؤسس الطائفة الأحمدية وخليفته (ميرزا بشير الدين محمود) عام 1342هـ (1924م)، ورافقه كذلك (القادياني جلال الدين شمس) الذي أسس أيضاً مركزاً للجماعة في قرية (الكبابير) على قمة جبل الكرمل قرب حيفا، ثم بنوا أول معبد للجماعة هناك عام 1352هـ (1934م) برعاية حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، وتمت إعادة بناء ذلك المعبد مرة أخرى برعاية سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1399هـ (1979م)، ويعرَف هذا المعبد اليوم بمسمى (مسجد سيدنا محمود)، وكذلك أسسوا مجلة البشرى، التي ما تزال تصدر في فلسطين المحتلة إلى وقتنا الحاضر.

رغم إيجاد الجماعة القاديانية موطئ قدم في فسطين المحتلة إلا أنها عاشت في شبه عزلة تامة هناك، فلم تنتشر أفكارها بين العرب المسلمين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1367هـ (1948م)؛ بدليل أن أتباع الجماعة من خارج قرية (الكبابير) لا يتجاوزون العشرات، وتضم قرية الكبابير اليوم قرابة 3000 نسمة معظم سكانها من أتباع الجماعة القاديانية.

أمام عن رأي علماء المسلمين بالجماعة القاديانية؛ فيرى أغلب فقهاء السنة أو الشيعة على حدٍّ سواء أن أفكار الجماعة القاديانية عبارة عن هرطقة وكذب وافتراء، وأنهم خارجون عن تعاليم الإسلام، ويرون كذلك أنها جماعة نشأت في شبه القارة الهندية وترعرعت في أحضان المستعمر البريطاني، بهدف إبعاد المسلمين عن الجهاد حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام.

وبناءً على ذلك تعرَّض أتباع الجماعة القاديانية للتضييق في معظم الدول الإسلامية والعربية تقريباً، فوَفْقَ تقارير دولية لحقوق الأقليات عن أحوال الأقليات الدينية، تعدُّ الجماعة القاديانية غير معترَف بها في مصر، وليس لهم الحق في بناء دُور عبادة خاصة بهم.

 كذلك لا تعترف المملكة العربية السعودية بالجماعة القاديانية مسلمين، وهو ما يترتب عليه عدم السماح لهم بممارسة شعائر الحج أو العمرة، إذ أصدر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى عام 1394هـ (1974م) بتكفير الطائفة وأتباعها وأنها خارجة عن عموم المسلمين قائلاً بأنها «حركة تخريبية ضد الإسلام والعالم الإسلامي، وأنها تدعي زوراً وخداعاً أنها طائفة إسلامية، وتختفي بستار الإسلام، ومن أجل مصالح دنيوية تسعى وتخطط لتدمير أسس الإسلام، وأنها تقف مع الاستعمار والصهيونية».

كذلك أصدرت دولة باكستان قراراً عام 1370هـ (1970م) يمنع إطلاق صفة (مسلم) على أفراد الجماعة القاديانية وتصنيفها على أنها (أقلية غير مسلمة)، وفي عام 1431هـ (2010م) تعرَّض مسجدان تابعان لجماعة القاديانية في باكستان لهجوم مسلح، قُتل به 94 شخصاً وجُرح أكثر من 120 غيرهم، ومن جانب آخر حكمت المحكمة الهندية العليا في (ولاية كيرالا) بأن القاديانية من المسلمين في ديسمبر من عام 1390هـ (1970م)، إضافة إلى ذلك تنشط الجماعة في كثير من الدول الأوروبية التي وفَّرت لها البيئة الخصبة لنشر أفكارها من خلال تأسيس مراكز تبشيرية ومؤسسات وجامعات خاصة بهم.

أما عند الحديث عن البهائية التي ولدت من رحم الجماعة (البابية)، فسنجد أن البيئة الفارسية بطبيعتها ألقت بظروفها على نشأتها؛ إذ تتصف بلاد فارس (إيران) منذ قديم الزمان بكثرة المذاهب الدينية والفرق الباطنية التي ظهرت قبل مجيء الإسلام وبعده، ويميلون لتقديس الأشخاص وتأليههم والإيمان بالخزعبلات الدينية.

وعلى هذا الأساس شهدت السنوات الأولى من القرن الرابع عشر، تحديداً في عهد الدولة القاجارية 1199 - 1343هـ (1785 - 1925م)، ظهور عالمين دينيين هما (الشيخ أحمد الإحسائي) وتلميذه (السيد كاظم الرشتي)، اللذان قاما بنشر أفكارهما ومفاهيمها البعيدة كل البعد عن عقيدة الشيعة الجعفرية (الإثنا عشرية) حول عودة الشخص الموعود آخر الزمان، فاجتذبت أفكارهما جموعاً غفيرة من ضعاف النفوس، وأشاعت جوّاً من الترقب.

وفي خضم هذا الترقُّب ظهر في 23 مايو عام (1844م) شخص يُدْعى (علي محمد الشيرازي) الذي عُرف في التاريخ بـ (الباب)، فأعلن أنه الشخص الموعود الذي ينتظره الشيخيون، وسرعان ما شهدت المدة الواقعة بين عامي 1261 - 1863هـ (1845 - 1847م) تزايد أعداد المؤمنين بمزاعم هذا الرجل وسموا أنفسهم بـ (البابيين)، ثم بدأ (علي محمد الشيرازي) بإرسال الاتباع والمريدين لنشر خبر ظهوره في ربوع العالم الإسلامي.

أثارت سرعة انتشار (البابيين) مخاوف السلطات الدينية والحاكمة في بلاد فارس (إيران)، وبتحريض من رجال الدين تعرض أتباعها للقتل والأذى والتعذيب، وفي السنوات الست الأولى من ظهور (البابيين) قُتل أكثر من 20 ألفاً من أتباع الباب في بلاد فارس (إيران)، وأمام عدم تساهل السلطات الحاكمة في بلاد فارس مع (البابيين) تدخلت روسيا القيصرية وبريطانيا بقوة من أجل إنقاذ الباب والبابيين من بطش السلطات الحاكمة في بلاد فارس أكثر من مرة، وهو ما أدى إلى تقوية العلاقة بين (البابيين) وروسيا القيصرية وبريطانيا، وبعد إعدام الباب رمياً بالرصاص في يوليو عام 1266هـ (1850م)، توسطت روسيا (القيصرية) لدى السلطات الفارسية لإطلاق سراح البابيين وحمايتهم حتى وصولهم إلى منفاهم في العراق.

بعد إعدام (الباب) استمرت السلطات الحاكمة في بلاد فارس (إيران) بملاحقة البابيين وقياداتهم، ومن ضمنهم حسين المازندراني (بهاء الله) وأخوه يحيى اللذان كانا من زعماء البابية، فقد تم سجنهما ومن ثَمَّ نفيهما إلى العراق، فعملا في منفاهما في العراق على لم شمل البابيين وإدارة شؤونهم، ولكن سرعان ما دبَّ الخلاف بينهم، فتبعت جماعة من البابيين حسين المازندراني (بهاء الله) وتبعَت أخرى أخاه يحيى، ورفض فريق ثالث من الجماعة أن ينصاع لأحد الرجلين، وبدأ النزاع بين هذه الفرق الثلاث.

ومن جانب آخر رأت السلطات الحاكمة في بلاد فارس (إيران) أن البابيين ما زالوا يمثلون خطراً داهماً على دولتهم فطلبوا من الحكومة العثمانية إخراجهم من العراق، وأثناء جمْع البابيين لنفيهم إلى إسطنبول في حديقة نجيب باشا والي بغداد، استغل حسين المازندراني (بهاء الله) الأمر، وأعلن أنه الموعود الذي جاء البابُ ليبشِّر به، وأنه بهاء الله، وأنَّ الغاية مِن ظهور الباب هي إعداد الناس لقدوم بهاء الله فآمن به عدد كبير من البابيين، وما أن وصل هؤلاء إلى إسطنبول حتى تم نفيهم إلى أدرنة، وفيها اشتد الصراع بين الأخوين، فعُرِف أتباع يحيى بـ (الأزليين) إذ صار يحيى يُلقَّب بـ (صبح الأزل)، وعُرف أتباع حسين المازندراني بـ (البهائيين) إذ أطلق على نفسه لقب (بهاء الله).

وحاول حسين المازندراني (بهاء الله) قتل أخيه بدَسِّ السم له، وهو ما حدا بالحكومة العثمانية إلى نفي يَحيى إلى قبرص، وأصدر السلطان العثماني عبد العزيز فرماناً بنفي حسين المازندراني (بهاء الله) وأتباعه إلى عكا بعد أن عرضت الحكومة البريطانية وروسيا (القيصرية) حماية حسين المازندراني (بهاء الله)، وما أن وصل حسين المازندراني (بهاء الله) وأتباعه إلى عكا في 21 أغسطس عام 1284هـ (1868م) حتى دبَّروا مؤامرة للقضاء على أتباع يحيى (صبح الأزل)، فأبادهم ليلًا بالحراب والسواطير، وهو ما دفع الحكومة العثمانية على اعتقال البهائيين في أحد المعسكرات في عكا.

ومن السجن في عكا بدأ حسين المازندراني (بهاء الله) بدعوى أنه وصي الباب، ثم زعم أنه المسيح، ثم ادَّعى لنفسه النبوة، ثم زاد في تبجحه وادَّعى أنه إله السماوات والأرض زاعماً أن الحقيقة الإلهية لم تنل كمالها الأعظم إلا بتجسُّدها فيه، ثم أخذ ينسخ ويأخذ من البابية ما يوافق هواه.

ولم يكتفِ حسين المازندراني (بهاء الله) بادعاءاته تلك؛ بل أرسل من سجنه في عكا عدداً من البرقيات والرسائل إلى ملوك وقادة الأرض يبشرهم بأنه المسيح الموعود، فلم يستجب ملوك العالم وقادته إلى ادِّعاءاته، ولكن ملكة بريطانيا فكتوريا 1253 - 1318هـ (1837م - 1901م) ردَّت على برقيته بقولها: «إذا كانت هذه الدعوة من لدى الحق تبارك وتعالى فإنَّها ستبقى من تلقاء نفسها، وإنْ لم تكن فإنَّها لا تؤذي».

وقد استمر حسين المازندراني (بهاء الله) في نشر مزاعمه حتى وافته المنيَّة في مايو 1309هـ (1892م)، فتولى نجله (عباس أفندي) - وهو أكبر أولاده الملقب (عبد البهاء) - زعامة البهائيين، وانتقل عباس أفندي (عبد البهاء) إلى حيفا بعد إطلاق سراحه عام 1326هـ (1908م) إبَّان ثورة تركيا الفتاة على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وبدأ بنشر الدين البهائي في أرجاء العالم ومن ثَمَّ أخذ يتزلف إلى كل الطوائف والفِرَق والديانات في الأرض، فحضر الصلوات في المساجد والكنائس، وأعلن أن عيسى عليه السلام هو ابن الله (تعالى الله علواً كبيراً)، وأعلن إيمانه بألوهية المسيح وصلبه.

وبعد سقوط حيفا في سبتمبر عام 1336هـ (1918م) بيد البريطانيين شعر البهائيون بالابتهاج والسرور، وسارع عدد من كبار قادة الجيش البريطاني إلى زيارة عباس أفندي (عبد البهاء)، ومنحه الإنجليزي (وسام الفرسان البريطانيين) تقديراً لجهوده التي بذلها في مساعدة البريطانيين في الاستيلاء على فلسطين، وعلى دوره في إسقاط الخلافة العثمانية حسب اعترف الداعية البهائي (أسلمنت).

عنـد وفاة عباس أفندي (عبد البهاء) فـي الثامـن والعشريـن من نوفمبـر عام 1339هـ (1921م) أبرقـت حكومـة بريطانيـا عـن طريـق وزيـر المستعمـرات تشرشـل إلـى حاكـم فلسطيـن هربـرت صموئيـل، أن يبلِّـغ الأسرة البهـائية والبهائييـن تعـازيَّ الحكومـة البريطانية، كما أن (الجنرال اللنبي) حاكم مصر وقائد قوات الاحتلال البريطاني أرسل برقيته عبَّـر فيهـا عـن شديـد أسفـه وألمـه لهـذا المصـاب الأليـم، وفقدان عبد البهاء العظيم.

رغم وصية بهاء الله في كتابٍ عهدي ألَّا ينقسم البهائيون بعد وفاته، إلا أن البهائيين انقسموا على أنفسهم، وكان الانقسام أُسريّاً بين الأشقاء، فقد انضم فريق منهم إلى عباس أفندي (عبد البهاء)، ويعرَفون اليوم بـ (البهائيون العباسيون) وهم الغالبية العظمى من البهائيين في الوقت الحالي، وهم الذين يعتقدون بكون عباس أفندي (عبد البهاء) هو المفسر الوحيد لتعاليم (بهاء الله). بعد وفاة عباس أفندي (عبد البهاء)، تولى زعامة الجماعة حفيده شوقي أفندي رباني إلا أنه عند وفاته عام 1376هـ (1957م) لم يترك وصية بمن يخلفه من بعده، لذلك أسس البهائيون (بيت العدل) برعاية دولة الاحتلال الإسرائيلي لإدارة شؤون الجماعة في مدينة حيفا عام 1382هـ (1963م).

في حين انضم فريق آخر إلى محمد علي أفندي ويُعرَفون بـ (البهائيون الموحدون)، وهم الآن (قليلون جداً)، ويراهم شوقي أفندي رباني (حفيد عبد البهاء) خارجين عن تعاليم البهائية، فضيَّق عليهم حتى منعهم من زيارة الأماكن المقدسة البهائية في عكا وحيفا.

أما المجموعة الثالثة فهم الذين لم يقبلوا بأن تكون ولاية أمر الدين البهائي لـ (بيت العدل الأعظم)، ويعيش أفراد هذه الجماعة في ولاية نيو مكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1428هـ (2007م) تم تقدير عددهم حينها بـ 40 فرداً.

ويرى الأزهر أنَّ البهائية (فرقة مرتدة عن الإسلام)، فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فتوى تعلن «أن الإسلام لا يقرُّ أي ديانة أخرى غير ما أمرنا القرآن باحترامه»، أما بالنسبة للشيعة، فإنهم يرفضون إعلان الباب عن نفسه كالمهدي المنتظر، ويرفضون البهائية جملة وتفصيلاً، وأما على صعيد الدولي فقد اعترفت الأمم المتحدة بـ (الجامعة البهائية العالمية) منظمةً عالميةً غير حكومية عام 1367هـ (1948م)، تضمُّ الجامعة في عضويتها البهائيين المنتشرين في بلدان كثيرة.

اليوم يجد الباحثون صعوبة في تحديد عدد البهائيين في الدول العربية والإسلامية، وتقدَّر أعدادهم بالآلاف بسبب عدم تسجيل ديانتهم في الأوراق الثبوتية، ولكن لا يزيد أتباع البهائية في العالم كله على ما يقارب الـ 7 ملايين ينتشرون في آسيا، وفي الهند لا يتجاوز عددهم مليون شخص، وفي الولايات المتحدة الأمريكية (يقدَّر عددهم بمليونين)، وفي إفريقيا يتركزون في أوغندا وكينيا وزامبيا وجنوب إفريقيا وفي جزء من السودان والشمال الإفريقي.

 

 


أعلى