• - الموافق2025/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أمريكا تتغير

فوز زهران «ممداني» بعمدة نيويورك يمثل تحوّلًا سياسيًّا واجتماعيًّا جذريًّا، حيث أكّد صعود الأقليات والمسلمين، وفتح الباب أمام تحدّي اللوبي الصهيوني، في مواجهة سياسات ترامب وانقسامات الحزبين، مع إعلان نيويورك مدينة للمهاجرين والمساواة.


اكتساح «ممداني» في انتخابات عمدة نيويورك نقطة تحوُّل في الصراع الفكري والسياسي والعِرْقي والاجتماعي والديني في أمريكا

«جيل تجربة أوباما» يتقدَّم في الحزب الديمقراطي... والجمهوري يتجدَّد على أُسُس عنصرية ودينية

كيف أدَّت سياسات «ترامب» لظهور ونجاح «ممداني»؟ وما دلالات فوز 32 مسلمًا في انتخابات المحليات؟

هل انتهت سطوة اللوبي الصهيوني على النُّخَب والسياسة الخارجية الأمريكية؟

قام «ترامب» بتحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية، وكذا على صعيد السياسات الخارجية، خلال فترة رئاسته الأولى للولايات المتحدة.

وبدأ فترة رئاسته الثانية بسياسات صادمة؛ منها: طرد المهاجرين بالقوة، وفَصْل أعداد كبيرة تعسفيًّا من الموظفين الفيدراليين، ونَشْر الحرس الوطني في شوارع ولايات تُصوِّت تقليديًّا للديمقراطيين، رغم رفض حُكّام تلك الولايات، وأطلق يد عناصر أمنية مُلثَّمة في القبض على بعض المواطنين.

وأصبح الأمريكيون يستيقظون كل صباح على تأثُّر حركة البورصات صعودًا وهبوطًا، وانخفاضات وارتفاعات غير مخطَّطة من المؤسسات الاقتصادية؛ بسبب تغريدات «ترامب» الفردية. كما وجدت الشركات الكبرى نفسها في دوّامة بسبب القرارات الفجائية التي أصابت خططها بالارتباك، وربما الفوضى.

وإذ كان العنوان هو «فرض رسوم جمركية لتحسين ميزانية البلاد»؛ فقد أدَّت تلك السياسات إلى ارتفاع أسعار السلع على المواطنين، فزادت مستويات الفقر والتضخم، حتى بلغ طالبو الطعام المجاني نحو 40 مليون مواطن أمريكي خلال فترة الإغلاق الحكومي.

في وسط هذه الأجواء، جاء فوز زهران «ممداني» بمثابة ردّ فِعْل رافض لتلك السياسات في قلعة الاقتصاد ومدينة المهاجرين.

ففي مواجهة تلك السياسات والتغييرات التي أحدثها «ترامب»؛ تركّز برنامج «ممداني» الانتخابي حول الحريات وحقوق المهاجرين والأقليات، ومواجهة تدهور الأحوال المعيشية وحالة الاضطراب في الأسواق. كما تطرَّق لمواقف مناقضة لسياسة «ترامب» تجاه القضية الفلسطينية... إلخ.

وإذا كان يمكن القول بأن وصول «ترامب» للرئاسة في أمريكا، قد أصبح عنوانًا لتغييرات وأحداث كبرى في الحياة السياسية الداخلية والسياسة الخارجية، فكذلك يمكن القول في المقابل: بأن اكتساح «ممداني» لانتخابات عمدة نيويورك، هو عنوان -حاليّ ومستقبليّ- لصراع كبير يتنامى في المجتمع الأمريكي الذي بات يتدحرج نحو نقطة قد يجد نفسه خلالها أمام خيارات غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي.

لقد ظهر «ترامب» خلال ترشُّحه للولاية الأولى (2016- 2020م) كمرشح من خارج نُخْبَة واشنطن التي تكلَّست أفكارها وسياساتها في مواجهة تراجُع الولايات المتحدة دوليًّا. وقد ترشّح وفاز في ولايته الثانية (2024- 2028م) كـ«مُخلِّص» لأمريكا من التراجُع والانحدار، حتى إنّ هناك مَن خلع عليه صفاتًا دينية.

لكنَّ سياسات «ترامب» الخارجية والداخلية، لم تُحرِّك المياه الراكدة فقط، بل أحدثت اضطرابًا في كل ما هو مستقر في الحياة الأمريكية. فعلى صعيد المفاهيم السائدة، أحدثت انقسامًا حادًّا في الحياة السياسية، وفي داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبين مكونات المجتمع، إلى درجة أن ظهرت أصوات مؤثرة في أوساط الحزب الجمهوري تتحدَّث عن إعادة صياغة مفهوم وطني مختلف، وهوية دينية للدولة الأمريكية -المفترض أنها دولة علمانية-، كما أدَّت تلك السياسات إلى استنفار الأقليات والمهاجرين الأحدث -إذ أمريكا هي دولة مهاجرين-؛ للحفاظ على النموذج الذي استقر في أمريكا، وتبلور فكريًّا خلال حكم أوباما وبايدن بشأن الأقليات والمهاجرين.

كما حدث استنفار مجتمعي كبير للدفاع عن الديمقراطية وتداول السلطة.

وبينما كانت أمريكا منغمسة ولاهثة في متابعة قلقة ومتوترة، لقرارات وتصرفات «ترامب» وللتحولات الجارية في الحزب الجمهوري؛ فُوجِئَتْ باكتساح «زهران ممداني» للانتخابات المحلية ليصبح عمدة مدينة، تُوصَف بعاصمة المال في أمريكا، وبقلعة الصهاينة ومركز المؤسسات المالية والاستثمارية والأعلى سكانًا بين المدن الأمريكية (8.5 مليون نسمة -نحو 15% منهم يهود).

وقد فاز «ممداني» وهو يعلن أنه مسلم، في حقبةٍ يقع فيها المسلمون تحت ملاحقة «الإسلام فوبيا» التي أشعلها «ترامب»، وفي مدينة هي ذاتها التي شهدت حادث قصف برجَي التجارة العالمية.

فاز «ممداني» بمنصب عمدة مدينة يُمثِّل اقتصادها سُدس الاقتصاد الأمريكي، وتبلغ ميزانيتها 116 مليار دولار. واكتسح الانتخابات رغم أنه سجَّل خروجًا على «تابو» السياسة الأمريكية؛ إذ لا يصل السياسي لأيّ موقع بالانتخاب إلا عبر الولاء لـ«إسرائيل»، وبتمويل من اللوبي الصهيوني. وقد فاز «ممداني» وهو الذي أعلن أنه سيُلقي القبض على «نتنياهو» إذا وطئت أقدامه نيويورك؛ لتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.

كما قام «ممداني» بإدانة الإبادة الجماعية في غزة، وأعلن رفضه اعتبار «إسرائيل» دولة لليهود، مشيرًا إلى أن الدولة ينبغي ألَّا تُفرِّق بين الناس بسبب العِرْق أو الدين.

وتتمثل قمة الفاجعة لـ«إسرائيل» واللوبي الصهيوني، في أن فوز «ممداني» تم بأصوات اليهود الذين وُضِعُوا الآن في مواجهة اللوبي الصهيوني.

فاز «ممداني» وهو يُعلن أنه اشتراكي، فيما البلاد تعيش على وقع حملة أقرب إلى المكارثية ضد هذا النمط من الفكر؛ إذ قام «ترامب» بحظر حركة «أنتيفا» اليسارية.

وكما كان يقال دومًا: إن «ترامب» وصل للرئاسة كرد فِعْل على وصول أوباما -المنحدر من أصول إفريقية- للرئاسة، فإن ظهور «ممداني» واكتساحه الانتخابات وبأصوات اليهود، هو حدث لا يقل عن صدمة نجاح «ترامب». وما زاد الصدمة أن «ممداني» فاز وهو في مواجهة حادة مع «ترامب».

ولذا جرى وصف فوز «ممداني» بالزلزال السياسي والاجتماعي في أمريكا و«إسرائيل».

لقد أُصيبت «إسرائيل» واللوبي الصهيوني بالفزع. وعبَّر وزير الدفاع «الإسرائيلي» السابق «أفيغدور ليبرمان» عن تلك الصدمة بالقول: «لقد سقطت التفاحة. «ممداني» عنصري وشعبوي داعم لحماس ومهاجم لـ«إسرائيل». «ممداني» جهادي شيوعي مسلم». كما عبَّر عنها عضو الكونجرس اليهودي «راند فاين» بالقول: «سقطت نيويورك، وأمريكا في الطريق؛ إن لم نُوقِف هذا المدّ».

دلالات المعركة الانتخابية سياسيًّا واجتماعيًّا

«ممداني» هو ابن أحد المهاجرين. وقد وُلِدَ في أوغندا، ووصل لأمريكا وهو في عمر السابعة، ولم يحصل على الجنسية الأمريكية إلا في عام 2018م.

خاض معركتين انتخابيتين، وليس معركة واحدة؛ الأولى في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي لنيل ترشيح الحزب، وفاز فيها بنحو 43% من الأصوات. والثانية هي معركة الانتخابات ضد «أندرو كومو»، الذي كان حاكمًا لنيويورك لعدة دورات سابقًا، وهو ديمقراطي خاض الانتخابات كمستقل، وكان الداعم الأهم له هو الرئيس الجمهوري «ترامب»! وقد فاز عليه «ممداني»؛ إذ حصل على أكثر من 50% من أصوات الناخبين.

ورغم ترشيح الحزب الديمقراطي لـ«ممداني»، إلا أن المؤسسة الحزبية لم تُسانده، ولم يدعمه القادة المخضرمون في الحزب، وكان الداعم الأبرز له هو عضو الكونجرس اليساري المستقل -المحسوب تصويتيًّا على الحزب الديمقراطي-، بيرنى ساندر، وشباب الحزب الديمقراطي أو الجيل الجديد. ومن بعد أعلن «باراك حسين أوباما» عن دعمه له.

قدَّم «ممداني» نفسه للناخبين، وفق برنامجه الانتخابي، على أنه اشتراكي يسعى لخفض تكاليف المعيشة، ودعم مجانية النقل العام. وأعلن اعتزامه إنشاء متاجر بقالة مملوكة للبلدية للسيطرة على أسعار السلع، وعن تجميد رفع إيجارات المساكن لفترة زمنية، كما أعلن اعتزامه رفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا للساعة بحلول عام 2030م، وعن فرض ضرائب على مَن يزيد دَخْله السنوي على مليون دولار؛ لتمويل وتنفيذ مشروعات المدينة. ورفع شعار «نيويورك للجميع، وليست للأثرياء فقط».

كما طرح «ممداني» شعارات اجتماعية، باعتباره اشتراكيًّا، وأعلن عن تمسُّكه بهويته الدينية كمسلم، واشتراكي، يدعم غزة، وهو ما فتح مجالًا للهجوم عليه، مِن قِبَل «ترامب» و«إيلون ماسك»، ورجال الأعمال من جهة، ومن «إسرائيل» واللوبي الصهيوني من جهة أخرى.

وقد دخَل «ممداني» مضمار الإعلان عن مواقفه في السياسة الخارجية؛ إذ تحدَّث، بإصرار، عن عدم اعترافه بالكيان الصهيوني كدولة لليهود، كما أعلن عن اعتزامه إلقاء القبض على نتنياهو فور قدومه لنيويورك.

ولذا كان الهجوم عليه ضاريًا؛ حيث اتَّهمه «ترامب» بالشيوعية والتطرُّف. ووصل في تهديداته للتأثير على الناخبين حدّ الحديث عن السيطرة على نيويورك، وقطع المساعدات الفيدرالية المالية في حال نجاح «ممداني»، ووصل حدّ التهديد بالقبض عليه وترحيله. وحشَد العديد من المليونيرات الصهاينة ميزانية قدرها 7 ملايين دولار للتأثير على الناخبين، ورفعوا شعار «أيّ شخص إلا ممداني».

مهاجر ابن مهاجر يحكم مدينة المهاجرين!

كان وصول «باراك أوباما» ذو الأصول الإفريقية تطورًا مُهمًّا في الحياة السياسية الأمريكية، أدَّى فوزه إلى استنفار العنصريين البيض، إلى درجة يمكن القول معها بأن وصول «ترامب» للحكم عقب انتهاء ولاية أوباما، كان ردّ فِعْل عنصريًّا على نجاح أوباما.

لكنّ نجاح أوباما قد أسَّس لقاعدة باتت تترسخ في الحياة السياسية الأمريكية، وهي أن الأقليات في البلاد يمكنها أن تتآلف وتحتشد تحت راية الحزب الديمقراطي لتحقيق مصالحها. وهي قاعدة صارت أشد إلحاحًا لإعادة التوازن للحياة السياسية، في مواجهة سياسات «ترامب» العنصرية من جهة، ولمجابهة التحولات الجارية في الحزب الجمهوري من جهة أخرى.

تلك القاعدة كانت قد ترسخت أكثر خلال المنافسة الانتخابية بين «ترامب» و«بايدن»، وأدَّت إلى نجاح «بايدن» (في انتخابات 2020م)، وهو ما قطع الطريق على استمرار «ترامب» في الحكم لدورة ثانية. وهذا أدَّى بدوره إلى تلك الحالة التي شهدناها، بدءًا من محاولة «ترامب» مَنْع تسليم الحكم لـ«بايدن» إلى تلميحه للجيش بضرورة التدخل، والحديث عن سرقة الانتخابات، وزيارته الشهيرة للكنيسة حاملًا الإنجيل.

بعدها عاد استنفار العنصريين وتكتلوا لإنجاح «ترامب» في انتخابات 2024م، فعادت الأقليات إلى القاعدة التي بدأت بانتخاب أوباما.

ولعل هذا ما جعل «ممداني» يقول في خطاب النصر: «نيويورك ستبقى مدينة المهاجرين، مدينة بناها المهاجرون، ويدعمها المهاجرون، وابتداءً من هذه الليلة يقودها مهاجر».

ولذا يمكن القول: إن تحالف الأقليات قد ترسَّخ، وأصبح سياسة مُعتمَدة في الحزب الديمقراطي، بمتابعة الحركة في نفس الاتجاه من نجاح أوباما إلى نجاح بايدن، والآن في نجاح «زهران ممداني». فالمتابع لنتائج تلك الانتخابات يجد أن الأقليات قد حقَّقت فوزًا كبيرًا وغير مسبوق، حتى إن المسلمين في أمريكا قد حصدوا أكثر من 30 مقعدًا في الانتخابات وحدهم.

وقد ساهم في اكتساح «ممداني» لأصوات الناخبين، أن الانتخابات جرت تحت ضغط أزمات صنعها «ترامب»، وأخافت الأمريكيين، وهو ما دفع 7 ملايين مواطن للنزول في مظاهرات موحدة تحت عنوان «لا نريد مستبدّين في الحكم».

وهي حالة يُتوقّع أن تتفاعل على نحوٍ خطير، بسبب ما هو متداول عن احتمالات اختراق «ترامب» لمبادئ الدستور والترشح لولاية ثالثة. والمتوقع أن يتحرَّك الحزب الديمقراطي نحو برنامج ورؤية متشددة أو أكثر وضوحًا؛ ضلعها الأول يتعلق بحشد المهاجرين، وضلعها الثاني يتعلق بتكوين رؤية فكرية يسارية لحَشْد الأمريكيين خلفه في صراع حقيقي لن يجري فقط في الأروقة السياسية المعتادة، بل سيكون صراعًا يُحْسَم عبر الشوارع، بما يَدفع البلاد أكثر نحو اندلاع حرب أهلية.

ويزيد من ذلك ما ظهر من حساسية وإلحاح البُعْد الاجتماعي، كما اتضح في تجربة انتخاب «ممداني»، فهو ترشح وفاز دون أن يتلقَّى دعمًا ماليًّا لا من اللوبي الصهيوني ولا من المليونيرات -كما هو معتاد في الانتخابات الأمريكية-؛ إذ كان المتبرعون الصغار هم الذي دعموه ماليًّا، وقد وصل دعمهم المالي له، إلى أن أعلن أن حملته لم تَعُد تحتاج إلى تبرعات. كما كان لافتًا أيضًا أن عدد المتطوعين الشباب فاق 100 ألف متطوع للحملة الانتخابية.

أمريكا دولة مسيحية يحكمها البيض!

يشهد الحزبان الديمقراطي والجمهوري انقسامات وتفاعلات وتحوُّلات تبدو مختلفة عن كل ما جرى سابقًا.

لقد أصبح واضحًا من تجربة «ممداني»، أن الانقسامات في الحزب الديمقراطي متصاعدة، وجاء خروج عدد من النواب على الانضباط الحزبي والتصويت لصالح خطة الجمهوريين لإنهاء الإغلاق الحكومي مؤشرًا آخر، زاد منه ما بات يُطرَح في أروقة الحزب عن ضرورة تغيير زعيم الديمقراطيين في الكونجرس، تشاك شومر.

والأمر أكثر وضوحًا وخطورة في الحزب الجمهوري، الذي بات يشهد تحوُّلات ذات طابع أيديولوجي-ديني، بما يؤثر على نحو عميق على طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي والديني والعِرْقي، ويزيد حدّته.

 لقد هدَّد «ترامب» الديمقراطية الأمريكية حين حاول تشكيل نَمَط من الانقلاب المُسلَّح لمنع تولّي بايدن الحكم. وهو ما دفَع الجناح التقليدي في الحزب الجمهوري للوقوف ضده. لم يكن نائب «ترامب» وحده مَن وقف ضده، بل أعلنت قيادة أساسية في الحزب رفضها لما قام به «ترامب»؛ إذ أعلن السيناتور الجمهوري «نت رومني» صراحة، أنّ ما قام به «ترامب» هو انقلاب سياسي.

لكنّ ما يجري الآن أخطر مما جرى سابقًا؛ إذ تتشكل رؤى فكرية تنشد تغيير هوية الدولة وهوية المجتمع. لقد ظهرت تيارات في داخل حركة «ماجا» -التي أوصلت «ترامب» للحكم-، تطالب وتتحرك لإعلان أمريكا دولة مسيحية يحكمها البيض وحدهم.

وفي ذلك ظهر نموذجان:

الأول هو «تشارلي كيرك»، الذي كان يتابعه 7 ملايين متابع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو صاحب دور كبير ومنظّم تمكَّن خلاله من جذب أصوات الشباب للتصويت لـ«ترامب»، وقد استقبله «ترامب» في البيت الأبيض عرفانًا بدوره. وكان «كيرك» ناشطًا سياسيًّا إنجيليًّا، يعلن كراهيته للعرب والمسلمين والسود، ويتحدَّث عن «ترامب» باعتباره مبعوث العناية الإلهية، ليُعيد أمريكا من أيدي أعداء المسيحية!

والثاني هو «نيك فوينتيس» الذي ظهر مؤخرًا باعتبارها ناشطًا جمهوريًّا، وهو عنصري يميني يؤمن بتفوق العرق الأبيض. وهو كارهٌ لليهود و«إسرائيل»، ومن أقواله: «إن هتلر وستالين لم يقتلوا العدد الكافي من اليهود». وهو ينكر الهولوكوست، ويَعتبر أن ما قيل عن قتل أطفال واغتصاب نساء في 7 أكتوبر هي مجرد أكاذيب. وهو ما أثار ضجة كبيرة في المجتمع الأمريكي.

المسلمون يُحرزون نتائج انتخابية غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي

لم يَفُز «ممداني» وحده، ليصبح أول مسلم يفوز بمنصب حاكم ولاية في تلك الانتخابات، بل فاز العديد من المرشحين المسلمين في ولايات مختلفة، رغم عدم وجود لوبي عربي أو إسلامي يُنظِّم حركتهم ويدعم المرشحين.

لقد أعلن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) عن فوز 38 مرشحًا مسلمًا على الأقل في تلك الانتخابات بمناصب مختلفة؛ بين مجالس تشريعية في الولايات، ومناصب عُمَد في مدن أمريكية، وعضوية مجالس مدن، وغيرها. وقد فازت المسلمة «غزالة هاشمي» بمنصب نائب الحاكم في ولاية فرجينيا -وهو منصب أرفع من منصب العمدة الذي فاز به «ممداني»-، وهي من أصول هندية، وكانت من قبل عضو مجلس الشيوخ في الولاية. كما فاز ثلاثة مسلمين برئاسة البلدية في ولاية متشجن (وهم يُعاد انتخابهم) وغيرهم.

وأضافت منظمة «كير» في بيان إعلان النتائج عن فوز هؤلاء رغم تعرُّضهم لـ«موجة من الكراهية ضد المسلمين، وتضليل إعلاميّ مُنظَّم».

أكبر الخاسرين هو اللوبي الصهيوني

في نجاح «ممداني» والتفاعلات التي تجري في الحزب الجمهوري -تزامنًا مع نتائج طوفان الأقصى-، وفوز هذا العدد من المسلمين، فالخاسر المؤكد، هو اللوبي الصهيوني والكيان الصهيوني.

وإذا كان «ممداني» هو أول عمدة لمدينة أمريكية يُعلن عدم اعترافه بـ«إسرائيل» كدولة يهودية، ويقف في مواجهة اللوبي الصهيوني، ويفوز بأصوات يهود وقفوا ضد اللوبي؛ فإن خسارة اللوبي الصهيوني أعمق وأوسع -وأكبر من فوز المسلمين-؛ إذ إن موجة من التبرؤ من مال هذا اللوبي وعدم قبول الدعم منه؛ باتت تتكاثر بين الفاعلين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي معًا.

وإذا كان نجاح «ممداني» وتلك المجموعة من المسلمين، جرت رغم الدعاية والضغط الذي مارسه اللوبي الصهيوني -ضمن مرشحي الحزب الديمقراطي-؛ فقد حدَث تحوُّل لافت بين شباب الحزب الجمهوري من الإنجيليين في حركة «ماجا»؛ إذ بات قادة مؤثرين يعلنون أن شعار «أمريكا أولًا» تعني نهاية ما كان يجري من ممارسات تجعل «إسرائيل أولًا».

كما أصبح واضحًا أن «إسرائيل» والموساد باتا في موضع اتهام دائم. ففي رواية اغتيال الناشط الجمهوري «كيرك»، جرت أحاديث واسعة عن وقوف الموساد خلف العملية؛ بسبب رفض «كيرك» سيطرة اللوبي على السياسة الخارجية الأمريكية.

وعلى الرغم من ولاء «كيرك» ودفاعه المطلق عن «إسرائيل»، واعتباره أن الدفاع عن «إسرائيل» واجب ديني؛ إلا أنه رفض قيام الجيش الأمريكي بقصف إيران خدمةً لـ«إسرائيل»، باعتبار ذلك يتعارض مع مقولة «أمريكا أولًا»، كما أعلن «كيرك» عن سَحْب دعمه لنتنياهو، ورفض عروضه التمويلية لمنظمته وبرامجه.

وبعد اغتيال «كيرك»، أُعيد فتح ملفات كثيرة للنقاش من زاوية اتهام «إسرائيل»، مثل ملف اغتيال كيندي.

جدير بالذكر أنه لم تضعف قبضة اللوبي الصهيوني المالية فقط، بل الأهم أن سقطت السطوة السياسية والإعلامية له، وبات النقاش علنيًّا مفتوحًا فيما كان ممنوعًا ومُجرَّمًا مِن قبل تحت عنوان «معاداة السامية».

لقد أبدى الجمهوريون تململًا ورفضًا لعدم نشر إدارة «ترامب» ملف إبستين -صاحب فضيحة القاصرات-، من زاوية ارتباطه بالمخابرات الصهيونية، وتوريطه النُّخَب الأمريكية والسيطرة عليها وإدارتها، وإدارة السياسة الأمريكية الخارجية لمصلحة «إسرائيل».

كما ظهرت شخصيات مؤثرة أخرى، وصلت حدّ الحديث عن تمجيد هتلر، وأنه لم يقم بقتل عددٍ كافٍ من اليهود.

وفي كل ذلك، وإذ لا يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي في شيء؛ فقد اتفق الجيل الجديد في كليهما على إنهاء سطوة اللوبي الصهيوني على النُّخَب الأمريكية.

 

 

أعلى