• - الموافق2025/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل الدور التركي في غزة

الخلاف يتمحور حول رغبة تركيا في لعب دور إقليمي محوري عبر بوابة غزة، مقابل سعي الاحتلال لعرقلة هذا الدور. ويعرض المقال كيف أصبحت أنقرة عنصرًا أساسيًا في خطة ترامب لوقف الحرب واستقرار غزة.


«الصراع على غزة لا يقتصر على شريط ساحلي ضيِّق، بل يشمل هرمًا إقليميًّا كاملًا، تطمح تركيا فيه إلى دور مركزي، بينما تصرّ «إسرائيل» على منعها من ذلك».

هذا ما توصَّل إليه الباحث الصهيوني البارز الدكتور هاي إيتان كوهين يانروجيك، في مركز ديان بجامعة تل أبيب، في مقابلةٍ مع صحيفة معاريف العبرية.

ربما يُلخِّص كلام هذا الباحث الصهيوني لُبّ الصراع الحالي بين تركيا ودولة الاحتلال الصهيوني، وهذا يدفعنا إلى محاولة استشراف آفاق هذا النزاع ونتائجه المستقبلية، والأهم انعكاس ذلك الصراع على الحالة الراهنة في غزة، والتي يحتار الجميع في توصيفها؛ وهل بالفعل توقّفت الحرب، أم أنها لا تزال جارية، ولكن بأشكال أخرى؟

سنحاول في هذا المقال استشراف مستقبل الدور التركي في غزة، من خلال محاولة الإجابة عن أسئلة مثل: ما تفسير إشراك ترامب للأتراك في خطته بشأن غزة؟ ولماذا يرفض «نتنياهو» إدخال قوات تركية إلى غزة؟ وهل انتهى الدور التركي في غزة برفض «نتنياهو» له؟

وللوصول إلى الإجابات تلك، لا بد لنا من رَصْد رؤية دولة الاحتلال الصهيوني للدور التركي في المنطقة، وما جهَّزه من خُطَط لمواجهة هذا الدور، في ضوء التغيرات التي طرأت على الإستراتيجية الصهيونية في مرحلة ما بعد الطوفان. وفي المقابل ننتقل إلى محاولة فَهْم نظرة تركيا للدولة الصهيونية، واستنباط أهدافها الحقيقية، وإستراتيجيات التعامل معها.

رؤية الكيان الصهيوني للدور التركي

منذ أكثر من عام، وقبل أن يصل ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، ويطرح خطته بشأن وقف الحرب في غزة، نشر موقع قناة آي 24 الصهيوني تقريرًا، عبَّرت فيه قيادات أجهزة الأمن في الكيان الصهيوني الاحتلال -من غير ذكر أسمائهم- عن قلقهم الحقيقي من تحرُّكات تركيا تجاه غزة.

تقول تلك القيادات: إن أنقرة قد تحاول استغلال أيّ وجود مدني أو إنساني في القطاع لإدخال معدات استخباراتية وجمع معلومات ميدانية.

ويشير هؤلاء في التقرير المنشور، إلى أن شحنات تحمل اسم معدات هندسية قد تُخفي في الواقع أجزاء طائرات مسيَّرة، أو حساسات مراقبة، أو أليافًا بصرية تُستخدَم في الأنفاق، أو مُكوّنات لأنظمة توجيه الصواريخ.

فدولة الاحتلال ترى أن مثل هذه التجهيزات يمكن أن تُشكِّل بنية تحتية عسكرية متكاملة تكفي لتصنيع وتشغيل مئات الصواريخ، وليس مجرد مشروع صغير.

كما تخشى الأجهزة الأمنية في الكيان من أنّ الحديث عن وحدة مراقبة تركية، يمكن أن يكون غطاء لإدخال أنظمة حاسوبية وخوادم ووسائل اتصال متطورة، تُستخدَم في عمليات تجسُّس أو هجمات سيبرانية ضد أهداف «إسرائيلية»؛ كما يقول التقرير.

ويختم التقرير بسؤال: لماذا نخشى دخول تركيا كقوة سلام في غزة؟

الجواب بسيط: كلما بنت تركيا شيئًا تترك وراءها حدودًا وكاميرات وقاعدة. هذا ليس مجرد نظرية بل أسلوب عمل، فكل عملية تركية تبدأ بنفس العبارة؛ باسم السلام، وتنتهي بمنطقة جديدة على الخريطة، فالسؤال الذي ينبغي طرحه ليس: ماذا يريدون أن يفعلوا؟ بل: هل هناك مَن سيوقفهم إذا دخلوا غزة؟ على حد تعبير التقرير الصهيوني.

فالكيان يخشى من أن يكون الوجود التركي في غزة جزءًا من مشروع تركيا للتمدُّد في المنطقة. وهذا ما عبَّر عنه تحليل في صحيفة «هآرتس» حمل عنوان: «مسار تركيا نحو الهيمنة على الشرق الأوسط يمر عبر غزة».

وبعد طرح ترامب خطته، واعتماده على تركيا في إقناع حماس بقبولها، ومنها إدخال قوات إلى غزة تتشكل من دول عديدة من بينها قوات تركية، توالت تصريحات زعماء الكيان المستنكِرة والرافضة لهذا الوجود العسكري.

خاصةً أنه قبل طرح تلك الخطة أطلق الرئيس التركي أردوغان تهديدات في شهر يوليو 2024م، قال فيها: «كما دخلنا إلى كاراباخ، وكما دخلنا إلى ليبيا، يمكننا فعل نفس الشيء معهم في غزة، لا يوجد شيء يمنعنا من ذلك. فقط يجب أن نكون أقوياء لكي نستطيع اتخاذ هذه الخطوات، وإذا قلنا شيئًا نفعله، فقد قطعنا العلاقات التجارية وكل العلاقات مع «إسرائيل».

تصريحات أردوغان الصريحة تلك، دفعت وزير خارجية الاحتلال «جدعون ساعر» لمهاجمة تركيا بشأن دورها المحتمل في غزة؛ فقال: «تركيا في عهد أردوغان تتبنَّى موقفًا عدائيًّا تجاه «إسرائيل»، ليس فقط بالكلام بل بالأفعال الدبلوماسية والاقتصادية. لذلك، من غير المنطقي السماح لقواتها بدخول غزة، وقد أوضحنا ذلك لحلفائنا الأمريكيين».

بينما أعلنها «نتنياهو» بكل وضوح: «أي محاولة لإدخال تركيا في المشهد الغزي تُمثِّل تجاوزًا لخط أحمر (إسرائيلي)».

وتحصر الدكتورة ليندنشتراوس الباحثة البارزة في «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS»، إشكالية التدخل التركي في غزة بالنسبة للكيان في ثلاثة أسباب رئيسية:

أولًا: لأنها لاعب قوي في المنطقة، يتصرّف ويتحدّث بطريقة إشكالية من وجهة نظر «إسرائيل».

ثانيًا: بسبب ضعف إيران مقابل صعود قوة تركيا.

ثالثًا: وهو مرتبط بالثاني، ما حدث في سوريا، فبعد أن كانت تركيا مهتمة في الغالب بشمال سوريا، و«إسرائيل» بجنوبها، أصبح لتركيا اليوم اهتمام أعمق بكل سوريا ونظام أحمد الشرع.

فالكيان الصهيوني يخشى أن يتمدَّد المحور التركي السوري، ويضيف إليه حماس، وهو الذي أطلق عليه وزير صهيوني «محور الخلافة الإسلامية في شرق المتوسط».

ولكن في الوقت نفسه، تتحدَّث بعض التقارير الإعلامية، عن وجود تباين بين المستويين السياسي والأمني في دولة الكيان بخصوص هذا الملف؛ فبينما يعارض «نتنياهو» المشاركة التركية لأسباب سياسية داخلية، يُقال: إن أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية نفسها بدأت في التراجع، مع انسداد الأفق وعجز جيش الاحتلال عن الحسم في غزة، وربما توافق على المشاركة التركية لضمان فعالية القوة الأمنية الدولية، وربما تُحقِّق ما عَجَز الجيش عن تحقيقه.

ولكن، ما هي صور التدخُّل التركي في غزة، والتي يتفاوت حولها الرفض الصهيوني:

أولها: صورة المشاركة في قوة دولية لحفظ السلام:

فتركيا أبدت استعدادها لإرسال قوات عسكرية ومدنية ولوجستية للانضمام إلى قوة دولية متعددة الجنسيات ترأسها أمريكا، تهدف إلى مراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل إعادة إعمار غزة. هذا الدور يمكن أن يشمل: مراقبة وقف إطلاق النار، وتسهيل توزيع المساعدات الإنسانية، وتأمين البنية التحتية وحماية المدنيين، والمساهمة في تدريب الشرطة الفلسطينية.

أما الصورة الثانية، فهي استمرار الوساطة الدبلوماسية مع غطاء عسكري، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وقطر ومصر؛ حيث تلعب دورًا سياسيًّا لدفع حماس لقبول الالتزامات، ويشمل أيضًا استعدادًا عسكريًّا على الأرض للردع أو فرض الاستقرار، مع التأكيد على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل لتفادي التصعيد العسكري.

هاتان الصورتان، يمكن أن يوافق عليهما الكيان تحت ضغط من إدارة ترامب.

أما الصورة الثالثة فهي المواجهة أو الانتشار العسكري المباشر:

ففي حال تصاعد التوتر أو فشل المفاوضات السياسية، هناك احتمال لنشر تركي محدود لقوات عسكرية في غزة لتعزيز نفوذها وحماية مصالحها، وهو ما ترفضه دولة الاحتلال بشكل قاطع، وتعتبره تهديدًا لأمنها، ويثير قلقًا استخباراتيًّا وإستراتيجيًّا كبيرًا، وتركيا قد تستخدم التلويح بهذا السيناريو للضغط على الكيان الصهيوني، ولتعزيز موقعها الإقليمي عبر دعم حماس سياسيًّا وعسكريًّا. وهذه الصورة يرفضها الاحتلال بشكل قاطع، وتُنذر بمواجهة عسكرية بين البلدين، الأمر الذي ستمنعه أمريكا بشكل قاطع وحاسم.

تركيا والقضية الفلسطينية

لإدراك الموقف التركي الحالي لما يحدث في غزة، لا بد لنا من التوغُّل في تاريخ العلاقة بين الأتراك وفلسطين، وكيف نظروا إليها عبر عصر الدولة العثمانية، مرورًا بمرحلة تأسيس الجمهورية على يد أتاتورك، وصولًا إلى عهد حكم حزب العدالة والتنمية.

قامت الدولة العثمانية بخطوتين مُهمَّتين في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين:

أولًا: مقاومة التوطين الصهيوني؛ فقد سجلت الدولة العثمانية أول موقف رسمي مُعلَن ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام 1882م، حين أعلنت أنها لن تسمح للمهاجرين اليهود بالاستقرار في فلسطين، بل يمكنهم الهجرة إلى ولايات عثمانية أخرى.

ثانيًا: رفض التنازل، فقد رفض السلطان عبد الحميد الثاني بشكل قاطع عرض زعيم الحركة الصهيونية «تيودور هرتزل» بشراء أراضٍ في فلسطين مقابل تسوية مالية، مؤكدًا أن الأرض ليست مِلْكًا له بل للشعب العثماني، ولن تُقسم إلا على جثثهم، ولن يَقبل بتشريح الإمبراطورية لأيّ غرض، وأتَى هذا الموقف على الرغم من الضغوط المالية والاقتصادية الهائلة التي كانت تواجهها الدولة العثمانية.

كان إصرار السلطان عبد الحميد الثاني على الرفض السياسي والسيادي لصفقة التنازل عن فلسطين ثابتًا، ولكن ما يمكن وصفه بالمرونة أو الضعف أو تناقض الإدارة العثمانية في تطبيق القرارات، والتعامل مع الضغوط الأجنبية والفساد الداخلي، سمح للحركة الصهيونية بتحقيق تقدُّم كبير في الاستيطان والتملك خلال فترة حكمه، وإن كان بوتيرة أبطأ وأكثر صعوبة مما كانت تطمح إليه.

في عصر مصطفى كمال أتاتورك والجمهورية، والتي امتدت من عام (1923 -2002م)، فقد شهد هذا العصر انزواء تركيا عن العالم العربي والإسلامي، وتبنّي سياسة خارجية علمانية تُركّز على الداخل، واتسمت بثلاث سمات:

1- الانكفاء على الإرث العثماني، فحدثت قطيعة مع العالم الإسلامي.

2- الاعتراف بالدولة الصهيونية، ففي مارس عام 1949م، وبعد وقت قصير من إنشائها، كانت تركيا العلمانية أول دولة إسلامية تفعل ذلك. وجاءت هذه الخطوة في سياق سياسة خارجية مؤيدة للولايات المتحدة وتتَّجه نحو المحور الغربي.

3- تطوُّر العلاقات الأمنية، فقد تعمَّق التعاون الأمني والعسكري بين تركيا وإسرائيل، خاصةً في التسعينيات، عندما كان للجيش نفوذ قوي في السياسة التركية.

ولكن في عام 2002م، شكَّل صعود حزب العدالة والتنمية نقطة تحوُّل؛ حيث أصبحت قضية فلسطين ركيزةً أساسية للشرعية الداخلية والطموحات الإقليمية، مع دعم صريح لحماس كحركة تحرير مرتبطة بأيديولوجية شبيهة بأيديولوجية حزب العدالة.

واتخذ الموقف التركي بعدها من القضية الفلسطينية مسارًا ديناميكيًّا ومُتقلِّبًا، تأثَّر بشكل مباشر بعاملين رئيسيين:

الأول: تطور الصراع الصهيوني الفلسطيني ومراحله المتصاعدة، بدءًا من مرحلة أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في غزة وأكثر مدن الضفة الغربية، ثم وصول الوضع إلى أزمة إثر رفض الاحتلال تسليم القدس إلى السلطة، مرورًا بالانتفاضة الثانية، ثم مرحلة الانتخابات ووصول حماس للحكم بعدما اختارها الشعب الفلسطيني، ثم محاولة الانقلاب عليها من جانب حركة فتح، والتي انتهت بسيطرة عسكرية لحماس على القطاع، ومِن ثَمَّ فرض الحصار الكامل من جانب الكيان، وتجدّد القتال القصير بين المقاومة وجيش الكيان كل فترة، وانتهاء بطوفان الأقصى وتعرُّض غزة لحملة إبادة جماعية وتجويع.

أما العامل الثاني المؤثر في الموقف التركي فهو صعود تركيا كقوة إقليمية، وتوجُّهاتها الجديدة تحت قيادة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، والتي وضعت أمامها هدف العودة إلى عصر القوة العثمانية، ولكن سارت من أجل ذلك في طريق متعدد المراحل، بدءًا من قيادة نهضة تنموية داخلية مع تصفير المشكلات مع الجيران، أعقبها الاشتباك مع قضايا الإقليم، ومن خلاله يتم توسيع التمدُّد التركي الناعم وحتى الصلب إذا لزم الأمر، بدون كسر قواعد اللعبة الدولية والاصطدام معها، الأمر الذي نتج عنه امتداد محيطها الجيوسياسي من غرب إفريقيا متمثلًا في مدارس ومساعدات، إلى شرق إفريقيا وإقامة قاعدة عسكرية ضخمة، ثم شمالها في ليبيا؛ حيث منعت عسكريًّا تمدُّد حفتر إلى الغرب الليبي، وبالطبع كان دورها المؤثر في جنوب القوقاز، وتدخُّلها العسكري الحاسم لصالح أذربيجان، وأدوارها المعروفة في حرب أوكرانيا وروسيا، والاشتباكات الباكستانية الهندية الباكستانية، وأخيرًا في سوريا.

ولكنّ دور قيادة الإقليم يحمل معه في طياته، تذبذب المواقف بسبب التغيُّرات المتلاحقة والسريعة والتي يشهدها الإقليم، كما تقتضيه الصفقات، وتبادل أوراق اللعب والتحرُّك في الهامش المتاح.

لذلك مع كل مرحلة، سواء من تطوُّر القضية الفلسطينية أو من الصعود التركي، كان لحكومة العدالة والتنمية تعامُل متغيّر مع القضية.

فمثلًا، تحوَّل الخطاب التركي ليصبح أكثر حدة في نقد الكيان الصهيوني، وهو ما تجسَّد في حادثة دافوس الشهيرة عام 2009م، وأزمة سفينة مرمرة عام 2010م؛ حيث انخفضت العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوياتها، ثم يعود إلى تعاون اقتصادي، بل سياسي في أذربيجان؛ حيث تتحالف حكوماتها مع كلٍّ من تركيا والكيان الصهيوني.

وأخيرًا مع تطور معركة الطوفان، أخذ العداء بين الطرفين يتصاعد، بدءًا من درجة قطع تركيا التعاون الاقتصادي التام بين البلدين مع نهاية عام ٢٠٢٤م، وانتهاءً بمحاكمة «نتنياهو» ومساعديه في المحاكم التركية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ومع وصول ترامب لسُدَّة الرئاسة الأمريكية وإعطائه مهلة لـ«نتنياهو» في الاستمرار بالإبادة الجماعية لغزة؛ أملًا في القضاء على المقاومة الفلسطينية، ولكن بعد عجز الكيان عن حسم معركة غزة، تدخَّل ترامب -الذي وقع تحت ضغط داخلي وخارجي لوقف الإبادة في غزة-، ليعلن عن خطة لوقف الحرب، ويستعين بأردوغان؛ لأنه كما يصفه ترامب «كان رائعًا ومفيدًا للغاية».

لقد توصلت إدارة ترامب لهذا التقدير الإستراتيجي بناء على ثلاثة عوامل رئيسة؛ رأى فيهم ترامب ضرورة مطلقة لنجاح خطته، لا سيما في تأمين التزام حماس:

أولًا: النفوذ والاحترام السياسي؛ حيث أكَّد ترامب أن أردوغان «يَحْظَى باحترام كبير» في جميع أنحاء العالم. هذا القبول السياسي يجعله وسيطًا موثوقًا به لدى حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وهو أمر حيوي لضمان قبول الحركة لأيّ ترتيبات أمنية مُعقَّدة.

ثانيًا: لأن تركيا تمتلك القوة الصلبة، وفي هذا يقول ترامب عن أردوغان: «إنه يمتلك دولة قوية جدًّا وجيشًا قويًّا للغاية». لقد كان هذا العامل مُهمًّا في ضوء الحاجة إلى تشكيل قوة استقرار دولية فعَّالة قادرة على فرض الأمن على الأرض.

ثالثًا: إضفاء الشرعية الإقليمية: لضمان قبول الخطة في المنطقة، كان من الضروري وجود دولة إسلامية كبرى ذات نفوذ إقليمي لضمان عدم اعتبار الاتفاق صفقة أمريكية-إسرائيلية خالصة، مما يزيد من فرص بقاء الاتفاق واستمراريته.

وعلى الرغم من القلق الأمريكي الإستراتيجي المفهوم من تنامي قوة تركيا وطموحاتها إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، إلا أن التفكير الإستراتيجي الأمريكي في عهد ترامب أصبح يُركّز على ما أصبح يُعرَف بسياسة القوة فوق الولاء.

فباتت أمريكا لا تسعى إلى حليف مريح، بل إلى طرف فاعل قادر على تطبيق الخطة على الأرض. هذا الطرف يجب أن يمتلك القنوات السياسية اللازمة لدفع «حماس» نحو القبول، إلى جانب القدرات العسكرية اللازمة لتشكيل قوة الاستقرار الدولية.

لقد أدرك مخططو السياسة الأمريكية أن القنوات الدبلوماسية التقليدية، التي تشمل مصر وقطر، كانت كافية لإنجاز الصفقات الإنسانية الأولية وتبادل الأسرى، إلا أنها قد تفتقر إلى الثقل السياسي والأمني اللازم لضمان الالتزام ببنود المرحلة الثانية الأكثر تعقيدًا، لا سيما فيما يتعلق بمن يحكم غزة، وبنشر القوة الدولية.

هذا التوجُّه يُفسِّر إصرار ترامب حتى هذه اللحظة، على تجاهل الرفض الشديد للكيان الصهيوني في إدخال تركيا كعنصر أساسي في إنجاز الهدف النهائي للخطة.

ولكن هل يتَّحد اللوبي الصهيوني الأمريكي خلف مطالب «نتنياهو»، ويضغط بكامل أوراقه على ترامب في عدم إدخال قوات تركية والاكتفاء بدور دبلوماسي؟ هذا ما ستثبته الأيام القادمة، ولكن في المقابل هناك أنباء متداولة إعلاميًّا، أن قطر ستتضامن مع تركيا، وسترفض إرسال قوات إلى غزة في حال إصرار «نتنياهو» على عدم دخول قوات تركية، وإذا صح هذا فلم يتبقَّ لترامب إلا مصر من الأطراف الثلاثة المؤثرين على حماس، وهذا وحده لا يكفي كما أسلفنا، مما يُهدِّد بفشل مهمة تلك القوات وعدم دخولها، ومِن ثَمَّ استئناف الحرب وانهيار خطة ترامب.

واضح أن هناك إصرار تركي على الوقوف بجانب أبناء غزة ضد حملة الإبادة والتهجير الصهيونية، وكما ساهمت تركيا في صياغة موافقة حماس، وإقناع ترامب جزئيًّا بوجهة نظر حماس؛ الأمر الذي نتج عنه وقف حملة الإبادة والتهجير تلك، ومِن قبل نجحت في إيقاف مذابح أهل السُّنة في سوريا بدعمها حتى تحرير دمشق؛ فإن الدور التركي المتصاعد سوف يُحقّق المأمول بإذن الله.

أعلى