• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أثر الصراعات على المجتمع في تشاد بعد الاستقلال

لقد فشل السياسيون في إرساء آلية تداول السلطة السياسية بأسلوب ديمقراطي ليبرالي، ومشاركة العامة في الحياة السياسية؛ وهو ما أتاح الفرصة للدكتاتورية أن تهيمن عن طريق الحزب الواحد، وتميزت كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحُكم في تشاد، بممارسة القَبَيلة و

مقدمة:

إن النزاعات والحروب الأهلية لیست ولیدة الیوم؛ فهي قدیمة بقدم المجتمعات وتاریخ تطورها؛ إذ إن أسـباب التنافس على الموارد، والسلطة، أو النفوذ السياسي والاجتماعي هو بالأهمية نفسها، كما أنَ القارة الإفريقية ليست الوحيدة التـي عانت من النزاعـات الأهـلیة؛ فكـل الدول عـبر التاریخ عانت بشـكل أو بآخر من حـروب أهلية، إلا أن الذي یجـعل قارة إفریقیا محط أنظار العالم الیوم، هو أن أغلب دول العالم قد حسـمت خياراتها السـیاسـیة، وهي الآن تمـر أو تعيش أوضاعاً مسـتقرة ارتضتها عبر تجاربها التاريخية. في حين ما زالت إفریقیا تعيش حروباً أكثر عدداً وتعـقیـداً وألماً، وأشدها ترویعاً، والأهم من ذلك، أنه ما من أمل قریب في حلٍّ ناجع ينهي مأســاة شعوب مغلوب على أمرها.

انطلاقاً من هذه المعطيات سنتناول في ورقتنا البحثية هذه حالة الدولة التشادية التي سرعان ما تحررت من نير الاستعمار الفرنسي عام 1960م، وخلعت عن نفسها لباس العبودية والخضوع، وكسرت أغلال الأسر الأوروبي، حتى وجدت نفسها تغوص في وحل الصراع، وتغرق في مستنقع الحروب؛ التي ظهرت تأثيراتها في مختلف أوجه الحياة، وخصوصاً في الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الثقافية.

أولاً: الآثار السياسية

لقد بدأت الحياة الحزبية في تشاد مسيرتها وهي متأثرة بالولاء القبلي، وارتبطت سياساتها بالاتجاهات الشخصية للقائمين بأمرها؛ وهو ما أدى إلى افتقارها إلى المشاركة الشعبية الفاعلة في الحياة السياسية. فالأحوال التي نشأت فيها الأحزاب على مرِّ التاريخ، هي: إما العلاقات الأسرية، وإما التركيبة القبلية، وإما الدين (فالشماليون مسلمون محافظون، والجنوبيون نصارى ووثنيون)، إضافة إلى عوامل خارجية أسهمت بشكل كبير في حدوث الاضطراب، وعدم الاستقرار.

وقد أعطت المواجهة السياسية بين الأحزاب انطباعاً منقطع النظير لانقسام الشعب على نفسه، وتعزيز الصراع السياسي بين الشماليين والجنوبيين، دون أي اعتبار للأهداف والمبادئ السياسية السامية، التي من شأنها أن تعمل من أجل المصلحة العامة. كان التفكير من منطلق الخلفية التاريخية من الأسباب التي أدت إلى تحويل السياسة التشادية إلى صراع قبلي، وكانت المخاوف من هيمنة أي طرف على الآخر - سواء من قبل الشمال أو الجنوب - هي المسيطرة على المناخ السياسي، ولكن هذا لا ينفي أن يكوف هناك خلافات وصراعات بين أبناء الإقليم الواحد من حيث قيادته. لقد ظهرت الخلافات المرتكزة على الأثنية والقبلية منذ أول حكومة أنشئت في تشاد بعد إعلان الاستقلال سنة 1960م، ونتيجة للتخبط وانعدام الرؤيا التي تعيشها تلك الأحزاب، وما صاحبها من قصور في الوعي السياسي، وتدني الكفاءة الحزبية لرؤساء الأحزاب، ظلت أغلبية الأحزاب التشادية ترزح تحت تأثير هيمنة الرئيس الفرد، ومن ثَمَّ بقيت سياسات الحزب رهينة لأفكاره وقناعاته الشخصية، وهو ما أضعف الأحزاب من الناحية الفكرية، وجعلها تفتقر إلى وجود أيديولوجية واضحة، وبرنامج سياسية هادفة، تسعى من خلالها لتوجيه الجماهير من أجل كسب عناصر جديدة في صفوفها[1]. فوق هذا وذاك، ظلت تلك الأحزاب ترزح تحت التأثير الضيق بين الشمال والجنوب، وهذا ما جعلها تتأرجح في مسيرتها السياسية مع ما صاحبها من انقسامات وتحالفات هشَّة، ودخلت في معارك وهمية استنزفت جهودها، وأصبحت تتقرب من العناصر الفرنسية المستوطنة، من أجل الاستعانة بها في خوض معارك بعضها ضد بعض[2]. وقد استغل الفرنسيون هذا الجانب، وأحكموا قبضتهم على الأحزاب وتسييرها حسب ما يتماشى مع مصالحهم. 

كذلك فإن الحياة الحزبية في تشاد تميزت منذ الوهلة الأولى بالانشقاقات والائتلافات الحزبية بينياً من حين لآخر؛ فكثيراً ما نلاحظ انقسام الحزب الواحد على نفسه حتى ينشأ عن ذلك ميلاد حزب آخر جديد؛ فزعماء تلك الأحزاب ليس لديهم مبدأ سياسي ثابت ينطلقون منه، وأصبحوا يتنقلون من حزب لآخر حسب ما تقتضيه المصلحة الشخصية، دون وعي لمهامهم الريادية المنوطة بهم في توجيه مستقبل البلاد، ونهضتها الاقتصادية[3].

زبدة القول: لقد فشل السياسيون في إرساء آلية تداول السلطة السياسية بأسلوب ديمقراطي ليبرالي، ومشاركة العامة في الحياة السياسية؛ وهو ما أتاح الفرصة للدكتاتورية أن تهيمن عن طريق الحزب الواحد، وتميزت كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحُكم في تشاد، بممارسة القَبَيلة والإقليمية، وعدم المساواة الاجتماعية، وخرق حقوق الإنسان، والحريات الأساسية سواء الفردية منها أم الجماعية[4].

وقد أسهم عجز الأحزاب السياسية في تشاد، وهشاشة برنامجها السياسية، وتقلبات زعمائها وعجزهم عن نقل البلاد إلى حالة الوحدة الوطنية، والتطور، والتنمية السياسية والاقتصادية؛ بأفساح المجال أمام المؤسسة العسكرية لتلعب دوراً جديداً في الحياة السياسية التشادية، وسهَّل ولوجها في الحياة السياسية من خلال الانقلابات العسكرية المتتالية. وأصبح أفراد المؤسسة العسكرية في الدولة يتمتعون بامتيازات لا يتمتع بها موظفو الدولة العاديين ممن هم في المستوى الوظيفي نفسه. فوق هذا وذاك، احتدم صراع العسكر والسياسيين من أجل السلطة، وهو ما قاد البلاد إلى المزيد من المشاكل، وأدى إلى ظهور حركات عديدة مسلحة شهدتها البلاد، وأخذت تلك الحركات الطابع المتقلب من أجل الوصول إلى السلطة. وهذا أيضاً أدى إلى عدم الاستقرار السياسي، وإلى خلق مشاعر دفينة مشحونة بالانتقام بين المواطنين.

ثانياً: الآثار الاقتصادية

إن الحرب الأهلية التي شهدتها الساحة التشادية في السنوات الماضية، أدت إلى انعدام الأمن الذي أدى بطبيعة الحال إلى قلة الإنتاج. وظلت هذه الحروب تمتص عائدات البلاد من النقد الأجنبي؛ نتيجة فقدان الأمن الذي أدى إلى عجز الدولة عن استيراد المعدات التقنية اللازمة للتنمية، بل المدخلات الضرورية لكل قطاعات الإنتاج (زراعي، صناعي، خدمي، الأدوية والسلع الضرورية) وهو ما أدى إلى تدني الإنتاج، وتدهوره.

لذلك انخفضت مصادر الدخل القومي المتمثلة في قطاعي الرعي والزراعة، وتدنت صادرات البلد من الماشية والجمال ومنتجاتها، كما نقصت نسبة إنتاج المحاصيل المحمية، ولا سيما في المناطق الزراعية وسط البلاد وشرقها، وهذا أيضاً أدى إلى تدني دخل المواطنين، ويُعْزى ذلك لهجرة العاملين في مجال الزراعة والرعي، ولعدم جدوى عائداتها لِـمَا يلاقونه من مشاكل، ومعاناة خاصة مع الحكومات المشغولة دائماً بحروبها، ومن ثَمَّ لم تعطِ أدنى اهتمام لهذين القطاعين، بل كانت تعمل على تنقيص همم العاملين فيهما بمطالبتهم بضرائب باهظة، بطريقة تعسفية[5].

وأثَّرت هجرة العقول التشادية إلى خارج البلاد على حجم الإنتاج في مجالات الإدارة والعمالة، وقطاع الخدمات، إضافة إلى الجفاف والنزوح من الريف إلى المدن، لأن النازحين كانوا أساساً مزارعين ورعـاة، وترتَّب على ذلك زيادة كبيرة في الواردات من السلع الاستهلاكية؛ فارتفعت الأسعار، وتفشَّت ظاهرة الرشوة، وفقدان كثير من الثروة؛ بسبب التهريب والتجارة غير المنظمة من قبل الدولة.

وتُعدُّ تشاد أرضاً غنية بكمٍّ هائل من ثرواتها المتعددة (الزراعية، والحيوانية، والمعدنية)، إلا أن الحروب والصراعات المتفاقمة، والأزمات السياسية المتكررة، إضافة إلى السيطرة الفرنسية، لم يتحقق معها التنمية على صعيد الواقع العملي؛ فقد عاش هذا البلد ظروفاً اقتصادية سيئة للغاية، وغالبية السكان فيه يعيشون تحت خط الفقر، بفعل الحروب المتتالية، والسيطرة الاستعمارية التي أعاقت دفع عجلة التنمية إلى مستوى أفضل ينعم به المواطن التشادي.

فالنظام الهجين الذي ورثته دولة تشاد من المستعمر، اتسم بهيمنة السمات الغربية عليه؛ ومن ثَمَّ وجدت البلاد نفسها بمجرد حصولها على استقلالها مُكبَّلة ومثقلة بنظم إدارية لا تتلائم مع طبيعة وتقاليد البلد، وبفترة وجيزة من الاستقلال وجدت الحكومة التشادية أنه لا بد من التدخل لإصلاح الأوضاع الاقتصادية، والسياسية التي تواجهها، وذلك من خلال الدخول في عدة مجموعات من التنظيمات الإقليمية على صعيد القارة الإفريقية، وخاصة دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية؛ من أجل دفع عجلة التنمية في البلاد إلى مستوى أفضل. وفي محاولة منها لتنمية القطاع الزراعي، وصيد الأسماك على سواحل بحيرة تشاد، دخلت تشاد سنة 1962م في اتفاقية مع الكاميرون، والنيجر، ونيجيريا، وكوَّنت هذه الدول ما عُرف بـ (حوض بحيرة تشاد)، واتخذت من العاصمة التشادية (أنجمينا) مقراً لها.

قامت هذه اللجنة ببعض الأنشطة الاقتصادية، شملت الزراعة، والثروة السمكية، ولكن عدم وجود الطاقة، ونقص الأيدي العاملة المدربة، أدى إلى فشل هذا المشروع التنموي.

لقد تأثرت الخطط الاقتصادية في تشاد بسبب التبعية المفروضة عليها من قبل فرنسا، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية، أم حتى عسكرية، إضافة إلى الحروب الأهلية التي حطَّمت الآمال والطموحات، وانهارت معها المشاريع البسيطة التي أقيمت، وهو ما دفع بالعامين في مجال الزراعة والرعي إلى الهروب بثرواتهم إلى الدول المجاورة. ولهذا لم تحدث التنمية المطلوبة، بسبب الأزمات السياسية المتفاقمة، والحروب الأهلية، والهيمنة الفرنسية على موارد البلاد، وظلت تشاد في حكم العاجز عن تحقيق التنمية وظهرت جملة من العوامل التي استعصى إيجاد حل لها، لتكون عقبة حقيقية أمام التقدم التنموي في تشاد، منها التبعية لفرنسة، وربط الاقتصاد التشادي ربطاً عضوياً بدءاً بالعملة (الفرنك) وانتهاءً باحتكار الشركات الفرنسية التجارية الاستثمارية وسيطرتها، والشركات الصناعية، وكذلك احتكار السلع والمنتجات التشادية: كالقطن، وقصب السكر، والتبغ... وغيرها دون منافس، فتشتريها من المواطنين التشاديين موادَّ أولية بثمن بخس، ثم تُعيدها إليهم بعد تصنيعها في فرنسا بأسعار باهظة الثمن، كما أن معظم الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطن: كالكهرباء، والماء، والاتصالات، والصحة، تتحكم في خدماتها فرنسا، وتبيعها للمواطن التشادي بأسعار مرتفعة الثمن[6].

وللأسف بدلاً من أن تتجه الإدارة الجديدة لوضع أُسس ونُظم تنسجم مع واقعها المحلي، دأبت على تجسيد وترسيخ نظام الإدارة الاستعمارية، وبصورة مستمرة واصلت الحكومات المتعاقبة على الحُكم في تشاد على هذا النمط حتى أصبحت معظم الهياكل الإدارية تغلب عليها سمة العجز وعدم الكفاءة، كما ما رست كلُّ الحكومات المتعاقبة في تشاد المحسوبية في الإدارة بجرعات مختلفة، وكانت النتيجة انتشار ظاهرة الرشوة، وسرقة المال العام التي يعيبها العرف الاجتماعي التشادي، إلا أنها باتت من الظواهر الطبيعية المألوفة لدى الموظفين، وباستطاعة الموظف أن يقتطع جزءاً من المال العام، أو موارد الدولة التي يفترض أن تردَّ إلى خزينة الدولة إلى حسابه الخاص، ويوجهها لمصلحته دونما إحساس بتأنيب الضمير أو شعور بالذنب، من دون محاسبة قانونية رادعة للمفسدين، وبسبب ضعف الإدارة ضعف معها قانون المحاسبة؛ وهو ما أتاح الفرصة لكبار الموظفين لجلب موظفين من أتباعهم ومقربيهم لوظائف تحت إدارتهم ليتم تبادل المصالح فيما بينهم؛ بحكم تلك القرابة.

وقد ازداد الوضع سوءاً بانجراف البلاد في حروب أهلية مدمرة أتت على الأخضر واليابس؛ إذ راح ضحيتها الآلاف من المواطنين الأبرياء، وشردت أمثالهم إلى دول الجوار، وازداد الفساد والمحسوبية وغيرها، وقد دمرت خلالها كثير من المؤسسات الحكومية، كالمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الحكومية التي ما زالت شاهدة على آثارها إلى يومنا هذا.

أما القطاع الخاص، فهو أيضاً قد تأثر بسبب الحرب؛ إذ تم تدمير عدد لا يستهان به من المباني السكنية، والمحال التجارية في العاصمة. وقد رافق ذلك تفريط في الأمن، وهو ما أدى إلى حوادث سرقة في للمحال التجارية، وسطو على المنازل، وخاصة عندما سقطت العاصمة على يد كوكوني في عام 1981م، وهو الذي سمح لجنوده بنهب العاصمة مدة ثلاثة أيام بلياليها، تحت بصره وحمايته. في حينها ترك السكان مساكنهم من أحداث القتال، ولجؤوا إلى مدنية كسري في دولة الكامرون المجاورة.

كل هذه العوامل وغيرها كانت السبب الرئيسي وراء تخلُّف التنمية في تشاد، التي انشغل القادة فيها بالقتال من أجل الوصول إلى السلطة دون إعطاء أدنى اعتبار لفرصة تفكير في بناء الوطن وتنميته، الوطن الذي تركه الفرنسيون مثقلاً بالنعرات القبيلة، والدعوة الطائفية، وأخلَوه من العدالة الاجتماعية، وأصبحت المؤسسات العامة للدولة أماكن للنهب، والاختلاس بالطريق الشرعي والقانوني، وظهور أثرياء المال العام وكأنهم لا ينتمون إلى المجتمع التشادي[7].

ثالثاً: الآثار الاجتماعية والثقافية

تخبرنا الكتب التاريخية أن القبائل والمجموعات المكوِّنة للمجتمع التشادي كانت تعيش عبر القرون بسلام، وأمان ودون حساسيات وصراعات قبلية، وكأنهم قبيلة واحدة، إلا أن المستعمر في هذه البلاد مارس سياسة فرق تسد، التي تمثلت في غرس الأفكار الهدامة والتبعية، والغزو الثقافي والفكري، وتفتيت الشعب إلى قبائل متناحرة ومتناثرة هنا وهناك، وعمَّق روح المصلحة الشخصية دون الوطنية في كل شيء بدءاً بهيكلية الإدارة، وانتهاءً بالتركيبة الاجتماعية؛ حتى يجعل من الشعب آلة مسخَّرة لخدمة أهدافه الاستعمارية.

 وكان للصراعات السياسية المصحوبة بالحروب الأهلية في تشاد نتائج عامة أثَّرت على مسيرة الحياة في تشاد إلى يومنا هذا، ومن أهم الآثار والنتائج التي خلفتها تلك الحروب على المجتمع التشادي ما يلي:

ظهور التعصب القبَلي بين القيادات الثورية في تشاد.

هجرة المجموعات التشادية إلى دول الجوار.

تفشي ظاهرة الجهل والأمية، لعدم استقرار النظام التعليمي.

تسرب عادات وتقاليد جديدة، تعدُّ دخيلة على المجتمع التشادي، مصبوغة بالمؤثرات الغربية، وخاصة الفرنسية منها.

نمت القبيلة نمواً ملحوظاً ومطرداً، وفي المقابل تراجعت الهوية الوطنية، وتلاشت من اهتمامات الزعماء، ولم تُعد المصلحة الجماعية هي القضية الأكبر.

تعرضت البلاد إلى موجات من المجاعات لم يشهدها التاريخ التشادي عبر تاريخه؛ فالحروب الأهلية أتت على الأخضر واليابس، فتفشى الفقر بين الناس بشكل كبير، وتدنت القدرة الشرائية للمواطن.

أدت الحروب إلى تفشي ظاهرة التفكك الأسري؛ الذي لحق بكثير من العائلات، وتشريد الأطفال، فضلاً عمَّا خلفته الحرب من أرامل ويتامى، بسبب مصرع كثير من الرجال والنساء.

انتشار الأمراض الاجتماعية، مثل الدعارة، والتشرد، والتسول، وتفشي ظاهرة الفساد الأخلاقي، واختفى خلال هذه الفترة خيرة الشباب، والشخصيات الوطنية[8].

خاتمة:

من خلال ما سبق ذكره يتبين لنا دون أدنى شك، أن الحروب والصراعات الأهلية في تشاد، قد أحدثت تفكُّكاً اجتماعياً، وأخلاقياً، في منظومة القيم السائدة لدى المجتمع التشادي، وظهر جليّاً، أن الأنظمة السياسية المتعاقبة على السلطة (التي يغلب عليها الطابع القبلي) ليس لديها الرغبة الصادقة في الوصول إلى حلول شاملة وجذرية، تضع حدّاً لحالة الاقتتال المستمر، الذي دمر ومزَّق الاقتصاد، ولا تريد في الوقت ذاته أن تُنهي حالة الفوضى السائدة في كل قطاعات الدولة ومؤسساتها الدستورية؛ فمنذ منتصف ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم، نجد ظاهرة الحروب لم تتوقف، وحمامات من الدماء تُفتح ولا تُغلق، والمجموعات الرافضة للوضع السائد تتكاثر أيّاً كانت تسميتها: ثورة، قطاع طرق، مرتزقة، مجموعات إسلامية، أجانب... ألخ، بدأت بالحربة والسكين، وها هي اليوم تواجه الهليكوبتر والجكوار... نصف قرن من الزمان وهم يتقاتلون من الوريد إلى الوريد، لا الأنظمة استطاعت القضاء على المعارضة المسلحة، ولا المعارضة استطاعت تقويض عرش النظام التشادي.

 إن الآثار المأساوية التي يُعاني منها المجتمع التشادي جراء تلك الصراعات السياسية، والحرب الأهلية، تقتضي بالضرورة تغيير النهج المتَّبع في تبادل الدور القبلي في السلطة، ذلك الدور الذي أدى إلى صراعات قضت على إمكانيات البلاد، وجلبت المأساة للجميع؛ عندما عجز القادة السياسيون عن إيجاد حل وطني يحفظ لكل ذي حق حقه، ولن تنتهي هذه المأساة ما لم تتخلَّ النخبة السياسية عن جذورها العرقية، وتمسُّكها بالإرث القديم غطاء يخفي وراءه المشاعر القبلية التي تسمح لها باستمرار السيطرة على الأوضاع، وسيطرتها لتأمين بقائها في السلطة، وتسارع النخبة المسيطرة في الاستنجاد بقوى خارجية، كلما أحُرجت أو ضعفت داخلياً لحماية مصالحها، لتُبقي البلاد والمواطن في حلقات التخلف الاجتماعي نفسها، إضافة إلى القيود السياسية والاقتصادية المفروضة عليها، وبقاء الأغلبية الساحقة محرومة تدافع عن حقها في العيش.

وأخيراً يمكن القول: إن النتائج التي توَصلنا إليها في دراستنا هذه، تجعلنا أمام سؤال كبير، نعتقد بأن الإجابة عنه ستمكننا من معرفة كثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بتدهور الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية في دولة تشاد، جراء هذه الحروب. ألا وهو: كيف ساهمت القوى الأجنبية وخاصة الفرنسية منها في إذكاء نار الفتنة والحروب الأهلية في تشاد؟

تلك إشكالية سنعمل على مناقشتها والوقوف عندها بدراسة مستقلة في قادم الأيام بعون الله تعالى، وذلك بهدف فضح المخططات، والنوايا الاستعمارية تجاه القارة الإفريقية، التي تكالبت عليها عبر التاريخ الدول الاستعمارية الكبرى لنهب ثرواتها وخيراتها.

 


 


[1] محمد حسين، الاستعمار الفرنسي من القرن 16م إلى عهد ديجول والجمهورية الخامسة، دار النصر للطباعة والنشر، القاهرة، دون تاريخ، ص200.

[2] Gautier (E. F.), 1949, LAfrique Occidentale Françaises, Paris, p.45.

[3] عبد الرحمن الماحي، المجتمع التشادي في عهد الاحتلال 1898 - 1960، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1982م، ص88.

[4] محمد شريف جاكو، العلاقات السياسية بين تشاد والسودان 1960 - 1990، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1977م، ص148.

[5] عمر صغير أحمد، الحرب الأهلية في تشاد وأثرها على تدفق اللاجئين التشاديين إلى تشاد 1979 - 1982م، رسالة ماجستير بجامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، 2014م، ص91.

[6] عبد الله إسحاق الضيف، تأثير الحرب الأهلية في تشاد على الحياة السياسية، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، غير منشورة، أكاديمية الدراسات العليا، ليبيا، 2011م، ص119.

[7] عمر صغير أحمد، الحرب الأهلية في تشاد وأثرها على تدفق اللاجئين، مرجع سابق، ص97.

[8] المرجع نفسه، ص 98.

 

 


أعلى