الرابح الأكبر!

يتفق جناحي السياسة الأمريكية على أن السبب الأساسي في انتصار طالبان هي باكستان، وهذا ما أقر به بروس ريدل الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، حين اعترف أن سيطرة طالبان على أفغانستان اعتمدت بالأساس على الدعم الباكستاني


"يجب أن تعاقب الولايات المتحدة باكستان بعد فشل مهمة واشنطن في أفغانستان"

هذا ما اقترحه مايكل روبين كاتب العمود في مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.

ويقول روبين وهو عقيد سابق في الجيش الأمريكي وكان قد أدى فترة من خدمته في أفغانستان، إن هزيمة الولايات المتحدة أمام طالبان هي ذل.

وأضاف: السبب الحقيقي لفشل كابل في الحرب لا يكمن في الفساد، ولكن في حقيقة أن إسلام آباد (عاصمة باكستان) ساعدت طالبان، وفي الوقت نفسه تعاونت باكستان مع الولايات المتحدة وحصلت على 23 مليار دولار منذ عام 2001 لدعم التحالف الغربي الذي قاتل في أفغانستان المجاورة.

وأضاف: إنني مقتنع بأن ذنب باكستان واضح، فالضربة الحالية لأفغانستان لم تحدث من فراغ هذه نتيجة الخداع، أقنعت إسلام آباد واشنطن بأنها كانت تروج لمفاوضات السلام، لكنها في الواقع كانت تعد طالبان للاستيلاء على دولة مجاورة، بالإضافة إلى ذلك إلى أن باكستان تتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين، وهذا يمنح بكين الوصول إلى المحيط الهندي ويؤثر على المحيطين الهندي والهادئ حيث تدرب جمهورية الصين الشعبية أجهزة استخبارات إسلام آباد، وقد أقامت القوات المسلحة الباكستانية وجيش التحرير الشعبي الصيني علاقات قوية.

واقترح روبين استبعاد باكستان من قائمة الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة خارج الناتو ورفض قروض إسلام آباد من صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي وفرض عقوبات على ضباط المخابرات والجيش الباكستانيين المتورطين في دعم طالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية.

هكذا يقول الكاتب الذي كان ضابطا في الجيش الأمريكي، ويمثل جناحا في السياسة الأمريكية يشعر بالهزيمة المذلة على حد تعبيرهم وأن قرار الانسحاب كان خاطئا، في مقابل جناح آخر داخل أروقة الحكم الأمريكي يتفق أن الانسحاب كان مذلا ولكن كان شرا لابد منه تفاديا لانتكاسة أكبر.

ويتفق جناحي السياسة الأمريكية على أن السبب الأساسي في انتصار طالبان هي باكستان، وهذا ما أقر به بروس ريدل الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، حين اعترف أن سيطرة طالبان على أفغانستان اعتمدت بالأساس على الدعم الباكستاني.

ولكن لماذا دعمت باكستان طالبان؟

في السبعينات استيقظت النخبة العسكرية الباكستانية على وقع الهزيمة المذلة لها الثانية من العدو التاريخي لباكستان وهي الهند، هزائم عسكرية نتج عنها احتلال كشمير وانفصال بنجلاديش، ومما زاد الأمر سوء دخول الهند في نادي القوى النووية، وهنا أدرك هؤلاء أن استمرار ذلك الوضع ينبئ بزوال الدولة الباكستانية بعد أن تبتلعها الهند.

وضعت المخابرات الباكستانية لقادة باكستان خارطة طريق استراتيجية للحيلولة للوصول إلى ذلك الوضع تتكون من عنصريين رئيسين: الأول الدخول في برنامج نووي سري، والأمر الثاني هو الهيمنة على أفغانستان واتخاذها حديقة خلفية لالتفاف حول الهند.

وكان الغزو السوفيتي لأفغانستان فرصة لباكستان للبدء بتنفيذ استراتيجيتها تلك: سواء النووية عندما غض الغرب الطرف على الأنشطة النووية الباكستانية لاحتياجه للدور الباكستاني في اسقاط الاتحاد السوفيتي، أو ما يتعلق بدعم المجاهدين واختراقهم وتوجيه فصائل المجاهدين الأفغان الداعمين منهم للأهداف الباكستانية.

بظهور طالبان تلقفتها المخابرات الباكستانية ودعمتها، فدعم الحركة و كان على رأس عملاء المخابرات الباكستانية في هذا الأمر ما اشتهر بلقبه الحركي العميد إمام واسمه الحقيقي أمير سلطان طرار، حيث تم تعيينه كقنصل عام لباكستان في قندهار ثم في هرات، وإمام كان له دور تاريخي في مساعدة المجاهدين ضد الروس في السابق، وبعد ذلك قاد عملاء باكستان الذين قدموا الدعم لطالبان وأمدوهم بالسلاح اللازم لبسط سيطرتهم على جميع أنحاء أفغانستان، وقد أثبت امام هذا الدور بنفسه في حديث نادر لصحيفة بريطانية بعد احتلال أمريكا لأفغانستان، نفي فيه ما تتداوله تقارير المخابرات الأفغانية و الأمريكية من اشتراكه مع طالبان في القتال بولاية هلمند قائلا إنه لم يعمل منذ ثماني سنوات، أي أنه يثبت على نفسه أنه قد عمل مع طالبان حتى الإطاحة بها عام 2001 ، ووفق بعض المصادر فقد كان إمام ملتحيا و يتقلد العمامة الأفغانية.

وتنفي المخابرات الباكستانية دورها في إنشاء طالبان أصلا، ولكن لا تنفي دعمها بعد ذلك وهذا ما يثبته قول الجنرال حميد غول مدير مخابرات باكستان الأسبق: إن من الخطأ اعتبار المخابرات الباكستانية مسئولة عن ايجاد طالبان... إنها رد فعل للوضع في أفغانستان آنذاك ثم بدأت المخابرات الباكستانية بمساعدتها لأن الجميع كانوا يريدون إنهاء الحرب بين الفئات الأفغانية المتحاربة.

وفي أوائل عام 1996 عندما كانت بنازير بوتو في ولايتها الثانية كرئيسة للوزراء، أصبحت تشعر بالقلق من صلات باكستان القوية مع طالبان، ومن هيمنة وكالة الاستخبارات الباكستانية على السياسة الأفغانية وجرت دعوة اجتماع لكبار مسئولي الحكومة لمناقشة الانسحاب من العلاقة مع طالبان، وطالب الجنرال جيهانجير كرامات رئيس القوات المسلحة بإيقاف نشاطات الوكالة داخل أفغانستان. وقال أعضاء مدنيون في الحكومة انه إذا ما سحبت باكستان دعمها فان طالبان ستنتهي وفقاً لعرض موجز قدمه أحد المشاركين في ذلك الاجتماع.

ولم تنسحب وكالة الاستخبارات وفي الأشهر اللاحقة حققت طالبان انتصارات هامة في ميدان المعركة حيث استولت على هرات وجلال آباد والعاصمة كابل بحلول خريف عام 1996.

واستمر الدعم الباكستاني لطالبان حتى بعد الاحتلال الأمريكي عام 2001، وفي دراسة لمركز راند نشرت في يونيو 2008 يخلص كاتبها سيث جونز إلى أن طالبان وجماعات أخرى تحصل على مساعدة من أفراد في المخابرات الباكستانية، وقال التقرير أن مسئولي الناتو اكتشفوا العديد من الحالات التي أمدت فيها عناصر الاستخبارات الباكستانية مقاتلي طالبان بالمعلومات وسربوا لهم أنباء عن مواقع وتحركات القوات الأفغانية وقوات التحالف وهو ما قوض العديد من العمليات العسكرية لكل من الولايات المتحدة ولحلف الناتو ضد مقاتلي طالبان، في حين لم يشر التقرير إلى الفترة الزمنية التي وقعت فيها تلك التسريبات. وقال التقرير أيضا أن الاستخبارات الباكستانية والوكالات الحكومية الأخرى وفرت تدريبات لعناصر طالبان والمتمردين الآخرين في معسكرات داخل باكستان بالإضافة إلى توفيرهم للمعلومات والمساعدات المالية ومساعدتهم في عبور الحدود.

ولكن ما هو حدود الدعم المخابراتي الباكستاني لطالبان؟

هل هو دعم بالمعلومات والامدادات العسكرية واللوجستية فقط؟ أم أن الأمر وصل إلى التأثير على قرارات الحركة وخياراتها الاستراتيجية أيضا؟

في عام 2010 نشرت كلية الاقتصاد بلندن، وهي مؤسسة بريطانية بارزة، تقريرا استند إلى

مقابلات أجريت مع قادة لطالبان ذكروا أن وكالة المخابرات العسكرية الباكستانية لها تمثيل في المجلس الأعلى لقيادة طالبان، ولها أيضت ممثلون في مجلس شورى (طالبان) إما كمشاركين أو مراقبين ومن ثم فإن المخابرات تلعب دورا على أعلى مستوى للحركة.

وفي فبراير عام 2010 تناقلت بعض وسائل الإعلام أنه قد تم اعتقال ما يقرب من نصف قيادة حركة طالبان في افغانستان من قبل المخابرات الباكستانية، ويعتقد أن سبعة من مجموع خمسة عشر من مجلس قيادة طالبان قد تم اعتقالهم وهم ما يسمى بمجلس شورى كويتا بما في ذلك رئيس العمليات العسكرية الذي كان حينها الملا عبد الغني برادار.

وتفسر صحيفة نيويورك تايمز الأمر بأن اعتقال أجهزة الاستخبارات الباكستانية الملا عبد الغني بردار هو من أجل افشال محادثات سرية أجرتها الحركة مع حكومة قرضاي التابعة لأمريكا، ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني باكستاني قوله: نحمي طالبان التابعين لنا ولن نتركهم يبرمون اتفاقاً مع الرئيس الافغاني حميد كارزاي والهنود.

وتمضي الصحيفة لتدلل على كلامها فتقول إن أجهزة الأمن الباكستانية قد أطلقت معظم القادة الـ 22 الذي اعتقلتهم بعد أسابيع من توقيف الملا برادر الذي يعيش اليوم بحسب نيويورك تايمز في منزل مريح وفرته أجهزة الاستخبارات الباكستانية.

ونختم مقالنا بما ذكره الجنرال حميد غُل، رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية السابق، في تصريح تليفزيوني له عام 2014 أي قبل سبعة أعوام "حينما يُكتَب التاريخ، سيذكر أن الاستخبارات الباكستانية هزمت الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بمساعدة أميركا. لكن سيزيدنا التاريخ من الشعر بيتا، فقد هَزمت الاستخبارات الباكستانية أميركا بمساعدةٍ أميركية.

 

 

أعلى