سوريا... هل من نهاية قريبة!

كتب أحد النشطاء السوريين يقول: قبل ثمان وثلاثين سنة تماما؛ كانت هناك مأساة تحدث بعيدا عن أعين العالم بشير إلى (مذبحة حماة)، أما اليوم فالمأساة متوفرة مع البث المباشر، وعلى جميع وسائل التواصل.


في هذا الشهر يكون قد مر على الثورة السورية عشر سنوات، ففي الخامس عشر من مارس عام 2011 خرج الناس في كل قرى ومدن سورية منادين بإسقاط النظام، ومطالبين بالحرية والكرامة وبتحقيق العدالة والمساواة، داعين إلى رحيل بشار الأسد ونظامه.

ونعود ونتذكر لماذا ثار الشعب السوري على هذا النظام؟

لقد جاء حافظ الأسد إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 1970، ليعطي صورة جديدة لحزب البعث العربي السوري، صورة قائمة على سيادة طائفة وهي الطائفة النصيرية، وبالتدريج أصبحت السيادة تضيق تدريجيا، فأصبحت دائرة الحكم في النهاية قائمة ومقتصرة على عائلة الأسد وأشد المقربين منهم والداخلين في دائرتهم الضيقة.

لقد قام نظام حافظ الأسد وبعده ابنه بشار، طوال تاريخهم وحتى الآن بعدة جرائم كبرى في حق سوريا والسوريين أهمها:

الاستيلاء على ثروات سوريا، وسحق المواطن السوري بالإجراءات القمعية، ثم تغيير هوية الشعب السوري.

افقار الشعب السوري

سوريا في الأصل بلد غني بموارده الطبيعية، فهي تحتوي سهولاً خصبة ومياهاً وافرة، وتحتوي أيادي عاملة ماهرة، كما تحتوي تنوعاً طبيعياً بين جبال ووديان وسهول.

وفي عام 2010 قبل اندلاع الثورة أشارت الاحصائيات أن حوالي سبعة مليون نسمة أي ما نسبته 34,3 بالمائة من إجمالي السكان قد أصبحوا تحت خط الفقر، في حين أن خبيراً اقتصادياً قدره ب 37 بالمائة في حال احتسبت عتبة الفقر بثلاثة دولار في اليوم، وب 52 بالمائة في حال انطلق الحساب من دولارين.

وتشير هذه الاحصائيات لنفس الفترة أن معدل البطالة وصل إلى 16,5 بالمائة أي 3,7 مليون نسمة، بينما قدرت البطالة بصورة غير رسمية ب 32 بالمائة أي سبعة مليون نسمة، بينما انخفضت قدرة الناس الشرائية بحوالي 28 بالمائة خلال الأعوام العشرة الماضية أي من عام 2000 حتى 2010، وتدنت نسبة استهلاك القوى العاملة 16 مليون سوري إلى 24 بالمائة من الدخل الوطني، وانقسمت سوريا بين قلة من الناس تملك كل شيء وهم آل الأسد ومن حولهم نهبوا كل خيرات ومقدرات سورية، والثاني وهم معظم الشعب لا يملكون ولا يجدون قوتهم وهم في فقر مدقع.

القمع الأمني

تعددت الأجهزة الأمنية للنظام السوري وأصبح عددها سبعة عشر جهازاً، ويبلغ عدد العاملين فيها 365 ألف، وبلغت ميزانيتها ضعف ميزانية الجيش السوري، وشكلت هذه الأجهزة في مجموعها أخطبوطاً أحاط بالمواطن.

لقد بلغ القمع ذروته زمن انتفاضة مدينة حماة في أوائل الثمانينات حيث هدم الأسد المدينة فوق ساكنيها وقتل فيها ما يقرب من 40 ألف مدني واعتقل عشرات آلاف، ولكن المجازر لم تتوقف.

وقد كتب أحد النشطاء السوريين يقول: قبل ثمان وثلاثين سنة تماما؛ كانت هناك مأساة تحدث بعيدا عن أعين العالم بشير إلى (مذبحة حماة)، أما اليوم فالمأساة متوفرة مع البث المباشر، وعلى جميع وسائل التواصل. 

محاولة تغيير الهوية 

ولكن أسوأ ما فعلته عائلة الأسد: الأب والابن هي محاولة طمس هوية الشعب السوري السنية، فلم يحارب نظام الأسد المتدينين فقط بل وجه سهامه ضد الإسلام نفسه، ففي خطاب له منذ شهرين أشار الأسد إلى أن التطبيق الصحيح للدين يجب أن يعتمد على تفسير صحيح للقرآن، واضاف أن التفاسير السابقة لا تناسب المرحلة الراهنة، مشيدًا بالتفسير الذي أصدره وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد تحت اسم التفسير المعاصر الجامع، وقال إن التفسير الذي أصدرته وزارة الأوقاف يخص جميع الطوائف في الدين الإسلامي، وهو نقطة التقاء مع المسيحيين، معتبرًا إياه المرجعية الفقهية الجديدة المتمثلة بـالمجلس العلمي الفقهي، وهو بالضرورة يعني إجبار كل القطاع الديني السوري (في مناطق سيطرة النظام) على اعتماده كمرجع في التفسير.

ولكن ما الذي أسفرت عنه هذه الثورة؟ وما هو مستقبلها؟

الثورة السورية

بدأت الثورة بخروج مجموعة من الشباب والمراهقين في مدينة درعا الحدودية السورية، وكتبوا على جدران المدارس والمباني "جاييك الدور يا دكتور" (حان دورك يا دكتور)، في إشارة منهم إلى بشار الأسد، ثم ما لبثت الانتفاضة شعبية أن عمت معظم إن لم يكن كل المدن السورية، بل تعدت بعض المظاهرات المليون، كما حدث في حماة ودير الزور، الأمر الذي قابله الأسد بالقمع الوحشي الممنهج.

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن حجم الخسائر البشرية من المدنيين بلغ منذ انطلاق الثورة السورية في مارس 2011 وحتى اليوم الأول من مارس 2020 أي قبل عام، حوالي ربع مليون مدنياً، ثلاثون ألف منهم من النساء، وأكثر قليلا من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وقد قتل خمسة عشر شخصاً بسبب التعذيب، في حين لا يزال مائة وخمسون ألف شخصاً قيد الاعتقال، وتقريبا مائة ألف لا يزالون قيد الاختفاء القسري.

كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، منذ 20 نوفمبر 2014 وحتى يوم الأول من مارس 2020، تنفيذ طائرات نظام الأسد الحربية والمروحية أكثر من مائة وستون ألف ضربة جوية، وقصف الطائرات المروحية المناطق السورية بأكثر من ثمانين ألف براميل متفجرة، فيما نفذت الطائرات الحربية ما يقرب من تسعين ألف غارة على الأقل.

بينما تعتبر كثير من منظمات الإغاثة الدولية أن مخيمات الشمال السوري مناطق منكوبة جراء العواصف والأمطار، وتحولت المخيمات في هذه المناطق إلى قصص من مأساة الشعب السوري، حيث تحولت كل خيمة إلى قصة تعود لعائلة هجرها النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني، إذ لم يبق لهم من وطنهم الأم سوى قطعة قماش عجزت عن حمايتهم من البرد والصقيع.

وأشار الدفاع المدني السوري ويطلق عليهم الخوذ البيضاء إلى أن الأمطار والسيول أدت إلى تضرر ما يقرب من ثلاثمائة مخيم في الشمال السوري مؤخرا، في حين أن أربعة آلاف خيمة تدمرت بفعل العوامل الجوية، وباتت ما يقرب من أربعة آلاف عائلة بدون أي مأوى.

ولكن هل لهذه المأساة من نهاية؟

مستقبل الثورة السورية

يلخص المسؤول الأميركي والأممي السابق وهو يعد من أبرز الخبراء في الملف السوري جيفري فيلتمان، في حديث لصحيفة الشرق الأوسط مستقبل سوريا بقوله: لا أظن أن حكم الأسد مضمون في المدى الطويل، ويتابع: التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبنيوية، ستخلق كثيراً من المشاكل التي لا يمكن لنظام دمشق التعامل معها أكثر مما فعلته الانتفاضة السورية، واعتبر أن إيران وحزب الله وروسيا الذين سارعوا سابقا لإنقاذ النظام عسكريا، لن ينقذوه اقتصادياً هذه المرة.

وعلى الرغم من اعتراف فيلتمان أن حكم بشار الأسد أصبح عسكرياً أقوى مما كان عليه قبل سنوات، ولكن بحسب فيلتمان فإن تهديد البقاء لحكم الأسد، لم يعد عسكرياً ولا بسبب الانتفاضة، بل لتراجع الوضع الاقتصادي.

وفي ورقة في باب السياسات العامة صدرت عن مؤسسة راند بعنوان (الاحتشاد ومستقبل الصراع) تتحدث عن التكتيكات المحتملة التي ستنشرها إدارة بايدن، باستخدام وكلائها المتعدّدين لتنفيذ هجمات معزولة على البنية التحتية الأساسية والأهداف العسكرية والمدنية السورية، من أجل الحفاظ على عدم الاستقرار وزيادة الضغط على سوريا.

بينما يرى الدكتور محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج الإماراتية إن مؤشرات جديدة لتسوية الأزمة السورية بدأت تتكشف في الأسابيع الأخيرة، منذ مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلفًا لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت شديدة الارتباك والتردد في تفاعلها مع الأزمة السورية، ما بين نوايا الانسحاب من سوريا، وبين تأكيد البقاء للسيطرة على النفط السوري، ويضيف إدريس: إن أمريكا سوف تتدخل بطريقة ما للحيلولة دون تمكين روسيا من جني ثمار تدخلها العسكري والسياسي في سوري، ولدعم المطالب الإسرائيلية وعلى الأخص إخراج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود السورية- العراقية أمام إيران، وأردف ادريس: إن التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة في الأسابيع الأخيرة، جاء ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية، في ضوء ما فهمه نتنياهو من وجود نوايا جادة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران متجاوزة كل التحفظات الإسرائيلية.

ولكن هل مصير الثورة السورية تتحكم فيه أمريكا أو حتى في يد روسيا وإيران ونظام بشار.

نكاد نجزم إنه لا زال في يد الشعب السوري الذي بصبره ومقاومته قادر على أن يقلب موازين الصراع على سوريا كما فعلها منذ عشر سنوات.


 

أعلى