السلفية وأسئلة المشاركة السياسية 1

السلفية وأسئلة المشاركة السياسية 1


أعدّه: أسامه شحادة

لعله لأول مرة يتم عقد ندوة علمية بخصوص الدور السياسي للدعوة السلفية ومشاركتها في اللعبة الديمقراطية في العالم العربي تجمع بين ممثلين عن السلفية من عدد من البلاد العربية وباحثين ومهتمين عرب وأجانب بهذا الموضوع من غير السلفيين ومن العلمانيين واليساريين، وذلك في ندوة "السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية" والتي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت الالمانية، يوم 8/10/2012م.

تنوعت الكلمات والمداخلات في منطلقاتها وتصوراتها، ولكنها كشفت عن وجود قدر مشترك يدور حول التزام السلمية والقانون والحوار، وبين وجود منطقة خلافات عميقة حول الأسس الفكرية والفلسفية للديمقراطية والتعددية والحريات العامة والفردية، وحتى نستثمر هذه الندوة بشكل إيجابي ونراكم على ما تم فيها أسجل بعض الملاحظات والخواطر التي خرجت بها من هذه الندوة، وسيكون حديثي عن الأفكار دون ذكر القائل حتى لا نشخصن القضايا ويمكن الوصول لتفاهم أو تفهم أكثر:

* في البداية أعرب الكثير من المشاركين وخاصة العرب منهم عن جهلهم بالسلفية وعدم معرفتهم لها، ويؤشر هذا على حالة خلل لدى أكثر من جهة، فأنا أعتقد أن السلفيين مقصرين جداً بحق التعريف بدعوتهم في خارج الأوساط القريبة منهم من جهة، وباقتصارهم على لغة شرعية علمية في مخاطبة الشرائح والفئات المتعددة التي لا تستوعب الخطاب الشرعي السلفي، كما أنهم لا يقدمون لهذه الفئات من المجتمع ما يحتاج أن يعرفه المجتمع عنهم، ويقتصرون على ما يعتقدون هم أنه كاف في مخاطبة المجتمع وقد ثبت خطأ كل ذلك من خلال المدخلات التي قام بها وزراء وكتاب وصحفيين وناشطين وغيرهم، فهل يبادر السلفيين أفراداً ومؤسسات لسد الفراغ وتلبية حاجة المجتمع بالتعرف على السلفية ؟ وهذا الخطاب موجه لطلبة العلم السلفيين والباحثين والخطباء والأكاديمين منهم وموجه لمركز الإمام الألباني وجمعية الكتاب والسنة وبقية الجمعيات السلفية في الأردن وخارج الأردن.

ومن جهة أخرى فإن وسائل الإعلام تتحمل قدر كبير من المسؤولية في التقصير بحق الدعوة السلفية وعدم التعريف بهم وبمنهجه، فلماذا لا نجد سلفي له برنامج في وسائل الإعلام الرسمية، أليسوا جزءا من المجتمع ؟ لماذا لا تغطى وسائل الإعلام فعالياتهم أسوة بالآخرين ؟ أيضا كم عانى السلفيين من التغطية الإعلامية الظالمة التي ضخمت ظاهرة (السلفية الجهادية) على حساب السلفية، أما المثقفين والكتاب فلماذا يتقاطر الباحثين الأجانب من الأكادميين والإستخبارتيين من أوروربا على السلفيين للتحاور معهم ومعرفتهم عن قرب، فيما يأنف كثير من مثقفينا من التواصل مع السلفيين وهم في الشارع المجاور ؟ 

* في المقابل كان واضحاً جداً معرفة السلفية بالعلمانية ومدارسها وتاريخها وكوارثها على الأمة، فمتى يبادر العلمانيين بالقراءة للسلفيين والذين هم من أكثر الناس كتابة وتأليفاً.

* ليس من الذوق السليم ولا التعامل الراقي، التعامل مع السلفيين خصوصاً والإسلاميين عموماً بطريقة تكون أقرب لامتحان مدرسي أو استجواب أمنى بخصوص تفصيلات محددة في قضايا المرأة والتعددية والحريات الفردية، ومطلوب من السلفيين اختيار الجواب الصحيح وبالطبع هو الجواب العلماني !! وهو الذي سيترتب عليه إعطاء السلفيين شهادة صلاحية للدخول في اللعبة الديمقراطية، لقد كان هذا هو الخطاب المستبطن في العديد من المداخلات العلمانية، وهو ما لقي رفض مباشر وصريح في الندوة وامتعاض من المشاركين السلفيين.

وذلك أن العلمانيين والديمقراطيين ليسوا في موضع الحكم أو التوجيه للسلفيين ولغيرهم إذا كانوا يؤمنون فعلاً بالتعددية والليبرالية والفردية، ومن أجل هذا عليهم أن يستبدلوا طريقة الحوار والخطاب بطريقة تشاركية لا استعلاء فيها، وإذا كان دافع هذا ظن بعضهم أن هذا الأسلوب قد نجح في تطويع الإخوان المسلمين للقبول بالديمقراطية كاملة بالمفهوم العلماني، فأعتقد أنه واهم في كل الأحوال، وهذه الطريقة ستعمق هوة الشك والعداوة بدلاً من العمل على الوصول لمشتركات.

* كان من المدهش لنا استفسار البعض واستغرابهم عن أين كان السلفيون ؟ وقد نقل الزميل د. محمد أبو رمان جواب العلامة أبي إسحاق الحويني على هذا السؤال بقوله " لقد كنا (السلفيين) في الأرض حين كنتم (العلمانيين) في المريخ " !

ولا أدرى كيف يحق لسياسي أو مثقف أن لا يعرف أجزاء المجتمع، خاصة إذا كان جزء كبير ومنتشر وظاهر، ولكنها نتائج التحيزات الآيدلوجية والإستعلاء الأجوف، والتي أرغمتها صناديق الإقتراع على التواضع ومعرفة حجمها الحقيقي.

* لاح لي أن سبب الجهل بالسلفيين والإستعلاء عليهم من قبل بعض العلمانيين وجود قناعة خفية مضمونها: نحن العلمانيين والديمقراطيين الأصل في الحالة السياسية، وأن الإسلاميين ومنهم السلفيين قوم طارئين ودخلاء ومتطفلين على الشأن السياسي، وأنهم لابد من خضوعهم لشروط اللعبة الديمقراطية للقبول بهم.

وهذا الطرح يقوم على مغالطة تاريخية، تقوم بشطب تاريخ الأمة الإسلامية 1400 سنة بجرة قلم، وابتداء التاريخ بوصول العلمانية لبلادنا، خلافاً للحقيقة أن العلمانية الليبرالية هي الوافدة على أمتنا الإسلامية والعربية حديثاً، والتي جائتنا على متن بوارج الإستعمار وعبر مدارس الإرساليات الأجنبية التنصيرية، وأن العلمانيين لم يتصدروا الحالة السياسية إلا عبر عمليات منظمة لتجهيل غالبية الأمة، أقفلت المدارس الأهلية من جهة، وشجعت مدارس الإرساليات التنصيرية والتي آثر غالبية المسلمين عدم التعلم فيها على ضياع الدين والإسلام في قلوب أبنائهم بإلزام الطلبة على حضور القداس والذهاب للكنيسة ومنع الحجاب، فأصبح المتعلمون هم العلمانيين والذين شغلوا كثيراً من المناصب.

ومن ثم جاء دور الرعاية الإستعمارية لضحايا هذه المدارس التنصيرية بالابتعاث للغرب بغرض الدراسة، ومن ثمة تنصيبهم في مفاصل الدولة، وهو يشابه ما يجرى الآن تجاه الثورة في سوريا واليمن، حيث لا يشكل شلال الدم المتدفق في سوريا هماً للعالم المتحضر والديمقراطي الغربي الذي يقف متفرجاً على ما يجرى، ولا العالم التقدمى الشيوعي الشرقي الذي يمارس القتل بأسلحته وخبرائه كل لحظة في سوريا، طالما أن أقدام رجالاتهم لم ترسخ بعد في القيادة القادمة لسوريا ويتم ضمان أمن إسرائيل !!

أما العلمانية اليسارية الأحزاب الشيوعية واليسارية وأخواتها من البعثية والإشتراكية، فبحسب الموسوعة اليسارية "موسوعة الحركات اليسارية" - من اصدار المركز العربي للدراسات الإستراتيجية في دمشق تحت اشراف الرئيس اليمني اليساري السابق على ناصر- تم تأسيس غالبية الأحزاب الشيوعية واليسارية في البلاد العربية بواسطة الجاليات الأوربية وخاصة اليهودية منهم، فكيف بعد هذا يكون العلمانيين هم الأصل في الساحة السياسية لأمتنا والإسلاميين هم الطارئين عليها، وهم الذين قادوا الحركة الوطنية منذ حروب الفرنجة والإستعمار الأوروبي الحديث الذي جاء يكمل تلك المسيرة المجرمة ؟؟

- السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية (1)

- السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية (2)

- السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية (3)

- السلفيون وأسئلة المشاركة السياسية (4)

 

أعلى