• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الـوعـد الإلـهـي الـكـاذب

الـوعـد الإلـهـي الـكـاذب

 

 لم يكن العنوان السابق سوى نتيجة لقراءة عميقة لما خلصت إليه الرواية الرسالية التي تجسد طبيعة الصراع بين اليهود والمسلمين. الرواية التي كتبها المؤلف السوداني من أصل فلسطيني أسامة الأشقر بعنوان "البحث عن التابوت" تتنقل فيها خلال 400 صفحة بين أزمنة وأحداث ومدن في عمق إفريقيا، بين قبائلها ومدنها، بين صحاريها وينابيعُ تتفجر وسط صخورها... تتحدث وتصف وترسم صورة متكاملة عن حياة الراوي خلال رحلة علمية للبحث عن تاريخ القبائل الإفريقية، بعد أن قطع شوطاً كبيراً انطلاقاً من شرق السودان متنقلاً ما بين الترف المعيشي في المدينة والعراء والجوع في البراري والقرى؛ إذ بلغ به الأمر أن يصف جزءاً من معاناته قائلاً: "تسلقت إلى الصخرة البيضاوية أترقب وصول المرفاعين ومعه غداؤنا أو عشاؤنا فقد استبد بي الجوع، ولم أشأ إفراغ بعض الماء الذي أحمله في حلقي إلا بعد ابتلاع ما سيجود به علينا دليلنا الصياد".

 كان الدكتور عالمُ الصوتيات والباحثُ في الحضارات القديمة قد رهن حياته لدليل الطريق المستأجَر "مرفاعين"، لم يكن في حالة رفاهية من حيث الاختيار؛ فإما إكمال بحثه الذي بشق الأنفس حصل على تمويل زهيد له من الجامعة، أو التخلي عن الطموح من أجل صغائر الأمور التي تتعلق بفقدان طعامه ومائه في غابات وصحاري لا تتصالح بسهولة مع الغرباء. بعد مرور أيام قفزت الأحداث بالراوي لأن يكون مقيَّد الأيدي والأرجل في أحد الكهوف الصخرية وقد أنهكه الجوع والألم والجروح التي أحدثها ضرب عصابة مجهولة له على جسده. كانت فرصتَه للتعرف على البروفيسور يورام الباحث اليهودي الذي يعمل في جامعة كينية، وأرادت المشيئة الإلهية أن يكون هو ممول بحث شخصية الرواية! يورام الذي يفتش في كهوف الغابات عن نقوش صخرية وتقاليد قبلية أراد مساعدة الدكتور أو استغلاله. وجد نفسه في "حوريب، معبد الجبل المقدس، الهيكل القديم لأمون ساكن الجبل" يعتقد البروفيسور يورام أن تلك الأرض أرض اليهود؛ فالقبيلة البدائية التي تعيش فيها هي الأكثر بؤساً والأقل حظاً في التاريخ. تدور جدلية عميقة بين البروفيسور يورام وبطل الرواية حول المكان الذي كتب على بني إسرائيل فيه التيه: هل هو سيناء أم في عمق أدغال إفريقيا حيث تعيش قبائل لا تزال تمارس طقوسها الوثنية إلى يومنا هذا؟ فحينما ذكر الدكتور أن التيه كتب على قوم إيلياء في حوريب بسيناء وأشار إلى جبل موسى، التفت إليه "يورام" مخاطبا: "هذا هراء سياسي قديم، جبل حوريب هنا، هل رأيت الماء يتفجر من الصخر هناك؟ يضحكون علينا ببعض العيون هناك بينما الماء ينفجر من الصخر كأنه آية أو معجزة!

"إنه كتاب العظيم "كبرا ناجاشت". هذه كانت إجابة سريعة من يورام الذي كان يتصفح كتاباً قديماً مصنوعاً من رقِّ الغزال، على تساؤلات كانت تطرحها نظرات عيني المتأملة في فعلة الرجل الجالس بجواري. يقول الراوي: إن "ناجاشت" كلمة تعني الملك بلغة الحبشة، ومنها عرف معنى كلمة "النجاشي"، الكتاب المشار إليه هو أساطير حبشية فيها عقائد مختلطة مع نكهة جبلية وقبلية عن بَدء الخليقة، وتأويلات عن "الانجيل"، وفيه كثير من الأحاديث عن تاريخ تلك المنطقة. جُل ما أراده يورام أن نعمل سوياً على تفكيك رموز ذلك الكتاب.. كان يتحدث بخشوع موجهاً حديثه إلي: "إن هذه الأرض التي تراها أرضاً مقدسة باركها الرب، وأخفى فيها أعظم كنوزه في الدنيا، إنها الأرض التي حرم منها أجدادنا، وحماها الله بهذا القحط والجدب والمجاعة لئلا تقع القوة الجبارة في يد من لا يستحقها من عوام الناس، وأسافل الخلق... استعملها الأجداد من زمان الملك سليمان لنقل التابوت العظيم، التابوت الذي يحوي قوة الجبار العظيم الذي كنا به ننتصر، ونمتنع على الأعداء". كانت الأحداث تدور بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية.

يقول الراوي: قاطعته سائلاً: إن ما تحاول إثباته يعني أنه لا مكان لقومك في فلسطين، ما دمت لا تؤمن بتاريخهم في الأرض المقدسة؟ أجاب باستخفاف: نعم! إن التاريخ اليهودي مزور، أولئك العلمانيون الصهاينة زوروا التاريخ مع المسيحيين المتصهينين الذين كانوا وراء اختراع الصهيونية، لم نكن نحن اليهود نؤمن بهؤلاء الكفار المسيحيين يوماً، كنا دائماً الأعلى مقاماً بين الأمم، اختارنا الله لعلو كعبنا، وارتفاع علمنا، وقربنا منه، بل كان واجباً عليه أن يكرمنا ويفضلنا!

 

يستكمل يورام حديثه عن قومه قائلاً: ترك لنا الأجداد تاريخهم، وضعوا لنا الإشارات في كل مكان، أهرامات صغيرة تمتد من منابع النيل الأزرق وعلى طول نهر النيل حتى مصر القديمة، تكبر كلما اتجهنا شمالاً من هنا، ليعلم البعيد المقيم هناك في الشمال أنه يجب عليه أن يتحرك جنوباً نحو الأهرام الأصغر حجماً ليصل إلى مادة القوة... تركوا لنا رموزاً كثيراً، لكن الأعداء والمسيحيين سرقوا الرموز وحرفوا معانياً، وطمسوا كثيراً منها حتى ضاعت معانيها.. تصور أن اليهود المساكين المنبوذين هنا يتكلمون الأمهرية بينما يتعبدون بلغة الكنيسة القبطية، ولا يعرفون شيئاً عن أسلافهم العبرانيين، تصور أن حاخاماتهم يسمونهم قساوسة وكهنة كالكنيسة المسيحية!

يقول يورام بعنجهية: إنني من سلالة سليمان الملك ابن داود، أنا ابن منيليك الأول! منيليك الأول، يتكرر اسمه مراراً في تاريخ المنطقة، وأروقة الكنيسة الحبشية القبطية التي تطعمت ببعض التشريعات اليهودية المرتبطة بتاريخ المنطقة فاختلفت عن القبطية المصرية، يقول الراوي: هل أصدق أن هذا الرجل من سلالة منيليك؟ آخر العهد بهذه السلالة ما كان يعتقده الناس في هيلاسي لاسي وهو آخر أباطرة إثيوبيا، وانتهى حكمه عام 1974م.

يستذكر الدكتور الأشقر في روايته قيام النجاشي سوسينيوس بشن هجوم في القرن السابع عشر على يهود الفلاشا فخرب بيوتهم وهدم قراهم ومعابدهم، وعندما جاءت الإرسالية البروتستانتية في القرن التاسع عشر دخلت جماعات يهودية في المسيحية للخروج من الاضطهاد، وأصبحت جزءاً من الكنيسة الأرثوذكسية القبطية.

صخب الجدال بين الباحث اليهودي يورام والراوي أوصلهما إلى الجدل حول ساحرة تعيش في أنحاء المنطقة المحاصرين فيها، فهي تشبه يورام إلى حد كبير! يقول: استوقفتني صورة على غلاف لكتاب بالإنجليزية لجاك فينلوفتش، ما الذي جاء بها إلى هنا؟

كانت الساحرة تكن له مشاعر خاصة، اهتمامها بجاك فيتلوفتش أثار فضولي، فهذا الناشط اليهودي البولندي المتشبع بروح صليبية متعصبة كان أحد أخطر مبعوثي الآليانس اليهودي في باريس إلى أكسوم ومنطقة الفلاشا. وصل عام 1904 واستطاع أن يكسب ود يهود الفلاشا، ودرس عاداتهم وتقاليدهم، ونقل إلى أحد أخطر أثرياء اليهود البارون روتشيلد، كان متحمساً لليهود في الحبشة الذي كانوا يعتقدون أنهم اليهود الوحيدون في العالم، لكن ذلك أغضب يهود الآليانس في أوروبا، لأن الفلاشا لا يؤمنون بالهيكل ولم يسمعوا به، ولا يحتفلون بعيد خراب الهيكل!

رغم كثرة النظريات التي خرجت في إطار ملاسنات فكرية ولاهوتية عن هذه القضية إلا أن الشريعة الإسلامية حسمت هذه القضية استناداً لما شرعه الله تعالى في قرآنه العظيم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقد ورد في القرآن الكريم أن أول مسجد بني على وجه الأرض لعبادة الله تعالى وحدَه هو المسجد الحرام، كما قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96]، قال علي - رضي الله عنه -: كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله تعالى. "تفسير ابن كثير" (2/77). ثم بعده بأربعين سنة بنى إبراهيم، أو حفيده يعقوب - عليهما السلام - المسجد الأقصى. وجاء في حديث رسولنا عليه الصلاة والسلام في ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً)".

يقول العلامة الطاهر بن عاشور - رحمه الله -: "الظاهر أن إبراهيم لما مر ببلاد الشام، ووعده الله أن يورث تلك الأرض نسلَه، عيَّن الله له الموضع الذي سيكون به أكبر مسجد تبنيه ذريته، فأقام هنالك مسجداً صغيراً، شكراً لله تعالى، وجعله على الصخرة المجعولة مذبحاً للقربان. وهي الصخرة التي بنى سليمان عليها المسجد، فلما كان أهل ذلك البلد يومئذٍ مشركين دثر ذلك البناء، حتى هدى الله سليمان إلى إقامة المسجد الأقصى عليه. وهذا من العلم الذي أهملته كتب اليهود". انتهى من "التحرير والتنوير" (4/15). وخلاصة الاستدلالات من القرآن والسنة تؤكد أن المسجد الأقصى لم يُبْنَ على أنه معبد خاص باليهود، بل بُنِيَ مسجداً للمؤمنين الموحدين، يعبدون الله تعالى فيه. أما الشواهد التاريخية فإنها تؤكد أن مملكة "إسرائيل" الأولى في الشمال كانت تسمى أيضاً: "مملكة السامرة" وعاصمتها "شكيم" (نابلس)، وملكها "يربعام" وقد بايعه أسباط بني إسرائيل، إلا يهوذا وبنيامين. والثانية في الجنوب وهي "مملكة يهوذا" وعاصمتها "أورشليم" (القدس) وملكها "رصبعام"، وقد بايعه سبطان من أسباط بني إسرائيل. وهما: يهوذا وبنيامين. وقد دمرت وانتهت مملكة الشمال "إسرائيل"، وذلك في عام 721 ق. م. وبذلك فإن القول الذي جاءت فيه الرواية يعد مخالفاً لشواهد التاريخ، وكل ما حاول التحريف اليهودي إثباته كان غايته تبرير الاستيطان في فلسطين وزرع أوهام عقدية من خلال تحريف حقيقة عدم وجود الهيكل.

 

أعلى