• - الموافق2025/10/10م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دستور حميدتي وحكومته.. قراءة في التداعيات الداخلية والإقليمية

لم يعد السودان أمام أزمة انتقالية يمكن تجاوزها بترتيبات وقتية، بل أمام عملية تحلل دستوري ومؤسسي تهدد بقاء الدولة نفسها. وما لم يُفرض مسار تفاوضي مدعوم بضمانات إقليمية ودولية واضحة، فإن البلاد مرشحة لحرب ممتدة تُرهق المجتمع والدولة معاً.


منذ إعلان محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 30 أغسطس 2025 عن تشكيل مجلس سيادة وحكومة موازية في نيالا، أصبح السودان أمام لحظة مأسسة للانقسام، أي انتقال الخلاف من مستوى النزاع العسكري والسياسي إلى واقع دستوري قائم على وجود سلطتين متوازيتين، كل منهما تدّعي الشرعية وتمارسها عبر مؤسساتها ورموزها وبياناتها الرسمية.     

هذا التحول لا يختلف كثيراً عن تجارب سابقة في ليبيا واليمن، حيث أدى وجود حكومتين متنازعتين إلى استنزاف وحدة الدولة وفتح الأبواب أمام التدخلات الخارجية. في السودان، يتضاعف الخطر لأن هذا الانقسام يعيد إلى الأذهان تجربة انفصال الجنوب عام 2011، وكأن التاريخ يعيد نفسه على نحو أكثر مأساوية.

الازدواج السياسي ومأسسة الانقسام:

الازدواج السياسي هنا لا يمثل مجرد صراع على النفوذ بل هو انقسام دستوري فعلي. فالقواعد القانونية التي يُفترض أن تنظّم الشأن العام تحولت إلى أدوات للمنافسة، وصار كل طرف يعلن مشروعات دستورية ومواثيق انتقالية لتبرير وجوده.

وقد حذّر مجلس السلم والأمن الأفريقي من أن هذه الخطوة تشكّل تهديداً لوحدة السودان، مؤكداً "رفض أي اعتراف بالكيان الموازي حفاظاً على سيادة البلاد ووحدة أراضيها".

أما الأمم المتحدة فقد اعتبرت، على لسان مبعوثها الخاص فولكر بيرتس، أن "إقامة سلطة موازية تفتح الباب أمام تقسيم فعلي يفاقم الكارثة الإنسانية ويقوّض أي عملية سياسية".

تتعدد مصادر الشرعية التي يستند إليها كل طرف. فالقوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان ترفع شعار الدولة المركزية، بينما يسعى حميدتي لتكريس شرعية هجينة تقوم على السيطرة الميدانية والقاعدة القبلية مع تبني خطاب سياسي مدني وعلماني يوحي بالحداثة والانفتاح.

 

إن الخرائط العسكرية لا تُقرأ فقط بوصفها بيانات جغرافية، بل بوصفها مقدمات لإعادة تشكيل السلطة. وكلما طال أمد السيطرة المزدوجة على الأرض، كلما تجذرت الانقسامات وأصبح من الصعب العودة إلى وحدة سياسية مركزية.

هذا التناقض جعل التمييز بين الواجهة السياسية والوقائع الميدانية مسألة صعبة، إذ إن من يملك الأرض والسلاح هو الذي يصوغ سردية الشرعية.

ردود الفعل الإقليمية والدولية اتسمت بالرفض في مجملها الاتحاد الأفريقي والدول المجاورة أعلنوا بشكل واضح أنهم لن يعترفوا بالسلطة الموازية، محذرين من تداعياتها على الأمن الإقليمي.     

غير أن هذا الرفض لم يمنع قوات الدعم السريع من تعزيز حضورها على الأرض وتأسيس شبكات حكم محلية في مناطق نفوذها، ما خلق مفارقة خطيرة: عزلة دبلوماسية متزايدة مقابل قوة ميدانية متنامية.

التشظي الجغرافي وإعادة إنتاج الخرائط الداخلية:

الأثر الإقليمي لهذا الانقسام لا يقل خطورة عن تداعياته الداخلية. فمصر ترى في السودان عمقها الاستراتيجي، وأي تفكك في الجنوب يشكل تهديداً مباشراً لأمنها المائي والحدودي. كما أن تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان تتابع بقلق تنامي الفوضى التي قد تمتد عبر الحدود.

ووفقاً لتقرير مجموعة الأزمات الدولية فإن "السودان مهدد بالتحول إلى بؤرة صراع إقليمي مفتوح ما لم يُحاصر هذا الانقسام عبر تسوية سياسية قابلة للتنفيذ".

في المحصلة، لم يعد السودان أمام أزمة انتقالية يمكن تجاوزها بترتيبات وقتية، بل أمام عملية تحلل دستوري ومؤسسي تهدد بقاء الدولة نفسها. فوجود حكومتين ومجلسي سيادة يعني أن وحدة السودان لم تعد حقيقة سياسية قائمة بل افتراض نظري مهدد بالانهيار.

وما لم يُفرض مسار تفاوضي مدعوم بضمانات إقليمية ودولية واضحة، فإن البلاد مرشحة إما لسيناريو دولة منقسمة عملياً، أو لحرب ممتدة تُرهق المجتمع والدولة معاً.

التشظي الجغرافي في السودان يمثل اليوم الوجه الآخر للأزمة السياسية، وهو أخطر ما يهدد بقاء الدولة ككيان واحد. فمن منظور جغرافي بحت، يمكن القول إن خريطة النفوذ العسكري أصبحت منقسمة بوضوح: الجيش يفرض سيطرته على العاصمة الخرطوم ومعظم مناطق الشرق بما فيها الموانئ الاستراتيجية على البحر الأحمر، فيما تبسط قوات الدعم السريع هيمنتها على إقليم دارفور وغرب كردفان، حيث تملك الحاضنة الاجتماعية والسلاح والطرق الحيوية الممتدة نحو تشاد وأفريقيا الوسطى.

وقد أشار تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إلى أن "التموضع الجغرافي للقوى المسلحة السودانية يهدد بتحويل الانقسام السياسي إلى تقسيم جغرافي طويل الأمد"، محذراً من أن السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع في دارفور قد تتطور إلى إدارة إقليمية منفصلة.

 

اليوم، يقف الخطاب الجديد لقوات الدعم السريع وحلفائها على النقيض، مروّجاً لرؤية أقرب إلى "العلمانية الصريحة" التي تستند إلى التعددية الإثنية والثقافية بدلاً من الهوية الدينية المشتركة.

وبحسب تقرير للأمم المتحدة حول السودان، فإن "الطبيعة الجغرافية لدارفور تجعلها مركزاً محورياً للارتباطات عبر الحدود، ما يزيد من احتمالية تمدد النزاع إلى الإقليم بأكمله".

ما يجري اليوم هو إعادة إنتاج لهذه المأساة لكن على نطاق أوسع، مع اختلاف أن الصراع هذه المرة ليس بين شمال وجنوب، بل بين مركز و"هامش غربي" يمتلك قدرة فعلية على فرض أمر واقع.

إن الخرائط العسكرية لا تُقرأ فقط بوصفها بيانات جغرافية، بل بوصفها مقدمات لإعادة تشكيل السلطة. وكلما طال أمد السيطرة المزدوجة على الأرض، كلما تجذرت الانقسامات وأصبح من الصعب العودة إلى وحدة سياسية مركزية.

وهنا تكمن الخطورة: أن يتحول التشظي الجغرافي إلى قاعدة لتكريس كيانات سياسيةجغرافية متمايزة، الأمر الذي يمهّد فعلياً لتقسيم السودان مرة أخرى، ويضع المنطقة بأكملها على حافة انفجار استراتيجي جديد.

المتغير الديني وإعادة تعريف الهوية:

المتغير الديني في الأزمة السودانية الراهنة يقدّم واحداً من أكثر التحولات دلالةً على طبيعة الانقسام السياسي الجديد. ففي مراسم القسم الرمزية التي رافقت إعلان المجلس الموازي في نيالا، رفض نائب حميدتي، عبد العزيز الحلو، أداء اليمين على المصحف الشريف، مكتفياً بقراءة القسم على ورقة عادية.

هذه الواقعة لم تكن مجرد تفصيل بروتوكولي، بل حملت رسالة سياسية واضحة: تراجع المرجعية الدينية في تأسيس الشرعية السياسية، وإعادة صياغة الهوية الوطنية على أسس مختلفة عن المألوف في تاريخ السودان الحديث.

إن إقصاء الرمز الإسلامي من لحظة تأسيسية كهذه يعكس رغبة في إعلان قطيعة مع تقاليد الدولة المركزية التي طالما وظّفت الدين في بناء شرعيتها. فمنذ استقلال السودان، ارتبطت السلطة السياسية، بدرجات متفاوتة، بالرؤية الإسلامية، بدءاً من الحكومات القومية التي صاغت هوية الدولة في إطار "عروبيإسلامي"، مروراً بتجربة الإسلام السياسي في عهد البشير التي جعلت من الشريعة مرجعية دستورية. اليوم، يقف الخطاب الجديد لقوات الدعم السريع وحلفائها على النقيض، مروّجاً لرؤية أقرب إلى "العلمانية الصريحة" التي تستند إلى التعددية الإثنية والثقافية بدلاً من الهوية الدينية المشتركة.

إن استبعاد المرجعية الإسلامية في تأسيس شرعية سياسية جديدة لا يعني فقط إعادة ترتيب معادلة الداخل، بل يفتح الباب أمام صدامات رمزية وأيديولوجية على المستوى الإقليمي. فمصر والسعودية مثلاً تتابعان بحذر أي خطاب يفكك الرابط العربيالإسلامي للسودان، بينما قد تجد قوى إقليمية أخرى في هذا التحول فرصة لتعزيز نفوذها عبر دعم أطراف تتبنى خطاباً علمانياً أو إثنياً صرفاً.

هكذا يصبح موقف عبد العزيز الحلو من المصحف ليس مجرد لحظة عابرة في مراسم أداء القسم، بل مؤشراً على مسار أعمق: مسار يسعى إلى تهميش المرجعية الدينية التي شكّلت لعقود أحد أعمدة الهوية السياسية السودانية، لصالح مشروع جديد يحاول إعادة تعريف السودان خارج الفضاء العربيالإسلامي التقليدي. وهو تحول إذا ما ترسخ، سيغيّر جذرياً ليس فقط شكل الدولة، بل أيضاً موقعها في الخريطة الفكرية والسياسية للمنطقة بأكملها.

استدعاء تجربة انفصال الجنوب:

استدعاء تجربة انفصال جنوب السودان عام 2011 يفرض نفسه بقوة عند قراءة المشهد الراهن في السودان، إذ يعيد إلى الأذهان لحظة مفصلية انتهت بقيام دولة جديدة امتلكت ثلاثة أرباع ثروة النفط السوداني، لكنها غرقت سريعاً في الفشل المؤسسي والحروب الأهلية والانقسامات الداخلية.

تلك التجربة، التي روّج لها آنذاك بوصفها حلاً نهائياً لصراع طويل الأمد بين الشمال والجنوب، أثبتت أن الانفصال لم يكن سوى بداية لسلسلة جديدة من الأزمات، وأن تقسيم الأوطان لا يُنتج بالضرورة استقراراً أو تنمية، بل غالباً ما يفضي إلى كيانات هشة عاجزة عن إدارة نفسها.

لقد أظهر مسار جنوب السودان أن امتلاك الموارد الطبيعية ليس ضمانة لقيام دولة ناجحة. فالثروة النفطية تحولت إلى لعنة غذّت الصراع بين النخب، وأصبحت وقوداً لحرب أهلية مدمرة اندلعت بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال. وبدلاً من أن يشكّل الانفصال حلاً لمعضلة الهوية والانتماء، خلق واقعاً أكثر تعقيداً، حيث تصاعدت النزاعات القبلية والإثنية، وتفاقمت أزمة الشرعية السياسية في بلد يعاني من غياب مؤسسات راسخة.

اليوم، حين يعلن حميدتي عن مجلس سيادة وحكومة موازية، وحين يُعاد إنتاج خطاب "التمثيل الذاتي" و"الحق في تقرير المصير" من داخل جغرافيا دارفور وغرب السودان، تبدو التجربة السابقة بمثابة تحذير صارخ. فالمشهد يوحي بأن السودان يكرر الخطأ ذاته: تحويل صراع سياسي وعسكري إلى كيان جغرافي منفصل، مع تجاهل أن الكيانات الناتجة عن التقسيم غالباً ما تكون أضعف من الدولة الأم، وأكثر عرضة للتدخلات الخارجية والاحتراب الداخلي.

إن استدعاء تجربة الانفصال لا يقتصر على سرد التاريخ، بل يعمل كمرآة تُظهر مخاطر الحاضر. فإذا كانت دولة جنوب السودان، رغم امتلاكها ثروة نفطية ضخمة ومساندة دولية واسعة، قد انتهت إلى حرب أهلية ومجاعة وانهيار اقتصادي، فكيف سيكون حال كيان موازٍ في دارفور يفتقر إلى البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية والموارد الكافية؟ إن المقارنة وحدها تكشف حجم الكارثة المحتملة إذا استمر السودان في مسار التشظي والانقسام.

الدرس الأبرز من تلك التجربة أن الانفصال ليس علاجاً لمشكلات الهوية أو التنمية، بل هو في الغالب وصفة لتكرار الأزمات في صورة أكثر حدة. والانقسام لا يحل التناقضات العرقية والدينية، بل يضاعفها حين تُبنى الدولة الجديدة على أسس هشة من الولاءات المحلية والتحالفات المسلحة. وما يواجهه السودان اليوم هو خطر إعادة إنتاج المأساة ذاتها، حيث يصبح الحلم بالاستقرار عبر الانفصال مجرد سراب، ينقلب إلى واقع من الفوضى والهشاشة السياسية.

الأمن الإقليمي والتوصيات الاستراتيجية:

الأمن الإقليمي المصري يجد نفسه اليوم أمام اختبار غير مسبوق في ضوء الانقسام السوداني المتسارع. فالسودان لم يكن مجرد جار جغرافي، بل لطالما شكّل عمقاً استراتيجياً لمصر من حيث الأمن المائي المرتبط بمجرى النيل، والأمن الاقتصادي المتصل بحدود التجارة والمعابر، والأمن الجيوسياسي بما يمثله من حائط صد بين القاهرة وتعقيدات القرن الأفريقي.

أي تفكك في السودان ينعكس فوراً على القاهرة، ليس فقط عبر موجات اللاجئين أو ارتباك الحدود، بل أيضاً من خلال تهديد مباشر لإمدادات المياه وللاستقرار الأمني في الجنوب.

خطورة المشهد تتضاعف حين يقترن الانقسام الداخلي السوداني بغياب رؤية موحدة من العواصم العربية تجاه ما يجري. ففي الوقت الذي يحتاج السودان إلى موقف عربي جامع يساند وحدته، تتعامل أطراف إقليمية مع الأزمة بوصفها فرصة لتوسيع النفوذ أو تصفية حسابات، بينما يلتزم آخرون صمتاً ملتبساً يرقى إلى درجة الغياب الكامل.

هذا التشرذم يضع القاهرة أمام معادلة معقدة: كيف تدافع عن عمقها الاستراتيجي في ظل فراغ عربي رسمي لا يقدم دعماً حقيقياً؟

التحدي هنا ليس نظرياً. فالمياه التي تمر عبر الأراضي السودانية تمثل مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر، وأي سلطة موازية في الخرطوم أو نيالا قد تدخل على خط التفاوض حول سد النهضة أو اتفاقيات تقاسم المياه، لتتحول أزمة الداخل السوداني إلى ورقة ضغط إضافية على القاهرة.

كذلك، فإن غياب دولة مركزية موحدة في السودان يعني أن الحدود الجنوبية لمصر ستبقى مفتوحة على احتمالات التهريب، وتسلل الجماعات المسلحة، وارتباك خطوط التجارة، وهي كلها تهديدات ذات أثر مباشر على الأمن القومي المصري.

وهنا تكمن الخطورة: أن تتحول مصر من لاعب رئيسي إلى طرف محاصر، مضطر للدفاع عن حدوده ومصالحه في غياب دعم إقليمي حقيقي.

لهذا تبدو الحاجة إلى استراتيجيات استباقية ملحة. فالقاهرة مطالبة ليس فقط بمتابعة الموقف عن قرب، بل بإعادة صياغة أدواتها الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية تجاه السودان، والتفكير في تحالفات إقليمية أوسع تعوّض غياب الإجماع العربي.

إن ما يزيد خطورة الموقف أن هذه التحديات لا تعمل بمعزل عن بعضها، بل تتشابك لتنتج وضعاً مركباً يهدد بانهيار الدولة السودانية وتحوّلها إلى ساحة مفتوحة للصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية. هنا يصبح تجاوز الانقسام الوطني ضرورة وجودية، وليس مجرد خيار سياسي.

فإما أن تنجح القوى الوطنية في التوصل إلى صيغة توافقية تعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس جامعة، مدعومة بموقف إقليمي متماسك، وإما أن ينزلق السودان إلى نموذج الدولة الفاشلة الذي عانت منه المنطقة في أكثر من تجربة.

إن الأزمة السودانية، بهذا المعنى، ليست قضية داخلية فحسب، بل مرآة لمستقبل المنطقة: إما أن تكون مجالاً للتكامل عبر تجاوز الانقسام، أو تتحول إلى بؤرة جديدة للفشل والفوضى بما يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على حاضر العرب ومستقبلهم.

التوصيات في الحالة السودانية تفرض نفسها بوصفها استحقاقاً سياسياً وأمنياً لا يمكن تأجيله. وإذا كان الانفصال الثاني يهدد بتحويل السودان إلى نسخة جديدة من "الدولة الفاشلة"، فإن المطلوب اليوم ليس مجرد بيانات تضامن أو إعلانات مبدئية، بل خطوات عملية ملموسة يمكن أن تشكّل فارقاً في مسار الأحداث.

أولاً، على القوى الوطنية السودانية أن تعيد الاعتبار لفكرة الدولة الجامعة، عبر فتح قنوات تفاوض شاملة لا تقتصر على النخب العسكرية، بل تضم الفاعلين المدنيين والمجتمعيين، بحيث يُعاد بناء الشرعية على أساس عقد اجتماعي جديد لا يقوم على الغلبة المسلحة بل على التوافق السياسي.

ثانياً، ينبغي على مصر، بما لها من موقع جغرافي وأمني مرتبط عضوياً بالسودان، أن تتحرك باستراتيجية مزدوجة: دبلوماسية وقائية تستبق تكريس الانقسام عبر الضغط على الأطراف للجلوس إلى طاولة تفاوض، وأمنية احترازية لتأمين حدودها الجنوبية ضد أي تداعيات محتملة من النزاع.

ثالثاً، على الدول العربية أن تبادر إلى صياغة رؤية موحدة للحفاظ على وحدة السودان، بحيث لا يترك الساحة لفاعلين إقليميين ودوليين يستثمرون في الفوضى على حساب الأمن القومي العربي.

رابعاً، من الضروري تفعيل دور المنظمات الإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، بوصفهما منصتين لإطلاق مبادرة ملزمة تعالج جذور الأزمة، وتفرض آليات مراقبة دولية للالتزام بأي اتفاق يوقّع مستقبلاً.

خامساً، يجب أن يُعطى البعد الإنساني أولوية قصوى، عبر توفير ممرات آمنة للمدنيين، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، حتى لا تتحول المعاناة الإنسانية إلى وقود إضافي يكرّس خطاب الانقسام.

إن السودان يقف اليوم على مفترق طرق، وما سيقرَّر في الخرطوم ونيالا لن يظل حبيس الداخل، بل سينعكس على مجمل الإقليم. الخيار المطروح أمام القوى الوطنية والإقليمية واضح: إما أن يكون السودان ساحة لإعادة إنتاج الفشل، أو أن يتحول إلى مختبر لإرادة سياسية تتجاوز الانقسامات وتبني نموذجاً جديداً للدولة.

 

أعلى