البيان/وكالات: وقعت مصر والاتحاد الأوروبي، مساء الأربعاء، مذكرة تفاهم لتقديم حزمة دعم مالي بقيمة 4 مليارات يورو، في خطوة تعزز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين. جرى التوقيع في العاصمة البلجيكية بروكسل، على هامش قمة مصر والاتحاد الأوروبي التي شهدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا.
وتتضمن الاتفاقية، إلى جانب الحزمة المالية، توقيع اتفاقيتين إضافيتين: انضمام مصر إلى برنامج "أفق أوروبا" للبحث والابتكار، ودعم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي. تأتي هذه الخطوة في سياق العلاقات المتنامية بين مصر والاتحاد الأوروبي التي شهدت مؤخرًا توقيع حزمة دعم بقيمة 7.4 مليارات يورو في مارس 2024، ما يعكس عمق الشراكة التي تعد أوروبا من أبرز شركاء مصر التجاريين والاستثماريين.
لكن الدعم المالي الأوروبي لمصر لا يمكن فصله عن أبعاد استراتيجية وأمنية وسياسية أوسع، تتعلق بتثبيت الاستقرار في منطقة جنوب المتوسط، وتحقيق مصالح الاتحاد الأوروبي الحيوية. ففي ظل تحديات الهجرة غير النظامية والأمن الإقليمي، ترى أوروبا في مصر "حاجزًا استراتيجيًا" يساهم في ضبط تدفقات المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا، وتعزيز مكافحة الإرهاب والتهريب عبر الحدود البحرية والبرية.
كما أن ملف الطاقة يشكل ركيزة أساسية في التعاون، حيث تتطلع أوروبا إلى مصر كمصدر بديل للطاقة، وخاصة في مجال الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين الأخضر، ما يدعم جهود أوروبا في التنويع وتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية.
من الناحية الاقتصادية، يشترط الاتحاد الأوروبي استمرار مصر في تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار، وزيادة الشفافية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، بما يتماشى مع متطلبات الشراكة الاقتصادية المستدامة.
سياسيًا، تعكس الاتفاقيات رغبة أوروبا في الحفاظ على دور مصر كفاعل إقليمي معتدل يسهم في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، سواء في غزة، أو ليبيا، أو السودان، مع إبقاء قنوات اتصال دبلوماسية وأمنية متوازنة مع الأطراف المختلفة في المنطقة.
وفي هذا السياق، يلعب الملف الفلسطيني، ولا سيما قطاع غزة، دورًا محوريًا في استراتيجية مصر الإقليمية. حيث تجمع القاهرة بين فرض حصار مشدد على غزة عبر معبر رفح، والتحكم في تدفق البضائع والأشخاص، وبين التنسيق الأمني الوثيق مع إسرائيل لمنع تسلل الأسلحة والعناصر المسلحة. كما تعمل مصر كوسيط رئيسي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل للحفاظ على تهدئة نسبية، مما يعزز استقرار المنطقة ويصون مصالحها الإقليمية، ويجعلها شريكًا أمنيًا لا غنى عنه لدولة الاحتلال رغم التوترات السياسية.
في كلمته بالقمة، أكد الرئيس السيسي أن مصر والاتحاد الأوروبي يدخلان "مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي على أسس المنفعة المتبادلة"، معتبراً الاتحاد الأوروبي شريكاً استراتيجياً رئيسياً في تحقيق التنمية الاقتصادية.
في المجمل، تظهر هذه الخطوة كيف أن دعم الاتحاد الأوروبي لمصر يتجاوز البعد المالي، ليشكّل جزءًا من "صفقة شاملة" توازن بين احتياجات القاهرة الاقتصادية ومصالح أوروبا الأمنية والسياسية، في ظل بيئة إقليمية ودولية متغيرة.