• - الموافق2025/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كيف نَحُدّ من حالات الطلاق ونحمي الأُسَر من الانهيار والتفكك؟

تفشّي الطلاق وإفشاء أسرار الحياة الزوجية نتيجة البعد عن المنهج الإسلامي، ويقدّم الإسلام علاجًا متدرّجًا للخلافات يقوم على الستر، والعدل، وحسن الاختيار، وتيسير الزواج، والتحكيم الأسري؛ حفاظًا على الأسرة واستقرار المجتمع.


مِن المظاهر المنتشرة في كثيرٍ من المجتمعات الإسلامية الآن: ظاهرة خروج الزوجة غضبًا من بيت الزوجية قبل وقوع الطلاق عليها، وبمجرد خروجها تبدأ المشكلات؛ حيث يعمل كلٌّ منهما على الكَيْد للآخر، ويحاول أن ينتصر عليه ظلمًا وعدوانًا، فترى كلًّا منهما يعمل على إفشاء سرّ الآخر، ويُبْدِي أمام الناس ما لا ينبغي أن يتحدث عنه صاحب الخلق الرفيع.

وسجلات المحاكم خير شاهد على تباعُد الناس عن منهج الله -عز وجل-، وكان أَوْلَى بكلٍّ منهما أن يتقي الله، ويحفظ سرّ الآخر.

وكذا ظاهرة زيادة نسبة الطلاق، فعلى سبيل المثال لا الحصر: «في بعض الدول العربية قضايا الطلاق تُمثِّل 60% من نسبة قضايا الأحوال الشخصية»، ونسبة الطلاق ازدادت في الفترات الأخيرة بعكس الماضي، فقد كان من النادر أن ترفع زوجة قضية ضد زوجها لطلب الطلاق؛ لأنها كانت حريصة على بيتها وأبنائها.

الإسلام ينهى عن إفشاء أسرار الزوجين

إن الإسلام ينهى عن إفشاء السر بين الزوجين، وفي داخل الأسرة عمومًا؛ حيث يُوغِر الصدر ويزيد الشقاق والخلاف بين الزوجين؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ مِن أَشَرِّ النّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّها»[1]؛ فالأولى بكل واحدٍ من الزوجين أن يتقي الله، ويحفظ سرّ الطرف الآخر، حتى بعد الطلاق.

يُذْكَر أن أحد الصالحين كانت بينه وبين امرأته خلافات ومشكلات فأراد أن يُطلِّقها، فقيل له: ما يسؤوك منها؟ فقال: العاقل لا يَهْتك ستر زوجته. فَلمَّا طلَّقها قيل له: لِمَ طَلَّقتها؟ قال: ما لي والكلام عن امرأة صارت أجنبية عني؟!

وفي هذه القصة دليل على أن كتمان الأسرار يدلّ على جواهر الرجال. وتدل على صفاء وسلامة قلوب السابقين، وتلوُّث قلوب البعض من المعاصرين الذين امتلأت قلوبهم غلًّا وحقدًا، فرأيناهم قد وقعوا فيما وقعوا فيه من مشكلات وأخطاء.

والإسلام عالج الآثار المترتبة على الطلاق في قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229)، ومن التسريح بإحسان: عدم إفشاء سرّها، أو التقليل من شأنها، وإشاعة ما يسيء إلى سُمعتها؛ لأن ذلك يَضُرّ بمستقبل حياتها مع رجل آخر.

والرجل الذي يسيء إلى المرأة بأيّ وسيلة من الوسائل يَرتكب جُرمًا عظيمًا؛ لمخالفته لمنهج الإسلام في رعاية الحقوق الإنسانية التي كفَلها الإسلام لكلٍّ من الطرفين.

الإسلام يُوصي بعدم كُفران العشير

وذلك بأن تشكر المرأة زوجها، ولا تتنكّر لأيّ شيء يُقدِّمه لها، مهما كانت الظروف التي تحمل على تناسي الخير، فالمعروف الذي يصل من الرجل إلى زوجته كبير، فهو حاميها وراعيها والمُنْفِق عليها والذي يوفّر لها كل متعة، ويتحمل عنها متاعب الحياة، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «لا ينظر الله -تبارك وتعالى- إلى امرأةٍ لا تَشْكُر لزوجها، وهي لا تستغني عنه»[2].

علاج الخلافات الزوجية في ضوء الإسلام

إن الخلافات الزوجية يجب أن تُعالَج في محيط البيت بين الزوجين فقط، فإن لم يستطيعا حلّها انتقل الأمر إلى التحكيم عن طريق الأهلين؛ للحسم في الخلاف بالصلح أو التفريق بالمعروف.

العلاج بيد الزوج نفسه في محيط الأسرة: جعل القرآن الكريم للزوج -بحكم رئاسته على بيت الزوجية وإشرافه على مصالحه- حقّ علاج نشوز زوجته، ولم يترك وسائل هذا العلاج تختلف بحسب الأهواء للأزواج أو بحسب البيئات، بل حدَّد أنواع العلاج في هذا الطريق بحسب عِلْم المولى -عز وجل- بطبائع النساء، وهو -سبحانه وتعالى- أعلم بما خلق؛ حيث يقول -سبحانه وتعالى-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (النساء: 34)؛ فالآية تُبيِّن بعد تشخيص حالة الزوجة هنا بأنها حالة نشوز مُتنامٍ قد تَستفحل إلى نشوز كامل ما لم يبتدره الزوج بتأديب تربوي مُتدرّج، بدءًا بالأخف وانتهاءً بالأقوى، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال: «يعظها بلسانه، فإن انتهت فلا سبيل له عليها. فإن أبَتْ هَجَرَ مضجعها، فإن أَبَتْ ضرَبها، فإن لم تتَّعظ بالضرب بَعَث الحَكَمين»[3].

فالوعظ: هو أول إجراء وقائي عند خوف النشوز للإسراع إلى الإصلاح، فالكلمة الطيبة إذا وقعت موقعها الحسن في نفس صاحبها؛ فقد تُبَدِّل نفسيته، مما يجعله ينتقل من حالة الكفر والمعاندة إلى حال الإيمان والسعادة.

ويتم الوعظ بتخويفها حين تبدو علامات العصيان والتمرد على زوجها، (النشوز)، بعاقبة العصيان في الدنيا، مثل سقوط حق النفقة والقَسْم، وارتباك الحياة الزوجية، وأثر ذلك عليها وعلى الأولاد وعلى المجتمع، وعاقبة العصيان والتمرد في الآخرة بالعذاب الذي أعَدَّه الله للمرأة الناشز العاصية المغاضبة لزوجها، وذلك بالاستشهاد بالأدلة من القرآن والسنة.

فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اثْنَانِ لا تجاوز صلاتُهما رؤوسَهما؛ عبدٌ آبِقٌ من موالِيه، حتى يرجعَ، وامرأةٌ عصتْ زوجَها، حتى ترجِعَ»[4].

وتذكيرها بأوامر الله، وما فرض عليها من واجبات؛ من حُسْن الصحبة، واحترام الزوج وطاعته، وجميل العِشْرة والاعتراف بالدرجة التي له عليها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزَوجِها»[5].

وترغيبها في طاعة الزوج ببيان آثارها الدنيوية والأخروية؛ حيث يُذَكِّرها بما عند الله من حُسْن الجزاء للمرأة الصالحة القانتة الصابرة، فعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «أَيُّما امرأةٍ ماتَتْ وزوجُها عنها راضٍ دخَلَتِ الجنةَ»[6]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَت شهرَها، وحصَّنَتْ فَرْجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ»[7].

الهجر في المضجع؛ حيث إن أثمر الوعظ اللساني فلا سبيل له عليها، وإن استمرت على موقفها ولم تُفلح معها أساليب الوعظ مهما تنوعت أو تكررت؛ يلجأ إلى الوسيلة الثانية وهي (الهجر في المضجع)، وفي الهجر هذا إيلام شديد؛ لأن فيه من الامتناع عن المتعة نفور شديد ووحشة كبيرة تحسّها إذا خلا فراشها ممن يُؤنسها، ولا يتحمَّل ذلك إلا قلة نادرة من النساء.

الضرب: وهنا يُعتَبر الضرب وسيلة يلجأ إليها الزوج بعد فشل الوعظ والهجر، والضرب يُعتَبر نهاية المطاف قبل الشقاق؛ مما يساعد على حماية الحياة الزوجية بما فيها من الأطفال الأبرياء من التصدُّع والشقاق وتدخُّل الحَكَمين، وافتضاح أمر النزاع خارج حدود مخدع الزوجية.

وهنا يُقْصَد بالضرب في الآية: {وَاضْرِبُوهُنَّ}، هو ضرب الأدب غير المُبرّح، وهو الضرب الذي لا يُؤلِم ولا يكسر عظمًا ولا يُدمي لحمًا، وهو الذي لا يسوء الجسم ولا ينهر الدم، وأن يكون الضرب مُفرَّقًا على البدن، ولا يُوالي به في موضع واحد لئلا يَعْظُم ضرره، وأن يحصل بشيء خفيف، مثل دِرَّة ومنديل ملفوف لا بسوط أو خشبة، وألَّا يكون الضرب على الوجه والمواضع الخطرة كالبطن؛ حيث إن المراد هو الإيلام الأدبي والتحقير وليس الإيلام الجسدي.

فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ»[8].

التحكيم: في حالة إذا لم يُفلح الزوج في إصلاح زوجته، (بالوعظ ثم الهجر ثم الضرب)، وكبح جماح نشوزها، ووصل الأمر إلى الشقاق والنزاع المستمر؛ فإن الشرع لا يهيب بالزوج حينذاك أن يسارع إلى الطلاق وفسخ الحياة الزوجية، بل عليه أن يلجأ إلى أمر شرعي آخر رجاءَ الإصلاح، ورغبة في إنجاح الحياة الزوجية، وإبعادها عن مَغبَّة الطلاق وأضراره؛ وهذا الأمر الآخر هو التحكيم كما أرشد إليه المولى -سبحانه وتعالى-، فقد جاءت آية التحكيم في القرآن الكريم عقب الآية التي حدَّدت العلاج الذي يكون بيد الزوج؛ حيث يقول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35)؛ ويُفْهَم من هذه الآية أنه لا يُلْجَأ إلى التحكيم كذلك إلا بعد عجز الزوج عن الإصلاح بالطرق المشروعة له، وتأكُّده من أن النشوز بات أمرًا واقعًا لا متوقعًا، ولا يلجأ إلى التحكيم كذلك إلا في حالة احتدام الخلاف بين الزوجين وخوف وقوع الطلاق بينهما، وتعثرت الحياة الزوجية وأصبحت في خطر.

والله -سبحانه وتعالى- يخاطب بهذه الآية جماعة المسلمين، وكأنه يهيب بهم إلى التدخل لرأب هذا الصدع، وحفظ هذه الأسرة من الانهيار؛ تحقيقًا لما يجب أن يكون بينهم من التكافل والتضامن في حفظ الأُسَر والبيوت.

وهنا قد يفهم بعض الناس من قضية الحَكَم على أنه إدخال مُصْلِح واحد فقط ليُصْلِح بين الزوجين، وهذا غير صحيح، وإنما إدخال حَكَم من جانب الزوج، وحَكَم من جانب الزوجة، ولهما أن يُبْرِمَا أمرًا له قوة الحُكْم بينهما. وحين يكون الأمر كذلك تنتهي النزاعات سترًا للأعراض في بعض الأحايين، وسترًا لشراسة الأخلاق في بعضها الآخر، ففي الستر ما يُغْنِي الناس عن نشر الأسرار؛ لأن الله مَلَّك الأمر في الطلاق للرجل مخافةَ أن تقول له: اعرض أسباب طلاقك، فيعرض أسباب طلاقه فتكون هذه الأشياء حائلًا بين أن تجد المرأة مَن يتزوجها أو بين أن يجد الرجل مَن تقبله زوجًا؛ فحين جعلها للرجل فقد استتر وراءه كثير من الأشياء.

وهنا نجد أن اللجوء للقاضي بالنسبة للخلافات الزوجية بدون اللجوء إلى الحَكَمين أسلوب لا جدوى منه، فالقاضي لا يقضي إلا بما تُثبته الأمارات والبَيِّنات، والطلاق قد يقع لخفايا في النفوس ومطويات القلوب، ولا سبيل لإثبات هذه الأمور، فضلًا عن أن القاضي إنما ينظر فيما هو حق، أو ظلم ليُقِرّ الحق ويزيل الظلم، والطلاق في كثير من مسائله قد لا يتعلق بعدلٍ أو ظلم، وإنما يتعلق في معظمه بصلاحية أو عدم صلاحية الرابطة للاستمرار، بل إن هناك من الأمور الزوجية ودخائل الأُسَر ما تدعو المصلحة لستره وعدم كشفه أمام القضاء.

إن زيادة نسبة الطلاق في كثير من المجتمعات الإسلامية، ترجع إلى عدم تطبيق تعاليم الإسلام في مسألة الانتقاء، فالذين أقبلوا على الزواج بغير معايير الإسلام وقوانين القرآن من الضروري أن يحدث بينهم الشقاق، وهنا قلَّ أنْ يكون رجلٌ دَخَلَ على الزواج والتزم بحدود التعاليم الإسلامية، وامرأة دخلت على الزواج والتزمت بحدود التعاليم الإسلامية، والمنهج السليم الذي زخرت به النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية، ثم يأتي بعد ذلك شيءٌ يُعكِّر صَفْو الحياة، فبالتأكيد نجد نسبة الطلاق منخفضة جدًّا.

ومن المُلاحظ أيضًا أن مِن أهم الأسباب التي تدفع الزوجين لطلب الطلاق في الوقت الحالي ما يلي:

1-المغالاة في تكاليف الزواج:

من المُلاحَظ وجود مغالاة في المهور على الرغم من سوء الظروف الاقتصادية، فقد وصلت تكاليف الزواج إلى حدّ الخيال، واحتار فيها العقلاء، وأصبح الناس لا يُميِّزون بين الضرورات والكماليات، بدءًا من حفلات الزواج الباهظة إلى المبالغة في المسكن والأثاث والأجهزة الحديثة، وصار الناس في هذه الأشياء سواء، ابن الوزير وابن الخفير، ولقد أصبحت ظاهرة ارتفاع المهور عُرفًا متبعًا وعادة محكمة، وفي ذلك تضييق واسع على الناس حتى عجز الفقير عن أن يتقدم لامرأة ذات مستوى مُعيَّن وجد فيها عفَّة وصلاحًا.

وبالرجوع لتعاليم الإسلام هنا؛ نجد أن الإسلام يدعو أولياء الأمور إلى أن يختاروا لبناتهم الرجل الذي يتصف بأخلاق الدين، ويُطبِّقه تطبيقًا عمليًّا بكل فضائله وآدابه السامية، مهما كان فقيرًا؛ لأن في اختيار الزوج الصالح إرساءً لأُسُس الحياة الزوجية على دعائم متينة من الأمن والثبات على المبدأ وتوفير الاستقرار للأسرة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا أتاكُم مَن تَرضونَ خُلُقَهُ ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إلَّا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ»[9]. وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «النكاح رِقٌّ؛ فلينظر أحدكم أين يضع كريمته»[10].

 والإسلام يدعو إلى اليُسْر والوسطية، وتيسير الأمور خاصةً في الزواج، ولقد كان المهر في الماضي يتَّسم غالبًا بالبساطة واليُسْر؛ فقد كان من النوع الموجود في كل زمن وبيئة؛ لأنه وسيلة لهدفٍ سامٍ وشريف؛ فالأعرابي كان يعطي لزوجته بعيرًا، والفلاح يُعطيها نخلًا أو أرضًا، والتاجر يُعطيها نقودًا أو بعض الأطعمة والملابس.

ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم  المَثَل في تذليل العقبات والتيسير على الشباب من أجل زواجهم؛ حرصًا عليهم، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان صداق رسول الله لأزواجه اثنتي عشرة أوقية فذلك خمسمائة درهم»[11]؛ قال ابن عباس -رضي الله عنه-: لما تزوج عليٌّ -رضي الله عنه- فاطمةَ -رضي الله عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَعْطِهَا شيئًا -أي: مهرًا-، قال: ما عندي. قال: فأين دِرْعُك الحُطمية؟ قال: هي عندي. قال: فأَعْطِها إياها»[12].

2- سرعة إتمام الزواج:

بدون سابق معرفة بأخلاق الزوج، وبدون التأكد من شخصية الزوجة وطباعها وأخلاقها، وعدم استشارة المرأة عند الزواج، وبالرجوع لتعاليم الإسلام نجد أن الفتى قبل أن يخطب فتاته لا بد أن يتعرّف عليها، ويلتمس النواحي التي تُعجبه فيها؛ حتى يُقبِل على خِطْبتها وهو مطمئن لحُسْن اختياره.

ولأن الزواج ارتباط طويل سيكون له ثمرات مهمة؛ فقد أباح الإسلام للرجل أن ينظر إلى مَن يريد الزواج منها؛ لأن الزواج الذي يتم على رغبة حقيقية بعد النظر والتروي يكون مظنة للوفاق والألفة وتحقيق السعادة. ففي حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما»[13]؛ ومعنى «يُؤدَم بينكما»؛ تحصل الموافقة والملاءمة بينكما.

وأيضًا أباح الإسلام أن تنظر المرأة إلى مَن يتقدم لخِطْبتها، بل يُسَنّ لها ذلك؛ لأنه يُعجبها منه ما يُعجبه منها، ولها أن تستوصف كما يستوصف هو، فذلك مقتضى العقل والحكمة؛ فالنفس بطبيعتها تتطلع إلى الجمال وتتلمّسه في كل شيء، وهو من أهم عوامل دوام الألفة، والنسوة يرغبن فيه ويبحثن عنه كما يتطلع إليه الرجال ويبحثون عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يعمِدُ أحدُكم إلى ابنتِه فيزوِّجُها القبيحَ الذَّميمَ، إنَّهنَّ يُرِدنَ ما تريدونَ»[14].

3- اهتمام المرأة ووليها بغِنَى الزوج:

بغضّ النظر عن المعاني الدينية والأخلاقية والكفاءة في السنّ والوضع الاجتماعي والثقافي، وبالرجوع لتعاليم الإسلام هنا: نجد أن المقياس الإسلامي للزوج التي تسعد به الزوجة وتسعد الأسرة هو التمسك بالدين والأخلاق الحميدة.

فصاحب الدين يخشى الله ويراقب ربه في معاملتها، ويؤدي لها واجبها الذي فرضه الله لها، وحينما استشار رجلٌ سيدنا الحسن البصري قائلًا له: إن لي بنتًا فمن ترى أن أزوّجها له؟ قال: زوِّجْها ممَّن يتقي الله؛ فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.

والإسلام يُراعي الكفاءة بين الزوج والزوجة في السن والوضع الاجتماعي والثقافي، فالتقارب في هذه النواحي يُعين على دوام العشرة، ويتحقق معه الانسجام المرجو من تكوين الأسرة، فالكفاءة بين الزوجين أساس الحياة الزوجية المستقرة.

ومن أسباب كثرة الطلاق أيضًا: أن بعض الزوجات في الأزمان الحديثة فقدن القدرة على الصمود أو على الصبر، فهي ضعيفة تنهار لأضعف الأسباب، وتُضَخِّم الأمور بأكبر من حجمها الحقيقي، لا تَصبر حتى يحل الزمن هذه المشكلات، كما كانت تفعل أمهاتنا، فقد كنّ يتميزن بالصبر الشديد، ويتحلين بهدوء نسبي في الأعصاب، ويعتمدن على الزمن في حلّ كثير من المشكلات المستعصية.

4- الظروف الاقتصادية:

بما تُشكّله من ضغط اقتصادي على ميزانية الأسرة، وبالتالي أدَّت إلى عدم تحقيق كل رغبات الزوجة والأولاد، فيؤدي هذا إلى إثارة المشكلات المستمرة بين الزوجين. فمثلًا: سفر الزوج للخارج لتحسين مستوى المعيشة للأسرة، فإذا سافر وحده دون الأسرة؛ فهذه هي الطامة الكبرى على الروابط الإنسانية والاجتماعية بينه وبين هذه الأسرة، فيعود إليها كالغريب، وتنظر إليه الأسرة على أنه مجرد خزينة إنفاق، فضلًا عن المآسي التي تحدث لزوجته وأولاده في أثناء سفر الزوج للخارج، وخاصةً إذا كان تمسكهم بالدين ضعيفًا.

وفي الختام

ينبغي للمسؤولين في كل بلد إسلامي بإقامة برامج توعية وتأهيل للمقبلين على الزواج، يتعين فيها النجاح للحدّ من حالات الطلاق؛ فهذه المدارس في غاية الأهمية، ولا بد من إنشائها، على أن تكون الدراسة فيها مجانية ووجوبية على راغبي الزواج، من الرجال والنساء؛ حيث تقوم الدراسة فيها بالتركيز على النقاط التالية:

التوعية الجادة المدروسة ببيان الآثار الضَّارَّة المترتبة على الطلاق.

التوعية الجادة بظروف البلد الاقتصادية، وعدم المغالاة في المهور وتكاليف الزواج عمومًا.

كيف يتم اختيار الزوج أو الزوجة الصالحة على أساس اتباع التعاليم الإسلامية في الاختيار.

التأكّد من شخصية الزوجة وطباعها وأخلاقها، وكذلك الزوج قبل عقد الزواج.

التأكيد على حق المرأة في حرية اختيار الزوج من عدمه عند استشارتها.

التوعية ببيان واجبات الزوجية وحقوقها في ضوء الإسلام.

التوعية ببيان الأُسس الصحيحة لبناء عشّ الزوجية.

استقصاء الأسباب المؤدية إلى المشكلة التي تؤدي إلى الطلاق، ومعالجتها بما يناسبها.

التوعية بكيفية حلّ المشكلات الأُسرية والنشوز وفق المنهج الإسلامي الحكيم.


 


[1] صحيح مسلم (١٤٣٧).

[2] أخرجه النسائي في السنن الكبرى (9135)، والحاكم (2771)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 1944.

[3] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ١٠/٧٢.

[4] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٣٦٢٨)، والحاكم (٧٣٣٠)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 136.

[5] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٣٦٢٨)، والحاكم (٧٣٣٠)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 136.

[6] أخرجه الترمذي (١١٦١) وقال: حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه (١٨٥٤)، والطبراني (٢٣/٣٧٤) (٨٨٤)، والحاكم (٧٣٢٨).

[7] أخرجه ابن حبان (4163)، والطبراني في المعجم الأوسط (4715). وصححه الألباني في صحيح الجامع: 660.

[8] أخرجه مسلم (١٢١٨).

[9] أخرجه ابن ماجه (١٩٦٧) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1022).

[10] قال البيهقي في السنن الكبرى (٧/٨٣): رُوِيَ مرفوعًا، والموقوف أصح.

[11] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (٦٩٤٨)، وقال: حديث صحيح الإسناد.

[12] أخرجه أبو داود (2125)، والنسائي (3376) وصححه الألباني.

[13] أخرجه الترمذي (١٠٨٧)، وابن ماجه (١٨٦٥)، والنسائي (٣٢٣٥)، وصححه الألباني.

[14] أخرجه أبو نعيم في الحلية (٧/١٤٠)، والديلمي في الفردوس كما في الغرائب الملتقطة لابن حجر (٣٣٧٩).

أعلى