• - الموافق2025/10/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
واشنطن تُعيد هندسة

في الوقت الذي بدا فيه أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري

البيان/وكالات: في الوقت الذي بدا فيه أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يمثل بداية مرحلة تهدئة بعد عامين من الحرب المدمّرة، تكشف تقارير أمريكية وصهيونية عن تحركات خلف الكواليس تقودها واشنطن لإعادة تشكيل واقع القطاع بما يتجاوز مجرد تثبيت الهدوء الميداني.

صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية كشفت أن الولايات المتحدة تبحث مع الدولة العبرية خطة لتقسيم قطاع غزة إلى منطقتين منفصلتين، في خطوة تعكس رؤية أمريكية لإدارة ما بعد الحرب عبر موازنة "إعادة الإعمار" مع "العزل السياسي"، بما يتيح للدولة العبرية الاحتفاظ بنفوذ مباشر في الجزء الأكبر من القطاع، مقابل خنق المنطقة التي تسيطر عليها حركة حماس اقتصاديًا وأمنيًا إلى حين نزع سلاحها.

وبحسب التقرير، فإن الخطة، التي يجري الدفع بها عبر صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ونائب الرئيس جيه دي فانس والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، تقوم على إنشاء ما يُعرف بـ"غزة الجديدة" — منطقة آمنة خاضعة لإشراف الجيش الصهيوني وتستقطب الدعم الدولي ومشاريع الإعمار — في مقابل إبقاء الجزء الآخر من القطاع في عزلة تامة تمهيدًا لتفكيك حكم حماس.

هذه الرؤية، كما تشير هيئة البث الصهيونية، لا تُعد امتدادًا لاتفاق وقف إطلاق النار بقدر ما تمثل إعادة تعريف لمفهوم ما بعد الحرب، بحيث يتحول الاتفاق من إطارٍ لوقف العدوان إلى أداة لإعادة هندسة الواقع الجيوسياسي والاقتصادي للقطاع.
فبدلًا من أن يكون الاتفاق مقدمة لعملية سلام شاملة أو لإعادة بناء غزة بمشاركة الفلسطينيين، يبدو أنه يتحول إلى منصة لتقسيم القطاع وترسيخ إدارة أمنية واقتصادية بإشراف أمريكي–صهيوني.

على المستوى العملي، تشير التقديرات إلى أن المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الصهيوني — وتشكل نحو 53% من مساحة القطاع — ستكون محور الاستثمارات الدولية ومشاريع إعادة الإعمار، بينما يُترك الجزء الآخر في عزلة اقتصادية خانقة، في ما يشبه سياسة "التجفيف الاستراتيجي" الهادفة إلى إضعاف حماس ودفعها نحو التنازل السياسي أو التفكك الداخلي.

هذه المقاربة تعكس ما يمكن وصفه بـ"إدارة الصراع بدلًا من حله"، إذ تعمل واشنطن على تثبيت واقع جديد دون معالجة جذور الأزمة أو الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. فإعادة الإعمار، وفق التصور الأمريكي، لا تبدو غاية إنسانية أو تنموية، بل أداة ضغط سياسي واقتصادي تُستخدم لتوجيه مستقبل غزة وفق أولويات إسرائيل الأمنية ورؤية واشنطن الإقليمية.

ويرى محللون أن ما يجري اليوم هو تلاعب ممنهج باتفاق وقف إطلاق النار، إذ لم يُستخدم الاتفاق كمدخل لإنهاء الحرب بل كوسيلة لإعادة توزيع السيطرة والنفوذ.
ومع استمرار غياب موقف فلسطيني موحّد ووضوح الدعم الأمريكي غير المشروط للدولة العبرية، تبدو فرص استعادة غزة ككيان فلسطيني موحّد تتضاءل أمام هندسة أمريكية جديدة تُعيد رسم خريطة القطاع على أسس أمنية بحتة، لا سياسية ولا إنسانية.

وفي ظل صمت واشنطن وتل أبيب الرسمي عن تفاصيل الخطة، تتكشّف ملامح مرحلة جديدة من "السلام المفخخ" — اتفاق ظاهري لوقف النار يخفي في طياته مشروعًا طويل المدى لتفكيك القطاع وتحويله إلى منطقة اختبار لتوازنات إقليمية جديدة.

 

أعلى